الدورة المقبلة من مهرجان القاهرة السينمائى هي دورة مهمة،
تشمل عودة الفنان حسين فهمى لرئاسة مهرجان القاهرة السينمائى، ومديرًا
جديدًا للمهرجان هو المخرج أمير رمسيس، الذي حاورناه عن مشاركته الأخيرة في
مهرجان كان، ورؤيته للدورة المقبلة من مهرجان القاهرة السينمائى.. كما تحدث
رمسيس خلال الحوار عن أبرز التحديات التي سيواجهها، ورأيه في قضايا متنوعة
ومختلفة.. وإلى نص الحوار:
■ بعد
حضورك لها، تقييمك للدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائى؟
- بعيدًا
عن أي تقييمات قد تكون إيجابية أو سلبية، يظل مهرجان كان هو قبلة صناعة
السينما، وينطلق منه موسم صناعة السينما في العالم، سواء على مستوى الأفلام
الفنية أو الجوائز، شاهدنا أكبر الأفلام الأمريكية هذا العام من خلال
المهرجان، وكان هناك احتفاء بالسينما الأمريكية في استعراض جوى شارك فيه
الطيران الفرنسى، هذا يعطيك انطباعًا على مدى رؤية هذا البلد للسينما
والصناعة بشكل عام.
■ هل
فيلم «مثلث الحزن» استحق جائزة السعفة الذهبية؟
- بالتأكيد،
فمخرجه من أهم مبدعى السينما المعاصرة، وأفلامه فيها عالم حداثى للتعبير
والسرد، واستخدام لفورمات الكوميديا بشكل جديد تمامًا، فالفيلم مجدد ومبهر
وذكى، كما أن مخرجه استطاع أن يصنع من الكوميديا فنًا عالميًا، فمشكلة
الكوميديا طوال عمرها أن ليس عليها إجماع نتيجة لاختلاف الثقافات وطريقة
استيعابها للكوميديا، فهو استطاع أن يصنع ضحكًا عالميًا في لغة التواصل
يفهمه أي مواطن في أي دولة في العالم، فالفيلم يستحق الجائزة مع استحقاق
أفلام أخرى للجائزة أيضًا، وهذه مشكلة المهرجانات الكبرى أن هناك أكثر من
فيلم يستحق التكريم والإشادة والاحتفاء.
■ فيلم
«صبى من الجنة» خلق حالة من الجدل ما بين مؤيد ومعارض له.. ما رأيك في حالة
الجدل المثارة حوله.. وهل استحق جائزة أفضل سيناريو؟
- أنا
ضد حالة الجدل المثارة حول الفيلم، فالفيلم أحداثه قائمة على الخيال، فأى
محاولة لمقارنته بالواقع حاليًا هي محاولة ظالمة ومزعجة بالنسبة لى، فهذا
عمل إبداعى قائم على الخيال، فحالة الجدل المثارة تُدخل الفيلم في مساحة لا
يحتاجها، ولا الجمهور يحتاجها، فنحن كجمهور نحتاج لأن نشاهد الفيلم ونحكم
عليه بعد مشاهدته وليس قبل ذلك.
■ هل
ترى أن الأعمال التي تتحدث عن مثلث الدين والجنس والفقر، تأخذ نصيب الأسد
في جوائز المهرجانات بشكل عام؟
- أحيانًا
يزيد بشكل إيجابى أو سلبى، حدثت محاولات من بعض المهرجانات السنوات الماضية
أن تكون جائزتها الأولى موجهة لسيدة من باب دعم المرأة، وذلك شىء غير مستحب
ويقتل فكرة عدالة تقييم السينما، فيجب أن نحكم على المنتج السينمائى نفسه
لا أن نحكم على هوية صاحبه.
■ ما
الذي شاهدته في مهرجان كان تتمنى أن تراه في مهرجاناتنا المصرية؟
- قدرة
المهرجان على جذب الجمهور، وتحديدًا مع إدخال عنصر محبى السينما لمشاهدة
المهرجان، فالقدرة على اجتذاب أعداد جماهيرية واسعة هو التحدى الأكبر لنا،
فنحن كنا منبهرين بأن عدد حضور مهرجان القاهرة العام الماضى وصل إلى 43
ألفًا، وهذا رقم ضخم بالتأكيد وحدث وسط ظروف جائحة كورونا، وهذا ما يدفعنا
هذا العام للتطلع للعدد أكبر من العام الماضى.
