ملفات خاصة

 
 
 

وداعاً ديفيد لينش..

صانع العجائب السينمائية

القاهرة-عصام زكريا*

عن رحيل المخرج العبقري

ديفيد لينش

   
 
 
 
 
 
 

برحيل ديفيد لينش (1946- 2025) تفقد السينما واحداً من مبدعيها الكبار الذين تركوا بصمات لا تُمحى على الفن والثقافة السينمائية على مدار العقود الخمسة الماضية.

مثل هيتشكوك، وفلليني، وبيرجمان، ويوسف شاهين في السينما العربية، تحوَّل اسم "لينش" إلى صفة تشير إلى أسلوب أفلامه، وإلى الأفلام الأخرى التي تحمل بصمة وتأثير هذا الأسلوب.

شعور عام باليُتم ينتاب محبي السينما والثقافة الرفيعة في العالم كله من خبر رحيل ديفيد لينش قبل عيد ميلاده التاسع والسبعين بأيامٍ قليلة، وعبارات من نوعية "السينما ماتت"، و"جيل العباقرة انتهى"، و"رحيل آخر العظماء"، كلها تعكس المكانة الكبيرة التي يحتلها اسم الرجل، والتي تشكَّلت عبر مسيرة قليلة الإنتاج (10 أفلام طويلة فقط، ومسلسل من ثلاثة أجزاء، وعدد من الأفلام القصيرة)، ولكنها شديدة الخصوصية؛ مسيرة لم تكن سهلة بالمرة، ولم تُبْن في يوم وليلة، بل استغرق صنعها وتقديرها عشرات السنين.

في تصوّري، لم تلق أفلام ديفيد لينش ما تستحقه من تقدير حتى الآن، ومثل معظم الفنانين الكبار فإن الزمن وحده كفيل برد اعتبارهم، ووضعهم في المكانة التي يستحقونها، مثلما فعلت أكاديمية علوم وفنون السينما عندما حاولت أن تعوض لينش عن تجاهلها لأعماله بمنحه الأوسكار الفخري في 2020.

بداية غرائبية

منذ فيلمه الطويل الأول Eraserhead (1977)، أظهر الشاب ديفيد لينش أنه قادم من عالم آخر، ليقدم سينما من عالم آخر، غير التي يصنعها بقية البشر. الغريب أن الفيلم لم يحقق نجاحاً يُذكَر في شباك التذاكر، لكن سرعان ما التقطته دار عرض تهتم بالتجارب المختلفة، وخصَّصت له عروضاً ليلية (باعتباره فيلم رعب)، جذب اهتمام أصحاب الذائقة الخاصة، ومنهم المنتج والمخرج البريطاني ميل بروكس، الذي كلَّف لينش بصنع فيلم بعنوان The Elephant Man (1980)، يدور حول قصة حقيقية لرجل وُلد مشوّهاً، اشتراه صاحب سيرك ليحوّله إلى أعجوبة يتفرج عليها الناس في نهاية القرن التاسع عشر.

ربما ما جذب بروكس إلى لينش أن Eraserhead كان يدور أيضاً حول طفل وُلد مشوّهاً، ولكن على عكس Eraserhead حقق The Elephant Man نجاحاً هائلاً على المستويين التجاري والنقدي، ورُشِّح لـ 8 جوائز أوسكار، وضعت اسم ديفيد لينش على خريطة السينما العالمية.

وشخصياً، شاهدت الفيلم، لأول مرة، ضمن عروض "نادي سينما القاهرة"، من بين روائع عالمية أخرى مثل  Wild Strawberry لبيرجمان، و 8½ لفلليني، والفيلم الأخير يعد من أكثر الأعمال تأثيراً على ديفيد لينش. ومن الطريف أن كلاً من لينش وفلليني وُلدا في اليوم نفسه (20 يناير)، مع فارق 26 سنة بينهما. وقد سعى لينش إلى التعرف على فلليني، وزاره أكثر من مرة، كان آخرها قبيل وفاة الأخير في 1993.

The Elephant Man كان مختلفاً بالمرة عن Eraserhead، فهو فيلم روائي تقليدي، يركز على القصة والمشاعر الإنسانية، ويخلو من الألاعيب السوريالية التي ميَّزت Erasehead، قام ببطولته اثنان من كبار الممثلين البريطانيين، هما جون هارت، وأنتوني هوبكنز، الشاب آنذاك، بجانب آن كروفت في دور صغير، ووُزِّع الفيلم على نطاق واسع، وحقق الشهرة لديفيد لينش. ولكن سرعان ما عاد لينش إلى عالمه الغرائبي السوريالي الأثير بواحد من أكثر أفلامه فشلاً (تجارياً) وإثارة للجدل والخلاف بين النقاد ومحبي السينما، وهو Dune (1984).

فشل آخر يعقبه نجاح

اتسم الفيلم المأخوذ عن رواية فرانك هربرت (التي تحولت إلى سلسلة أفلام من إخراج دوني فيلينيوف مؤخراً) بصوره المبهرة، وسرده الصعب، وإيقاعه الخاص بشكل فاق احتمال الجمهور العادي آنذاك، رغم أن الفيلم راح يكتسب المعجبين والمريدين المتيّمين بمرور السنوات.

ما بين صنع أعمال صعبة الاستساغة على شاكلة Eraserhead وDune، وأعمال سهلة الهضم، وسلسة نسبياً، تراوحت مسيرة ديفيد لينش على مدار العقود التالية. وعقب Dune مباشرة صنع واحداً من أنجح وأجمل أفلامه وهو  Blue Velvet (1986) الذي شارك في بطولته إيزابيلا روسيليني، ودينيس هوبر، وممثله المفضل كايل ماكلاكان، الذي صار "الأنا الثانية" alter ego لديفيد لينش منذ أن شارك في Dune.

