انتهت فعاليات الدورة التاسعة من مسابقة أفلام من الامارات الجمعة
الماضي، أي
قبل يوم واحد من اختتام فعاليات مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في
أبو ظبي،
بإثارة نوع من التساؤلات حول مصير هذه المسابقة التي شكلت الحاضن العملي
والفعلي
لمساهمات الشباب الاماراتي والخليحي السينمائية. وهي ان
استطاعت في دورة هذا العام
أن تحقق لنفسها خرقاً من نوع ما على صعيد اختيار الأفلام (أربعة عشر فليماً
توزعت
على أربع مسابقات من أصل مئة وثلاثة وأربعين فيلماً تقدمت للمشاركة بحسب
بيان الجهة
المنظمة للمسابقة)، فإنها أخفقت في أن تكون حالة موازية
لمهرجان الشرق الأوسط، وقد
بدا هذا واضحاً منذ لحظات الافتتاح الأولى، فالمدير التنفيذي الجديد
للمهرجان بيتر
سكارليت لم يأت على ذكرها بكلمة واحدة وهو الذي يشهد له تاريخ حافل
باهتمامه بأدق
التفاصيل، وهو لم يترك شاردة أو واردة إلا وقدم نفسه من خلالها حتى أخذ
البعض عليه
تحييده لزملائه المبرمجين العرب، والى درجة أن هذا البعض رأى
في سلوكه نحوهم نجاحاً
منقطع النظير في وضعهم في خيمة الاقامة الجبرية الخاصة بالترجمة وتنظيم
الندوات
التي يريد لها أن تنظم. بالطبع لم ينس المدير التنفيذي المخضرم حضور حفل
اختتام
مسابقة أفلام من الامارات من أجل التقاط الصور التذكارية مع
المخرجين الفائزين،
وكذلك مع أعضاء لجنة التحكيم لينهي بذلك قوس الاستعراض الذي انتهجه منذ أن
دأب على
تذكير الجمهور مع كل عرض فيلم بأنه المدير الجديد للمهرجان، وإن الفيلم
الذي
سيشاهدونه رائع أو أكثر من رائع، وقد تكرر هذا الأمر مع معظم
الأفلام التي نجح في
الوصول إليها في الوقت المناسب.
على أية حال، ما بين لحظات الافتتاح ولحظات الاختتام مرت أيام
المسابقة بهدوء.
صحيح أنه كان لها جمهورها الخاص وهذا مؤكد وإن كان لم يلحظ وجوده وسط جمهور
مهرجان
الشرق الأوسط الذي تخلى في هذه الدورة عن «خجله» وبدأ يقترب
أكثر من فعاليات مهرجان
العاصمة الإماراتية. ولكن التغطية الاعلامية لها جاءت مخيبة للآمال، ففي
الكاتالوغ
الذي ظهر بحرفية متقنة تجلت في كتابات نقاد مختصين عن الأفلام المشاركة بدل
تعرف
المخرجين بأفلامهم كما جرت العادة، وهذه سابقة تحتسب لمهرجان
أبو ظبي، فإن التعريف
بالمسابقة والمشاركين بها جاء عبر صفحتين أخيرتين فقط. وهذا الأمر دفع
القائمين على
المسابقة إلى الاسراع بطباعة كاتالوغ خاص بها في الأيام التالية تفادياً
للحرج الذي
وجدوا أنفسهم فيه. ذلك إن الجهود في السنوات الثلاث الماضية انصبت على
المهرجان،
وان تبدلت إدارته، وجاءت إدارة مبالغة في حرفيتها إلا أنها لم
تلق بالاً للمسابقة
التي لعبت دوراً مهماً وأساسياً كما أسلفنا في «توريط» الشباب الاماراتي
والخليجي
في لعبة انتاج الأفلام، وقد بدا سلوك ادارة مهرجان أبو ظبي وكأن من آخر
همومها أن
تتابع ولو عن كثب هذه المسابقة التي دفعت ببعض الأسماء إلى
الواجهة وجعلت منها مادة
مرحباً بها في الكثير من المهرجانات السينمائية المختلفة.
