ملفات خاصة

 
 
 

محمد شكري جميل...

الرحلة السينمائية بكل عقباتها

بغداد/ علاء المفرجي

عن رحيل شيخ المخرجين العراقيين

محمد شكري جميل

   
 
 
 
 
 
 

أهدى له والده كاميرا سينمائية، صنع بها فيلماً مدّته دقيقتان، ما جعله شغوفاً بهذا الفن، قبل أنْ يُنجز أوّل فيلم سينمائي له، الوثائقي الذي قدّمه أثناء إقامته في لندن: "طالب عراقي في لندن"، لتكرّ المسبحة بدءاً من منتصف خمسينيات القرن الـ20، مع نحو 20 فيلماً. أطلق سينمائيو العراق عليه لقب "عرّاب السينما العراقية". إنّه المخرج العراقي محمد شكري جميل، الذي توفي في 27 يناير/كانون الثاني 2025، عن 88 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.

عمل جميل في السينما مُمثّلاً ومونتيراً وكاتب سيناريو، قبل أنْ يتخصّص في الإخراج السينمائي. قالت عنه الروائية الإنكليزية أغاتا كريستي، في افتتاح المتحف العراقي في بغداد، أواسط الخمسينيات الماضية، وكانت رفقة زوجها عالم الآثار مالوان: "اعتنوا بهذا الشاب وامنحوه فرصته، إذْ لمست فيه حسّاً سينمائياً وموهبة تحتاج الى عناية".

تعلّم السينما في "المعهد العالي للسينما"، في المملكة المتّحدة، قبل أنْ يبدأ حياته المهنية في لندن، حيث عمل في المونتاج باستديو "أمغول"، الذي كان يُنتج أفلام روبن هود. ثم انتقل إلى شركة "فيلم هاوس"، فالقاهرة حيث انضمّ إلى شركة الإنتاج العربي، التي كان يديرها صلاح أبو سيف. سنة 1953، بدأ إنتاج أفلامٍ وثائقية لصالح "وحدة الإنتاج السينمائي" في شركة نفط العراق، وعمل في أفلامٍ سينمائية عالمية، كـ"القط والفأر" لبول روثا، و"عين الثعلب في الصحراء"، وفيلم الرعب "التعويذة"، الذي صُوّرت مشاهده في الموصل، شمالي العراق.

تعلّق بالسينما في سنواته الأولى، إذْ نشأ في عائلة تضمّ مُبدعين، تعلّم منهم أنّ السينما فنّ المستقبل. دفعه حبّه هذا إلى التوجّه إلى معهد الفنون الجميلة، الذي لم يكن فيه آنذاك فرعٌ للسينما.

فور عودته إلى العراق، عمل مع المخرج جرجيس يوسف حمد في إخراج فيلم "أبو هيلة" (1963)، وقبله في مونتاج الفيلم التاريخي "نبوخذ نصر" (1962) لكامل العزاوي، الذي يُعدّ أول فيلم عراقي مُلوّن. ثم أخرج "شايف خير" عام 1968، ليخوض بعدها التجربة الثالثة "الظامئون" (1972)، الذي كان فيلماً متماسكاً قوياً بكل تفاصيله، ويتمتّع بقيمة فنية وفكرية تجعل منه أثراً كبيراً. حصل هذا الفيلم على جائزة اتّحاد النقّاد السينمائيين السوفييت في "مهرجان موسكو" حينها. ثم كانت التجربة الرابعة "الأسوار" (1979)، التي نالت الجائزة الذهبية لـ"مهرجان دمشق الدولي" عام 1980. وبعدها "المسألة الكبرى" (1982)، و"عرس عراقي" (1988)، و"اللعبة" (1989)، و"الملك غازي" (1993).