رسخ Blue Velvet مكانة ديفيد لينش بالرغم من الاستقبال المتناقض الذي حظي به الفيلم بين محبيه وكارهيه، وكما حدث مع كل أعمال لينش، فقد أنصفه الزمن وأصبح واحداً من أشهر وأحب الأعمال للأجيال الجديدة من مشاهدين ونقاد

ولكن إذا كان Blue Velvet مستساغ نسبياً، فقد عاجله لينش بعمل جديد أكثر غرابة وراديكالية وإزعاجاً وإثارة للخلاف، وهو فيلم Wild at Heart (1990) الذي حصل على السعفة الذهبية من مهرجان "كان"، ولكن الكثيرين هاجموا صاحبه، ولجنة التحكيم التي منحته الجائزة، وإلى الآن يظل صادماً حتى بمقاييس اليوم.

سوريالية الجريمة!

في كل من Blue Velvet، وWild at Heart دمج ديفيد لينش أنواعاً فنية تجارية مثل الرعب، والتشويق البوليسي، والعصابات، و"فيلم الطريق" داخل الأسلوب السوريالي الذي يعتمد على مفارقة الواقع والسرد الذي يشبه الحلم، والأحداث والصور الخيالية. ونموذجاً لهذه الصور قيام دينيس هوبر ونيكولاس كيج بالغناء بطريقة الـplay back لأغنيتين رومانتيكيتين ناعمتين هما In Dreams، و Love Me Tender لروي أوربيسون وألفيس بريسلي، على التوالي، على خلفية من العنف والجنس والرعب تدور فيها أحداث الفيلمين.

مسلسل سبق عصره

في 1992 دخل ديفيد لينش تجربة جديدة شديدة الجرأة منه، ومن محطة تليفزيون ABC، وهي صناعة مسلسل Twin Peaks الذي أعتُبر على الفور واحداً من أجرأ ما شهدته شاشات التليفزيون، ويمكن أن نقول إنه سبق ومهَّد لعصر المنصات والمسلسلات "السينمائية" التي نراها اليوم، وإلى الآن يعد Twin Peaks واحداً من أفضل المسلسلات في التاريخ. وبعد موسمين من المسلسل، صنع لينش فيلماً بعنوان Twin Peaks: Fire Walk With Me كجزءٍ سابق على أحداث المسلسل، قبل أن يقوم في 2017 بصنع موسم ثالث له، حقق نجاحاً كبيراً، وهو آخر أعمال لينش، باستثناء عدد قليل من الأفلام والتجارب الفنية القليلة التي صنعها خلال السنوات الماضية.

وسيراً على منواله في دمج السوريالي بسينما الجريمة والرعب، صنع ديفيد لينش فيلمه التالي Lost Highway (1997)، الذي عالج فيه موضوعاً سيشغله كثيراً فيما بعد، وهو مسألة الهوية وما وراءها من غيبيات روحية. وهي ثيمة كان قد عالجها بشكل ما في Twin Peaks، وسيعالجها لاحقاً في فيلميه الأخيرين  Mullholand Drive وInland Impire.

الإنسانية مجدداً

عقب Lost Highway عاد ديفيد لينش مجدداً إلى جانبه الإنساني البسيط بصنع واحدٍ من أسهل وأعذب أفلامه، وهو Straight Story المأخوذ عن قصة حقيقية لرجل عجوز يقوم برحلة طريق لزيارة أخيه المريض بعد سنوات من الفراق، وهو العمل الوحيد الذي يختلف أسلوبه كلياً عن بقية أعمال لينش.

في العام التالي مباشرة، صنع لينش أجمل وأغرب أفلامه على الإطلاق وهو Mullholand Drive (2001)، الذي جرى اختياره بعد عقدين على صنعه كأفضل فيلم في الألفية الثالثة في الاستطلاع الضخم الذي أجرته محطة BBC منذ خمسة أعوام.

كانت آخر تجارب لينش مع فيلم Inland Impire في 2006، وهو عمل تجريبي رائد مصوَّر بالكاميرات الرقمية، لم يحقق نجاحاً كبيراً، ولم يُعرَض على نطاق واسع، بعده تفرَّغ لينش لتجارب أخرى مثل الفن التشكيلي، والموسيقى والأفلام القصيرة، وعاد من جديد إلى شبابه الأول كمجرِّبٍ يبحث عن ماهية الفن والحياة في قوالب وأشكال غير تقليدية.

خسارة فادحة رحيل فنان كبير ونادر مثل ديفيد لينش، ولكن عزاءنا أنه ترك هذا الإرث العظيم لأجيال عديدة ستتذكر، برعشة الحنين، تلك المتعة الخالدة التي بثتها أفلامه في عقولهم وقلوبهم، والتي ستبقى لأجيال كثيرة قادمة.

*ناقد فني.

 

الشرق نيوز السعودية في

17.01.2025

 
 
 
 
 

عملاق السينما السريالية ديفيد لينش يودع الحياة عن 78 عاماً

دبي -الشرق

توفي المخرج والكاتب الأميركي الشهير ديفيد لينش، الخميس، عن عمرٍ ناهز 78 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة أحدث خلالها ثورة في عالم السينما والتلفزيون، وترك بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن السابع.

برز إسهام لينش الفني من خلال أفلامه السريالية، التي طغت عليها أجواء من الغموض والقلق، مثل Blue Velvet وMulholland Drive، بالإضافة إلى مسلسل Twin Peaks الذي غيَّر قواعد التلفزيون الأميركي

وأعلنت عائلة لينش، عن وفاته عبر منشور على "فيسبوك"، قائلة: "نحن، عائلة الإنسان والفنان ديفيد لينش، نعلن ببالغ الأسى وفاته، فقد بات هناك فراغ كبير في العالم الآن بعد أن غادرنا".

