ملفات خاصة

 
 
 

في رحيل دلال عبد العزيز:

أتكون الخشية من عتمةٍ لا من موت؟

نديم جرجوره

عن رحيل الفنانة

دلال عبدالعزيز

   
 
 
 
 
 
 

في إحدى لقطات "عصافير النيل" (2010) لمجدي أحمد علي، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه لإبراهيم أصلان، تطلب نرجس (دلال عبد العزيز) من زوجها البهي محمد أحمد عثمان (محمود الجندي)، أنْ يضع لمبة صغيرة في القبر عند وفاتها، فهي تخشى العتمة، وتريد ضوءاً ولو قليلاً يُزيل بعض خوفها هذا، ريثما تعتاد عتمة النهاية. جملةٌ قليلة الكلمات ـ تقولها امرأةٌ تتحمّل مصائب الدنيا وتبدّلاتها، كمن يواجه أقداراً وتحدّيات كي تمضي حياتها بأقلّ قدر ممكن من الهزائم والخيبات ـ تعكس شيئاً كبيراً من علاقة الفرد بالموت ورموزه، كالقبر والعتمة والفراغ والخوف. كأنّ الجملة تلك تُكثِّف، في ثوانٍ قليلة، ما يُناقض تفكيراً تقليدياً بالموت، وما ينقضّ على خُرافة الخلاص والراحة. فالراحة، بالنسبة إلى نرجس، تكمن في نورٍ ـ ضوء (للمفردتين تعابير أعمق من أنْ تكون مجرّد نور/ ضوء، بالمفهوم الشعبي العادي)، يحتاج المرء إليهما في عتمة المجهول.

في تلك اللقطة، تكشف دلال عبد العزيز (1960 ـ 2021) شيئاً عميقاً من حسٍّ بشريّ صادق وشفّاف إزاء موتٍ، يُصيبها في 7 أغسطس/ آب، بعد أشهرٍ من معاناة مريرة مع وباء كورونا، ورحيل زوجها سمير غانم، وبقائها وحيدةً في مجاهل العزلة والوحدة والمتاهة. أتكون نرجس حاضرةً معها في تلك الأيام القاسية، بما فيها من عتمةٍ وانكفاءٍ قاسٍ لكلّ متعة واشتغال وحضورٍ، يتنوّع بتنوّع أدوارٍ ومسائل وعلاقات، في السينما وخارجها؟ ممن تطلب دلال/ نرجس وضع لمبة في قبرٍ، يكون نهاية عمرٍ ومهنةٍ وحبٍّ وارتباكات ومصاعب وأحلامٍ ومُتعٍ وتناقضات؟ من هي الراحلة الآن: نرجس، أم دلال عبد العزيز، التي تؤدّي دور أمٍّ قلقةٍ من ارتباطات عاطفية بين ابنةٍ، ومن تظّنه الابنة حبيباً، في "أسرار البنات" (2001) لأحمد علي أيضاً؟

مع بثّ نبأ وفاتها، يخطر في البال هذان الفيلمان لمجدي أحمد علي، تكون دلال عبد العزيز نواة أساسية في تشكّلهما الدرامي والجمالي، وفي سردهما حكايات أناسٍ يُقيمون على الحافة الأخيرة لعيشٍ يُصاب بانقلابات، فإذا بالبعض يخشى انقلاباً على واقعٍ باهتٍ، لن ينجو من خرابه إلاّ بانقلابٍ دامٍ عليه، وإذا بالبعض الآخر يُكافح لنجاةٍ منشودة من خوف البعض الأول من كلّ تبدّل وخلاص.

لكنّ دلال عبد العزيز، في جانبٍ آخر من سيرتها المهنية، غير فاعلةٍ كلّياً في استكمال ما لديها من قدرة على أداء يُبهر، وعلى تمثيلٍ يخترق بعض المخبّأ في ثنايا روحٍ وقلبٍ ونفسٍ. تلك السيرة مليئة بعناوين تتوزّع على السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، وبعض الأعمال مرتبطٌ بالـ"فوازير"، إلى حدّ يستحيل التوقّف عندها كلّها، لكثرتها أولاً، ولفقدان بعضٍ غير قليلٍ منها لهيبة الأداء والدراما والنصّ والمعالجة، ثانياً. وهذا، إذْ يقول شيئاً من واقع، غير متمكّن من نفي ما تمتلكه دلال عبد العزيز من طاقة اشتغال، ومن تمكّن الحرفية في بلورة اشتغالها هذا، رغم أنّ عناوين سينمائية عدّة لها أقلّ أهمية وتشويقاً وتحفيزاً على التفكير والتأمّل من غيرها.

تلك الكثرة، المُنجزة بدءاً من عام 1977 (بحسب مراجع صحافية مصرية)، تحثّ على سؤال مرتبطٍ بثنائيةٍ، تبقى أساسية في صناعة الفنون البصرية والسمعية: هل تحول الوفرة دون براعةٍ دائمةٍ في اشتغال، يجمع المهني ـ الاحترافي بتجديدٍ وتطوير وبلورة؟ أم أنّها عاملٌ، من عوامل عدّة، يُساهم في صُنع تجديدٍ وتطوير وبلورة، في المهني والاحترافي معاً؟ لن تكون دلال عبد العزيز وحيدةً في هذا. ممثلون وممثلات كثيرون يبدون كأنّهم يملأون سيرهم الحياتية والمهنية بأكبر عددٍ ممكن من العناوين، بينما البعض القليل من تلك العناوين قابلٌ لأنْ يكون ممتعاً ومُثيراً للتفكير، وممتلكاً مفرداته المهنية والتقنية والفنية، إنْ تكن العناوين كوميدية أو درامية، وإنْ تكن مواضيع العناوين منفلشةٌ على الاجتماع والعلاقات والمشاعر والمسائل المختلفة للحياة اليومية.

هذا لا علاقة له بالأنواع. لدلال عبد العزيز خفّةٌ كوميدية طيّبة وهادئة، تحاول رفعها إلى مرتبة إضحاكٍ يتجاوز النكتة أو السخرية المبسّطتين. لها في الدراما باعٌ يتفوّق على كلّ شيءٍ آخر، رغم قلّتها. وفرة العناوين والاشتغالات تقول إنّ هناك رغبةً في حضورٍ دائمٍ، فالمهنة لعنة، وكلّ توقّف ـ ولو لوقتٍ قصير ـ يُغيِّب العاملين والعاملات في الفنون البصرية السمعية عن المشهد العام، ما يؤدّي إلى تقلّص الشعبية، وهذا ضرر في مهنةٍ ترتكز على الجماهيرية للاستمرار. لذا، يُصبح التنويع في الأنواع مقصوداً، والكثرة أيضاً، إذْ يجد هؤلاء فيهما فعلاً يوسِّع مساحةَ الشعبيّة، فالغالبية الساحقة من الناس تسعى إلى متعٍ لا علاقة لها بشيءٍ آخر، وندرة منهم تبغي نقاشاً عن أحوالٍ ومسالك وعيش.

