عندما حضر توم
كروز إلى
مهرجان كان السينمائي هذا الأسبوع ليشارك في العرض الأول لفيلمه الجديد
"توب غان: مافيريك"
Top
Gun: Maverick،
كان رد فعل المعجبين كما لو أن العمل فيلم رائد أو أن كروز هو أول نجم
سينمائي يدخل قمرة
قيادة طائرة.
في الواقع، إنه يعتمد على إرث يمتد قرابة قرن من الزمان من
أفلام الطيران. في عام 1939، اختير فيلم المخرج هاورد هوكس "الملائكة فقط
لديها أجنحة"
Only
Angels Have Wings
الدرامي المثير الذي يدور حول الطيران للمشاركة في النسخة الأولى على
الإطلاق من مهرجان كان، لكن هتلر تدخل وألغي المهرجان مع بدء الحرب. في
قفزة سريعة بالزمن إلى الأمام، نجد أن مهرجان كان يثير ضجة كبيرة حول توم
كروز وفيلمه الجديد "مافيريك" بدلاً من ذلك، كما لو أنه يحاول التكفير عن
ذنبه في عدم قدرته على عرض فيلم هوكس طيلة كل السنوات الماضية.
في فيلم "توب
غان: مافيريك"
من إخراج جوزيف كوزينسكي، يعود النجم المتألق دائماً إلى شخصيته التي لعبها
في فيلم "توب غان" الصادر عام 1986 وهي الطيار المتهور "مافيريك" ميتشل.
لقي العمل مراجعات نقدية حماسية في الصحف قبل عرضه في مهرجان
كان لأول
مرة. من بعض التعليقات: "رحلة مثيرة" و"أفضل فيلم لكروز"، و"أكثر الأفلام
إمتاعاً في دور السينما هذا العام".
هناك نموذج دعائي عملاق لفيلم "توب غان" موضوع في المنتصف
على طول ممشى كروازيت، الطريق الرئيس المواجه للبحر في مدينة كان، حيث يوجد
مجسم ضخم للخوذة التي يرتديها كروز وشاشة تعرض لقطات تتكرر من دون توقف من
المعارك التي تدور في الفيلم.
ليس هناك ما هو غير عادي في الحضور القوي الكاسح للأسماء
السينمائية الكبيرة على السجادة الحمراء في مهرجان كان. كانت المرة الأخيرة
التي حضر فيها كروز هذا الحدث السينمائي قبل ثلاثة عقود، عندما عرض فيلمه
"بعيد وقصي"
Far
and Away
في الليلة الختامية لدورة عام 1992.
الأمر المختلف في حالة "توب غان: مافيريك" هو أنه منح
مكاناً بين الاختيارات الرسمية للمهرجان إلى جانب كل تلك الأسماء الموقرة
من الفنانين الذين يحب المهرجان الاحتفاء بهم. قال مدير المهرجان تييري
فريمو إن "هذا هو الأمر الذي نود الاعتراف به أيضاً: أن [كروز] ليس نجماً
فقط، ولكنه نجم يصنع سينما جيدة"، في توضيحه لماذا يحتفي المهرجان بنجم
أفلام رائجة مخضرم مثل كروز بهذه الطريقة المبالغ بها.
يبذل خبراء الدعاية في باراماونت قصارى جهدهم لإقناع
الجماهير بأن هذا العمل ليس مجرد فيلم صيفي رائج آخر تغلب عليه الصور
المنشأة بواسطة الحاسوب ومليء بالمؤثرات الخاصة، لكن أبطاله يؤدون كل تلك
المغامرات الجوية المثيرة الجنونية بشكل حقيقي.
سأل المخرج كوزينسكي أعضاء فريق التمثيل عندما كانوا يقومون
بتجارب الأداء لأدوارهم كطيارين شباب "أصغوا إليَّ، هذا ليس دوراً تمثيلياً
عادياً. ستكونون في طائرات سوبر هورنتس وتطيرون بسرعة 600 ميل في الساعة،
وتقاومون قوة جاذبية عالية. هل لديكم مشكلة مع الطيران؟".
قام كل من كروز والمنتج جيري بروكهيمر بإقناع نائب
الأدميرال دي وولف إتش ميلر الثالث، قائد أسطول المحيط الهادي الأميركي في
القوات الجوية البحرية آنذاك، -المعروف أيضاً بلقب "رئيس الأجواء"- بدعم
الفيلم، لذلك سمح لصانعي الأفلام باستخدام طائرات مقاتلة حقيقية أسرع من
الصوت من طراز
F/A-18.
تجاوزت ميزانية الفيلم 150 مليون دولار. شاهده على شاشات
IMAX
العملاقة ذات المؤثرات الخاصة وستعيش تجربة نابضة بالحيوية. لا تكاد القصة
تبدأ عندما نرى كروز يأخذ طائرة نفاثة في رحلة تدريب مارقة ليثبت للسلطات
البحرية أن الإنسان لا يزال قادراً على التفوق على الطائرات من دون طيار.