على صعيد آخر، وفي حفل توزيع الجوائز بدا واضحاً أن الأفلام الفائزة
لهذا العام
بدت في وضع جيد نسبياً، بخاصة أن الجوائز الأساسية منحت للأفلام المقتبسة
عن أعمال
أدبية، وهذا أمر طيب لاحظته لجنة التحكيم برئاسة المخرج العماني خالد
الزدجالي في
بيانها الختامي، ففي مسابقة الأفلام الاماراتية القصيرة فاز
المخرج هاني الشيباني
بجائزة أفضل فيلم روائي قصير عن «أحزان صغيرة»، وهو مقتبس عن قصة للكاتب
البحريني
عبدالقادر عقيل، ويروي قصة ولد يصاب بمرض في فروة رأسه، ويضطر للذهاب إلى
المدرسة
ليعايش سخرية رفاقه، وفي الوقت نفسه ينشغل أبواه في البيت وسط
جو كوميدي مرح بالبحث
عن حلول لمشكلته قبل أن يتوصل هو نفسه إلى حل خاص به ينفي فيه ضعفه. كما
فاز الفيلم
البحريني القصير «زهور تحترق» للمخرج محمد ابراهيم محمد بجائزة أفضل فيلم
خليجي
قصير، وهو اقتباس عن قصة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني «كعك
على الرصيف»، وفيه يقدم
المخرج محمد قصة الطالب أحمد الذي يفقد أمه في صغره، والذي يعيش إلى جانب
والده
المجنون ويعمل ماسحا للأحذية في أوقات مختلفة ما يوقعه في مشاكل مع أستاذه
بعد أن
يصبح الكذب عادة ملازمة في حياته، وقد نال هذ ا الصبي جائزة
أفضل ممثل عن دوره هذا.
بالطبع كان لفيلم «غرفة في الفندق» لهاني الشيباني حظ الفوز مرة أخرى
بجائزة أفضل
فيلم روائي خليجي طويل، وهو مقتبس أيضاً عن قصة ليوسف ابراهيم، وفيه يحكي
الشيباني
قصة الشاب الذي يجيء من قرية الفرفار ليزور صديقه في المدينة
الذي خضع لعملية
جراحية، ولكن الصديق عبدالله لم يصل بعد، فيضطر الشاب للبقاء في فندق لبضعة
أيام،
وفيه يتعرف إلى أشجان الهاربة من جحيم الحياة الزوجية المتمثلة بزوج جشع
وجبان وهي
تعاني في الوقت نفسه مرضاً عضالاً. معايشة الشاب لقصتها عن قرب
تطلعه وإن على نحو
ميلودرامي على واقع الحياة المدينية وتشظيها واهمالها للبعد الانساني في
مجرى
علاقاتها اليومية.
الأفلام التسجيلية، لم تكن بالمستوى الذي تميزت به بعض الأفلام
الروائية،
فالفيلمان الوحيدان المشاركان في المسابقة هما «الجزيرة الحمراء» و «حقنا
في
الفروسية» وقد جاءا ببنية ريبورتاجية تلفزيونية محضة، وإن حملا بداخلهما
بذور مهمة
للتسجيل واقتفاء أثر المكان في الأول، فـ «الجزيرة الحمراء» ناقش قضية آخر
الأمكنة
التي أصبحت بالنسبة لمخرجين الاماراتيين مثل ديكورات طبيعية يعودون إليها
كلما
اقتضى الأمر لتصوير أفلامهم، وهذه الديكورات الآن أصبحت مهددة
بالزوال مع وصول
الشركات الاستثمارية والعقارية إليها. لم يتحول المكان إلى بطل في الفيلم
كما ظهر
في أفلام بعض المتحدثين مثل نواف الجناحي ومنال بن عمرو وهاني الشيباني
وسعيد
سالمين وفاضل المهيري.
«حقنا في الفروسية» لحنان المهيري حمل أفكارا جريئة، ولكنه وقع أسيراً
لحديث
الكثير من الشخصيات التي أسرفت في الحديث عن أفضال الفروسية بدل أن تعمل
المخرجة
المهيري على خصائصه التسجيلية التي كانت تعد بالكثير، وظل الفيلم يراوح بين
الرؤية
الربورتاجية والكلام العمومي الذي أفقده الكثير من هذه الخصائص.
الحياة اللندنية
في
23/10/2009
تهاني راشد: «جيران» ينتقد عبدالناصر من
الداخل
أبو ظبي -
فيكي حبيب
بين قصور غاردن سيتي المهجورة وسطوحها المكتظة وشوارعها المحصنة لحماية
السفارة
الأميركية، تجول كاميرا تهاني راشد في فيلم «جيران» لتعيد
قراءة تاريخ مصر الحديث،
وتطرح الأسئلة الكبرى حول التحولات التي أحدثتها ثورة عبدالناصر على الحجر
والبشر:
مبانٍ فخمة أرهقتها السنون لا تزال شاهدة
على عصر ولّى الى غير رجعة، تماماً مثل
أصحابها الذين يروون رحلة الاضطهاد التي عاشتها بورجوازية
غاردن سيتي بعد انقلاب
تموز (يوليو). وفي المقابل طبقة فقيرة تقطن السطوح من دون ان تنسى مبدأ
التعليم
للجميع الذي طبقته الثورة.