يستحيل تسمية جميع العاملين والعاملات في السينما، المتعاونين مع دلال عبد العزيز، لتأدية أدوارٍ، يطرحون عبرها ومعها قضايا وقصصاً مختلفة. اختيار فيلمين لمجدي أحمد علي غير مرتبطٍ بنقدٍ يُكتب في رحيلها، بل بميلٍ ذاتيّ إلى عالمين، يختلف أحدهما عن الآخر، لكنّهما معاً يصنعان إحدى الصُوَر الجميلة لممثلةٍ، تغادر هذا العالم بعد وقتٍ قليلٍ على رحيل سمير غانم (20 مايو/ أيار 2021)، من دون أنْ يعرف أحدٌ إنْ تكن دلال عبد العزيز طالبةَ خدمةٍ أخيرة قبل الرحيل: "أرجوكم، لا تنسوا وضع لمبة صغيرة في قبري، فأنا أخشى العتمة".

لكنْ، أتكون الخشية، الأكبر والأخطر، من عتمةٍ، لا من موتٍ؟

 

####

 

فيروس كورونا وعائلة "سمّورة"

سما حسن

تجذبني تلك الزيجات المميزة والاستثنائية، ورغما عني، أجدني متتبعة أخبارها. لم أكن أعرف الكثير عنها، ولكن مصابها الأخير دفعني إلى أن أكتشف نقاطا كثيرة تقاطعت والتقت، لكي تنتج، في النهاية، أسرة عربية سعيدة، على الرغم من أنها لم ترزق بابن ذكر مثلا، وعلى الرغم من فارق العمر بين الزوجين مثالا آخر، وعلى الرغم من ذلك، فهذه العائلة كانت جاذبة في أي لقاء، والصور التي تُلتقط لها تدخل القلب بصفاء ضحكات أصحابها الذين لم يكونوا يعرفون ما الذي يُخفيه القدر لهم. وقد زادت الضحكات صفاء ورقة وحميمية تجعلك راغبا في أن تندسّ في خلفية كل صورة، حين صار للبنتين الجميلتين زوجان، وتحول الصهران ابنين بارّين بالأب الذي كان يقترب من الثمانين من عمره.

لافتة تلك البدايات الجميلة التي تستقطب الجماهير التي يغبطها بعضهم، ويحسدها الكثر، ولكن النهاية موجعة كما قلت، فوفاة الأب والأم في فترة قصيرة تقترب من الثلاثة أشهر تعتبر فاجعةً بكل المقاييس، فمهما بلغت الابنة الواحدة من عزّ وثراء واكتفاء، إلا أن فقدان الأب السند مصيبة، وفقدان الأم فاجعة، وكأن الموت قد قرّر أن يكتب بلغته، وطريقته، نهاية أو مرحلة جديدة من حياة هذه العائلة.

كانت الممثلة الراحلة دلال عبد العزيز تأسرني بوجهها المحبب الذي تعتقد أنه مألوف وتعرفه كثيرا، على الرغم من أنك لم تلتقِ به، فضحكتها آسرة حين تغيب عينيها. وإشراقة وجهها تذكّرك بوجهٍ صبيحٍ ألفته منذ زمن في حياتك الخاصة، وعلى الرغم من أنها قد ظهرت في بدايتها الفنية وجها جميلا، ولا تكاد تذكر لها دورا محدّدا يستحقّ أن تقف عنده، إلا أن الأيام قد صقلتها، وكلما تقدّمت في العمر أصبحت قادرةً على الاختيار الصحيح الذي لا يعتمد على ثيمة البنت الجميلة بيضاء البشرة، وهذا اللون الجاذب بين السّمار الذي شاع عن البطلات المصريات المحبّبات من بنات جيلها.

كانت دلال عبد العزيز في أدوارها الأخيرة مع تقدّمها في العمر، واكتسابها وزنا زائدا، مبهرة مثل أدوارها التي قامت فيها بدور الأم بكل حالاتها، لأنها أثبتت بالفعل أنها تمتلك موهبة لا تعتمد على الجمال الذي قدّمها في بداياتها. أبهرتني في قصة زواجها من الكوميديان الشهير الذي كان يكبرها بأكثر من عشرين عاما، فحين شعرت أنها تحبّه لم تتردّد في ملاحقته وإيقاعه في فخّ الزواج، وهو الفخّ الذي كان يتهرّب منه طوال سنوات عمره، واكتشفت بعد ذلك أنه كان يحبّها، ولكنه كان متخوفا بسبب فارق العمر بينهما، وخوفه من أن ينجب في سن متأخرة، ولكن الزوجة الشابة الجميلة بدّدت مخاوفه وكوّنا معا عائلة علمتنا درسا عظيما، أن البدايات المتأخرة كثيرا ما تكون أكثر روعة من البدايات المحسوبة.

تبهرك حكاية "عائلة سمّورة" في الفصل الأخير من حياتها بفقدان الوالدين في فترة وجيزة وبالسبب نفسه؛ فيروس كورونا الذي أصيب به معظم أفراد العائلة، ولكنه حصد روحين هما الأساس والقاعدة، فعمر الأب المتقدّم لم يمكّنه من المقاومة. أما الأم فقد أصيبت بحالةٍ نادرة من حالات التعافي من هذا الفيروس الذي لا يزال العالم يصارعه، وتعرف هذه الحالة باسم "متلازمة كوفيد طويلة الأمد" التي تتسبب بفشل تنفسي وتليفات فى الرئة.

العائلة التي فقدت الأم والأب بسبب فيروس كورونا مثالية، ولكنها اليوم مثل أي عائلة تنقلب حياتها رأسا على عقب، مثل أي عائلة فلسطينية مثلا يُهدم بيتها فوق رؤوس أفرادها، فيفقدون الأب أو الأم مثلا أو كليهما، ويصبح على الأبناء أن يواجهوا الحياة من دون من كان يكرمهم الناس من أجله، ومن كان يكرمهم الله من أجلها. ومع اختلاف بسيط؛ أن لدى ابنتيْ "سمورة ودلال" الرصيد الفني والمادي الكبير، إلا أن الفقد مؤلم، وسوف تترجمه المناسبات والمواقف التي تستوجب وجودهما، وسوف تشعران بوجع الفقد أكثر لغيابهما.

 

العرب الجديد اللندنية في

11.08.2021

 
 
 
 
 

دلال عبد العزيز.. رحيل ممثلة كبيرة وسيدة عظيمة!