يدفع بالطائرة إلى أقصى إمكاناتها بينما يقود نفسه إلى أقصى درجات التحمل
التي يمتلكها الإنسان.
لكن العنصر الذي يفتقده فيلم "توب غان" الجديد، هو الأصلية.
أحد الأسباب التي جعلت الفيلم يذكرنا بشدة بأعمال أخرى هو أنه يشق الخط
نفسه بالضبط الذي سلكته جميع أفلام هوليوود الأخرى التي ظهرت قبله وتدور
أحداثها في الجو. من الفيلم الملحمي الصامت "أجنحة"
Wings
الذي أخرجه ويليام ويلمان عام 1927 وهو أحد الأفلام الأولى التي تناولت
موضوع القتال الجوي، إلى فيلم "ملائكة الجحيم"
Hell"s
Angels
لهوارد هيوز (1930)، و"دورية الفجر"
The
Dawn Patrol
لهاورد هوكس (1930)، وصولاً إلى "ذا بلو ماكس"
The
Blue Max
لجون غيليرمن (1966)، كان هناك عديد من الأمثلة الأخرى للأفلام الهوليوودية
عن الطيران.
تحمل هذه الأفلام بعداً شاعرياً لا تجده في أفلام الحرب
التقليدية. فأبطالها شبان شجعان، يؤدون رقصاتهم الأثيرية الشبيهة برقصة
الموت الأخيرة. إنهم يقاومون العوامل المحيطة بنفس قدر قتالهم أعداءهم. وما
بين المهام، يقضون أوقاتهم بين الشراب والحب. لا يأتون أبداً على ذكر
المخاطر التي يواجهونها أو الرعب الوجودي الذي يشعرون به عندما يقلعون
بطائراتهم. هناك صداقة حميمية ومنافسة شديدة بينهم.
يميل المخرجون الذين يصنعون أفلام الطيران إلى أن يكونوا
متهورين مثل الطيارين الذين يروون قصصهم. يذهبون إلى أبعد الحدود لتصوير
معارك جوية أكثر واقعية وحركات طيران صارخة.
من الممتع مشاهدة فيلم "أجنحة" للمخرج ويلمان، الذي مر على
إنتاجه مئة عام تقريباً الآن. وهو يحتوي على عديد من عناصر الحبكة وأنماط
الشخصيات الموجودة في أفلام "توب غان". بدلاً من شخصيتي مافيريك التي
يلعبها كروز وآيسمان التي يؤديها فان كيلمر، هناك في فيلم "أجنحة" الصديقان
المتنافسان اللذان يتحولان إلى طيارين بارعين تشارلز "بادي" روجرز وريتشارد
أرلين. كان الممثلان طيارين خبيرين. كما تلعب كلارا باو، التي يطلق عليها
لقب "إت غيرل"، دور المرأة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرجلين. تبدو
الطائرات قديمة مقارنة بالطائرات النفاثة الأنيقة التي يجلس كروز في
قمرتها. على الرغم من ذلك، يقدم "أجنحة" المزيج نفسه تماماً من الرجولية،
والمغامرات الرجالية ذات حس الإثارة العالي، والتعاطف الموجودين في فيلمي
كروز.
في بداية الفيلم، نرى مشهداً محيراً للغاية، حيث يلتقي
البطلان الشابان بزميل تزيد خبرته عليهما قليلاً هو كاديت وايت (الممثل
غاري كوبر)، الذي يستهزئ بفكرة حمل تمائم الحظ أثناء الوجود في قمرة
القيادة. يقول لهما وهو يغادر الخيمة "سواء كنت تمتلك الحظ أو لا تمتلكه،
عندما يحين موعد موتك فلا مفر منه". وبعد لحظات، يموت في حادثة ويتم جمع
ممتلكاته، ولا أحد يذكره بعدها.
يقول داتشي (الممثل سيغ رومان) متأسفاً في مشهد مبكر من
فيلم "الملائكة فقط تمتلك أجنحة" بعد مقتل طيار شاب آخر "لا يمكنني ببساطة
الاستمرار في قتل الشباب اللطفاء على هذا النحو". الجانب الغريب في الفيلم
هو أنه ليس فيلماً حربياً. تدور أحداثه في مدينة بارانكا الساحلية المتخيلة
في أميركا الجنوبية. يعمل داتشي الذي يملك شركة بارانكا للطيران على توظيف
طيارين شباب لينقلوا كل شيء من البريد إلى الأدوية. إنهم يستخدمون طائرات
قديمة متهالكة ويتعين عليهم التعامل مع العواصف الاستوائية والتضاريس
الجبلية الخطيرة.
القواسم المشتركة بين الفيلم و"توب غان" أكثر مما تتخيلون.
