شعلة السينما المغربية متقدة وحية أكثر من أي وقت مضى
"اندبندنت"
تحدثت مع ثلاثة وجوه سينمائية مغربية من أجيال مختلفة
ليلى عمار
في وقت يكرم فيه "مهرجان
مراكش للفيلم الدولي"
في نسخته الـ20، أحد أشهر مخرجيه فوزي
بنسعيدي،
تبرز شخصيات جديدة في السينما المغربية إلى الواجهة من جيل الشباب، وتبعث
برسالة قوية إلى العالم.
بنسعيدي المخرج المغربي ذو الشهرة العالمية - الذي حصد
جوائز في مهرجاني "كان" و"البندقية" عن أفلامه - حاز في الدورة الـ20
لـ"مهرجان مراكش للفيلم الدولي" جائزة "النجمة الذهبية" تقديراً لإنجازاته
المهنية. وكانت مناسبة للمهرجان لعرض أحدث أفلامه "الصحارى" الذي عرض في
إطار "أسبوعا المخرجين"
Director’s Fortnight
(المخصص لعرض الأعمال الأكثر فرادة للسينما المعاصرة) في مهرجان "كان
السينمائي" في وقت سابق من هذه السنة، إضافة إلى بعض أعماله البارزة
السابقة مثل "وليلي"
Volubilis
أو "ألف شهر"
Mille
Mois.
في أحدث أعمال بنسعيدي التراجيدية الكوميدية، المنسوجة
بمزيج من السرد والدراما، يتتبع المخرج زميلين له يعملان في وكالة تحصيل في
مدينة الدار البيضاء. ويكشف الفيلم عن مساعيهما غير المجدية لتحصيل الديون
من القرويين في مختلف أنحاء البلاد. وقد أتيحت لـ"اندبندنت" فرصة التواصل
مع أحد ألمع الكتاب والمخرجين المغاربة.
فوزي بنسعيدي
كانت كلمات بنسعيدي أثناء تكريمه على مسرح قصر المؤتمرات في
مراكش معبرة، إذ قال "عندما كنت في الـ25 من عمري، قلت في قرارة نفسي: ’لقد
انتهيت، فقد أخرج أورسون ويلز فيلم المواطن كين
Citizen Kane
وهو في الخامسة والـ20 من عمره، وأنا هنا، بعيد البعد كله عن أي أمل في صنع
فيلم يوماً ما‘. في تلك اللحظة، كنت على المسرح لحسن الحظ. ومع ذلك، فإن
الحلم الأساس الذي من شأنه أن يحدد هويتي ومصيري، والسبب الوحيد الذي
أرسلني الله من أجله إلى هذه الأرض، كان السينما، وكان تحقيق ذلك يبدو بعيد
المنال".
إن هناك ارتباطاً عميقاً مع السينما ينبع من حبي لله.
يمكنني أن أعيد الصياغة بهذا القول: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا... أنا
والسينما روحان حللنا بدنا".
يرى المخرج المغربي فوزي بنسعيدي أن إخراج كل فيلم جديد هو
أشبه باستكشاف منطقة مجهولة. ويقول للـ"اندبندنت عربية"، "أنا أؤمن بالدهشة
الدائمة. يجب أن نكون دائماً على استعداد للمفاجأة إذا أردنا أن نفهم شيئاً
ما حقاً".
ويضيف "الكاميرا تشكل أداة قوية لالتقاط حتى ما هو غير مرئي
في بعض الأحيان، لكن يمكنها أيضاً التقاط الأشياء بطريقة مباشرة ومسطحة،
وبالنتيجة قد لا تحصل على أي شيء استثنائي".
ويعتقد بنسعيدي أن الجيل الصاعد من المخرجين المغاربة في
استمرارية للقديم، لأن "هناك أساس أنشئ، ويوفر لهم الفرصة لدفع مهاراتهم
نحو آفاق جديدة". ويضيف "إنهم يدفعون الحدود إلى أماكن أبعد... ويستكشفون
حرية الأسلوب، ويصنعون أفلاماً لأنفسهم، ويتبنون طموحاً متزايداً وأقوى
للتعمق في مختلف أنواع الأفلام".
في فيلمه الأخير "الصحارى" هناك إحساس بأن تلك العلاقة
بالعالم المادي تثير اهتمام بنسعيدي، أو في أقل تقدير، تدفعه إلى طرح
تساؤلات مثل: "ما أهمية الإنسان في مواجهة الممتلكات المادية؟" في فيلم
"الصحارى"، على سبيل المثال، نشهد السيد زموري، وهو شخص ثري ومحاط بالوفرة،
بينما تجد شخصية أخرى، لا تملك سوى الشجاعة. يبدو أن موضوع العلاقة
بالممتلكات واضح ويتردد صداه ليس فقط في فيل "الصحارى" بل أيضاً في أعماله
السابقة.