كتب محمد عبدالرحمن

ستمر الأيام، وينسحب الحزن من الملامح والوجوه ويستقر فى مكانه الأثير «القلب»، بعدها ستنتعش الذاكرة لتعطى لممثلة من طراز فريد حقها، الممثلة هى «دلال عبد العزيز» التى رحلت عن عالمنا السبت الماضى بعد معاناة مع المرض، رحلت وسط أحزان ودموع وآلام بسبب فقد سيدة بسطت محبتها على الجميع، أسرتها وصديقاتها وزملاءها وأناسًا لا نعرفهم هى تعرفهم، غادرت وهى لا تعلم أن زوجها رفيق مشوار الحياة الكوميديان المتفرد قد رحل قبلها بثمانين يومًا، رافقها حياتها ولحقته هى فى مماته،

كل هذا الحزن لم يوف للممثلة دلال عبد العزيز حقها فى أن تصنف كواحدة من الممثلات البارزات فى العقود الأخيرة، خصوصًا على مستوى الدراما، الكل ركز على أننا نودع سيدة غاية فى الرقة والطيبة والجمال، لكننا فى السطور المقبلة سنودع ممثلة غاية فى التمكن والقدرة والإتقان

«لحظة ميلاد الفرح كان فى حبيب رايح» كلمات فؤاد حجاج الشهيرة من تتر مسلسل «حديث الصباح والمساء» استخدمها البعض لوداع دلال عبد العزيز دون انتباه إلى أن وجود دلال فى هذا المسلسل، من أبرز العلامات على كونها ممثلة من طراز خاص، المسلسل الذى مضى على عرضه قرابة 20 عامًا قدمت فيه دلال بامتياز شخصية «نعمة المراكيبي» وهى فى عز نضجها الفنى كممثلة، قبل أن تبدأ أدوار الأمومة التى حققت لها شعبية كبيرة، لكن لأن الأعمال التليفزيونية فى تلك الفترة كانت تعتمد على اسم النجم الرئيسى أو على شهرة العمل نفسه لم يكن النقد وقتها يتوقف أمام المستوى الذى تظهر عليه كل ممثلة  أو ممثل على حدة، دلال بدأت مشوارها الفنى بسلسلة من الأدوار الخفيفة، سواء فى السينما نهاية سبعينات القرن الماضي، أو على المسرح مع سمير غانم وجورج سيدهم فى مسرحية «أهلًًا يا دكتور» أدوار الفتاة الجميلة البسيطة على الشاشة أو الفتاة التى تأتى ثالثة فى الأهمية بعد الكوميديانات الكبار على المسرح لا تسمح للممثلة بأن تظهر كل ما لديها مبكرًا، وبعد تشكيل الدويتو مع سمير غانم فى سلسلة من الأفلام التى لم تحظ أيضًا بتقدير نقدى وظلت قرابة 20 عامًا محصورة فى هذا الإطار، ممثلة معروفة زوجة نجم كوميدى شهير، وأم لطفلتين بمجرد أن كبرا قليلًا عادت للتألق لكن من خلال شاشة التليفزيون

مع الزعيم والفخرانى 

 سرعان ما تحررت  دلال من هذا الأمر أو لنقل سارت فى اتجاهين متوازيين، تتواجد مع سمير على المسرح تؤدى دور الفتاة التى يحبها بطل العمل باستمرار، لكن عندما يأتيها دور متميز تؤديه كما ينبغى دون أن تنتظر لقب النجمة أو تحلم بشباك التذاكر، ولأن السينما كانت لها معايير مختلفة دائمًا ظل التليفزيون ومن بعده المسرح الملاذ الآمن لدلال عبد العزيز، وقبل «حديث الصباح والمساء» بعدة سنوات قدمت واحدًا من أهم أدوارها على الإطلاق، فى مسلسل «لا» الشهير أمام يحيى الفخرانى حيث الممثلة التى تتمتع بشهرة كبيرة فى الأربعينيات وتلتقى الرجل الذى خسر كل شيء وتحبه رغم أى شيء وتظل إلى جواره ليستعيد اسمه وكرامته وكذلك زوجته، مشاعر متناقضة لا تؤديها إلا ممثلة متمكنة، ومع الفخرانى أيضًا برعت دلال عبد العزيز فى الفيلم التليفزيونى الشهير «مبروك وبلبل» أول أعمال المخرجة ساندرا نشأت

مع عادل إمام قدمت الفيلم الشهير «النوم فى العسل» عام 1996، دور غير رئيسى لكن مشاهدها فى الفيلم لا ينساها الجمهور وكلها كانت مع الزعيم الذى عادت للوقوف أمامه مجددًا فى آخر مسلسلاته قبل عامين «فلانتينو» وقدمت شخصية مديرة المدرسة الحازمة المسيطرة بتمكن كبير، وصلت من خلاله دلال عبد العزيز إلى الدرجة التى تدفعها لأن تعكس الشخصية كما تريد دون النظر لباقى عناصر العمل، وهى درجة يحصل عليها فقط الممثل المجتهد الراغب فى تطوير نفسه والمنعزل عن منغصات النجومية والتترات والأفيشات وغير ذلك من مسببات تشتت انتباه أى فنان

الأم والأخت والجدة 

دراميًا أيضًا لا يمكن تجاهل مسلسل ذائع الصيت قدمت فيه شخصية الأم والشقيقة والجارة هو «سابع جار» وكان من الأعمال التى لمع من خلالها اسم دلال فى السنوات الخمس الأخيرة وقدم جيلًا جديدًا من الممثلين، وأنهت مشوارها مع التليفزيون أيضًا فى شخصية الأم لعمرو سعد فى «ملوك الجدعنة» مع مصطفى شعبان وياسمين رئيس، بينما جسدت «الجدة» فى آخر أفلامها «أعز الولد» والذى عُرض عبر إحدى المنصات قبل عدة أشهر

وفى أعمال كوميدية لا تقوم هى فيها بشكل مباشر بمهمة الإضحاك، نجحت دلال عبد العزيز بسبب البساطة التى تعاملت بها مع الشخصيات التى تؤديها وحكاية العمل ككل جعلت وجودها على الشاشة محببًا أيًا كانت المساحة وجعلتها دافعًا لبطل العمل فى أن يخرج أفضل ما عنده، فعلى سبيل المثال لا يمكن المرور على تجربة أحمد مكى فى أول ظهور لشخصية حزلقوم دون الالتفات لكون والدته فى الأحداث هى دلال عبد العزيز، نتكلم طبعًا عن فيلم «لا تراجع ولا استسلام ..القبضة الدامية» وشخصية «سميرة سمير» فى فيلم «سمير وشهير وبهير»،  ومع صعود نجومية دنيا وإيمى سمير غانم كان منطقيًا أن تكون هى الأم الأكثر تكرارًا فى أعمالهما دون أن يعترض الجمهور على هذا التكرار وكأن حالة «الارتياح» الموجودة فى البلاتوه قد وصلت للجمهور فى منازلهم، واللافت أن دلال عبد العزيز توفيت عن عمر 61 عامًا ليكتشف البعض أنها تؤدى شخصية الأم بانتظام ربما قبل أن تصل للخمسين ودون أن تعترض على كونها «لسة صغيرة» على هذه الأدوار، ما أهلها لتكون خليفة شرعية لكريمة مختار لولا أن كورونا لم يمهلها طويلًا أو ربما اشتاقت سريعًا لسمير غانم الذى سبقها للسماء دون أن يخبرها أولًا عكس عادته طوال 35 عامًا جمعت بينهما فى منزل الزوجية.   

