وثائقي عن أزمة الأفيونيات الأميركية يفوز بـ"الأسد الذهبي"
في البندقية
المهرجان يمنح جائزة خاصة لجعفر بناهي تنديدا بتشدّد
الرقابة في إيران.
اختتم مهرجان البندقية السينمائي فعاليات دورته التاسعة
والسبعين التي طغى عليها هذا العام الالتزام بالقضايا الإنسانية، فبعد
تخصيصها حفل الافتتاح لدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، كان الاختتام
وبعض جوائز الدورة الحالية من نصيب مخرجين يتطرقون إلى مواضيع شائكة في
بلدانهم تعرّض حياتهم للخطر.
البندقية
– سلط
مهرجان البندقية السينمائي في ختام دورته التاسعة والسبعين الضوء على أزمة
الأفيونيات في الولايات المتحدة من خلال منح جائزة الأسد الذهبي لوثائقي عن
المصورة نان غولدن وكفاحها ضد هذه الفضيحة الصحية التي أودت بحياة مئات
الآلاف من الأميركيين.
ومنحت لجنة تحكيم المهرجان برئاسة الممثلة الأميركية جوليان
مور هذه المكافأة الأرفع في المهرجان للمخرجة والمصورة الصحافية لورا
بويتراس (58 عاما)، في ثالث تتويج على التوالي يُمنح لمخرجة، بعد الفرنسية
أودري ديوان المتحدرة من أصل لبناني العام الماضي عن فيلم “ليفنمان”،
والصينية – الأميركية كلويه جاو عن “نومادلاند” في 2020.
وبذلك يكون المهرجان قد كرّم مخرجة شغوفة بعملها تستكشف بلا
هوادة المواضيع الغامضة في الولايات المتحدة؛ فبعدما تطرقت في وثائقياتها
إلى الاحتلال الأميركي للعراق ثم إلى سجن غوانتانامو أصبحت بويتراس كاتمة
أسرار إدوارد سنودن الذي أبلغ عن تجاوزات الأجهزة الأمنية الأميركية،
وأنتجت معه سنة 2015 “سيتزن فور” الذي نال جائزة أوسكار في فئة أفضل فيلم
وثائقي.
◙ المهرجان
يكرم خصوصا لورا بويتراس، وهي مخرجة شغوفة بعملها تستكشف بلا هوادة
المواضيع الغامضة في الولايات المتحدة
ولا يكشف الوثائقي الفائز السبت، بعنوان “أول ذي بيوتي أند
ذي بلودشد” (كل الجمال وإراقة الدماء) ويحكي قصة المصورة الأميركية نان
غولدن وصراعها ضد أسرة ساكلر الثرية، أي معلومات مدوية لكنه يغوص في سيرة
المصورة البالغة 68 عاماً والمعروفة بتصويرها للأوساط الاجتماعية المهمشة
في نيويورك. وقد قاومت غولدن الموت مرارا لأسباب مختلفة؛ بدءا من الإيدز
وصولا إلى معركتها الأخيرة ضد إدمان الأفيونيات.
فقد خاضت نان غولدن، التي غادرت البندقية قبل إعلان
الفائزين بالجوائز، معركة شرسة غير متكافئة ضد منتجي الأفيونيات، وهي
مسكّنات تسببت في إدمان قاتل أودى بحياة نصف مليون أميركي على مدى العقدين
الماضيين.
ويمزج الفيلم بين القصة المشهودة عن حياة غولدن والحملة
التي شنتها لتحميل أسرة ساكلر وشركة الأدوية التي تملكها مسؤولية أزمة
المواد الأفيونية الأميركية.
ويتطرق الفيلم الوثائقي إلى هذه الأزمة بشكل مستفيض؛ فقد
كرّست المصورة التي كادت تموت بسبب إدمانها شهرتها في خدمة الكفاح ضد عائلة
ساكلر الثرية التي كانت تنتج أفيونيات الأوكسيكودون بموازاة رعايتها لأبرز
المؤسسات الثقافية العالمية.
وقالت المخرجة الأميركية خلال تسلمها جائزتها “عرفتُ أشخاصا
كثيرين يتمتعون بالشجاعة خلال حياتي، لكن لم أعرف أبداً أحداً مثل نان
غولدين التي كافحت ضد هذه العائلة ذات النفوذ الواسع”.
وخلال السنوات السبع الماضية شهدت الولايات المتحدة وكندا
أزمة صحية بسبب انتشار الأفيونيات. وتفيد إحصائيات رسمية بأن ثلث
الأميركيين يعانون من آلام مزمنة، دفعت الأطباء إلى وصف 289 مليون مرة من
هذه الأفيونيات في عام 2016 فقط.