في هذا الصدد يقول بنسعيدي "نعم، في الواقع، لديَّ ارتباط
بالأشياء المادية. المال، بالنسبة إليَّ، ليس هو الاهتمام الأساس، لكن مثل
أي شخص آخر، لديَّ مخاوف عملية كدفع بدل الإيجار في نهاية الشهر، إلا أن
ذلك لم يكن أبداً القوة الدافعة بالنسبة إليَّ وراء صناعة الأفلام. لذا،
نعم، هناك علاقة شخصية بهذا الجانب يمكن لمسها في عملي. في بعض الأحيان، لا
أقوم بذلك عن قصد".
وحول حرية التعبير في أفلامه يقول بنسعيدي "عندما أفكر
بمسيرتي المهنية، هناك جانب واحد أفتخر به، وهو أنني لم أستكن أبداً. أعتقد
أنني تمتعت دائماً بالحرية في طريقة التعبير والقيام بالأشياء، وكي أكون
صريحاً مرة أخرى، لم أتعرض للرقابة أبدا. لم تكن هناك لحظات اعتبرت نفسي
فيها ’غير قادر على القيام بأمر ما‘. قد يحدث ذلك يوماً ما، من يدري. لكن
حتى الآن، استمتعت دائماً بحرية تناول المواضيع التي أرغب بها".
صوفيا العلوي
تجد فكرة الاستمرارية - كما ناقشها بنسعيدي - تجسيداً
مثالياً لها في أعمال المؤلفة والمخرجة الفرنسية-المغربية صوفيا العلوي،
ولا سيما في فيلمها "أنيماليا"
Animalia
الذي كان واحداً من أكثر العروض المنتظرة في المهرجان. فبعد الإشادة
الدولية بفيلمها القصير من نوع الخيال العلمي عام 2020 الذي كان بعنوان "لا
يهم إن نفقت البهائم"
So
what if the goats die،
ترجمت علوي موهبتها بمهارة إلى فيلم "أنيماليا" الآسر الذي صور في جبال
الأطلس، وأكسبها بجائزة "لجنة التحكيم" في "مهرجان صاندانس" السينمائي
المرموق.
تغوص المخرجة في هذا العمل في الديناميكيات المثيرة
للاهتمام بحيث تظهر الحيوانات سلوكاً غريباً من شأنه أن يؤثر في البشر
ويحفز استكشافاً عميقاً للمعتقدات ووجودنا الكوني. ومن خلال هذه الرحلة
السينمائية، يسلط الفيلم الضوء على تداعيات الرأسمالية والطبقة الاجتماعية
على المجتمع.
وتعترف العلوي في لقاء حصري مع "اندبندنت عربية" بأنها كانت
تشعر بالقلق قبل عرض فيلمها في بدلها الأصلي (المغرب) وذلك على رغم حصولها
على جائزة لجنة التحكيم في "مهرجان صاندانس" السينمائي.
وتقول العلوي، "كنت قلقة حقاً لأنني أعتقد أننا نصنع
الأفلام كي يكون لها صدى في اهتمامات الناس، لكنني أعتقد أن الفيلم أثار
بعض الجدل، فقد جعل الناس يخوضون في نقاشات حوله لفترة بعد مشاهدته، وهذا
يعد أكثر أهمية بالنسبة إليَّ من سماع شخص يقول إنه أحب فيلمي. إن معرفتي
أن عملي يثير النقاشات، هي ما يجعلني أرغب حقاً في صناعة الأفلام".
وتتفق العلوي أن الخيال العلمي كما في فيلمها "أنيماليا"
يساعد في التطرق إلى المواضيع التي يصعب التعبير عنها بالنهج التقليدي "لكن
في هذا الفيلم فإن المحتوى هو الذي فرض الأسلوب، إذ لم أكن يوماً من هواة
الخيال العلمي، لكنني أطرح على نفسي بعض الأسئلة حول بعض الأمور، وهذا
التساؤل أدى إلى هذا النوع من الفن السينمائي بشكل بديهي وطبيعي".
وتضيف أن فيلمها يطرح مواضيع عدة وعلى رأسها "المجتمع
الرأسمالي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمال" مع ما تشهده هذه البيئة من
صراعات طبقية عديدة، لافتة أن "’أنيماليا‘ هو فيلم يدعو الناس إلى فحص
ذاتهم ومساءلة أنفسهم قبل الإقدام على التذمر أو إلقاء الملامة.
