آخر حبة في عنقود المهرجانات هذا العام هو مهرجان «الجونة»
في دورته السادسة الذي انطلق أمس (الخميس)، ويستمر حتى الحادي والعشرين من
هذا الشهر.
لم يكن هذا الموعد هو الاختيار الأول للمهرجان، بل كان
سيُقام في أثناء شهر أكتوبر (تشرين الأول) كما اعتاد، لكن في ذلك الشهر
اندلعت الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية فتقرر إلغاء الدورة قبل أن يعلَن
لها موعد جديد. الحقيقة أن إلغاء هذه الدورة بالكامل لم يكن قراراً حكيماً؛
لأن الدورة ذاتها كانت قد أُلغيت العام الماضي أيضاً، مما سيؤثر على
مصداقية المهرجان ككل. بالتالي، فإن هذا التاريخ المؤقت في هذا الشهر هو
الحل الأفضل له بالفعل.
في عداد المهرجانات العربية، بات يُحسب للجونة استدامته
وحضوره. هو انطلق مع نزول ستارة مهرجان دبي الذي كان قد وصل إلى ذروة
المساهمات العالمية في هذا الحقل، واستفاد من الاستعداد الإداري والمالي
والفني الكبير الذي حُشد له. أُريدَ له أن يولَد كبيراً، ويكبر، وإلى حد
بعيد فعل ذلك بفضل فريقه.
بالطبع هو ليس المهرجان العربي الوحيد الذي يُنظر إليه بعين
التقدير ويُحسب لحضوره ألف حساب. هناك، ومنذ ثلاث سنوات، مهرجان «البحر
الأحمر» الذي انتهى من دورته الأخيرة في التاسع من هذا الشهر بنجاح لافت
على صعيدَي الأهمية والحضور.
ميزات كثيرة يتمتع بها «مهرجان البحر الأحمر»، وأهمها
استعداد الحكومة السعودية لبذل كل ما يمكن بذله لجعل هذا المهرجان جسراً
فنياً وإعلامياً بين المملكة والعالم في اتجاهين متواليين. هناك إطلالة
السعودية على العالم عبره وإطلالة العالم على السعودية من خلاله أيضاً.
النسخة الأخيرة من المهرجان حققت خطوات كثيرة إلى الأمام مقارنةً بالدورتين
السابقتين، وإذا ما استمر هذا التقدم فإن النجاح المحلي والعالمي سيستمر
على منوال ثابت.
مع مهرجانات القاهرة ومراكش وقرطاج فإن «البحر الأحمر»
و«الجونة» هي الصف الأول عربياً، يليها عدد كبير من المهرجانات الصغيرة
بعضها حَسَنُ التنظيم وبعضها الآخر يعاني سوء إدارته أو حدود ميزانيّته
بحيث ما زال يدور في مكانه منذ إنشائه.
في الصدارة
هناك أكثر من مستوى واحد من العالمية، أهمها اثنان: الأول
أن يجلب المهرجان الأفلام والضيوف ويؤسّس وجوده أفضلَ ما يمكن له أن يكون
في منطقته الجغرافية.
المستوى الآخر هو الأصعب والأعلى: أن يختاره المنتجون
الغربيون لعروض أفلامهم قبل عروضها في أي مهرجان عالمي آخر. سبب صعوبة
تحقيق هذا المستوى يعود إلى عوامل خارج إرادة المهرجان العربي (وفي ذلك
يمكن ضم عشرات المهرجانات الكبيرة حول العالم) من بينها أن المنتج عليه أن
يرى ما الذي سيعود إليه من جراء اختيار فيلمه عرضاً أول (برميير) في أي
مهرجان.
لهذا امتلكت ثلاثة مهرجانات عالمية الصدارة وزمام الموقف
هي: «كان» و«فنيسيا» و«برلين». بعدها هناك: «روتردام» و«لوكارنو» و«كارلوفي
فاري» و«صندانس» و«تورنتو» و«سان سابستيان».