 

####

 

ثنائية دلال عبدالعزيز وسمير غانم

كتب إيمان مندور

بعد رحلة مرض استمرت أكثر من 4 أشهر منذ إعلان إصابتها بفيروس كورونا، وبعد 78 يوما من وفاة زوجها الفنان سمير غانم، رحلت الفنانة دلال عبدالعزيز صباح السبت، السابع من أغسطس 2021، عن عمر ناهز 61 عاما، تاركة خلفها إرثا فنيا كبيرا، ومحبة فى قلوب الجماهير أكبر من هذا الإرث بكثير.

الحب والزواج والمرض

بالرغم من التحولات الفنية الكبيرة فى حياتها، إلا أن الحياة الأسرية للفنانة دلال عبدالعزيز كانت صاحبة التحول الأكبر فى مسيرتها، فكانت مسرحية «أهلاً يا دكتور» بداية تعرف الجمهور عليها، وأيضا بداية معرفتها وعملها مع الفنان سمير غانم، حيث اشتعلت قصة حب بينهما، رغم فارق العمر الكبير الذى يزيد على 20 عاما، فقد أحبته دلال وطاردته طوال 4 سنوات، بحسب تصريحات سابقة لها، إلى أن تزوجا فى عام 1984.

نقطة التحول الأكبر فى هذه المحطة العائلية كانت الابنتين «دنيا وإيمى»، فقد أنجبا فى العام التالى من الزواج مباشرة ابنتهما الكبرى «دنيا» فى 1 يناير 1985، وبعد عامين أنجبا الابنة الثانية «إيمى» فى 31 مارس 1987. وهنا شعر سمير غانم بمعنى الأسرة والاستقرار، فقرر الانضباط فى حياته من أجل بناته، وتنظيم أوقاته بشكل أكبر حتى تستمر سعادته مع زوجته.

ويبدو أنه كما جمعهما الحب والزواج والفن جمعهما أيضا المرض والموت، فجاءت الإصابة بفيروس كورونا فى توقيت واحد، وتدهور الحالتان فى توقيت واحد أيضا، لكن سمير غانم رحل أولا، ثم ما لبثت أن لحقت به دلال، دون أن تعرف حتى بوفاته، فقد حرصت ابنتاها وزوجاهما على إخفاء نبأ وفاته عنها، حتى لا يؤثر ذلك على حالتها النفسية، وبالتالى تضعف مناعتها، لكن يبدو أن قلبها كان يشعر بما حدث، فكانت كلما أفاقت من غيبوبتها سألت عنه، فيخبرونها أن حالته لا تزال حرجة، لدرجة أنه تم تعليق ورقة على باب غرفتها بأن «المريضة لا تعرف نبأ وفاة زوجها»، حتى لا يخبرها أحد من طاقم التمريض والأطباء بالأمر، فتحزن وتضعف وتزداد حالتها سوءا.

واجب تقديم العزاء

معروف عن الفنانة الراحلة حرصها على تقديم واجب العزاء لكل من تعرف، بل وصل الأمر لديها لدرجة الرغبة فى مواساة من تقرأ أخبارا عن وفاتهم أو وفاة ذويهم فى الصحف والمجلات.. «والله أما بقرأ فى جورنال مثلا إن حد عمل حادثة أو مات لأى سبب بعيط وببقى عايزة أروح أعزى أهله وأواسيهم».

كشفت دلال فى لقاء تليفزيونى سبب حرصها الشديد على ذلك، موضحة أن بداية القصة تعود لما علّمته لها والدتها منذ الصغر، بأن العزاء واجب، وأن المرء يمكن أن يغيب لأى سبب عن مشاركة الآخرين أفراحهم، لكن العزاء لا بد من حضوره. وبالفعل استمرت دلال على نصيحة والدتها منذ الطفولة، لدرجة أن زوجها أطلق عليها لقب «عزاء عبدالعزيز»، ساخرا من كثرة حضورها الجنازات برفقة صديقتها رجاء الجداوى.

الأمر انتقل من الأم لابنتيها، فقد حرصت على تعليمهن نفس ما أوصتها به والدتها، فكانتا تحضران معها لتقديم واجب العزاء، ومن تتغيب يكون الأمر لظروف قهرية.. «بناتى اتعلموا منى دى وبيعملوا كده على طول، مبيتأخروش عن حضور أى جنازة أو عزاء ما دام فاضيين، بيروحوا دايما حتى لو أنا مش معاهم.. هى دى الأصول».

سر السبحة الحمراء

خلال تصوير مسلسل «لا» الذى شاركت فى بطولته مع الفنان يحيى الفخرانى،  وعُرض فى شهر رمضان عام 1994، بدأ ارتباط الفنانة دلال عبدالعزيز بـ«السبحة»، حيث بدأت تواظب على استخدامها فى أوراد الذِكر اليومية لها، وبدأ الأمر يتطور شيئا فشيئا، حيث شعرت أنها تستغنى بذكر الله عن الدخول فى أمور جانبية مثل الغيبة والنميمة، لكن سرعان ما تطور الأمر بشكل أكبر وأصبحت تخرج بها من المنزل، فكانت تستخدمها فى السيارة أيضا، إلى أن قررت أن تدخل بها لوكيشن التصوير وأى مكان آخر تتواجد فيه، فهى لا تفعل شيئا خاطئا، وتحتاج إليها بالفعل فى أوقات الراحة من العمل.

لم تلتفت دلال للسخرية والانتقادات بأنها تتظاهر بالإيمان من خلال ظهورها باستمرار ممسكة بـ«السبحة»، واستمرت الذكريات الطويلة بينها وبين «سبحتها»، لدرجة أنها أصبحت تتفاءل بـ«سبحة» معينة لونها أحمر.