كان "الظامئون" أفضل ما أنتجته السينما العراقية حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، وللمصادفة كان هذا رأي محمد شكري أيضاً، بعد "الحارس" (1967) لخليل شوقي. أمّا "المسألة الكبرى" فسيكون الفيلم الأعلى إنتاجاً في تاريخ السينما العراقية. أخرج جميل لاجقاً فيلمه الكبير "الأسوار" عام 1979، الذي يتحدّث عن المرحلة النضالية للشعب العراقي، ووقوفه إلى جانب الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي، بعد تأميم قناة السويس عام 1956، العام الذي شهد اندلاع انتفاضة بالعراق.

عام 1982، أخرج "المسألة الكبرى"، مع فنانين عراقيين وممثلين أجانب، بينهم أوليفر ريد. والفيلم يُعتَبر من أضخم إنتاجات السينما العراقية، ويتحدّث عن نضال الشعب العراقي ضدّ المحتلّ الإنكليزي و"ثورة العشرين". عام 1982 أيضاً، أخرج "المهمة مستمرة"، أول فيلمٍ روائي عن الحرب مع إيران.

آخر فيلم للمخرج الراحل كان "المسرات والأوجاع"، المُعَدّ عن رواية العراقي فؤاد التكرلي ذات العنوان نفسه.

ورغم أنّ الفيلم مُنتجٌ عام 2013، إلاّ أنّه عُرض عام 2022 في بغداد. كان محمد شكري جميل يتحدّث بمرارة، في كلّ مناسبة، عن المصاعب التي اكتنفت فيلمه الأخير هذا، المُموّل ضمن مشروع "بغداد عاصمة للثقافة العراقية"، إذْ ظلّ طويلاً مرهوناً لدى شركة إيرانية للطبع والتحميض، رفضت تسليمه قبل أنْ تتقاضى مستحقّاتها المالية. لم يتعرّض فيلمٌ عراقي إلى ملابسات ومشاكل كما تعرّض هذا الفيلم، في التصوير، وسرقة الكاميرا، إضافة إلى انتقاداتٍ كثيرة، بعضها وَصَف الرواية بأنّها لا تصلح لتكون فيلماً سينمانياً.

محمد شكري جميل تعيش الفيلمَ معه، لأنّه يُحدّثك عن موقف أو شخصية أو فكرة أو حركة كأنّك تعيش الفيلم مثله. مَن لم يكن قريباً منه، يجده صعباً. تحتاج قبل أنْ تكتشفه إلى أن تخوض رحلةَ معرفةٍ به.

 

العربي الجديد اللندنية في

29.01.2025

 
 
 
 
 

رحيل محمد شكري جميل مخرج روائع السينما العراقية

معد فياض

كان احد ابرز احلامه الفنية هو تحويل رواية "الاوجاع والمسرات" للكاتب العراقي فؤاد التكرلي الى فيلم سينمائي، بقي سنوات طويلة يعمل من اجل تحقيق هذا الحلم، حتى حققه عام 2013، وكان آخر فيلم اخرجه عراب السينما العراقية محمد شكري جميل الذي رحل اليوم، الاثنين 27 كانون الثاني، 2025، عن 88 عام.

مجمد شكري جميل كان يرى المشهد الحياتي باعتباره فيلم سينمائي مزدهر بالاحداث وضاج بالاصوات..ذات مرة سألته، خلال تصوير مشاهد فيلم الملك غازي في قصر الزهور الملكي، عن كيفية اختياره للرواية واسلوبه في تهيأة السيناريو قبل ان يتحول الى فيلم سينمائي؟، لا سيما وانه المخرج العراقي الوحيد الذي حول روايات عراقية مهمة الى السينما مثل رواية (الضامئون) للكاتب عبد الرزاق المطلبي عام 1973، ورواية الكاتب عبد الرحمن مجيد الربيعي (الاسوار) عام 1979، ورواية الكاتب فؤاد التكربي (الاوجاع والمسرات) عام 2013 ، قال مباشرة:" عندما اقرأ الرواية تبدأ احداثها تتحول الى فيلم سينمائي في راسي، حتى اني احدد اسماء الممثلين الذين سيلعبون ادوار الرواية..الحياة ذاتها بالنسبة لي احداث سينمائية وتحتاج الى تصويرها ومنتجتها لتكون فيلم واقعي مدهش".