في عام 2023 زادت حدّة المنافسة بين «فنيسيا» و«كان»، وكاد
مهرجان «برلين» أن يخرج من الاهتمامات العالمية الأولى بسبب إدارته التي لم
تستطع أن تجلب ما يجعل من الدورة امتداداً طبيعياً لدوراته الناجحة
السابقة. وكان قد تم الإعلان في الثالث عشر من هذا الشهر عن تغيير إداري
جديد تتسلم تريسيا تاتل إدارته بدءاً من نهاية الدورة الرابعة والسبعين في
فبراير (شباط) المقبل. تاتل أميركية عملت سابقاً ضمن فريق إدارة جوائز
«بافتا». ولسبب غير معلوم تماماً ما زال المهرجان يبحث عن مدير ألماني
للمهمّة. فالإدارة السابقة مباشرةً ومنذ عام 2019 تسلمها كلٌّ من الهولندية
مارييت ريزنبيك، والإيطالي كارلو شاتريان. في عام 2020 بدأ انتشار الوباء.
وفي دورة 2021 عُرضت أفلامه على الإنترنت، ثم عاد العام الماضي بكتلة من
المشكلات من بينها افتقاؤه لأفلام متاحة للمهرجانين الآخَرَين: «فنيسيا»
و«كان».
«كان»،
(السادس والسبعون)، انطلق تحت قيادة المخرج السويدي روبن أوستلند، ومنح
جائزته الأولى لفيلم جوستين ترايت «تشريح سقوط»، وحفل بعدد كبير من الأفلام
الجيدة في المسابقة وخارجها، من بينها «أوراق شجر متساقطة» لآكي كيورسماكي
(فنلندا)، و«أسترويد سيتي» للوس أندرسن (الولايات المتحدة)، و«أيام تامّة»
لفيم فندرز (ألماني - ياباني)، و«السنديان القديم» لِكِن لوتش (بريطانيا).
منافسه الأول «فنيسيا»، احتفل بدورته الثمانين، وترأسها
مخرج آخر هو الأميركي داميان شازال الذي منح الجائزة الأولى لفيلم أوروبي
آخر هو «أشياء بائسة» لليوناني يورغوس لانتيموس.
كلا هذين الفيلمين يقود الهجوم الأوروبي على جوائز «غولدن
غلوب» و«أوسكار». والفيلم الذي سيفوز بذهبية إحدى هاتين المناسبتين «أفضل
فيلم عالمي» سيعزِّز من مكانة المهرجان الذي عرض الفيلم الفائز فيه.
ثلاثة شروط
ما تتنافس عليه المهرجانات الأولى هي الإنتاجات التي يمكن
لها أن تحقق ثلاثة أهداف: أن تُثري المهرجان بحضور إعلامي مواكب (مخرجين
وممثلين مشهورين)، وأن تثير اهتمامات نقدية لأنها جزء من الحملة الإعلامية
التي تستفيد المهرجانات منها، وأن تستطيع أن تعيش لما بعد انتهاء
المهرجانات فتدخل محافل المناسبات الدولية كـ«أوسكار» و«بافتا» و«غولدن
غلوب». هذا الشق الأخير بالغ الأهمية؛ فوصول فيلم ما إلى منافسة أفلام أخرى
في سباق الأفلام الأجنبية يعني أنه استفاد من عروضه في مهرجان ويمكن
الاعتماد عليه لإيصال الفيلم المشترِك إلى نجاحات أعلى، ما يدفع بالتالي
منتجي الأفلام ومخرجيها إلى اعتماد هذا المهرجان أو ذاك لأنه تذكرة رابحة
لوصوله إلى سدّة تلك الجوائز السنوية.
لكنّ نسبة الجيد من الأفلام التي تستقطبها المهرجانات
العالمية ما عادت غالبة كما كان الوضع حتى سنوات قريبة ماضية. رحيل بعض
كبار المخرجين (غودار، زئوتروفو، وفايدا، وبرتولوتشي، وروزي... إلخ)
وانسحاب آخرين من العمل لسنوات (فرنسيس فورد كوبولا، وجيم جارموش، وكاثرين
بيغلو، وديفيد لينش، وميشيل هنيك، وفولكر شلندورف، وسواهم) لا يمكن تعويضه
نوعياً وعلى المستوى ذاته.
لذلك رأينا المزيد من الأفلام ذات المستوى المتوسط تحقق
الخطوة صوب العروض الرئيسية في مهرجانات «برلين» و«كان» و«فنيسيا»، ما يؤثر
في مستويات الأفلام المتسابقة في الأساس.
التوجه العام صوب خلق أسواق سينمائية في المهرجانات الأولى
كان قد بدأ قبل عقود، ثم توسَّع ليشمل عدداً أكبر من المهرجانات الدولية
الأخرى (بما في ذلك مهرجان «البحر الأحمر»). كذلك الحال بالنسبة إلى قيام
المهرجانات بدعم الإنتاجات الجديدة عبر صناديق تمويلية ومسابقات هامشية.