■ بمناسبة
حديثك عن الجمهور، هل المجتمع المصرى لديه وعى وثقافة احترام المهرجانات؟
- الموضوع
يتعلق بالتعليم، فلو هناك طفل فرنسى صالح دخل المدرسة، ستكون هناك حصة
دراسية يشاهد فيها فيلمًا ويناقش المدرس معه أحداث الفيلم، بجانب القراءة،
فمكتبة المدرسة فيها كتب عن السينما، ووجود متاحف تتحدث عن السينما، هذا في
فرنسا؛ أما في مصر، كم شخصًا يتابع الأوبرا؟ يشاهد عروضًا للباليه؟ يذهب
إلى المتاحف؟، نسب قليلة جدًا، فنحن نفتقد للتعليم وتذوق الفن في المدارس،
وجيل محبى السينما الموجود حاليًا في مصر هو جيل بنى نفسه بنفسه سينمائيًا،
فنحن نتحدث عن مائة وعشرين مليون مواطن، كم قاعة سينما تخدمهم؟ وأين
أماكنها؟ فاللأسف الشديد المصريون ينقصهم الوعى الجمعى السينمائى.
■ هل
الإعلام مسؤول عن ذلك؟
- لا
أريد التعميم، فهناك نسبة من الإعلام مهتمة بهذا الجانب، ونسبة مهتمة
بالجانب الساخن من المهرجانات، سأحدثك مرة أخرى عن فرنسا، وقت مهرجان كان،
كانت هناك برامج يومية تغطى فعاليات المهرجان وتستضيف ضيوفًا للتحدث عن
المهرجان، وتقدم تغطية للأفلام المعروضة يوميًا، وإذا عرض فيلم في المهرجان
لمخرج كبير، تعرض أفلامه السابقة لتذكير الجمهور بمنتجه السينمائى؛ في مصر،
إذا عرض فيلم في أحد المهرجانات المصرية، هل نسمع عنه بعد ذلك؟ هل يعرض على
إحدى القنوات التليفزيونية؟ يعود إلى بلده ولا نسمع عنه مرة أخرى، فالقنوات
الكبرى في العالم تقدم احتفاء خاصًا بالمهرجانات، تقدم شهرًا لأفلام مهرجان
برلين، القنوات الفرنسية تقدم أسبوعًا لأهم أفلام مهرجان كان على مدار
التاريخ، فهناك اهتمام وتركيز وتكثيف إعلامى غير موجود لدينا بالشكل الكافى
حتى الآن.
■ كيف
رأيت تواجد أسماء عربية ومصرية، مثل المخرج الكبير يسرى نصر الله والناقد
أحمد شوقى في لجان تحكيم المهرجان؟
- الأسماء
العربية بدأت في التواجد بكثافة في «كان» آخر أربع سنوات، فالمساحة تتزايد
عامًا تلو آخر، وكان محصورًا في السابق مهرجان كان على أسماء كبار المخرجين
المصريين، مثل المخرج الراحل يوسف شاهين والمخرج يسرى نصر الله، فهذان
الاسمان كانا يتواجدان باستمرار. وفى آخر أربع سنوات ازدادت الأفلام
والأسماء العربية بشكل كبير، وهذا شىء عظيم بالتأكيد.
■ الفنان
حسين فهمى تحدث في تصريحات سابقة عن أن لديك صلاحيات واسعة.. كيف ترى
وتتعامل مع هذه المسؤولية الكبيرة؟
- المسؤولية
مخيفة بالتأكيد، فأنت تحمل مسؤولية مهرجان بهذا الحجم والقيمة والسمعة، كما
أن اسمك يقترن باسم الفنان الكبير حسين فهمى، هذا شىء مخيف، فعندما أبلغنى
الفنان حسين فهمى بقرار تعيينى مديرًا لمهرجان القاهرة السينمائى، استعدت
ذكرياتى مع المهرجان في تسعينيات القرن الماضى كشخص هاو ومحب للسينما،
يشاهد أفلام المهرجان باستمتاع، فبالتأكيد مسؤولية كبيرة وشرف كبير كذلك.