بعد سنوات طويلة من التدخين، أعلن ديفيد لينش، في العام 2024، تشخيص إصابته بانتفاخ الرئة، وأنه على الأرجح لن يكون قادراً على مغادرة منزله للعمل في الإخراج مجدداً.

وكتب حينها عبر منصة "إكس" أن "المتعة لها ثمن"، وأن الثمن الذي دفعه هو هذا المرض الذي يؤدي إلى تدمير الحويصلات الرئوية، ويسبب ضيقاً في التنفس.

مسيرة ديفيد لينش

خلال مسيرته الفنية الطويلة، نجح لينش في جذب شريحة كبيرة من المشاهدين الذين انبهروا بغرابة أفلامه، إذ دمج مسلسل Twin Peaks التلفزيوني، وأفلام مثل Blue Velvet وLost Highway وMulholland Drive بين الرعب والغموض والسريالية الأوروبية الكلاسيكية، إذ كان ينسج في أعماله قصصاً تتبع منطقها الغامض الخاص، كما أنه كان متحفظاً في تفسير أعماله لجمهوره.

وُلد لينش في 20 يناير 1946 في مدينة ميسولا بولاية مونتانا، وكانت أسرته تتنقل بين الولايات المختلفة قبل أن تستقر في فيرجينيا، حيث التحق بالمدرسة الثانوية، لكنه لم يكن يهتم بالدراسة بل كان يركز على الرسم، وفي عام 1965، التحق بأكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة في فيلادلفيا.

وبعد سنوات من العمل كفنانٍ تشكيلي، ومخرجٍ لأفلام الرسوم المتحركة القصيرة والأفلام الحيّة، اقتحم لينش الساحة السينمائية بأول فيلم روائي عام 1977 بعنوان Eraserhead، وسرعان ما لفت أسلوبه الغريب انتباه هوليوود، ومؤسسة صناعة الأفلام الدولية.

أسلوب ديفيد لينش

بعد ذلك تعاقدت معه شركة "ميل بروكس" للإنتاج لكتابة وإخراج The Elephant Man، وهو فيلم مؤثر للغاية عن شخص غريب مُشوَّه الوجه من إنجلترا خلال العصر الفيكتوري، ونال الفيلم 8 ترشيحات لجوائز الأوسكار، بما في ذلك أول ترشيح للينش لجائزة أفضل مخرج، كما حصل فيلمه Wild at Heart على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي.

وفي عام 1990، أحدث ديفيد لينش ثورة في التلفزيون الأميركي بمسلسل Twin Peaks، وفي وقت لاحق من مسيرته المهنية، في أفلام مثل Lost Highway وMulholland Drivea (الذي فاز عنه بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عام 2001) أظهر لينش أسلوباً فنياً يدور حول الحبكات المتعلقة بالشخصيات المزدوجة، والتحولات غير المفسَّرة، وأعمال العنف الصادمة.

رُشِّح ديفيد لينش لجائزة الأوسكار 4 مرات، وحصل على جائزة أوسكار شرفية عن مُجمل أعماله في عام 2020، كما تم تكريم مسيرته الفنية الفريدة من خلال جائزة خاصة في حفل توزيع جوائز الروح المستقلة لعام 2007، وحصل على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي لعام 2006.

 

الشرق نيوز السعودية في

17.01.2025

 
 
 
 
 

أب السريالية السينمائية ديفيد لينش يرحل تاركا إرثا خالدا

عبدالرحيم الشافعي

المخرج الأميركي العملاق كان فنانا متعدد المواهب جمع بين الرسم والنحت وفن الصورة السينمائية لتجسيد صراع الإنسان المعاصر مع الذات والعالم.

الرباط – توفي الخميس المخرج الأميركي الشهير ديفيد لينش عن عمر يناهز 78 عاما، تاركا وراءه إرثا إبداعيا في عالم السينما والفنون البصرية، ولد لينش في 20 يناير/كانون الثاني 1946، واشتهر بجلب السريالية إلى صالات السينما، جعلته واحدا من أعظم المخرجين في العصر الحديث، وحصل لينش على العديد من الجوائز المرموقة خلال مسيرته، من بينها جائزة الأسد الذهبي عام 2006 وجائزة الأوسكار الفخرية عام 2019، كما وصفته لجنة من النقاد في صحيفة "الغارديان" عام 2007 بأنه "أهم صانع أفلام في العصر الحالي"، في إشارة إلى تأثيره العميق على الصناعة.

 بدأ ديفيد لينش مسيرته السينمائية التي امتدت لعقود، ليترك أثراً كبيرا في عالم صناعة الأفلام، فطور أسلوبه الخاص الذي امتاز بالنحت و النقش وحبه للفنون فوظف مهاراته في الصور المتحركة، وهذا جعله مخرجا يشد الانتباه منذ اللحظات الأولى، فقد قدم فيلمه الأول "إيريزر هيد"، الذي أصبح إعلانا واضحا عن أسلوبه الفريد في التعامل مع السينما، حيث كانت الصور المزعجة والأجواء المظلمة تثير مشاعر الجمهور وتدفعهم لاستكشاف عوالم جديدة مليئة بالغموض صنعها عقل هذا الرجل.

وحصل لينش على ثلاث ترشيحات لجائزة الأوسكار كأفضل مخرج عن أفلامه البارزة "بلو فيلفت"، و"ذا إلفنت مان"، و"مولهولاند درايف"، كإثبات على تأثيره الكبير في هوليوود، وتبنى أسلوبا مبتكرا في السرد، جعله يحظى بإعجاب واسع بين زملائه والجماهير ونقاد السينما، ووصفه المخرج رون هاورد بـ "الرجل النبيل والفنان الجريء"، بينما عّبر الموسيقي موبي عن حزنه العميق لفقدانه، مشيرا إلى تأثيره العميق على الفن والموسيقى.