وعنها تقول: «أكتر سبحة سبّحت عليها هى الحمرا دى فبقيت اتفائل بيها، لو نسيتها أحس إن هيجرالى حاجة، قعدت معايا 25 سنة بس اتقطعت فجبت واحدة تانية حمرا برضو، كنت الأول بمسكها دايما فى البيت، وبعدين بقيت آخدها معايا فى كل حتة».

تضيف دلال فى أحد لقاءاتها التلفزيونية الأخيرة: «بحس فعلا إنه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).. طبعا كان فى تريقة وانتقادات ويقولوا قاعدة لنا ماسكة السبحة، لكن تجاهلت الكلام ده وقولت دى حاجة بينى وبين ربنا، أنا ببقى مرتاحة وأنا بذكر ربنا عليها.. ده يضايق الناس فى إيه؟!».

 

صباح الخير المصرية في

11.08.2021

 
 
 
 
 

تغطية الجنازات أزمة في الصحافة المصرية

القاهرة/ العربي الجديد

على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المجموعات الخاصة بالصحافيين فيها، ساد استياء من تصريحات نقيب الصحافيين المصريين، بشأن تصوير وتغطية الجنازات والعزاءات، على خلفية بعض الانتهاكات التي وقعت في تغطية جنازة الفنانة المصرية الراحلة، دلال عبد العزيز.

نقيب الصحافيين المصريين، ضياء رشوان، اختصّ الإعلامي المصري، يوسف الحسيني، وبرنامجه الذي عرض مساء الاثنين 9 أغسطس/آب الجاري، ببيان رسمي قدم فيه اعتذاره بشكل شخصي وباسم جموع الصحافيين، لأسرة الفنانة الراحلة، واعداً بتقديم مشروع ميثاق أخلاقي خاص بتغطية الجنازات والعزاءات تصويراً وتحريراً. وحسبما جاء في بيان ضياء رشوان الذي تلاه يوسف الحسيني على الهواء مباشرة أمام ضيوفه الحاضرين لمناقشة مهنية تغطية الجنازات والعزاءات، لانشغال نقيب الصحافيين وعدم قدرته على المشاركة في الحلقة، فقد قال نصاً: "يتقدم نقيب الصحافيين بأحرّ التعازي للأسرة الفنية عموماً، وعائلة الفقيدين الكبيرين سمير غانم ودلال عبد العزيز، خصوصاً، راجياً من الله قبولهما، أرجو من أسرة الفقيدة الكريمة دلال عبد العزيز، قبول اعتذاري الشخصي وباسم كل زملائي الصحافيين عن أي سلوك قد يكون صدر من بعض ممن ينتمي لمهنتنا النبيلة تصويراً أو تحريراً ويحمل أي إساءة أو تجاوز لحرمة الموت وجلال الجنازة وخصوصية كل حاضريها". وتابع ضياء رشوان: "وحتى نضمن عدم تكرار مثل هذه التجاوزات فإنني سأطرح على مجلس نقابة الصحافيين في اجتماعه القادم، مشروع "كود أخلاقي" لتغطية الجنازات والعزاءات تصويراً وتحريراً، يستقي بنوده من قانون نقابتنا وميثاق الشرف الصحافي والتقاليد المصرية الراسخة والخصوصية الواجب احترامها، وسأسعى فور إقرار هذا الكود للتنسيق مع كل الزملاء نقباء النقابات الفنية المعنية وكل المؤسسات النقابية والمعنية ذات الصلة لضمان تطبيق هذا الكود بالتعاون بيننا جميعاً".

اعتذار نقيب الصحافيين على الهواء أغضب صحافيين كثراً، دافعوا عن حق زملائهم في تغطية هذا النوع من المناسبات، على أساس أن الفنانين والمشاهير بشكل عام هم دائماً في بؤرة الأحداث، ومن حق الجماهير متابعة أخبارهم. والفريق المدافع عن حق الإعلام بتغطية هذا النوع من المناسبات، يرى أن مراسم تشييع جنازات المشاهير من رجال ونساء الفن والأدب والسياسة والإعلام والرياضة، تحظى باهتمام إعلامي كبير، بل إن بعض عائلات المشاهير يسعون إلى توثيق وتصوير مثل هذه المناسبات، للاحتفاظ بها على سبيل الذكرى.

لكن خلال تغطية هذه الأحداث قد يرتكب بعض المصورين والمراسلين مخالفات وتجاوزات تسبب مشادات ومشاحنات بين عائلة المتوفى ومحبيه، وبين مراسلي القنوات أو مصوري المواقع الاخبارية المكلفين تغطية الحدث. ومن هذا المنطلق تعالت الأصوات المطالبة بحظر تغطية جنازات وعزاءات المشاهير، بعد الأخطاء التي ارتكبها بعض مراسلي ومصوري القنوات والمواقع الإخبارية خلال تغطية جنازة الفنانة الراحلة دلال عبد العزيز.

وكان المرصد المصري للصحافة والإعلام، قد رصد عدداً من المخالفات المهنية التي وقعت خلال جنازة دلال عبد العزيز، وتلخصت بالتصوير من مسافات قريبة، واقتحام خصوصيات عائلة الفنانة الراحلة عبر تصوير مشاعرهم الطبيعية من بكاء وحسرة على موت فقيدتهم، والتعدي على حرمة الميت بتصويره داخل نعشه وفي أثناء الصلاة عليه، ومحاولة تصوير عملية الدفن، وملاحقة كبار النجوم الذين حضروا الجنازة وتصويرهم على غير رغبتهم.

وطالب عدد من نجوم الفن، وبعض الإعلاميين المتضامنين مع زميلهم رامي رضوان، زوج ابنة دلال عبد العزيز، دنيا، بحظر تغطية مراسم جنازات الفنانين احتراماً لمشاعر أسرته ومحبيه، نظراً لبعض الأخطاء المهنية التي يقع فيها المراسلون. أما الفريق المعارض لمنع تغطية الجنازات، فينطلق بموقفه هذا من المشاهد التاريخية التي لا تُنسى لجنازات شخصيات مصرية كبيرة، سواء على المستوى السياسي أو الفني، باعتبارهم شخصيات أثّرت في الوجدان المصري، لعل أبرزها جنازة كوكب الشرق أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وغيرهم.