قبل ان يدرس فن السينما في المعهد العالي للسينما في [المملكة المتحدة]، كان قد عشق هذا الفن وشاهد الافلام التي عرضتها صالات بغداد، التي ولد فيها عام 1937، وبدأ تجربته سنة 1953 بإنتاج أفلام وثائقية لوحدة الإنتاج السينمائي في [شركة نفط العراق

]وعمل في الافلام السينمائية العالمية (اصطياد الفأر) لبول روثا، وفيلم ]عين الثعلب في الصحراء[، وفيلم الرعب (التعويذة) الذي صور في مدينة الموصل .

دراسته للسينما في انكلترا يفسر لنا سر انتمائه للسينما الانكليزية وتمسكه بالواقعية ، وعشقه للروايات او السينما الروائية. وعندما عاد إلى العراق شارك في الاخراج مع المخرج جرجيس يوسف حمد لفيلم (أبو هيلة) عام 1963. وسنحت له فرصة فنية نادرة عندما عمل في المونتاج في الفيلم التاريخي (نبوخذ نصر) الذي اخرجه كامل العزاوي، والذي يعد أول فيلم عراقي ملون، ثم أخرج فيلم (شايف خير) عام 1968.

لكن الفرصةالكبيرة التي قدكته للجمهور والنقاد وعالم السينما هي اخراجه لفيلم الاسوار عام 1979 والذي يتحدث عن المرحلة النضالية للشعب العراقي ووقوفه إلى جانب الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي بعد تأميم [قناة السويس] عام 1956، واندلاع انتفاضة 1956م بالعراق.

في عام 1982 كان المخرج السينمائي محمد شكري جميل على موعد مع اضخم انتاج سينمائي حتى ذلك الوقت عندما اخرج فيلم (المسألة الكبرى) والذي شارك في تجسيد ادواره، بجانب الفنانين العراقيين ، امثال غازي التكريتي وفاطمة الريسعس، ممثلين بريطانيين من ضمنهم الممثل العالمي [اوليفر ريد] فيلم "المسألة الكبرى" الذي يعتبر من أضخم إنتاجات السينما العراقية، حتى ذاك الوقت، ويتحدث عن نضال الشعب العراقي ضد المحتل الإنكليزي [وثورة العشرين].

وفي عام 1982 أخرج فيلم (المهمة مستمرة) وهو أول فيلم روائي عن الحرب العراقية – الايرانية، حيث مزج بين التسجيلي والروائي متناولاً حادثة حقيقية وقعت لطيار عراقي تصاب طائرته فوق اراضي العدو أثناء تنفيذه لأحد واجباته مما يضطره للهبوط في مكان ما ومن ثم يبدأ رحلته في البحث عن طريق الخلاص بالعودة مشيا الي أرض الوطن. أخرج بعد ذلك أفلام:(الفارس والجبل) و (عرس عراقي) و (اللعبة) و (الملك غازي)، وفيلم(الاوجاع والمسرات) عن رواية فؤاد التكرلي عام 2013.

وفي مجال الإخراج التلفزيوني إخراج مسلسلات "حكايات المدن الثلاث"، و"الفراشات"، و"السرداب" الذي يعد آخر مسلسل تلفزيوني تولى مهمة إخراجه في عام 2006.

كان محمد شكري جميل يتعمد زج اسماء كثيرة من الممثلين العراقيين بينهم شباب عملوا للمرة الاولى في السينما امثال رياض شهيد وفيصل حامد وسهير اياد والذين ما زالوا يدينون له الفرص النادرة التي وضعتهم على طريق السينما.

وكان الراحل محمد شكري جميل من الشخصيات العراقية القليلة التي حظيت برفع الستار عن نصب تذكاري نصفي لها في مقر نقابة الفنانين العراقيين في العاصمة بغداد عام 2023 .