وحول رمزية تعددية اللغات في أفلامها تقول العلوي، "في
الواقع، بالنسبة إليَّ إن استخدام اللغات يعكس ما ناقشناه للتو حول
الصراعات الطبقية والخلافات في العلاقات".
وتشرح أنها نشأت في المغرب وارتادت المدرسة الفرنسية، لكنها
لاحظت أن "هناك اتجاه سائد هنا يقول إن من الرائع التحدث بالعربية الفصحى
لأن من المفترض أن يقربنا ذلك من الشرق الأوسط. لكن في الحقيقة، هناك
ازدراء حقيقي للغة الأمازيغية. اسمي العلوي، وهو اسم عربي في العمق، وقوي
جداً في هذا السياق، لكن في الواقع، أنا أمازيغية. وفي كثير من الأحيان،
كنت أشاهد الناس وهم يحاولون الاستهزاء بالأمازيغيين أمامي، من دون أن تكون
لديهم أدنى فكرة عنهم".
وتختم بالقول "أجد أن من الخطر للغاية أن يكن أحد مثل هذا
الازدراء الذاتي، لأن المغرب بلد أمازيغي في الأساس، وهذا يدل على افتقار
عميق للثقافة التاريخية! لم أفهم قط هذا الفخر باللغة العربية على حساب
الأمازيغية التي هي لغة وطنية".
ليلى كيلاني
وكما هي الحال في فيلم "أنيماليا" للمخرجة العلوي، فإن
التنوع اللغوي الذي ظهر في فيلم "أرض الطيور" للمخرجة المغربية ليلى
الكيلاني – وقد عرض ضمن برنامج "بانوراما"
Panorama
في المهرجان - كان بمثابة استكشاف غامر آخر للتاريخ الغني للمغرب. فعلى
خلفية مدينة طنجة في شمال البلاد، يروي الفيلم قصة مراهقة بكماء لديها شغف
بالطيور، تستخدم باستمرار وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث عن زوال ملكية
أسرتها، ما يحمل في طياته عواقب وخيمة على جميع القرويين المعنيين.
ويصور عمل كيلاني، الذي لا يشكل نقداً مؤثراً لتأثير
الرأسمالية على البيئة فحسب، بل أيضاً تصويراً لا تأسف فيه للاضطرابات
العائلية، من خلال استخدام المشهد اللغوي الفريد لمنطقتها: التجانس السلس
في استخدام اللغات العامية والعربية والإسبانية والفرنسية.
وتلجأ كيلاني في فيلمها "أرض الطيور" ليس فقط إلى اللغتين
العربية والفرنسية التي تعودت عليها السينما المغربية لكن أيضاً الإسبانية،
مشيرةً إلى إن اللغة "هي سلاح مذهل في السياسة والهوية الإنسانية".
وتشرح قائلة "لقد قمنا بالتصوير في شمال المغرب، حيث نتحدث
الإسبانية أيضاً، وذلك لتسليط الضوء على علاقتنا بالعالم، وعلى ميلنا إلى
ارتكاب السوء لأننا نمزج كل شيء بصورة اعتباطية، ومن دون اعتذار على
الإطلاق. لذلك، أبدو حساسة تجاه مسألة استخدام اللغات في جميع أفلامي".
وتلفت كيلاني النظر إلى أن وقائع الفيلم تجري في منطقة
مختلطة تشكلت من خلال عوامل مؤثرة عدة، مضيفةً "نحن نتحدث بلغات عدة هناك،
ولا أحد يسأل نفسه ما إذا كان ينبغي علينا أن نتخلى عن أي منها عندما
نتحدث".
وتوضح بالقول "في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن اللغة
العامية في شمال المغرب تنبض بالكلمات الإسبانية، لذا واجهنا تحدياً
حقيقياً في الإنتاج عندما قررنا ألا نختار لغة ’صافية‘، بالاعتماد على لغة
واحدة فقط، سواء كانت الفرنسية أو العربية، أو حتى الإسبانية".
وتذكر كيلاني وجود مخاوف محتملة من أن يؤدي هذا الخليط
اللغوي إلى إثارة قلق بعض المستثمرين الذين قد يعتقدون أنه سيكون من الصعب
على المشاهدين فهم الفيلم، من خلال التساؤل عن اللغة التي تتداولها
الشخصيات التي تستخدم اللغة التي نتحدث بها نحن المغاربة هناك!" لكن الفيلم
بحسب المخرجة يجب أن يعكس الواقع كما هو.
صحافية وناقدة سينمائية |