لماذا يعشق زيلينسكي الظهور في المهرجانات الفنية؟
الفن لا يزال حاضراً في ذهنية وثقافة الرئيس الأوكراني
ويبدو ولعه بتصدر صوره مسارح الأحداث الكبرى
حميدة أبو هميلة كاتبة
إذا لم تتمكن من أن تصبح ممثلاً من نجوم الصف الأول، فلا
تيأس، فقد تأتيك الفرصة لتسبقهم جميعاً، وأن تجد نفسك على شاشة عملاقة بين
كبار صناع السينما يتابعونك
وينتظرونك حتى تنتهي تماماً ليصفقوا.
هذا ما ينطبق على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي،
الذي حاول شق طريقه للعالمية كممثل كوميدي، وتحقيق النجاح اللافت بالطرق
التقليدية، لكنه حقق ما فاته بوسيلة لم تكن تخطر على البال.
يحتفل زيلينسكي (44 سنة) في 20 مايو (أيار) بمرور ثلاث
سنوات على تنصيبه رسمياً رئيساً لأوكرانيا، فيما يبدو مهتماً بالظهور في
المحافل الفنية والمهرجانات السينمائية
الكبرى بشكل يعتبره البعض مبالغاً فيه.
دعاية أم تضييع وقت؟
المتابع لسيرة ومسيرة زيلينسكي يلحظ تفضيل الرئيس الشاب
الطرق الاستعراضية، فالرجل الذي احترف السياسة من دون تخطيط، على ما يبدو،
حينما قرر الترشح للرئاسة اختار طريقة درامية، بدءاً من التوقيت الذي كان
في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2018، أي ليلة رأس السنة، وحرص أن يتزامن
إعلانه مع خطاب لسلفه بترو بوروشنكو، الذي كان لا يزال في السلطة حينها.
تلك النزعة الاستعراضية لم تتوقف حتى في ظل خسائر الحرب
المتوالية في بلاده، حيث يفضل الظهور في فيديوهات تصلح للاستهلاك على
السوشيال ميديا وتحقيق المشاهدات، فيما يسقط الضحايا وتقصف المباني ويشرد
السكان، ووسط كل هذا يظهر زيلينسكي وكأن لديه فريقاً كل ما يهتم به هو
متابعة أجندة المهرجانات. لكن أليست الدعاية جزءاً أصيلاً من الحرب ومن
لعبة السياسة وقد تستخدم كورقة ضغط في المفاوضات الحاسمة أيضاً؟!
إذن من حق الرئيس الأوكراني أن يستغل أي فرصة متاحة لمحاولة
حصد الرأي العام العالمي لصفه، ولمساعدة شعبه، فالتعاطف يخلق بدوره حلقات
من الدعم من ثم المساعدات، وهو ما نجح فيه لبعض الوقت، حيث قاد مشاهير
هوليوود مبادرات شتى للتبرع للمتضررين من الحرب.
وفي الوقت الذي تغلق فيه كل المنافذ أمام وسائل الإعلام
الروسية والنجوم الموالين للرأي الرسمي، الذي يبرر الحرب على الجارة
الأوكرانية، لدرجة عزل كل المنصات الحكومية التابعة للنظام الروسي، تفتح كل
المحافل للجانب الأوكراني من فنانين وإعلاميين، ويدخل الرئيس زيلينسكي،
الذي هو بالأساس كان ممثلاً معروفاً في بلاده قبل أن يغير وجهته إلى
السياسة على الخط.
زيلينسكي ظهر أخيراً على شاشة مهرجان كان السينمائي الدولي
2022 في كلمة ألقاها عبر الإنترنت، حيث فاجأ جمهور حفل الافتتاح، وهو
بملابسه العسكرية، بالحديث عن ضرورة الحديث عما يتعرض له الشعب الأوكراني
على يد القوات العسكرية الروسية، مؤكداً دور السينما في كشف نزيف الأرواح
في أوكرانيا.