ويؤكد الصحافيون والمصورون حقهم وحق الجماهير في توثيق هذه المشاهد التي تعتبر بمثابة وثائق تاريخية. ويرون أن أزمة تغطية العزاءات والجنازات تنتهي بوضع قواعد عامة ملزمة على الصحف، بعدم تكليف أثر من صحافي ومصور لنفس المهمة منعاً للتزاحم، حيث تحرص وسائل الإعلام على الدفع بفريق متكامل لتغطية الحدث والانتشار في موقع المناسبة. وطالبوا أيضاً بعدم تكليف المتدربين وصغار الصحافيين والمصورين لهذه المهام، والاعتماد على صحافيي الفن المألوفين لدى الفنانين والمشاهير، فضلاً عن اقتراح تصوير الجنازات من خلال لقطات كبيرة وزاوية واسعة، وعدم التقاط صور قريبة لأسرة المتوفى تظهر تأثرهم، فضلاً عن عدم انتهاك حرمة القبر وتصوير آخر لقطات الدفن. واعتبر الفريق الرافض لهذه الاعتذار والسعي نحو المنع، أن بعض الضوابط كفيلة بإنهاء الأزمة.

وكان المصور الصحافي المصري، وعضو شعبة المصورين الصحافيين بنقابة الصحافيين المصرية، عمرو نبيل، قد أعاد نشر وجهة نظره في تصوير جنازات المشاهير، مؤكداً أن تصوير الجنازات لأي مصور صحافي يعتبر من أثقل الموضوعات التي يُكلَّف تغطيتَها. وأضاف نبيل: "الآن وفي زمن الترند ومع انتشار وتعدد الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية، فكثيراً ما يقع المصور الصحافي في صراع بين أخلاقيات المهنة التي يحترمها وتعليمات مسؤول تحريره بقرارات وأوامر للحفاظ على الترند والمنافسة". وقال عمرو نبيل: "كل هذا وأكثر يحتاج إلى وقفة جادة وتنظيم وقرارات منها، السماح فقط بتصوير صلاة الجنازة والمشهد العام بعد موافقة أهل الفنان. وتجريم التصوير في لحظة الدفن بشكل واضح وصريح ومحاسبة المخالفين. ووجود أماكن خاصة لمن يرغب في الحديث للقنوات والمواقع يأتي إليها بمحض إرادته دون ملاحقة أو اقتحام من الصحافي. والتنبيه من المؤسسات بضرورة مراعاة الهيئة العامة للصحافي في هذه المواقف. ووجود نقاط ثابتة لتصوير المشهد العام".

 

العرب الجديد اللندنية في

12.08.2021

 
 
 
 
 

عندما أعاد مجدي أحمد علي اكتشاف دلال عبد العزيز

د. أمل الجمل

قدمت دلال عبد العزيز فيلمين مع المخرج مجدي أحمد علي، شخصياً أعتبرهما من أجمل أدوارها السينمائية، حتى يبدو كأن هذا المخرج أعاد اكتشاف المواهب المدفونة في قلب هذه النجمة وأعماقها. اختياره لها في حد ذاته له دلالة قوية عميقة. ففي «أسرار البنات» تقمصت شخصية عواطف، الأم المحجبة من الطبقة الوسطى المطحونة التي تعاني من تشدد زوجها دينيا وفكرياً، إذ يفرض حصاراً على ابنتهما الوحيدة ياسمين، مع ذلك يفاجآن بأن الابنة حامل. تُجهض الفتاة نفسها، ثم تحاول الانتحار مما يفجر العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية، منها ختان الإناث، والغلاء الفاحش، والفساد، والتشديد المفرط في تربية البنات، وكبت حريتهن.

هنا ترسم عواطف مشاعر الأم المصدومة المقهورة، بشعورها المختلط بين الرغبة في تعنيف ابنتها أو ضربها وفي نفس الوقت الخوف الشديد عليها. كل هذا الشعور المختلط يتم في لحظات، في جزء من الثانية أحياناً، فكيف لامرأة أن تفعل ذلك إن لم تكن موهوبة وقادرة على أن تنفعل بدورها، وتندمج فيه، وكأنها، هنا، تذكرنا بتعريف الاندماج عند بريشت، إذ كان يطلب من الممثل: «أن يرتبط بعلاقة معينة مع الشخصية التي يندمج بها، أن يضيف إليها تقييمها من الناحية الاجتماعية، وتمثيل حالاتها ومواقفها».

كانت دلال عبدالعزيز بارعة في توظيف صوتها، كانت تُجسد القوة والضعف، الفرح والحزن، بل مختلف حالات الشعور الإنساني عبر تدريجات أحبالها الصوتية كأنها تعزف مشاعرها صوتياً في نوتات موسيقية.

نسمعها تقول لأختها بصوت منكسر: «هو أنا هتقوم لي قومة تاني .. ما خلاص بنتي كسحتني..».. ثم في مشهد آخر لها مع ابنتها تعاتبها، تؤنبها، وربما تفضفض وتبوح بما يكتمه صدرها فتقول: كنت فرحانة بك ومصدقة… أتاريكي بتلعبي بيَّ، وأنا مش حاسة،، ليه بتعملي فيَّ كدا ليه؟

نلاحظ في مشاهد الحوار السابق تبدل درجات الأداء الصوتي والمراوحة بين الرقة والعنف والفرح والإحساس بالخديعة، لكن التنقل يتم بليونة وسلاسة كبيرة.

كذلك بمشهد ثالث توظف عيونها وإيماءات جسدها للتعبير عن الخوف المرعب على ابنتها لحظة الانتحار.

ثم في مشهد رابع عندما علمت أن الطبيب أجرى لابنتها عملية الختان تقول بغضب مكتوم: «بيربيها لنا..».

أما في مشهد المواجهة الذي يجمعها وأختها مع الطبيب المتشدد نسمعها تتنقل بين مختلف الانفعالات وتلونها بمهارة المحترفين، فتجمع بين مشاعر الخوف والتوتر ثم الانقلاب إلى الجرأة والغضب دفاعاً عن الكرامة فتصرخ - لكن بتون منخفض لئلا يسمعها الآخرون - في وجه الطبيب حينما يتطاول عليهن. ثم في نفس المشهد عندما يتركهن الطبيب وينصرف يرتفع صوت أختها محتجاً فتشعر عواطف بأن المرضى بدأوا ينظرون إليهن. هنا نسمعها تقول في رجاء وخنوع: «خلاص بلاش فضايح.. الناس بتبص علينا.. بقينا بنتدارى زي المجرمين».

عصافير النيل

أغلب مشاهد دلال عبد العزيز فيلم «عصافير النيل» - المقتبس عن رواية إبراهيم أصلان - يُمكن تدريسها ضمن فنون الأداء. وذلك رغم أن شخصية نرجس - التي تمثلها دلال عبد العزيز - والبهي - محمود الجندي - ليست رئيسية، فالعمل أساسًاً يحكي عن أخيها عبد الرحيم، مع ذلك تظل المشاهد الأكثر سحراً بالفيلم هى تلك التي تجمع نرجس مع زوجها البهي.