■ أيضًا
تحدث في تصريحات سابقة عن أن الدورة المقبلة للمهرجان، يجب أن تشمل السينما
الآسيوية وسينما أمريكا اللاتينية بشكل كبير.. هل تتفق معه؟
- مهرجان
القاهرة من ضمن المهرجانات الكبرى في العالم، والصفة الدولية يجب أن
نراعيها في البرمجة بالتأكيد، فالمهرجان يجب أن يضم جميع سينمات العالم،
ويعرض المشهد السينمائى هذا العام بما يحتويه من أماكن وتنويعات مختلفة.
■ قبل
تعيينك، وخلال السنوات الماضية، ما هي ملاحظاتك على مهرجان القاهرة
السينمائى؟
- أتمنى
أن يعود المهرجان إلى وسط البلد مرة أخرى، بمعنى أن تكون هناك قاعات أكبر
في مناطق أخرى خارج الأوبرا، منها وسط البلد، فالأوبرا تشكل رهبة للناس
بالتأكيد ووجود المهرجان في الأوبرا شىء صحيح جدًا، فكل المهرجانات الكبرى
تتمركز في منطقة مميزة وكبيرة، ولديها القدرة على الانتشار في سينمات
متفرقة ومتنوعة، فلابد أن نزيد عدد الجمهور، وذلك بخروج المهرجان للجمهور
والاقتراب منه بشكل كبير.
■ رئيس
المهرجان السابق محمد حفظى، كان يوفر غطاءً ماليًا ضخمًا للمهرجان خلال
السنوات الماضية، والفنان حسين فهمى تحدث على أن المهرجان يحتاج إلى 50
مليون جنيه على الأقل.. كيف تتعاملون مع الشأن المالى الخاص بالمهرجان؟
- تحدٍ
كبير بلا شك، وأغلب مهرجانات العالم تخوضه اليوم باختلاف أحجامها، وأتمنى
أن نستطيع تقديم دورة مميزة بالميزانية المطلوبة والفنان حسين فهمى بذل
مجهودًا كبيرًا خلال الفترة الماضية في الحديث مع رعاة، وهو دؤوب جدًا في
هذا الأمر وأعتقد أنه سيحقق نتائج جيدة ومرضية.
■ هل
هناك مساعٍ حالية لاستقدام نجوم من «هوليوود» لحضور المهرجان؟
- نعمل
على هذا الأمر بالتأكيد، لأن هذا الأمر يحتاج إلى تواصل لمدة شهور قبل
المهرجان، لأن نجوم «هوليوود» جداولهم تتحدد بالسنة، نتواصل مع أكثر من جهة
لتحقيق هذا الأمر، ونتمنى أن نوفق في النهاية.
■ ما
سر عدم إقبال النجوم المصريين بشكل كافٍ على المهرجانات المصرية؟
- ليس
أغلبهم، دعنى أقُل لك أن هناك نجومًا يحبون مشاهدة الأفلام المختلفة وحضور
المهرجانات للاستزادة الفنية والثقافية، ونجومًا يهتمون بفكرة «الريد
كاربت»، والوقوف والتصوير عليه، لكن يحضر مهرجان داخل بلده؟ يحضر لو سيُكرم
فيه فقط لا غير، ولكن يجب أن نقول في النهاية إن هناك عددًا كبيرًا من
النجوم الكبار والشباب يحضرون المهرجانات والفعاليات والأفلام بشكل جيد.
■ في
الدورات السابقة، كان مهرجان القاهرة السينمائى بمثابة ملتقى ثقافى وفنى،
فيه ندوات لصُناع أعمال فنية، ودورات تثقيفية وأفلام مختلفة ومتنوعة.. هل
ترى أن فكرة الملتقى الثقافى والفنى التي حدثت خلال السنوات الماضية من أهم
الأشياء التي يجب الحفاظ عليها في الدورة المقبلة؟
- بالتأكيد،
قسم أيام القاهرة السينمائية من أهم الأقسام التي أُنشئت خلال الفترة
الماضية، وهذا القسم موجود في كل مهرجانات العالم، وتأخر تأسيسه عندنا
قليلًا، ويجب أن يتم الحفاظ عليه وتزويده بالتأكيد.