وتجاوز تأثير لينش حدود الفن السابع ليصل إلى عالم التلفزيون من خلال عودة "توين بيكس" في عام 2017، وهذه العودة كانت تجسيدا لشغفه المستمر وإبداعه الذي لم يتوقف حتى في سنواته الأخيرة، حين كان يعاني من مرض انتفاخ الرئة، ورغم التحديات الصحي  تمسّك بإبداعه ورفض التقاعد، وواصل تقديم أعماله المميزة التي أثرت في العديد من الأجيال، وفي مقابلة له عام 2024، تحدث عن عملية إبداعه وعن تعاوناته مع المؤلف الموسيقي الراحل أنجيلا باتي، حيث أشار إلى أهمية الصوتيات في أعماله التي تساهم في إيصال مشاعر مختلطة.

ونال لينش العديد من الجوائز والتكريمات طوال مسيرته المهنية، بما في ذلك "السعفة الذهبية" في مهرجان كان عن فيلمه "وايلد آت هارت" عام 1990، بالإضافة إلى جائزة الأوسكار الشرفية عام 2020، ورغم الجوائز العديدة التي حصل عليها يظل شغفه العميق بالسينما هو ما يميز إرثه الحقيقي. رحيله يترك فراغاً كبيراً في عالم السينما، لكن تأثيره سيستمر في إلهام الأجيال القادمة والاحتفاظ بمكانته كرمز فني خالد.

ونشأ ديفيد لانش في بيئة مليئة بالتجارب الفنية التي كانت لها دور كبير في تشكيل رؤيته الإبداعية، فلم يتبع المسار الأكاديمي التقليدي وقرر أن يكون بعيدا عن التعليم الجامعي بعد أن شعر بالنفور من الأنماط التقليدية للفن، فترك دراسته في مدرسة المتحف في بوسطن وبدأ يتجه نحو البحث عن أسلوبه الخاص، وهذه التجربة المبكرة انعكست على أسلوبه الفني فيما بعد، إذ بدأ يعمل على فهم الفن خارج حدود الدروس الجامعية، ففكرته كانت تنبثق من أسلوب حياة شعبي، يتأثر بالواقع الاجتماعي والبيئي المحيط به، بعيدا عن الأنماط الجامدة.

واستمر ديفيد في توجيه اهتمامه نحو خلق أسلوب يعكس هذه التجارب الشخصية، وعاش فترة من الزمن في مدينة فيلادلفيا، حيث كانت بيئتها مليئة بالاشتباكات الاجتماعية والتجاوزات الإنسانية، وهذا الحراك الاجتماعي شكل وعيه الفني وأعطاه الكثير من المواد التي يمكن أن ينطلق منها في مشاريعه المستقبلية، إذ ربط بين الواقع الذي يعيشه وبين رؤاه الفنية، فكان يسعى جاهدا إلى التعبير عن التوترات الاجتماعية من خلال أعماله الفنية.

وعمل ديفيد لينش على تطوير أسلوبه الفني ليكون متنوعا وغير تقليدي، واستلهم من مختلف أنواع الفنون ودمج بينها، مثل الفنون التشكيلية والفيديو والصوت والموسيقى، فخلق بذلك أعمالا فنية تتسم بالابتكار والتجديد المستمر، وفنه كان يتجاوز حدود المشهد البصري البسيط ليخلق تجربة حسية متكاملة، واستخدم الصور المتحركة بشكل مبتكر، ودمج الأدوات الفنية الحديثة ليصل إلى تجسيد معاناة الإنسان المعاصر بشكل أكثر دقة، وهذا المزج بين الأبعاد المتعددة جعل أعماله أكثر قوة، إذ يستطيع الجمهور التفاعل معها بشكل متنوع بدءا من التفاعل البصري وصولا إلى التأثيرات النفسية.

وبحث  لينش أيضا عن وسيلة لدمج الواقع الشخصي في أعماله الفنية، فوظف العلاقات التي كانت له مع عدد من الفنانين في تلك الحقبة لإثراء أعماله، خاصة علاقته مع بيتر وولف، الذي كان له دور كبير في التأثير على طريقة تفكير دافيد حول العلاقة بين الموسيقى والفن البصري، فتلك الروابط كانت من العوامل التي أضافت مزيدا من الغنى الفني لأعماله، فبها لم يتوقف عند الفن البصري، فوسع أفقه ليشمل الصوت والموسيقى كعنصرين مؤثرين بشكل كبير في سرد القصص المرئية.

وفتح الراحل آفاقه لتطوير أسلوبه الفني من خلال السفر والاحتكاك بثقافات متعددة، مستلهما من الهويات المختلفة التي اكتسبها من بيئات متنوعة،ـ وهذا التنقل الجغرافي كان له تأثير كبير على فنّه، إذ بدأ يرى الهوية كعنصر متغير عبر النظرة الثقافية، ومن خلال التفاعل البصري مع العالم من حوله، وعند دخوله في هذه التفاعلات الاجتماعية والثقافية، أصبحت أعماله أكثر تعبيرا عن الإنسان المعاصر وتحدياته الداخلية، سمح له بأن يصبح أحد أبرز الفنانين في استخدام الفنون المتعددة لخلق تجارب متكاملة.