 

####

 

وداعاً عرّاب السينما العراقية " محمد شكري جميل "

هادي ياسين

أول مرة التقيتُ فيها المخرج السينمائي العراقي "محمد شكري جميل" كانت عام 2017 ، عندما دُعيتُ الى مهرجان السليمانية السينمائي الدولي الثاني عضواً في لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة .

كنا على مائدة الإفطار ــ في فندق رمادا ــ أنا و صديقاي الإثيران الإعلامي "شاكر حامد" و الفنان "كاميران رؤوف" والفنانة "آلاء النجم"، عندما عرفت أن المائدة التي أمامنا ــ على بُعد بضعة أقدام ــ تضم الفنان "محمد شكري جميل" وزوجته الفنانة "فاطمة الربيعي" وبضعة أشخاص (علمتُ لاحقاً أنهم موظفون في دائرة السينما و المسرح) .

كانت الفنانة "آلاء النجم" قد جلبت لي من بغداد نحو ثلاثين نسخة من كتابي (جَوّاب المُدُن). حالاً ما أن أدركت أن الذي أمامي هو "محمد شكري جميل" حتى كتبتُ إهداءً له على نسخة من الكتاب وتوجهتُ الى مائدته لأسلمها اليه. وعندما عرّفته بنفسي أخبرني بأنه يعرفني جيداً ويقرأ كتاباتي بإمعان. ومنذ تلك اللحظة صرنا نلتقي ــ يومياً ــ في صالة الفندق وفي المطعم ونتحدث كثيراً، و وجدت أنه وجدَ فيّ متلقياً يستوعب حديثه عن ذكرياته في بريطانيا وتأملاته على الأنهار وفي السهوب وعيشه في شقق ومنازل كانت تزوده بشحنات ثقافية، وقد استوعب مناخات الروائيين والشعراء الإنجليز، مثل "تشارلز ديكنز" والروائيات الثلاث "الأخوات برونتي" والشاعر "ديلان توماس" الذي كان مغرماً به، وشعراء الرومانسية الإنجليز: "كولوريج"، "ووردزوورث"، "بايرون"، "كيتس".. وغيرهم .

حينها قلتُ لنفسي: (هذا صديقي الغائب) وهو ــ بدوره ــ بات حريصاً على لقائي يومياً، وكان قد أخبرني أنه قرأ نصف كتابي (جوّاب المدن) في ذات اليوم الذي أهديته إياه فيه، وأبدى إعجابه الشديد بالفصل الثاني .

حتى في حفلة السهرة التي اُقيمت لنا في صالة الفندق الكبرى، وكنتُ أجلس بينه وبين الممثلة "كميلة ماس لينان" ــ من بيرو ــ بطلة فيلم البيت الوردي (The Pink House) الذي اخترناه فيلمَ افتتاحٍ للمهرجان. كان "محمد شكري جميل" حريصاً على تواصل الحديث الثقافي معي، الأمر الذي أغضب "فاطمة الربيعي" بقولها (كافي عاد.. مو إحنا بحفلة) لكننا كنا نشعر بمتعة الحوار. وفي لحظة غضب "الربيعي" أشعرني كم هو زوج مراعٍ لمشاعر زوجته. غير أننا كنا نستغفلها ونعاود، بين لحظة وأخرى، حديثنا الثقافي الجاد الذي لن ينتهي .

كان "محمد شكري جميل" ــ خلال أيام المهرجان ــ يشعرني بعطشه الى الحديث الى شخص مثلي.. لكنه كان يرويني بثراء ثقافته وأنا أمام نهر متدفق لا يشبهه أي سينمائي عراقي .

بعد سنتين من ذلك اللقاء في السليمانية، اتصل بي الصديق السيناريست "علي صبري" ليخبرني أن "محمد شكري جميل" يسأل عني ويبحث عن وسيلة للتواصل معي .

لروحك السلام والطمأنية والراحة الأبدية.. أيها الرجل النبيل "محمد شكري جميل".

 

الـ Facebook في

28.01.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004