مونتاج الأفلام يعزز فرص فوزها بجوائز الأوسكار
التوليف يضاعف حظوظ "وينتر بريك" في منافسة "أوبنهايمر" على
الجائزة الكبرى.
سواء أكان المولفون يقصون مشاهد الممثلين فيبطئونها أو
يسرعونها، أم يمنحون المشاهد تجربة مشاهدة ممتعة تجعله منغمسا في التفاعل
مع التجربة الفيلمية، فهم في كل الحالات يلعبون دورا مهما في صناعة الفيلم
ويعملون بالتزامن مع المخرجين على إعطاء الحياة للعمل السينمائي، ويمنحونه
فرصة الفوز بجوائز الأوسكار.
لوس أنجلس (الولايات المتحدة)
- لا
يظهر خبراء التوليف في واجهة الأفلام بل يعملون في كواليسها، في ظل
المخرجين، مع أن دورهم أساسي في إخراج هذه الأعمال إلى الحياة، وعنصر بالغ
الأهمية في السباق إلى جوائز الأوسكار، إذ يقصّرون مشهدا من هنا أو يربطون
اللقطات بسرعة، فيتحكمون تاليا في وتيرة الحبكة.
ويقول كيفن تينت، الذي ساعد المخرج ألكسندر باين في فيلمه
الكوميدي “وينتر بريك” المرشح لخمس جوائز أوسكار، في تصريح لوكالة فرانس
برس “لا يمكن أن يكون أي فيلم جيدا إذا كان توليفه سيئا”.
والتوليف أو التركيب أو ما يعرف أيضا بتحرير الفيديو
وبالمونتاج في الترجمات الحرفية من الفرنسية، هو تركيب أو رفع شيء على آخر
وفن اختيار وترتيب المشاهد واختيار طولها الزمني على الشاشة، بحيث تتحول
إلى رسالة محددة المعنى.
كيفن تينت: لا
يمكن أن يكون الفيلم جيدا إذا كان المونتاج سيئا
ويستند المركب/ المولّف/ المونتير الذي يقوم بالمونتاج في
عمله على خبرته وحسه الفني وثقافته العامة وقدرته على إعادة إنتاج مشاهد
تبدو مألوفة لكنها بالقص واللصق وإعادة الترتيب والتوقيت الزمني للأحداث،
تتحول إلى دراما ذات خطاب متعمد موجه إلى الجمهور. ومع الطفرة التقنية التي
تتسارع وتيرتها يوما بعد يوم، يبرز دور المونتير إلى أن يتوازى مع دور
المخرج وكاتب السيناريو لأي عمل. ويشبّه تينت الذي يتعاون مع باين منذ نحو
30 عاما عمله في مجال التوليف بعمل “الطاهي”.
ويشرح أن “هذه العناصر المختلفة كلها” تتجمع بعد التصوير
بين أيدي المولّف الذي “يتولى تقطيع الأشياء ومزجها معا” للتوصّل إلى أفضل
كيمياء في ترتيب اللقطات.
ويضيف “إذا وضعَ الكثير من الملح، لا يكون (الطبق) جيدا،
وإذا أضاف الكثير من السكر فإنه يفسد كل شيء”.
وقوبلت وصفة “وينتر بريك” بالاستحسان والتقدير، إذ يتناول
فيه ألكسندر باين قصة ميلادية مؤثرة عن الوحدة التي يعانيها ثلاثة أشخاص هم
مدرس تاريخ متصلب نفسيا، وطباخ حزين، ومراهق يعاني هشاشة نفسية، اضطروا إلى
قضاء ليلة رأس السنة معاً في مدرسة ثانوية أميركية فاخرة في سبعينات القرن
العشرين.
ويُعد هذا الفيلم الكوميدي الذي حصل على ترشيح في فئة أفضل
توليف/ مونتاج، أحد المنافسين الرئيسيين لفيلم “أوبنهايمر” الأوفر حظا لنيل
جائزة الأوسكار لأفضل فيلم. لأن هاتين الجائزتين مرتبطتان جدا في هوليوود.
وعلى امتداد نحو مئة عام من تاريخ جوائز الأوسكار، لم يفز
سوى 11 فيلما فحسب بجائزة أفضل فيلم من دون الترشح لجائزة أفضل مونتاج.
كذلك حصل 40 في المئة من الفائزين بالجائزة العليا على جائزة التوليف.
انسجام مع المخرج
المونتاج يتطلب انسجاما كبيرا بين المخرج والمولّف، إذ
يفضّل مخرجون كثيرون التعاون باستمرار مع فنيّ توليف واحد
يبيّن سجلّ جوائز الأوسكار إلى أي مدى يشكل المونتاج العنصر
الجوهري للأعمال السينمائية. وكان المخرجون الكبار كستانلي كيوبريك أو
أورسون ويلز يعتبرون هذه المرحلة الفنية مفتاحا أساسيا في صنع الفيلم، أهمّ
من السيناريو أو التصوير.