وانشغل الرجل في تطوير أعماله التي تقتصر على نقل الصور المرئية،  وركز فيها على تقديم تجربة حسية تدمج بين السمع والبصر والحركة، وتجاوز هذه الأعمال الحدود التقليدية لتصبح نوعا من التفاعل بين المشاهد والعرض، بحيث يستطيع الجمهور أن يكون جزءا من العمل الفني، وركز على فكرة أن الفن يجب أن يكون ذا تأثير مباشر على المشاعر، فتمكن من أن يجعل أعماله مثيرة في جميع الحواس، من خلال استخدام الفنون الاخرى مع الصور والضوء والصوت في صناعة الفن السابع  وخلق تجارب المشاهدين النفسية.

وكان ديفيد أيضا يعنى بتقديم أعمال تحتوي على عناصر من التأملات الداخلية والروحانية، فاستطاع أن يعبر عن صراع الإنسان بين الذات والعالم الخارجي، وكان يعتقد أن هذا الصراع هو جوهر الفن، إذ من خلاله يمكن أن يصل الفنان إلى معانٍ أعمق وأكثر تعقيدًا، فكان يعبر عن هذه الأفكار في أعماله باستخدام الرمزية والألوان والصور المجازية، لتجسيد العلاقات المتناقضة بين الإنسان والواقع.

وترك ديفيد لينش بصمته من خلال أفلامه المميزة، مثل "رأس ممحاة" (1977) و"الرجل الفيل" (1980)، وصولاً إلى "طريق مولهولاند" (2001) و"إمبراطورية الداخل" (2006)، امتزجت أعماله بين الغموض والفلسفة والجمال البصري، ما أكسبها طابعا فنيا يميزها عن غيرها. كان الراحل أيضا فنانا متعدد المواهب، إذ عمل رساما وموسيقيا وممثلًا إلى جانب إخراجه، ليظل اسمه رمزا للإبداع والتجديد في عالم السينما والفنون.

 

ميدل إيست أونلاين في

17.01.2025

 
 
 
 
 

رحيل ديفيد لينش... آخر السورياليين الكبار

المخرج الذي ذهب بالتجريب السينمائي إلى حدوده القصوى

أريج جمال

بعد أيام من الحرائق التي طاولت استديوهات السينما في مدينة لوس أنجليس الأميركية، فُجعت هوليوود مجددا في رحيل أحد كبار مخرجيها، وأكثرهم إبداعا وجرأة، ديفيد لينش (20 يناير/ كانون الثاني 1946- 16 يناير 2025). قبل أيام من وفاته، التي تسبب بها التدخين بلا انقطاع لسنوات طويلة وذلك بعد تشخيص إصابته بمرض انتفاخ الرئة قبل أشهر، اضطر لينش إلى مغادرة منزله، وكانت النيران هددت بالوصول إليه. هل لعب هذا النزوح الإجباري، دورا في الإجهاز على ما تبقى من رئته المريضة؟ إن استعرنا خيال لينش السينمائي، يمكننا أن نراه للمرة الأخيرة، في لقطة ثابتة بالأبيض والأسود، في عينيه تلك النظرة الأسيفة والحنونة، يدخن ببطء واستمرار حتى يحترق، ولن تكون هذه الصورة بعيدة عن الحقيقة.

بعيدا عن الأضواء

رثاه بالطبع عشاق السينما ونقادها ومخرجوها والمتخصصون فيها. لكن اللافت أكثر، أن الرثاء جاء ايضا من المتفرجين العاديين، الذين لا يدّعون لأنفسهم ميزة على الآخرين، ويعبرون عن آرائهم ببساطة وبلا مصطلحات كبيرة أو عسيرة. مرات عدة، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة: "موت صاحب مولهولاند درايف"، في حين تذكر آخرون مساهمته التلفزيونية الكبيرة والفريدة عبر مسلسل "توين بيكس" (1990-1991، ثم في موسم ثالث وأخير عام 2017).

في "يوتيوب"، تعددت التعليقات على أفلامه القصيرة المتاحة للمشاهدة. كلها لمتابعين ثكالى، يصفون علاقتهم بأفلامه الصغيرة تلك، يتحدثون عن تأثيرها التأملي، عن خوفهم منها بداية، وقد تحوّل مع السنين إلى ألفة وشعور بالراحة، أحدهم تمنى له بعذوبة أن يتمكن من صناعة الأفلام هناك حيث انتقل للسكنى في عالمه الجديد.

مع كل هذه المودة، والشعور بالقرب الذي يعبر عنه أناس عاديون، إن جاز استخدام هذا التعبير، إزاء المخرج الراحل، يخطر سؤال طبيعي: ما الذي قدمه ديفيد لينش، كي يصير قريبا إلى هذا الحد من الناس؟ هو الذي لم يصنع سينما سهلة، واحتجب تقريبا في الأعوام الأخيرة، فلم يفرض اسمه ولو حتى بالحديث عن مشروعات سينمائية جديدة. كانت لديه مشاريعه بالطبع، أفلام قصيرة غير تجارية يفعل فيها ما يحلو له، لكن الانجذاب إلى الأضواء ليس سمتها الأبرز على أي حال. في الظلام، ومع الظلال، كان في وسع لينش أن يفكر... بالأحرى أن يحلم. ذلك أن السينما بالنسبة إليه، ظلت حلما/ كابوسا، أكثر منها حكاية لها بداية ووسط ونهاية، خلافا للطريقة الهوليوودية الشهيرة.

في الظلام، ومع الظلال، كان في وسع لينش أن يفكر... بالأحرى أن يحلم. ذلك أن السينما بالنسبة إليه، ظلت حلما/ كابوسا، أكثر منها حكاية لها بداية ووسط ونهاية

لا تملك أفلامه ذلك اليقين الأميركي في رؤية العالم، هي أقرب إلى أعمال تجريبية، إلى أضغاث أحلام أو حديث نفس. اللعبة عند لينش، هي ضم أكبر عدد من المتفرجين إلى أضغاثه هذه، وأحاديث نفسه هو وشخوصه، والنتيجة أن هذه الأفلام صارت تنتمي بدورها إلى متفرجيها، تحفز عندهم تجارب أو خيالات أو حتى ضلالات مشابهة.