■ ما
أهم الأشياء التي تعلمتها خلال فترة عملك في مهرجان الجونة السينمائى؟
- معرفة
كواليس الصناعة بشكل دقيق، فأنت كمخرج لديك نوع من العلاقات بمنتجين أجانب
وممثلين، لكن أن تدخل إلى كواليس التوزيع والتسويق وشركات مبيعات الأفلام،
وبروتوكولات التعاون بين هذه الشركات والمهرجانات، هذا أهم ما استفدته خلال
فترة عملى هناك.
■ ما
الذي حققته في مهرجان الجونة وتتمنى تحقيقه في مهرجان القاهرة؟
- بشكل
أساسى الأفلام، القدرة على اختيار أفضل الأفلام العالمية للعرض في مهرجان
القاهرة.
■ ما
سر استقالتك من مهرجان الجونة؟
- خلافات
إدارية.
■ هل
استقدام نجوم للمهرجان تعتبره أقوى تحدٍ لك في الفترة المقبلة؟
- تحدٍ
لهم هم وليس لى، في النهاية لا تستطيع إجبار شخص على الحضور دون رغبته، لكن
دعنا ننظر إلى مهرجان كان، سنجد أهم النجوم تحضر هناك، ولا يبحثون عن
التصوير على الريد كاربت، بل حضور الأفلام وفعاليات المهرجان، فأتمنى أن
يكون هناك شغف بالسينما لدى بعض نجومنا وليس بالمميزات التي تقدمها لهم
السينما.
■ هل
سر غياب الأفلام المصرية عن المهرجانات العالمية يعود لفكرة القيود
الرقابية في الأساس؟
- لا
أظن الأمر يعود للرقابة، الأمر يعود إلى أن بعض الأفلام المصرية صالحة
للاستهلاك المحلى فقط، كلغة سينمائية، فهى صالحة للجمهور المصرى والعربى
بشكل أساسى.
■ هل
عملك في المهرجانات أخذ منك كمخرج؟
- إلى
حد ما.
■ ما
ملامح مشروعك السينمائى كمخرج؟
- تشغلنى
دائمًا فكرة الحدوتة، وتشغلنى الشخصيات التي أحكى عنها، بمعنى أن الشخصية
تكون في حالة من الجدلية بينها وبين المتفرج، يخرج المتفرج من الفيلم بنفس
الحالة التي عاشتها الشخصية، ويسأل نفسه نفس الأسئلة التي طرحتها وعاشتها
الشخصية مع نفسها.
■ كان
لك رأى في مصطلح السينما النظيفة.. هل تعتقد أن المناخ المجتمعى الحالى من
الممكن أن يعيد تلك المصطلحات مرة أخرى؟
- نحن
وصلنا لسقف التطرف الفكرى للجمهور، وقمة التمسك بالمعايير الزائفة للسينما،
خصوصًا مع انتشار السوشيال ميديا، فنحن في مرحلة ما بعد الوحش، وهذا صعب
تغييره إلا من خلال الصدمة، أن نقدم أعمالنا بحرية وجرأة، ومع الوقت ستظهر
أصوات عاقلة من الجمهور تشاهد الأفلام وتتذوقها وتتقبلها كمنتج سينمائى لا
تجب مصادرته أو الهجوم عليه قبل عرضه.
■ هل
من الممكن دعوة نجوم مهرجان المزاريطة السينمائى إلى مهرجان القاهرة؟
- وارد،
فأحمد مكى يجب أن يُدعى للمهرجان كممثل لمهرجان المزاريطة، لأنه ممثل ومؤلف
ومخرج، ومبدع مهم، هو وكل فريق عمل الكبير أوى، ولم نستقر على هذا الأمر
بشكل نهائى، لكن الفكرة واردة. |