ويلاحظ تينت أن “الأفلام تُصنع في قاعة التوليف”، إذ “هي
المكان الذي يتوافر فيه الوقت فعلا للإبداع”.
وعمل المولّف (التقني المتخصص في المونتاج) لمدة عام تقريبا
مع ألكسندر باين على تحسين لقطات فيلم “وينتر بريك”.
وأتاح ذلك للمخرج والمولّف حذف أكثر من 30 دقيقة من مشاهد
المسودة الأولى، والتوصل إلى الصيغة الفضلى بعد تجارب واختبارات كانت تُعرض
على مجموعة صغيرة من الجمهور.
وتلقى الفيلم الفائز إشادات لاستخدامه بدقة تقنية التلاشي،
وهي عبارة عن تداخل للصور، بحيث تظهر لقطة تدريجيا بينما تتلاشى اللقطة
السابقة، ما يساعد مثلاً في إبراز التطور العاطفي للشخصيات.
ويتطلب المونتاج انسجاما كبيرا بين المخرج والمولّف، إذ
يفضّل مخرجون كثيرون التعاون باستمرار مع فنيّ توليف واحد يرافقهم من فيلم
إلى آخر.
فخبيرة التوليف ثيلما شونميكر الحاصلة على ثلاث جوائز
أوسكار، تواكب المخرج مارتن سكورسيزي منذ بداية حياته المهنية، قبل أكثر من
50 عاما.
وتحرص شونميكر، المرشحة لجائزة جديدة عن “كيلرز أوف ذي
فلاور مون” (قتلة زهرة القمر) الذي ينافس أيضا على أوسكار أفضل فيلم، على
إبراز الانسجام بينها وبين سكورسيزي.
والفيلم كتب نصه سكورسيزي مع إريك روث استنادا إلى كتاب
واقعي يحمل نفس الاسم ألفه الصحافي ديفيد غران. قصته تتبع سلسلة من جرائم
القتل التي تحل على أمة الأوساج في ولاية أوكلاهوما خلال عشرينات القرن
العشرين، وذلك بعد اكتشاف النفط على أرضهم. ويلعب دور البطولة فيه ليوناردو
دي كابريو.
وقالت المولّفة شونميكر لموقع “سينمونتاج” في وقت سابق هذا
الشهر “لقد علمني كل ما أعرفه عن التوليف (…) ولدينا النظرة نفسها”.
المؤلّف الفرنسي الشهير سينشال فاز بجائزة أفضل مونتاج فيلم
عن عمل “أناتومي دون شوت” ضمن جوائز سيزار
"قابلات"
السينما
يوصف المولّفون بأنهم حرفيو السينما، وهم عادة يوظفون
خبرتهم ومهارتهم في تنفيذ مهمتهم من دون أن يضعوا عليها أي لمسة خاصة، لأن
الأسبقية لرؤية المخرج.
ويقول لوران سينشال، الذي ساعد جوستين ترييه في فيلم
“أناتومي دون شوت” المرشح في آن واحد لأوسكارَي أفضل فيلم وأفضل توليف،
“يجب ألا يكون التوليف ظاهرا أو يحمل توقيعا، فهو عمل تكييفي”.
ويضيف المولّف سينشال الذي شارك في أفلام ترييه الثلاثة
الأخيرة “نحن مثل القابلات، نرافق”.
وبالنسبة إلى هذا الفيلم القضائي المشوّق الذي يشرّح انهيار
حياة زوجية من خلال محاكمة كاتبة متهمة بقتل زوجها، استغرق التوليف “38
أسبوعا”، أو أكثر من ثمانية أشهر. وهذا “ترف” في السينما الفرنسية، بحسب
سينشال.
وهذا الوقت أتاح للمخرجة والمولّف العمل على تحسين عدم
تزامن الصورة والصوت، وهو أمر ضروري لغموض الفيلم.
فعندما يدلي ابن الزوجين بشهادته أمام المحكمة، يتساءل
المشاهد مثلا هل لقطات الزوج متحدثاً بصوت ابنه هي ماضٍ حقيقي أم ذكريات
مفبركة؟
ويقول سينشال “جوستين مهووسة تماما”، وبالنسبة إليها “يُعدّ
التوليف أحد أهم عناصر الإخراج”.
وكان المولّف الفرنسي الشهير سينشال احتفل منذ أيام بفوزه
بجائزة أفضل مونتاج فيلم عن عمل “أناتومي دون شوت” خلال الدورة التاسعة
والأربعين من حفل توزيع جوائز سيزار السينمائي في قاعة أولمبيا بباريس في
23 فبراير الجاري. |