أحد أبرع وأصدق مشاهدها عندما ينطفئ النور فجأة فتأتي بتلك الحركة الشعبية الشائعة عن الخوف المفاجيء، إذ تبصق خفيفاً في صدرها قائلة: «بسم الله الرحمن الرحيم.. شغلانة إيه بس دي ياربي..» هذه الجملة على قصرها لكن درجات التلوين الصوتي والقدرة التعبيرية لها تجعلنا نحس بقلق وفزع هذه المرأة الريفية الشعبية في قلب الظلام وسندرك لاحقاً إلى أي درجة تخاف من العتمة.

أما المشهد الذي أعتبره «ماستر سين» عندما تجلس نرجس على الكنبة البلدي، لا نرى وجهها، حيث كانت تنظر من الشباك المطل علي الحارة.. فقط نسمعها تقول لزوجها البهي الذي يمضغ حبة قرنفل: «درسك تاني..؟ يا اخويا روح اخلعه.. مادام بيوجعك روح اخلعه.. كل الناس بتروح تخلع في مستشفى الموظفين..».

المدهش أننا لا نرى وجه نرجس، مع ذلك نشعر جدا بكل كلمة تقولها، فالتلوين الصوتي المتعدد الدرجات، بدءا من طرح السؤال ثم النصيحة لإبداء الرأي الحازم الذي لا يخلو من لوم، ثم قدرتها وهى تتنقل بين الرقة والحنيه والشدة والترجي بدرجة صوتية متوسطة وذلك عندما تحول دفة الحديث عن نفسها في الحوار ذاته كالتالي:

نرجس: ياريتك يا سي البهي لما أموت تبقي توصلي لمبة بسلك في التربة

البهي: إزاي الكلام ده..؟!

نرجس: إن شاء الله أسبوع واحد بس

البهي: دي تضرب يا ولية

نرجس: والنبي ما هيجرالها حاجة

البهي: طيب وهو حساب الملكين يصح شرعا في نور الكهرباء.. استغفر الله العظيم

نرجس: هو انت هيخس عليك حاجة؟ دا إنت هتاخد وصلة من عبد الخالق الحانوتي.. لمبة خمسين شمعة.. الحكاية كلها مش هتكلفك جنيه ونص.. أو يمكن جنيه وربع.. هو أسبوع واحد لحد ما آخد على الضلمة

البهي: طيب لو السلك ضرب وكهرب حد.. دا يموت وتبقى دوشة

نرجس: والنبي ما تعقدها يا سي البهي.

مشهد آخر ساحر لنرجس بالفيلم، ورغم أنها لا تتكلم فيه، لكن حركات جسمها هى التي تنطق بقوة تعبيرية غير عادية معبرا عن الفرحة الراقصة، وهو مشهد الجري في الحارة عندما علمت بخبر الإفراج عن ابنها، فخرجت مسرعة، وأخذت تجري بكل طاقتها، لكن الأهم أنها جعلت جسمها يتطوح يسارا ويمينا، أعلى وأسفل كامرأة مسنة بالفعل، بأداء رائع يأخذ العقل من قوة صدقيته، كما أن زاوية التصوير، وتحريك المشهد بالبطيء في المونتاج لعب دوراً في تكثيف دلالة الأداء وتعميق أثره.

المدهش أنه عندما نتأمل مهارات ابنة الشرقية ونفكر في أدائها - سواء مع مجدي أحمد علي أو مع الآخرين طوال مشوارها الفني الممتد عبر أربعة عقود والذي قدمت خلاله نحو ٢٠٠ عمل سينمائي ومسرحي وتليفزيوني - سنشعر أنها كانت لا تفكر في الشعور ذاته، وإنما تفكر بالظروف التي أدت للشعور وتلك التجربة واكتشاف الدافع من ورائها، الذي خلق الحالة الانفعالية والتجربة لدى الممثل، سواء من خلال المعايشة أو التجارب المكتسبة أو حتى المتخيلة، لذلك عند تجسيدها لأي شخصية مشحونة بالانفعالات والأحاسيس فإن دلال عبد العزيز في غمرة العواطف الجارفة - والأحداث المروعة أثناء فن الأداء - كانت قادرة على أن تُسيطر على درجات الانفعال ومستويات قوته وتأثيره، محددة أحاسيسها وانفعالاتها التي تخدم الدور والغرض الدرامي، وهو أمر يشي بيقظة العقل الواعي عندها، ربما لذلك كله رغم أنها تركت عالمنا بجسدها المادي، فإنها أبداً لن تفارقنا بإبداعها الخالد.

 

موقع "مصراوي" في

16.08.2021

 
 
 
 
 

رحلت قبل استكماله.. تفاصيل دور دلال عبد العزيز في مسلسل «عالم موازي»

مصير مجهول يلاحق العمل الدرامي

كتب: أحمد حسين صوان

حالة من النشاط الفني، عاشتها الفنانة الراحلة دلال عبد العزيز، حتى الأيام الأخيرة من حياتها، إذ كانت تواصل عملها بشكلٍ طبيعي، وتسعى لتحقيق نجاحات كثيرة، فقد حظيت بجماهيرية واسعة، وتمتعت بخفة ظل واسعة، ارتبط بها الأجيال الجديدة، لاسيما في الأعمال التي تُشارك فيها ابنتها الفنانة دنيا سمير غانم.

ورحلت دلال عبد العزيز، عن عالمنا، قبل استكمال تصوير عدد من الأعمال، لعل أبرزها مسلسل «عالم موازي» الذي كان من المُقرر عرضه في موسم رمضان الماضي، إلا أنَّ القدر حال دون ذلك، إذ أصيبت بفيروس كورونا، لتتسارع وتيرة الأحداث لتنتهي برحيلها يوم 7 أغسطس.

وكشف مصدر من داخل أسرة عمل «عالم موازي»، تفاصيل دور دلال عبد العزيز في المسلسل، موضحًا لـ«الوطن» أنَّها كانت تُجسد دور رئيس حي المنطقة التي يدور فيها الأحداث، إذ كان يجمعها مشاهد بغالبية الأبطال، لافتًا إلى أنَّها كانت قد انتهت من تصوير عدد كبير من المشاهد قبل الرحيل.

الانتهاء من تصوير 20 يومًا

وأوضح المصدر، أنَّ المخرج كان اجتاز أكثر من «20 يوم تصوير»، وكان يتبقى عدد قليل من المشاهد، إلا أنّ عدد من الممثلين، منهم دلال عبد العزيز، أصيبوا بفيروس كورونا، ليتوقف وقتها ولأجلٍ غير مسمى.