بدلاً من شخصية مافريك التي يلعبها كروز، فإن البطل الرئيس هو جيف (الممثل
كاري غرانت) الذي يتمتع بالقدر نفسه من الشجاعة ويبدو ساخراً للغاية،
المسؤول عن أعمال الخطوط الجوية كما أنه أفضل طيار فيها أيضاً. يبدأ الفيلم
بافتتاحية غريبة للغاية تشهد محاولة جو (الممثل نوا بيري جونيور) الدردشة
مع بوني لي (الممثلة جين آرثر)، وهي فنانة تعمل في ملهى ليلي كانت مارة في
المدينة. في إحدى اللحظات نراهما يتحدثان عن تناول شرائح اللحم على العشاء
معاً، وفي اللحظة الأخرى نرى جثة جو وهي تسحب من حطام طائرته بعد وقوع
حادثة. ومهما كان حجم الحزن أو الندم الذي يشعر به الطيارون الآخرون فإنهم
يخفونه. بعد عشرين دقيقة من وفاته، يبدو أن جو قد محيي من ذكرياتهم. نراهم
يشربون ويغانون في الحانة، ويتصرفون كما لو لم أنه لم يوجد على الإطلاق.
إنهم يعرفون أنهم إذا استسلموا لمشاعرهم الحقيقية، فلن يتمكنوا من العمل
ببساطة.
هناك ديناميكية مماثلة في فيلم "توب غان" الجديد. لا يزال
مافريك مسكوناً بوفاة طياره القديم نيك برادشو الملقب بـ"الوزة" (الممثل
أنتوني إدواردز) الذي ظهر في الفيلم الأول، لكنه، مثل جيف الذي يجسده
غرانت، يبقي مشاعره مكبوتة. أدى هذا إلى توترات كبيرة بينه وبين أحد
الطيارين الشباب الذين يدربهم، الملازم برادلي برادشو الملقب بـ"الديك"
(الممثل مايلز تيلر)، وهو نجل نيك.
هناك جو مسرحي مبالغ فيه وحتى كوميدي في "الملائكة فقط
تمتلك أجنحة". يصل التبجح المبالغ فيه درجة يصعب معها أخذ العمل على محمل
الجد. ترتدي الشخصية التي يؤديها غرانت زي رعاة البقر مع قبعة عريضة الحواف
تجعله يبدو مثل الممثل رودولف فالنتينو أكثر من كونه بطل أفلام أكشن
حقيقياً.
على كل حال، مثله مثل جميع أفلام الطيران التي أخرجها هوكس،
لا بد أن تكون القصة مؤلمة جداً حتى يرويها المخرج. كان شقيقه الأصغر كينيث
يخدم في القوات الجوية الأميركية خلال الحرب العالمية الأولى قبل مجيئه إلى
هوليوود لمتابعة مسيرته في السينما. في أوائل عام 1930، قتل هوكس إلى جانب
عديد من أفراد الطاقم الآخرين بعد اصطدام في الجو أثناء تصوير حركات جوية
مثيرة لفيلمه الجديد "هؤلاء الرجال خطيرون"
Such
Men Are Dangerous
(1930).
بدأ هوكس التصوير السينمائي الرئيس في فيلم الطيران الأول
الخاص به حول الحرب العالمية الثانية "دورية الفجر" قبل مرور شهر بالكاد
على وفاة شقيقه.
كتب المؤلف تود مكارثي في سيرته الذاتية عن هوكس "كان
هوارد دائماً أقرب إلى كينيث من أي شخص آخر، فقد تأثر بلا شك بوفاة أخيه
كما تأثر بأي حدث آخر في حياته... لقد بدأ يشيب بالفعل في سن الثالثة
والثلاثين، وتحول شعره إلى اللون الرمادي بالكامل بعد ذلك. على كل حال، كان
أمام الناس يحتفظ بحزنه لنفسه، ولم يتحدث أبداً عن كينيث لزوجاته وأطفاله".
إذاً، كان المخرج مثل شخصيتي جيف ومافيريك، ودفن مشاعره.
هناك كثير من المشاعر المكبوتة في "توب غان: مافيريك".
تصرفات كروز الغريبة الجريئة هي نوع ما من طريقته في إلهاء نفسه عن الحزن
والأسف اللذين يقضان داخله.
قد تكون الطائرات أسرع في فيلم "توب غان" الجديد، لكن كل
خدعة ومناورة، سواء في السماء أو في رواية القصص، قد قدمت من قبل. لولا فضل
هوكس وهيوز وكل المخرجين الآخرين الذين وصلوا إلى السماء قبل كروز، لما كان
قادراً على الإقلاع بأفلام "توب غان" من الأرض أبداً.
يبدأ العرض الجماهيري لفيلم "توب غان: مافيريك" في 27 مايو
(أيار). بإمكانكم مشاهدة فيلمي "أجنحة" و"الملائكة فقط تمتلك أجنحة" عبر
منصة البث الرقمي أمازون برايم.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 20 مايو 2022
© The Independent |