"رحلة
يوسف المنسيون" فيلم سوري يدخل عالم المخيمات
لمى طيارة
حياة اللجوء والعيش في المخيمات ليست وردية وغالبا ليست
إنسانية.
شارك المخرج السوري جود سعيد بفيلمه “رحلة يوسف المنسيون”
في الدورة الـ44 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والتي تختتم الثلاثاء
الثاني والعشرين من نوفمبر، وذلك في إطار مسابقة آفاق السينما العربية، وهي
المشاركة الثانية للمخرج ضمن تلك المسابقة بعد فيلمه “بانتظار الخريف” في
العام 2015 والذي توج عنه بجائزة أفضل فيلم.
منذ شهور قامت الدنيا ولم تقعد حين عرض على منصات التواصل
الاجتماعي الفيلم الروائي القصير “الخيمة 56” الذي كتبته سندس برهوم وأخرجه
سيف الشيخ نجيب، فقط لأنه تجرأ وخاض في قضية إنسانية تتمحور حول العلاقات
الحميمة بين الأزواج داخل أحد مخيمات اللجوء.
ورغم أن الفيلم كان قد توج قبلها بسنوات بجائزة أفضل فيلم
روائي قصير من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، إلا أنه،
في حينها، لم يثر حفيظة السوريين، ولم يلفتهم حتى بفوزه في مسابقة دولية،
لكن عرضه بتلك الطريقة المفتوحة وإتاحته بذلك الشكل العلني للمشاهدين كان
أشبه بالطعنة في أعراضهم على حد قولهم، وكأن سكان المخيم ليسوا بشرا مثلنا
لديهم هواجسهم واحتياجاتهم.
وأكثر من ذلك أثار الفيلم النعرات وتسبب بالأذى اللفظي
والمعنوي لأبطاله، لكن وبالمقابل كان عرضه بتلك الطريقة إيجابيا أيضا، فقد
حقق على الأقل أكبر نسبة مشاهدة لفيلم روائي سوري تشاهده الجماهير العربية،
وليس فقط السورية، كما أنه أعاد للواجهة وبقوة اسم المخرج سيف الشيخ نجيب،
وكشف عن موهبة لكاتبة لامعة في مجال الدراما ألا وهي سندس برهوم.
جود سعيد: في
الوقت الذي خرج فيه الكثير من السوريين إلى بلاد اللجوء خوفا من الحرب، فإن
يوسف وعائلته خرجوا خوفا على الحب
الهروب إلى الحب
تذكرت فيلم “الخيمة 56” وتلك الإشكالية التي واجهته مباشرة
بعد أن شاهدت فيلم “رحلة يوسف المنسيون” الذي افتتح عرضه العالمي الأحد
العشرين من نوفمبر في العاصمة المصرية، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي في دورته الـ44 في مسابقة آفاق العربية، وتوقعت مصيرا
مشابها له في حال أتيحت مشاهدته يوما ما للجماهير العريضة.
وتدور أحداث الفيلم الذي كتبه جود سعيد بمشاركة الصحافي
وسام كنعان عن قصة لأيمن زيدان الذي يلعب بدوره بطولة الفيلم، حول أسرة
يوسف التي مازالت تعيش في سوريا رغم كل الخراب، لكنها في لحظة ما ستضطر
مجبرة للهرب من البلاد واللجوء إلى أحد المخيمات القريبة من لبنان، في
انتظار فرصة أفضل للفوز بالحياة والحب.
ويقول المخرج “في الوقت الذي خرج فيه الكثير من السوريين
إلى بلاد اللجوء خوفا من الحرب، فإن يوسف وعائلته خرجوا خوفا على الحب، دون
أن يعلموا ما تخبئه لهم الأيام في البلاد الجديدة”.
ويعتمد الفيلم في سرد أحداثه على طريقة تقسيم العمل إلى
فصول معنونة، لتشير بشكل شبه مباشر لتطور الأحداث، فبداية الفيلم تتطرق إلى
حياة أسرتين متجاورتين في السكن وتربط بين مراهقيها علاقة حب، لكن حبهما
أصبح مهددا بالضياع بسبب الحرب وسيطرة بعض الجماعات، فيضطر يوسف (يلعب دوره
أيمن زيدان) للهرب برفقة حفيده زياد وحبيبته وخالتها متوجها إلى أقرب مخيم
ليؤمن ملاذا مؤقتا على أمل أن يكون أكثر أمنا وأمانا، لكن المخيم كغيره من
الأماكن العشوائية المكتظة بالسكان، يحكمه أيضا قانون الغاب وسلطة القوي،
وهي سلطة تسيطر بالدرجة الأولى على مصير النساء والأطفال.