الجانبان مهمّان أيضاً كوسيلة جذب، كما كان الحال في هذا
العام عندما ارتفع عدد الصفقات المبرَمة في «كان» و«البحر الأحمر»
و«صندانس» الأميركي عن معدّلاته السابقة.
بعض المهرجانات، مثل «فنيسيا»، لا يود الإبحار بعيداً فوق
هذه المساحة التي تتطلب ميزانيات إضافية وفهماً للسوق الأوروبية من حيث
قدرتها على استيعاب المزيد من الأسواق. لذلك شهد في العام الحالي، استمرار
ريادة مهرجان «كان» في المهرجانات الدولية على هذا الصعيد. السوق الكبرى
الثانية في أوروبا هي تلك التي يقيمها، بنجاح، مهرجان «برلين» السينمائي.
على الجبهة الكندية
في أميركا الشمالية لم يشهد العام تغييرات حاسمة إلا من حيث
نوعٍ من إعادة التأهيل بعد الفترة الحرجة التي شهدتها الأعوام القليلة
الماضية تبعاً لانتشار وباء كورونا. تحديداً، كلٌّ من مهرجانَي «تورنتو»
الكندي و«صندانس» الأميركي استعادا في 2023 الحضور الذي تأثر خلال العامين
الماضيين.
«صندانس»
لا يزال الجاذب الأول للأفلام المستقلة الأميركية والعالمية عبر أقسام
لـ«الروائي» و«التسجيلي»، وبين الأفلام الطويلة والقصيرة وتلك الآتية من
الولايات المتحدة والأخرى القادمة من دول العالم.
كل نوع (تسجيلي، وروائي) فيه مسابقتان (محلية وعالمية) إلى
جانب جوائز عن أقسام أخرى.
على الجبهة الكندية استعاد «تورنتو» وضعه المستقل تماماً عن
باقي المهرجانات العالمية: هو مرتاح من تفعيل مسابقات ومستغنٍ عن لجان
التحكيم. رغم ذلك، هو مهرجان متألق بحضور أميركي وعالمي كثيف كونه في
الموقع الجغرافي والزمني المناسب لدخول السوق الأميركية من خلال صفقات
تُعقد في رحابه حتى من دون وجود سوق رسمية.
عودة موجزة للمهرجانات العربية تكشف عن أن معظمها معرّض
لحالات عدم استقرار. الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية الدائرة أثّرت في
مهرجان «الجونة»، (عبر تخليه عن موعد سابق والعودة فيما سمّاها «دورة
استثنائية»)، و«قرطاج»، (الذي شهد ما هو أقرب لعروض مخصصة)، و«القاهرة»،
(الذي أُلغيت دورته المنتظَرة بالكامل).
أفلام فائزة
شهد عام 2023 حضوراً كثيفاً للسينما الأوروبية بحيث لم يفز
من بين المهرجانات العشرة المنتخَبة هنا إلا فيلم آسيوي واحد وفيلم أميركي
واحد. القائمة مرتّبة أبجدياً.
-أنيسي
(سويسرا)
Chicken for Linda!
إخراج: سيباستيان لودنباك (فرنسا - إيطاليا)
-البحر
الأحمر (المملكة العربية السعودية)
In Flames
إخراج: زرار كون (باكستان)
-برلين
(ألمانيا)
On The Adamant
إخراج: نيكولاس فيلبرت (فرنسا - اليابان)
-روتردام
(هولندا)
New Strains
(لم يُشاهد) إخراج: براشناث كامالاكانتان (الولايات
المتحدة)
-سان
سابستيان (أسبانيا)
The Rye Horn
جايون كامبوردا (إسبانيا - برتغال) (لم يُشاهد)
-ڤنيسيا
(إيطاليا)
Poor Things
إخراج: يورغوس لانتيموس (آيرلندا - بريطانيا)
-كارلوڤاري
(جمهورية تشيك)
Blaga’s
Lesson
إخراج: ستيفن كومنداريف (بلغاريا)
-كان:
Anatomy of a Fall
(فرنسا) إخراج: جوستين تراييت (فرنسا)
-لوكارنو
(سويسرا)
Critical Zone
إخراج: علي أحمد زاده (ألمانيا)
-مراكش
(المغرب)
Banel &
Adama
(السنغال
- فرنسا) إخراج: راماتا تولاي سي (فرنسا - السنغال) |