باختصار، التناقضات بأصدق تجلياتها قدمتها تهاني راشد في فيلمها الذي عرضته
أخيراً في مهرجان الشرق الاوسط السينمائي في ابو ظبي، ومع هذا
خرجت من المسابقة
خالية الوفاض بعدما راهن عدد من الحضور على إمكان فوزها بإحدى الجوائز.
لكنّ
الجوائز ليست كل شيء بالنسبة الى تهاني راشد، فالمهم ان يرى الجمهور
الفيلم، ويا
حبذا لو يتحقق ذلك من طريق الصالات السينمائية التجارية
المعروفة عادة بمقاطعتها
للفيلم الوثائقي. وقد لا تكون هذه الامنية بعيدة المنال، خصوصاً ان غابي
خوري ابن
شقيق يوسف شاهين وصاحب أحد أبرز المجمعات السينمائية في مصر أبدى رغبته
بعرض الفيلم
بعد مشاهدته في أبو ظبي.
جيران السفارة
بدأت الحكاية بعد إنجاز تهاني راشد فيلم «البنات دول» الذي عرض في مهرجان
«كان»
السينمائي عام 2006، وأثار ضجة كبيرة في مصر حيث اتهم بالإساءة الى سمعة
بلاد
النيل. يومها طلب السفير الاميركي في مصر التعرف الى صاحبة الفيلم، فلبّت
تهاني
الدعوة. وفي أثناء اللقاء أخبرها نيته إقامة حفلة تعارف
لجيرانه في حي غاردن سيتي،
وبينهم تهاني راشد التي تمنت عليه تصوير اللقاء، فكان لها ما تريد. وشيئاً
فشيئاً
تمخضت في رأس تهاني فكرة فيلم ينطلق من حفلة السفارة الاميركية و«الحصار»
الذي
تفرضه على مرتادي الحي، ليطرح اسئلته على الحاضر، وما آلى إليه
حال هذا الحي الصغير
الذي كان يعتبر مركز ثقل القوى السياسية العالمية في العاصمة المصرية إبان
نشأته في
بدايات القرن العشرين. وسرعان ما أثارت الفكرة إعجاب المنتج كريم جمال
الدين الذي
ما إن عرضت تهاني الموضوع عليه حتى وضع امامها امكانات كبيرة
سهلت لقاءها بنحو 30
شخصية ظهرت في الفيلم لتقدم شهادتها حول الماضي والحاضر. وكأن هذا الشريط
الوثائقي
محاولة لتصفية حساب مع الماضي، خصوصاً ان صاحبته تنتمي الى تلك الأسر
البورجوازية
ذات الأصول اللبنانية التي وقع سوء تفاهم كبير بينها وبين
الثورة. لكن لتهاني راشد
نظرة مختلفة. فهي تشدد على ان هذا الامر لم يكن على الاطلاق هاجسها. «ليس
الغرض من
هذا الفيلم تصفية حساب مع الثورة، فأنا أحببت عبدالناصر وآمنت به وبالعدل
الذي رفع
رايته. ولكن لا يمكن ان أغفل الأخطاء التي ارتكبها، والتي نعيش
تداعياتها اليوم. من
هنا، أنا انتقد عبدالناصر من الداخل لأنني مؤمنة بالأفكار التي حملها، من
دون ان
أمس الشخص العظيم الذي كانه».
وعلى رغم ما في الفيلم من حنين واضح الى زمن ولّى، كان
هاجس تهاني راشد الابتعاد قدر الإمكان من الوقوع في هذا الفخ، كما تقول،
«لأنه قد
يجرّ العمل الى اماكن لا اريد ان اطأها. الحنين الوحيد الذي تولّد لديّ كان
الحنين
الى امكانات التغيير. فعندما كنت في العشرين من عمري كنت أؤمن
بأننا قادرون على
تغيير العالم، والوصول الى مجتمع أكثر عدلاً. كل هذه الأفكار كانت موجودة
معنا،
وكنا نعيش لتحقيقها. لكن شيئاً منها لم يحدث. من هنا احاول ان افهم في هذا
الفيلم
ماذا جرى؟ وماذا حلّ بكل تلك الأحلام التي داعبت مخيلتنا في
مرحلة الصبا؟ ولماذا
ضاعت؟ حاولت ان ارسم التحولات في مصر. ولا يمكن ان اقول انني غطيت كل جوانب
الموضوع، لكنني ببساطة سلطت ضوءاً على زاوية من تاريخنا».