كما استشهد الرئيس الأوكراني مجدداً بأول فيلم ناطق لتشارلي
تشابلن "الديكتاتور العظيم"، مؤكداً أن الديكتاتور سيهزم تماماً، في إشارة
واضحة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والفيلم كان قد عرض عام 1940،
ودارت أحداثه حول ما يجري في ألمانيا النازية واستعرض الفظائع التي ارتكبها
أدولف هتلر بحق الأبرياء.
أجندة الحفلات والمهرجانات
الفن لا يزال حاضراً في ذهنية وثقافة زيلينسكي، بل إنه يبدو
مولعاً بأن تتصدر صوره مسارح الأحداث الكبرى ذات الطابع الفني في العالم،
بخاصة أنه من أسس حزباً سياسياً باسم "خادم الشعب" انطلاقاً من اسم مسلسل
كوميدي قدم فيه دور مدرس أصبح رئيساً للدولة بالمصادفة عام 2015، ثم نجح في
أن يحقق شعبية، ولهذا يربط كثيرون بين الفيلم والتحولات التي حدثت في حياة
الرئيس الأوكراني، من منطلق أن فن التمثيل قاد صاحبه إلى فن السياسة.
لكن النجاحات، التي يحققها الرئيس الأوكراني على مسارح
الفعاليات الفنية لا تعني بأي حال من الأحوال أن الأمور تصبح أفضل على أرض
الواقع، فالخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية وهدم المزارات التاريخية
حقائق ماثلة أمام الأعين، وهي أقسى من أن تطمسها الحفلات أو تغطيها أضواء
الشاشات، فيما زيلينسكي، الذي اشتهر بقميصه الأخضر، الذي بات أيقونة
بالنسبة إلى البعض، لم تكن تلك هي المرة الأولى له التي يختار فيها مناسبة
فنية ليرفع من خلالها صوت بلاده.
في مطلع أبريل (نيسان) الماضي، كان للرئيس الأوكراني ظهور
افتراضي في حفل توزيع جوائز الموسيقى، التي تمنحها الأكاديمية الوطنية
لتسجيل الفنون والعلوم بالولايات المتحدة الأميركية، (غرامي)، حين طلب
الدعم أيضاً من النجوم حضور الأمسية، وناشدهم بالكتابة عبر حساباتهم
الرسمية لتعريف العالم بما يجري في بلاده، كذلك كان هناك رسالة رسمية من
أكاديمية الأفلام في أوكرانيا خلال حفل توزيع جوائز "بافتا" تتعلق بضرورة
دعم الشعب ضد الاجتياح الروسي، وهو الحفل الذي شهد السخرية من بوتين، وتضمن
حفل "أوسكار" صمتاً للتعبير عن رفض الحضور لما يجري.
شخصية تابعة وتشبيه يثير الجدل
اللافت أنه قبل أسبوعين تقريباً وصف الرئيس الأميركي
السابق، جورج دبليو بوش، فولديمير زيلينسكي بأنه وينستون تشرشل العصر،
الداهية السياسية وأبرز رؤساء المملكة المتحدة الراحلين، الذي قاد بلاده
مرتين في حقبتي الأربعينيات والخمسينيات.
أشاد بوش بشجاعة زيلينسكي في المقاومة والصمود أمام الجيش
الروسي، وذلك في لقاء جمعهما عبر الإنترنت، وإذا كانت تحية بوش الابن
للمقاومة لم تمر مرور الكرام على رواد مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره
الرئيس الذي قاد غزو العراق قبل ما يقرب من عشرين عاماً، فإن تثمينه موهبة
زيلينسكي ومقاربتها بصفات رئيس وزراء "تاريخي" مثل تشرشل، كانت محل جدل
كذلك.
