|
يوميات المعاناة العربية فى أفلام بغداد التسجيلية
رسالة بغداد - د. أحمد عاطف درة
مهرجان بغداد السينمائي، الذى اختتم أعمال دورته الثانية
الأحد الماضي، شهد عرض مجموعة متميزة من الأفلام التسجيلية، التى تجسد
الواقع العربى المليء بالمعاناة، ومن أبرزها فيلم «السودان يا غالي»
للمخرجة التونسية هند المدب.
فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم وثائقى فى المهرجان، ويتناول
الفترة المضطربة التى سبقت الأحداث التى وقعت فى السودان عام 2019، إذ
اندلع صراع بين الجيش وميليشيات «الدعم السريع»، التى ارتكبت العديد من
الجرائم وأجبرت الملايين على مغادرة البلاد.
وغير بعيد.. يروى فيلم السيرة الذاتية «من عبدول إلى ليلى»،
للمخرجة ليلى البياتي، شذرات من قصتها مع والدها العراقى المنفى فى فرنسا
مع أمها الفرنسية.
ليلى لا تمثل استثناء، وإنما جيلا من شباب المهجر، الذى لا
يتقن الكلام والكتابة بالعربية، التى هى لغة أجداده وآبائه.
وبصفتها فنانة متعددة التخصصات، فهى مخرجة، وملحنة، ومغنية،
وكاتبة سيناريو، ومصورة، وفنانة تشكيلية، من أصول عراقية، فرنسية الجنسية،
فإن ليلى البياتى تعمل فى بلدان مختلفة، وفاز فيلمها الطويل الأول «تلجراف
برلين»، بجوائز فى العديد من المهرجانات الدولية
.
لم تكتب ليلى سيرتها الذاتية سينمائيا، وإنما أرادت - بحسب
فهمها للفن السابع - أن تحشر كل شىء فى الفيلم، إذ خلطت بين الفن التشكيلى
كما تتصوره، والغناء والتسجيلى والوثائقي، فجاء فيلمها مزدحما بأشكال كثيرة.
لكن هذا لم يمنع من الحضور الجميل للصورة فى الفيلم،
والموسيقى المؤثرة التى تتغلغل فى نفوس المشاهدين، مع حضور الجانب السياسي،
ممثلا فى منفى والدها الذى يكتب الشعر، والذى كان معارضا لنظام الرئيس
العراقى الأسبق صدام حسين، ويروى ما تعرض له من تعذيب فى السجن، ومعاناته
هو وآخرين، ونفيه إلى الخارج.
فإذا كان والدها يريدها أن تتعلم العربية والغناء، فإن أمها
تعلمها الحب، وهكذا جاء الفيلم انتصارا للحب، وعودة للذاكرة المفقودة،
فإعادة ليلي، الفنانة الشابة الفرنسية ذات الأصول العراقية، بعد فقدانها
الذاكرة نتيجة حادث، بناء قصتها؛ لتتعرف - عن كثب - عائلتها، وتغوص فى
جذورها.. هو، فى جوهره، تحد لنفسها، وتعرف أكثر بالمحيطين بها.
لقد ترجمت قصائد والدها العراقى المنفي، غائصة فى تاريخ حرب
الخليج فى العراق، وهكذا اعتُبر الفيلم «أوديسا امرأة» تغنى قصتها؛ لإعادة
ابتكار نفسها، مدفوعة برغبة لا تُقاوم فى الحياة.
أما الفيلم الوثائقى «حكايات الأرض الجريحة» للمخرج العراقى
عباس فاضل، والمنتجة اللبنانية نور بالوك، فيستعرض معاناة اللبنانيين تحت
وقع الحرب، مستلهما من الواقع اللبنانى المضطرب مشاهد إنسانية توثق الألم
والصمود، وهو امتداد لثلاثية بدأها الثنائى عام 2022 بفيلم «حكايات البيت
البنفسجي» الذى رصد تداعيات الحرب فى جنوب لبنان، وتفاصيل النضال من أجل
الحياة.
«متل
قصص الحب» وثائقى للبنانية ميريام الحاج.
ويروى ما حدث فى عام 2018، عندما ترشحت للانتخابات،
«جمانة»، الكاتبة والشاعرة والناشطة الحقوقية، فى تحدٍّ لنظام سياسى فى
لبنان يستمر منذ أربعة عقود، وتنجح فى الانتخابات، قبل أن تعدل النتائج فى
اليوم التالى مما يثير غضب أنصارها.
وفى عام 2019، يتحول هذا الغضب إلى انتفاضة شهدت ارتفاع
أصوات الآلاف من المتظاهرين فى الشارع، بينهم بيرلا جو، التى أصبحت رمزا
لهذه الثورة. صوتها الذى لا ينضب يعكس غضب جيل من الشباب يسعى لتحقيق
التغيير، لكن يعوق تطلعاته ماضٍ مظلم. جورج، أحد قدماء مقاتلى الحرب
الأهلية اللبنانية التى أفقدته إحدى ساقيه، شاهد على هذا الماضى الغامض
العنيف، لكنه يظل متشبثا بأوهام «المجد».
وعلى شكل مذكرات، تروى المخرجة ما عاشته بلادها من اضطرابات
امتدت لأربع سنوات، وهى تكافح من أجل التحرر من أغلالها. وبينما تعيش
البلاد تحت وطأة التوترات، تتكشف المساعى الشخصية من أجل المعنى والبقاء..
فكيف يمكن الاستمرار فى الحلم والعالم ينهار من حولنا؟
«وداعا
السنعوسي» وثائقى من إخراج الكويتى د. على حسن، ويرصد مشوار مؤسس الإعلام
الكويتى الحديث، وهو سيناريو الإعلامى يوسف عبد الحميد الجاسم، الذى كان
وراء الفكرة والتحضير للعمل. وهنا نحن أمام شخصية إعلامية من رواد التنوير
وتأسيس الاعلام الكويتى وتليفزيون دولة الكويت بل وإنجاز أهم المشاريع
الفنية الكبرى التى كانت الكويت وراءها، ومن أبرزها فيلم «الرسالة»، إخراج
مصطفى العقاد، وعدد آخر من الأعمال الفنية والإعلامية الكبري.
الوثائقى العراقى «إبراهيم»، الذى حصد تنويها خاصًا فى
مهرجان برلين السينمائي، تقديرًا للقيمة الفنية العميقة والرسالة المؤثرة
التى يحملها، يتناول تأثير التغير المناخى على أهوار العراق، أحد المواقع
المدرجة على قائمة التراث العالمى لليونسكو، إذ يسلط الضوء على أزمة الجفاف
التى تهدد الحياة بتلك المنطقة، ويقدم رؤية شاعرية عن الفقدان والصمود،
مستعرضًا رحلة فتى يكافح للحفاظ على عالمه المتلاشي، فى انعكاس رمزى لنضال
الإنسان أمام التحولات البيئية، ومواجهة واحدة من أخطر التحديات البيئية
التى تهدد البلاد اليوم.
أخيرا.. يأتى ذكر وثائقى «لن أغادرها»، من إخراج اليمنى
علوى السقاف، إذ يقدم قصة واقعية ملهمة من الحياة اليومية فى حضرموت،
بأسلوب مؤثر وجاذب. |