ورغم أن الفيلم لا يغوص في تفاصيل الحياة اليومية لسكان
المخيم إلا بالقدر الذي سيخدم مصير تطور الأحداث لدى عائلة يوسف تحديدا،
إلا أنه يركز بشكل كبير على ذلك المراهق الهارب بسبب الحب برفقة جده
والباحث عن طوق نجاة، ولنكتشف لاحقا موهبته الخاصة، والتي تتمثل بعشقه لكرة
القدم، الأمر الذي سيجعله مادة دسمة لمخرجة أفلام وثائقية تبحث لها عن
موضوع داخل المخيم يمكن من خلاله أن تلقى تمويلا أو منحة إنتاجية، كما أنه
وبالمقابل ستكون كرة القدم بحد ذاتها الفرصة الوحيدة لزياد للخروج من
المخيم وتحقيق حلمه في أن يكون لاعبا محترفا، وليصبح بدوره بقعة الأمل
لأترابه من شباب المخيم، إنها قصة تشبه في الواقع العشرات من القصص التي
يتم تباعا استثمارها وتحويل شخصياتها وخاصة عبر السينما إلى أبطال، فيلم
“كباتن الزعتري” خير مثال على ذلك.
◙ الفيلم
لا يغوص في تفاصيل الحياة اليومية لسكان المخيم إلا بما يخدم مصير تطور
الأحداث لدى عائلة البطل
الاشتغال على التفاصيل
تتطور الأحداث بشكل درامي، فيرتبط يوسف بالخالة مجبرا
لحمايتها وحماية ابنة أختها، لكن رحلته لا تنتهي كما هو متوقع لها، فلا
نجاة لحفيده زياد وحبيبته ولا مجال لتحقيق الحلم، فالموت يلاحق الهاربين
منه أينما كانوا وحيثما حلوا سواء داخل المخيمات أو خارجها.
ولا يكتفي سعيد بتقديم فيلمه كاشفا إلى حد كبير ما تعج به
المخيمات من سلوكيات منحرفة وخاصة ما بين المراهقين، لكنه أيضا يؤكد أن
حياة اللجوء والعيش في المخيمات ليست وردية وغالبا ليست إنسانية.
ورغم أن الفيلم دراميا يروي أحداثا وتفاصيل حزينة وكئيبة
منذ بدايته وحتى نهايته إلا أن المخرج جعل المتعة فيه تتبلور عبر اللغة
السينمائية التي استخدمها بشكل أساسي لعرض فيلمه، وخاصة في اللقطات العامة
أو حتى القريبة جدا، فخفف بذلك من وطأة الحدث، وهو حين يفعل ذلك يعتمد
أسلوبا فنيا يعكس جمال الصورة في مقابل بئس الموقف وقتامته.
وشارك في بطولة الفيلم إلى جانب الفنان أيمن زيدان، سامر
عمران وربى الحلبي وسيرينا محمد ووائل زيدان ونور الصباح وحيان بدور وأحمد
درويش، ولن أتوقف في هذا الفيلم على أداء الفنان زيدان الذي اعتدنا عليه
وعلى حضوره والذي جاء في الفيلم طبيعيا ومناسبا جدا لدور الجد الذي يضحي
لأجل عائلته، لكنني سأتوقف عند أداء الفنان عمران أستاذ التمثيل الذي لعب
بإحساس عال وبحس كوميدي الدقائق الأولى من الفيلم، وكنت أرجو لو أن أحداث
الفيلم أتاحت له مساحة أكبر ليبرز فيها قيمته وقدرته كممثل بارع متمكن من
أدواته.
كما أردت التوقف على الأداء المميز والجريء الذي قدمته
الممثلة الشابة سيرينا محمد التي استطاعت أن تقدم شخصية درامية جديدة
ومختلفة عنها رغم ذلك تمكنت منها، كما يحسب للمخرج أنه استعان بوجوه شابة
تمثل للمرة الأولى واستطاع إدارتها بشكل جيد.
كاتبة سورية |