وفي العام نفسه كان عدد الوفيات الناجم عن استهلاك جرعة
زائدة من الأدوية الأفيونية أو المواد الأفيونية غير القانونية في الولايات
المتحدة ما يعادل تقريبا عدد القتلى على الطرقات العامة، وأعلى بكثير من
ضحايا الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، مما دفع الرئيس السابق
دونالد ترامب إلى أن يعلن في عام 2017 أن الأزمة الأفيونية “حالة وطنية
طارئة”.
وغير بعيد عن القضايا الهامة وجه مهرجان البندقية السينمائي
رسالة سياسية ضد تشدد الرقابة في إيران، من خلال منح جائزة خاصة من لجنة
التحكيم للمخرج الإيراني جعفر بناهي، وذلك تأكيداً على الرغبة في عدم ترك
المخرج المسجون منذ يوليو يواجه مصيره وحده.
ويعرض بناهي (أحد أبرز الأسماء في السينما الإيرانية)، في
فيلم “الدببة غير موجودة” الذي تعذر عليه تقديمه شخصياً في “الموسترا” بسبب
وجوده في السجن، قصة مبدع محتجز في بلاده بما يتماهى مع واقعه للتنديد
-بشكل أفضل- بالقمع.
وكان بناهي (62 عاماً)، الذي بدأ مسيرته المهنية كمساعد
لعباس كيارستمي، قد فاز بجائزة الأسد الذهبي في البندقية عام 2000 عن فيلم
“الدائرة” وجائزة السيناريو في مهرجان كان السينمائي عام 2018 عن فيلم
“ثلاثة وجوه”، بعد ثلاث سنوات من نيله جائزة الدب الذهبي في برلين عن فيلمه
“تاكسي طهران”.
غير أن المهرجان الإيطالي، الذي غالباً ما يُنظر إليه كمنصة
إطلاق لسباق الأوسكار بعد “قصص النجاح” لأفلام مثل “نومادلاند” لكلويه جاو
المتحصلة على جائزة الأسد الذهبي سنة 2020 أو “روما” لألفونسو كوارون في
2018، لم يبتعد عن أجواء البهرجة التي يُعرف بها عادة.
فقد منح القائمون على هذا الحدث السينمائي جائزتيْ التمثيل
لنجمين هوليووديين معتادين على السجادة الحمراء، هما كايت بلانشيت عن دورها
في فيلم “تار” وكولين فاريل عن دوره في “ذي بانشيز أوف إينشرين”.
الفيلم يمزج بين قصة حياة نان غولدن والحملة التي شنتها
لتحميل أسرة ساكلر مسؤولية أزمة المواد الأفيونية
كما نال الإيطالي لوكا غوادانينو جائزة الأسد الفضي في فئة
أفضل مخرج عن فيلمه “بونز أند أول”.
في المقابل يسدد سجل الجوائز صفعة لشبكة نتفليكس العملاقة
في مجال البحث التدفقي، التي كانت تسعى للحصول على اعتراف بجدارتها في
الإنتاج السينمائي خلال “الموسترا”؛ فقد خرجت المنصة، التي حُرمت هذا العام
من المنافسة في مهرجان كان بسبب عدم عرض أعمالها في الصالات الفرنسية،
خالية الوفاض من المهرجان الإيطالي حيث قدّمت ما لا يقل عن أربعة أفلام.
ولم تقتنع لجنة التحكيم بأداء أنا دي أرماس لشخصية مارلين
مونرو في فيلم السيرة “بلوند” الذي ستبدأ نتفليكس عرضه في نهاية الشهر
الجاري، ولا بالسرد المضخم لوقائع عملية تمرد في إحدى الضواحي ضمن فيلم
“أتينا” للمخرج الفرنسي رومان غافراس.
والأمر نفسه ينطبق على المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس
إينياريتو الذي ضيّع الجمهور في متاهات فيلمه “باردو”، والأميركي نواه
بومباك الذي لم يسترجع سحر أفلامه السابقة مع عمله الجديد “وايت نويز”.
ويعد مهرجان البندقية واحدا من أهم المهرجانات السينمائية.
ويرجع جزء من شهرة هذا المهرجان إلى الجانب التاريخي؛ إذ يعد أقدم مهرجان
سينمائي في المنطقة، حيث أقيم أول احتفال على الإطلاق بالفن السابع في عام
1932. كما ساهم موقع المهرجان في شهرته الواسعة، فمدينة البندقية (فينيسيا)
لها طابع مميز من كافة النواحي، فهي مدينة قديمة البناء لكن لديها إيقاع
المدينة الحديثة. |