وعلى رغم محاولة تهاني راشد إيجاد توازن بين الطبقة البورجوازية والطبقة
العاملة
في حي غاردن سيتي، إلا ان هناك تعاطفاً واضحاً مع الفئة الاولى.
يتجلى هذا في بنية
الفيلم الذي يخصص دقائق طويلة في البداية لهؤلاء. وأيضاً، في اختيار شخصيات
من
الطبقة المترفة ذات حضور وكاريزما قوية للحديث عن تجربتها في هذا المجال.
وكأن كل
شخصية من الشخصيات البورجوازية في الفيلم تحمل نتفاً مما عاشته
تهاني راشد التي
ولدت في مصر ثم هاجرت الى كندا حيث أخرجت 11 فيلماً من خلال عملها في
المركز الوطني
للفيلم، لتعود الى الاستقرار في مصر منذ عام 2005. «لم اقصد ان اجعل مشاهدي
الفيلم
يتعاطفون مع بورجوازية مصر»، تقول تهاني، «لكن التجربة السياسية لتلك
الشخصيات تدعو
الى التعاطف معهم على رغم كل شيء. فمثلاً، عندما يقول احدهم
انه شعر انه غير مرغوب
به في وطنه، افهم تماماً ما يعنيه. وعلى رغم هذا، أعطيت كل شخصية في الفيلم
فرصتها.
سواء اتفقت معها او لم اتفق. فأنا لا اهتم
هنا بالثروة التي ضاعت، ولكن يصعب عليّ
حال البلد». وتضيف: «بخصوص بنية الفيلم، لم أضع أي خطة مسبقة،
بل تركت الفيلم
يأخذني الى حيث يريد. فأنا عند دخولي اي عمل، أضع كل الأفكار المسبقة
جانباً، وأبدأ
من الصفر. وكما يقول احد الأصدقاء الروائيين ان لكل شخصية في رواياته
حياتها
الخاصة، أقول ان لكل فيلم وثائقي حياته الخاصة».
السينما الروائية كأرشيف
لا يعتمد فيلم «جيران» على محاورة شخصيات من الطبقة البورجوازية والطبقة
الفقيرة
فحسب، إنما يستند أيضاً الى السينما الروائية كأرشيف في لعبة
متقاطعة بين النوعين
السينمائيين. ولم يكن سهلاً أبداً بالنسبة الى تهاني راشد الوصول الى هذا
الأرشيف. «فأرشيف السينما المصرية ضائع. ولا أبالغ إن
قلت انني بحثت لأكثر من ستة اشهر عن
لقطة لفيلم مصوّر على كوبري قصر النيل، وكانت النتيجة لقطة غير
نظيفة. فهل يمكن ان
نتصور بلداً مثل مصر يمتد تاريخه السينمائي لأكثر من مئة سنة وأفلامه
ضائعة؟ ولا شك
في ان المخرج المصري يسري نصرالله على حق حين قال بعد مشاهدته الفيلم ان
حال
السينما المصرية، كما صورتها في فيلمي، من حال البلد... كل شيء
الى ضياع». ولكن ما
الذي دفع تهاني راشد الى العودة الى مصر بعد سنوات في المهجر؟ تجيب: «حين
أسأل في
الفيلم شخصية مثل الراحل محمود أمين العالم عن رأيه في كل تلك
المتغيرات ويمدني بتلك الشحنة من التفاؤل، فهذا نابع من حبه
للناس وللشعب المصري.
وهذا بالضبط ما يحضّني على البقاء. الشعب المصري رائع، لكنّ الفرص غير
موجودة».
هذا الشعب المصري يكاد محمود امين العالم ينطق بحسه الساخر في الفيلم حين
يقول
ذات لحظة «نحن موتناهم من ضربنا»، أي انهم هلكوا تعباً لكثرة
ما ضربوا هذا الشعب.
من هنا أهمية فيلم تهاني راشد الذي يطرح الأسئلة على ماضيه وحاضره.
ولكن، ماذا إن استُقبل الفيلم بالانتقادات في مصر، خصوصاً انه يتناول مرحلة
حساسة من تاريخ هذا البلد؟ تجيب تهاني: «نحن جميعاً في حاجة
لنعرف ما الذي أدى بنا
الى هذا المصير. من هنا حين انتقد فيلمي السابق «البنات دول» واتهم
بالإساءة الى
سمعة مصر، استغربت ولم أعرف كيف اردّ. أما اليوم فأنا مستعدة للمواجهة».
الحياة اللندنية
في
23/10/2009 |