وعن ظاهرة حرص الرئيس الأوكراني على الظهور في الفعاليات
الفنية، وماذا يقول علم النفس عن شخصية زيلينسكي، يرى الطبيب هاشم بحري،
رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن زيلينسكي "شخصية تابعة وليس لديه
حلول ابتكارية لما يمر به وطنه، الذي يتعرض لاعتداء، ولأنه شخص تابع يسير
وراء رموز السياسة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في ما يتعلق
بخطابهم الخاص بدعم أوكرانيا ومهاجمة روسيا، فيما هم بالأساس دول استعمارية
وبنوا مجدهم السياسي والاقتصادي جراء تلك الثقافة، التي تستحل ثروات بلدان
أخرى".
بحري أكد أن تصنيف زيلينسكي كشخصية تابعة "يجعله يستقي
تصرفاته من خطاب سياسيين يعادون روسيا، ويحاول الدعاية لهذا الخطاب بالظهور
في أحداث عالمية، مثل مهرجان كان أو حفلات أخرى بالولايات المتحدة
الأميركية، حيث تم تسهيل الظهور المتوالي له من قبل بلدان لديها آلة
إعلامية ضخمة، وتسيطر على أبرز الأحداث الفنية في العالم".
ولم يستبعد أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن يكون
زيلينسكي بهذا الظهور المتكرر "يحاول أن يعوض أموراً لم يتمكن من تحقيقها
حينما احترف مهنة التمثيل". مشيراً إلى أنه كان "ممثلاً محدوداً ولم يحقق
شهرة كبيرة خارج أوكرانيا، وبعض الدول المجاورة لها، وبالتالي لم تتح له
فرصة أن يكون نجماً رئيساً لأحداث فنية بهذا المستوى".
ممثل غير متحقق
ويرى أن زيلينسكي "ممثل غير متحقق، سعيد باهتمام العالم به
من خلال مهرجان لم يقترب يوماً من أن يكون عنصراً بارزاً فيه، فطريقته وهو
يتحدث تشبه طريقته في أداء الأدوار الكوميدية تماماً". مضيفاً أن تأثير ما
يفعله "غير مجدٍ بالمرة، فهو يعيش في بلد يتعرض للقصف، وبنيته التحتية
تدمرت، فيما قائده منشغل بأمور دعائية، ولكن التأثيرات الحقيقية غير
موجودة".
كلام الطبيب النفسي هاشم بحري، حول ما حققه زيلينسكي كممثل
يدعمه بعض الوقائع، حيث إن شهرته الأبرز كانت من خلال بطولة مسلسل "خادم
الشعب" بمواسمه، الذي أنتجته شركته مع معارفه، التي أنشأها مع أفراد فرقته
التي شاركت معه في أعمال متعددة خلال بدايته.
كما أن الوجود الأكبر، الذي حققه في هذا المجال بشكل عام،
جاء من خلال عمله منتجاً لا ممثلاً، والمسلسل في كل الأحوال لم يكن ليحقق
تلك الشهرة لولا وصول بطله ومنتجه إلى كرسي الرئاسة، خصوصاً أن العمل كان
معروضاً منذ سنوات على منصات عدة، بينها "نتفليكس"، لكنه لم يثر جدلاً أو
يصعد إلى قوائم الأعلى مشاهدة.
شهرة زيلينسكي حدثت بصورة أكبر في ما بعد بدخول أوكرانيا
الحرب ضد روسيا، فيما كثير من أعماله كانت عبارة عن أدوار ثانية ومشاركات
في برامج ترفيهية مثل "الرقص مع النجوم"، حيث فاز بالمركز الأول خلال
النسخة التي عرضت عام 2006.
وعلى الرغم من أنه حاول دخول المجال بشكل احترافي منذ نهاية
تسعينيات القرن الماضي، فإنه لم يحظَ بالفرص إلا مع السنوات الأولى من
الألفية الثالثة، وبينها مشاركته في أفلام مثل "الفرسان الثلاثة" و"الحب في
مدينة كبيرة"، كما كانت له تجارب في الدبلجة بينها فيلم
Paddington Bear"". |