العين خالقة السينما

بعض القراءات لأفلامه، تعيد تركيب شظايا المشاهد التي حققها لينش، في سبيل الخروج بحكاية، ومع ذلك، فالغالب أن مشاهدة أفلامه حتى لو لم تمرّ من هذا الباب التأويلي، تنطوي على متعة، بصرية أساسا، تعيد السينما إلى حضن حاستها الأم، حاسة البصر. العين هي المشاهد الأول، هي التي ترى الحلم والكابوس، النور والظلام، وهي التي تخلق رؤيتها الخاصة للأفلام، لا الذهن لا العقل، بل ما خلفهما، أو بالأحرى ما فوقهما.

العين كانت المركز في الفيلم السوريالي التأسيسي القصير، "كلب أندلسي" 1929 للمخرج لوي بونويل. الفيلم الذي يمكننا أن نستشعر تأثيره على فيلم لينش الطويل الأول Eraserhead (1977)، وإلى حد ما على فيلمه الثاني "الرجل الفيل" The elephant man (1980). على النقيض من فيلمه الأول، ومن العديد من أفلامه الأخرى، طويلة كانت أم قصيرة، يقدم "الرجل الفيل" حكاية واضحة المعالم بالأبيض والأسود، تنهض على قصة شخص حقيقي هو جون ميريك، الذي ابتلي بتشوهات خلقية، جعلت البشر يسيئون معاملته، ويستغلونه، إلى أن يكتشف حالته بالمصادفة الطبيب فريدريك تريفس (يؤدي دوره أنتوني هوبكنز)، فيمنحه فرصة أخيرة كي يحيا كإنسان.

يتخذ الفيلم أبعادا روحية وإنسانية وحتى نجمية، لا سيما في قسمه الأخير، حيث يسعى لينش لأن يمنح تعزية ما، أو نظرة سامية لحياة جون ميريك الأليمة، ويربط موته بدورة الكون والكواكب. قد لا نرى هذا الحرص على التفسير، أو قول الكلمة الأخيرة، في أفلام لينش اللاحقة، لكن ثمة في "الرجل الفيل"، جوهر اشتغل عليه في أعماله جميعها (عشرة أفلام طويلة ومسلسل وأفلام قصيرة)، حساسيته إزاء هشاشة الوضع الإنساني، وحساسية الإنسان نفسه إزاء هشاشته، ما يدفعه ربما إلى القتل والخيانة والمكيدة، ما يرده إلى الظلمة، إلى القسوة وفي النهاية إلى البكاء. في أفلام لينش، دائما هناك أشخاص يجهشون بالبكاء، ليس على طريقة السينما، إنهم ينتحبون مثلنا، ويصرخون محاولين التغلب على ألم وجودي مزمن وقاتل، كما نرى مثلا ديان (ناعومي واتس)، وهي تواجه خيانة كاميلا، وحيدة في شقتها، وبيدها تغتصب جسدها، عقابا على رغبته ولم يعد ممكنا تحقيقها في "مولهولاند درايف" 2001.

في أفلام لينش، دائما هناك أشخاص يجهشون بالبكاء، ليس على طريقة السينما، إنهم ينتحبون مثلنا، ويصرخون محاولين التغلب على ألم وجودي مزمن وقاتل

تحتمي الهشاشة في اللاوعي أساسا، تسكن في الأحلام والكوابيس، في الهذيان ونوبات القلق والوساوس القهرية، وبين الصحو والمنام. ومع ذلك، تطفو أحيانا على السطح، على أرض الواقع، رغما عنا. يسير بطل فيلم "مخمل أزرق" Blue velvet (1986) عشوائيا على العشب، حتى يجد نفسه بالمصادفة أمام أذن إنسانية، منزوعة ومزرقة، يأكلها النمل. بالعشوائية نفسها، يعثر البطل على مظروف ورقي، يودِع الأذن فيه، كي يأخذها إلى المحقق، وحيث ينبغي أن يبدأ تحقيق في جريمة قتل. هكذا يُختزل الوجود الإنساني دفعة واحدة، في أذن منزوعة ومتعفنة، بلا شاعرية فان غوغ، الذي يقال إنه بتر أذنه وأهداها الى حبيبته، ولم يخبرنا أحد بعد ذلك شيئا عن مصير الأذن في معية الحبيبة.

مجرد أرانب

أحد الأفلام القصيرة التي يمكن العودة إليها من أعماله هو "أرانب" Rabbits الذي أنجزه بعد عام واحد من صدور "مولهولاند رايف"، أي عام 2002 بالاستعانة بنجمتيه ناعومي واتس ولورا هارينغ. يشبه هذا الفيلم مسرحية لصموئيل بيكيت، وفيه الكثير من روح أعماله وفلسفته. وهو مصوّر بزاوية ثابتة تستعرض مسرحا، يشغله ثلاثة أرانب، يؤدي أدوارهم ثلاثة ممثلين، امرأتان ورجل. الموسيقى التي لا تتوقف في الخلفية، تمنحنا الشعور بنهاية العالم، أما الحوار الذي يجري بين الشخصيات، فلا يمكن أن يدور إلا بين البشر، يتناول بشكل عشوائي تماما موضوعات عشوائية، الساعة والطقس وصوت المطر، وإشارة إلى حادثة غامضة، تقاطعه بالعشوائية نفسها ضحكات الجمهور على عبارات لا تضحك. "أرانب" هو أحد أعلى أفلام لينش القصيرة مشاهدة على اليوتيوب، وعلى الرغم من اللامنطق الذي يكتنف الفيلم، إلا أن المشاهدين، لا يكفون في التعليقات عن إعادة تركيب القصة، وترتيب العبارات، ووضع احتمالات لمقصد هذا المشهد السوريالي الطويل نسبيا (يبلغ زمنه ساعة إلا الربع). وكأننا، كمشاهدين، نتماهى بصورة ما مع هذه المخلوقات الهشة، الخائفة والمذعورة من الوجود، ألا وهي الأرانب.