وأكّد أنَّ مصير مسلسل «عالم موازي»، مازال مجهولًا حتى الآن، لاسيما في ظل توقف الحديث تمامًا عن هذا المشروع، عقب وفاة الفنانة الكبيرة دلال عبد العزيز، قائلًا: «مش قادرين حتى نسأل عن المسلسل من باب الذوق.. مش قادرين».

أبطال مسلسل عالم موازي

يذكر أنّ مسلسل «عالم موازي»، من بطولة دنيا سمير غانم، ودلال عبد العزيز، وشيماء سيف، وعمرو وهبة، ومحمد أوتاكا، وهو من إخراج وإنتاج هشام جمال.

 

الوطن المصرية في

16.08.2021

 
 
 
 
 

دلال عبد العزيز.. أداء تلقائي لا يعرف الافتعال

بقلم: أسامة عبد الفتاح

** نجحت في السينما والمسرح والتليفزيون وحققت إنجازا غير عادي يشير إلى موهبتها وقدراتها ويؤكد تفوقها على كثيرات غيرها

أول ما يتبادر إلى الذهن لدى استعراض مسيرة الممثلة الكبيرة دلال عبد العزيز (1960 – 2021)، التي رحلت عن عالمنا 7 أغسطس الجاري، أنها صاحبة موهبة لافتة لم تُستغل فنيا بالشكل الأمثل، وأن ظروفا وأسبابا كثيرة تضافرت لكي يظل الجزء الأكبر من إمكانياتها وقدراتها كامنا لا يخرج للنور، ولا يجد من يساعده على ذلك.

ربما انشغلت بحياتها الخاصة وتكوين أسرتها لفترة من الوقت، وربما انشغل الآخرون – وشغلوها أيضا – أكثر من اللازم بتلك الأسرة وأخبارها بعد أن كبرت ابنتاها، دنيا وإيمي سمير غانم، وأصبحتا ممثلتيْن مثل والديْهما، لكن يظل السبب الأهم: إهمال وغفلة صناع الأعمال الفنية، خاصة الأفلام، واستسهالهم اللجوء إلى الحلول والقوالب النمطية في اختيارات الممثلين.. وقد كان الحل النمطي الذي يخصها عندهم في السنوات الأخيرة هو اختيارها في دور الأم بالأفلام الكوميدية دون غيرها، فيما عدا استثناءات قليلة جدا، رغم أنها كانت قد أثبتت مرارا وتكرارا قبل ذلك قدرتها على أداء كل الأدوار والمشاركة في جميع النوعيات.

أكثر وأطول فترات إهدار موهبتها وعدم استغلال إمكانياتها كانت للأسف فترة النضج التي أعقبت تألقها اللافت في أدوار لا تُنسى عام 2001، والتي دامت عشرين عاما حتى وفاتها.. في ذلك العام كانت قد شاركت بقوة في مسلسل "للعدالة وجوه كثيرة"، ثم قدمت دورها الأيقوني المدهش "نعمت" في مسلسل "حديث الصباح والمساء"، الذي أعتبره – رغم اكتظاظه بالعديد من النجوم – قام وحقق نجاحه الكبير على كتفيها هي والكبيرة الأخرى عبلة كامل، حيث قدمتا شخصيتين لن تنساهما الدراما العربية.

وفي نفس العام، 2001، اختارها المخرج مجدي أحمد علي لدور أم مختلفة تماما في فيلم "أسرار البنات"، أم تواجه بحسرة لكن بشجاعة أزمة حمل ابنتها المراهقة سفاحا من صديق لها.. وكم كانت طبيعية وهي "تعض" دبلتها الذهبية بأسنانها لكي تضيق وتصبح على مقاس ابنتها لتظهر الأخيرة أمام الجميع في المستشفى في صورة المتزوجة، وكم كانت صادقة ومقنعة وهي تعبّر، ليس عن قضية الشرف بمفهومها الشرقي التقليدي، ولكن عن أزمة الطبقة المتوسطة كلها، بعد أن أصبحت المظاهر الخارجية – مثل الدبلة – غير كافية وغير قادرة على مداراة شروخها وتشوهاتها.

وللأسف، لم يلتقط المنتجون والمخرجون الخيط، ولم يستثمروا تألقها في العام المذكور في أعمال أخرى بعد ذلك تستغل موهبتها وتبرز قدراتها الحقيقية، واستمر ذلك التقدير الخاطئ حتى وفاتها، فيما عدا استثناءات قليلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ومنها شخصية "فطوم" الشهيرة، الشريرة، في مسلسل "الناس في كفر عسكر" عام 2003، والأم التي تساعد ابنها على تجاوز مرضه النفسي في فيلم "آسف على الإزعاج" عام 2008، والجارة الطيبة في مسلسل "دوران شبرا" عام 2011، ودور مشابه لجارة أخرى في مسلسل "سابع جار" عام 2017، والذي كان شاهدا على وصولها للذروة في الأداء التلقائي الطبيعي الخالي من أي مبالغة أو افتعال.

أعمال قليلة جدا استطاعت استغلال حالة النضج التي كانت قد وصلت إليها خلال الأعوام العشرين الأخيرة، والتي كانت قادرة خلالها على تقديم أضعاف ما قدمت لو كانت اختيارات المخرجين والمنتجين لا يشوبها الاستسهال والنمطية.

وكانت مرحلة النضج قد بدأت عام 1998، حين قامت ببطولة كل من مسرحية "جوازة طلياني" وفيلم "مبروك وبلبل"، وكلاهما أمام الممثل الكبير يحيى الفخراني، حيث كان لقاؤهما يمثل ثنائيا ناجحا ويشجع على تكرار التعاون بينهما، والمعروف أن هناك أعمالا أخرى جمعتهما مثل مسلسليْ "لا" عام 1994 و"للعدالة وجوه كثيرة".

وأبسط تحليل لما سبق يفضي إلى نجاحها في جميع المجالات التي خاضتها، سواء السينما أو المسرح أو التليفزيون، وهو إنجاز غير عادي لا يشير إلى موهبتها وقدراتها فقط، بل يؤكد تفوقها على كثيرات غيرها لم يحققن ما حققته، واكتفين بالنجاح في مجال أو اثنين فقط على الأكثر منها. والأهم أن ذلك تحقق بهدوء وثقة، دون إثارة أزمات تتعلق بـ"أمراض النجومية" التي تصيب غيرها وتجعلهن يتصارعن ويثرن المشكلات لأسباب واهية مثل ترتيب الأسماء على ملصق ومقدمة الفيلم.. فإذا كان هناك من يُحدث الضجيج دون أن يقدم طحينا، فلا شك أن دلال عبد العزيز من اللاتي دأبن على إنتاج الطحين بلا ضجيج.

 

جريدة القاهرة في

17.08.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004