لينش سيعود في فيلمه الطويل الأخير "إنلاند إمباير"  Inland Empire (2006) إلى مشهد الأرانب والجمهور الضاحك الذي يوظفه في العالم السوريالي الذي تجد نفسها نيكي (لورا ديرن) غارقة فيه، حتى يضيع الخط الفاصل بين الممثلة والشخصية التي تؤديها. هذا الفيلم الأطول بين أفلامه (نحو ثلاث ساعات) الذي يعتبره بعض النقاد تحفة لينش السينمائية الأبرز، يكاد يختزل جميع أفلامه السابقة، وتتجسد فيه مغامرته السينمائية الحرة في حدودها القصوى. وإذا كان يصعب كالعادة في معظم أفلامه التقاط خيوط الحكاية، والفصل بين عالمي الهذيان، ولواعج النفس الداخلية، والعالم الحقيقي، فإنه في هذا الفيلم يقدم رحلة بصرية نادرة، ويخضع ممثلته الأثيرة لورا ديرن إلى مشقات هائلة، ناقلا إياها بين سلسلة من التمزقات والتحولات داخل أروقة عالمه الكابوسي. لعل هذا العذاب الذي لا بد عرفته ديرن خلال تصوير الفيلم، هو ما جعله يقرر الجلوس، بجوار بقرة حقيقية، قبالة أكاديمية الأفلام الأميركية، رافعا لافتة تدعو إلى ترشيحها إلى جائزة أفضل ممثلة.

إنه بمعنى ما أقل مخرجي أميركا هوليوودية، وأشدّهم شبها بنفسه، لذا ليس غريبا أنه اختفى من مشهد الإنتاج السينمائي التجاري خلال الأعوام الأخيرة

ربما هنا تكمن الإجابة عن السؤال الأول، ما الذي يجعل لينش قريبا إلى هذا الحد منا؟

 للوهلة الأولى، ربما لم يبد "مولوهلند درايف" مرشحا لكل هذا النجاح والوصول إلى المتفرجين. طبيعة السرد الأقرب إلى أحجية، لا تشترط حلا، العلاقة العاطفية المثلية بين سيدتين، وتقديمها الجسدي الخاص، ثم زوال كل الشعور والأسئلة عن الماضي والذاكرة، في صورة انهيار عقلي مباغت. مع ذلك، ألا تشبه الخيبة العاطفية (إحدى المسلمات القليلة في الفيلم)، التي تواجهها ديان هنا بتبعاتها النفسية والعقلية المرعبة، تجاربنا الظالمة والعنيفة في الحياة، من دون ذنب جنيناه؟ ألا تشبه طلاقتها في التعبير عن ألمها إلى حد العواء، هزائمنا التي نعيشها في عزلة، ولا نجاهر بها أمام الآخرين؟ لا، لم ينحز ديفيد لينش إلى سردية هوليوود الشهيرة عن البطل الخارق، أو الإنسان السوبرمان الذي في وسعه اقتراف كل شيء. حتى في "مولوهلاند درايف"، فإنه ينتقد ضمنا النظام الهوليوودي الزائف الذي يقود ديان إلى الجنون، وكاميلا إلى الموت. إنه في معنى ما، أقل مخرجي أميركا هوليوودية، وأشدّهم شبها بنفسه، لذا ليس غريبا أنه اختفى من مشهد الإنتاج السينمائي التجاري خلال الأعوام الأخيرة، بل يناسبه تماما هذا الموقف.

في حوار الصحافي لوران تيرار معه، كما تنقله ترجمة محسن ويفي في كتاب "محاضرات في الإِخراج السينمائي"، يقول ديفيد لينش: "نصيحتي لكل مخرج شاب هي كن دائم السيطرة على فيلمك من البداية حتى النهاية. لأنه من الأفضل ألا تصنع فيلما على الإطلاق من أن تتخلى عن فاعلية القرار النهائي. لأنك إن فعلت، فسوف تعاني بشدة. أعرف ذلك من التجربة. لقد صورت فيلم Dune من دون الإشراف على القطع النهائي، وكنت على شفا الانهيار من النتيجة التي أبعدتني عن العمل لمدة ثلاث سنوات قبل أن أستطيع إخراج فيلم آخر. ولم أستطع تجاوز الأمر حتى اليوم. إنه جرح لا يندمل أبدا".        

لعلّه تجاوز أخيرا هذا الجرح.

 

مجلة المجلة السعودية في

18.01.2025

 
 
 
 
 

الفنان الفريد وذو الرؤية"..

"كان السينمائي" يشيد بديفيد لينش

البلاد/ طارق البحار

أشاد مهرجان كان السينمائي بالمخرج ديفيد لينش صديق المهرجان، حيث فاز بجائزة السعفة الذهبية عن فيلم Wild at Heart في عام 1990 وشغل منصب رئيس لجنة التحكيم في عام 2002.

وقال المهرجان في بيان بعد إعلان وفاة المخرج يوم الخميس عن عمر يناهز 78 عاما: "بحزن كبير علمنا بوفاة ديفيد لينش، وهو فنان فريد وذو رؤية أثرت أعماله على السينما مثل قلة من الآخرين".

وتابع البيان: "فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1990 عن فيلم Sailor and Lula Wild At Heart، ثم جائزة أفضل مخرج في عام 2001 عن فيلم Mulholland Drive، وترأس لجنة التحكيم بأناقة في عام 2002، إنه يترك وراءه مجموعة نادرة وخالدة من الأعمال، ستستمر أفلامها في تغذية خيالنا وإلهام كل من يرى السينما كفن قادر على الكشف عن ما لا يوصف".

كان لينش ضيفا منتظما في كان، حيث بدأ مع Wild at Heart الذي فاز به بالسعفة الذهبية في عام 1990، متغلبا على منافسين آخرين مثل White Hunter لكلينت إيستوود وجان لوك جودار Nouvelle Vague.

كما شارك في المسابقة الرئيسية مع Twin Peaks: Fire Walk With Me 1992 وThe Straight Story 1999 و Mulholland Drive 2001، والتي فاز عنها بجائزة أفضل مخرج، مناصفة مع جويل كوين.

عاد لينش في العام التالي في دور رئيس لجنة التحكيم، مع أعضاء آخرين بما في ذلك بيل أوغست وراؤول رويز ووالتر ساليس وشارون ستون وميشيل يوه، ومنحوا رومان بولانسكي جائزة السعفة الذهبية في كان عن عازف البيانو، وآكي كوريسماكي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم عن رجل ذو ماضي، وإيليا سليمان جائزة لجنة التحكيم للتدخل الإلهي.

في الآونة الأخير ، كان لينش في كان في عام 2007 كواحد من 34 صانعا سينمائيا ساهموا في فيلم مختارات إلى كل سينما خاصة به، احتفالا بالذكرى الستين للمهرجان.

لم تكن مساهمته في الفيلم القصير Absurda جاهزة في الوقت المناسب ليتم تحريرها في النسخة التي عرضت لأول مرة في كان، وبدلا من ذلك تم تشغيلها قبل فيلم ليلة الافتتاح لـ Wong Kar-wai My Blueberry Nights.

عاد لينش إلى المهرجان في عام 2017 لحضور احتفالات نسخته السبعين وعرض خاص لإعادة تشغيل Twin Peaks، وبعد مهرجان كان، تم دعم أعمال لينش المبكرة أيضا من قبل مهرجان أفورياز السينمائي الرائع في فرنسا، الذي أقيم في جبال الألب الفرنسية من عام 1973 إلى عام 1993.

دعا المهرجان فيلمه الأول Eraserhead إلى نسخته عام 1978 ثم رحب بأفلامه المرشحة لجائزة الأوسكار The Elephant Man و Blue Velvet في نسختي 1981 و 1987 ، حيث فازوا بالجائزة الكبرى.

في تكريم المهرجانات الأخرى أصدرت البندقية السينمائي، الذي احتفل بلينش بالأسد الذهبي للإنجاز الفني في عام 2006، مصحوبا بعرض الإمبراطورية الداخلية بيانا: "يتذكر الرئيس والمدير العام ومجلس الإدارة ومدير مهرجان البندقية السينمائي الدولي وبينالي فينيسيا المخرج ديفيد لينش، أحد صانعي الأفلام الأكثر تأثيرا في سينما الفن المعاصر، وذلك بفضل أسلوبه الشخصي وصاحب الرؤية وبحثه المستمر عن حدود الشكل السينمائي" بحسب deadline.

 

البلاد البحرينية في

19.01.2025

 
 
 
 
 

أولاد المخرج ديفيد لينش يحييون ذكراه بجلسة تأمل جماعي عالمي غدًا

لميس محمد

تحل غدًا ذكرى ميلاد المخرج العالمى الراحل ديفيد لينش الذى رحل عن عالمنا منذ خمسة أيام، وبالتحديد يوم 15 يناير الجارى، حيث إنه من مواليد 20 يناير عام 1946، بـ ميسولا، مونتانا، الولايات المتحدة.

ولتكريم حياة والدهم المخرج العالمى ديفيد لينش، الذي توفي عن عمر يناهز 78 عامًا، ستستضيف جينيفر وأوستن ورايلي ولولا لينش "تأملًا جماعيًا عالميًا" اليوم، والذي يصادف عيد ميلاده الـ 79.

وأعلن أولاد لينش عن الأمر في بيان قائلين:"ديفيد لينش، والدنا الحبيب، كان بمثابة نور هادٍ للإبداع والحب والسلام، في يوم الاثنين، 20 يناير، الذى يصادف عيد ميلاده الـ 79، ندعوكم جميعًا للانضمام إلينا في تأمل جماعي عالمي في الساعة 12:00 ظهرًا بتوقيت المحيط الهادئ لمدة 10 دقائق، دعونا نجتمع معًا، أينما كنا، لتكريم إرثه من خلال نشر السلام والحب في جميع أنحاء العالم، ويرجى استغلال هذا الوقت للتأمل والتأمل وإرسال الرسائل الإيجابية إلى الكون، شكرًا لكونك جزءًا من هذا الاحتفال بحياته، مع حبنا جينيفر وأوستن ورايلي ولولا لينش".

وكانت قد أعلنت عائلة المخرج والممثل العالمي ديفيد لينش، رحيله عن عالمناً بتغريدة نشرتها عبر حسابه الشخصي بموقع إكس، لتعلن فيها رحيله صباح يوم الخميس الماضى عن عمر يناهز 78 عاما، تاركاً أرشيفا كبيرا فى عالم السينما والدراما والإخراج.

وكتبت عائلة لينش عبر إكس: "ببالغ الأسف، نعلن نحن أسرته، وفاة الفنان ديفيد لينش، ونود أن نحظى ببعض الخصوصية في هذا الوقت، لقد أصبح العالم الآن في حالة من الفراغ الشديد بعد رحيله عنا".

 

اليوم السابع المصرية في

19.01.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004