قصة بدايات الصناعة السينمائية متشابهة إلى حد كبير في
البلدان المختلفة، فبعد العروض الأولى والإعلان عن فن الصور المتحركة لأول
مرة، انجذب إلى صناعة الأفلام مجموعة من الهواة الجسورين، محبي الفن بشكل
عام، الذين رغبوا في تجربة هذا الوسيط الجديد. في هذه المرحلة البدائية لم
يكن هناك فرق بين الرجال والنساء، فنجد على سبيل المثال في مصر، المخرجات
والمنتجات المصريات، منهن أربع رائدات: فاطمة رشدي، عزيزة أمير، أمينة محمد
وبهيجة حافظ، اللواتي أنتجن وأخرجن فيلماً لكل منهن.
لكن المرحلة التالية شهدت تراجعاً للدور النسائي، نتيجة
لظهور هياكل صناعة السينما واستوديوهاتها بشكل ممنهج، مثل بناء استوديو مصر
على يد طلعت حرب، وشركات الإنتاج في نيويورك بالولايات المتحدة قبل
انتقالها إلى هوليود، وابتعدت السيدات عن الأدوار المهمة في الصناعة، من
تأليف وإخراج وإنتاج، وأصبحن فقط ممثلات، أو على وجه الدقة، وجوهاً جميلة
تجتذب المشاهدين.
المرأة في السينما لذة بصرية ليس أكثر!
عند يكتب ويصوّر وينتج الأفلام رجال، من الطبيعي أن تتشكل
صورة المرأة في السينما بالشكل السائد عنها في المجتمع الأبوي، لذلك تم
تقسيم النساء على الشاشة إلى نوعين، فكما وضحت الصحفية مولي هاسكل في
كتابها "من المهابة إلى الاغتصاب: معالجة النساء في الأفلام"، أن الفيلم
يعكس البناء الأيديولوجي والاجتماعي للنساء اللائي إما يعاملن باحترام
ووقار مثل السيدة العذراء أو يتلقين اللعنات مثل الغانية.
السينما مثل الحياة، تقسم النساء إلى نوعين أساسيين، نوع
بلا جنسانية، يستحق الاحترام والتوقير، ممثلات يقدمن أدواراً مثل الأمهات
أو الفتيات العذراوات البريئات، ونوع آخر مغوي، أنثوي، عبر ممثلات يحملن
طبيعة جنسانية قوية.
أي أن السينما مثل الحياة، تقسم النساء إلى نوعين أساسيين،
نوع بلا جنسانية، يستحق الاحترام والتوقير، ممثلات يقدمن أدواراً مثل
الأمهات أو الفتيات العذراوات البريئات، ونوع آخر مغوي، أنثوي، عبر ممثلات
يحملن طبيعة جنسانية قوية، تسمح للمشاهد بالاستمتاع بتأمل مفاتنهن على
الشاشة.
قارن هنا على سبيل المثال بالتعامل السينمائي مع الممثلة
أودري هيبورن، الجميلة، الرقيقة، صغيرة الجسم، التي حظيت باهتمام الجمهور
العذري، والتعامل المختلف تماماً مع مارلين مونرو التي تم حصرها في أدوار
أيقونة الإغواء الأنثوية.
في السينما العربية لدينا أمثلة مختلفة، منها الممثلة هند
رستم التي وضعت في نفس مكانة مارلين مونرو كمثال على المرأة الفاتنة، على
الجانب الآخر فاتن حمامة، الفتاة البريئة في بدايتها، ثم في أدوار السيدة
المحترمة منزوعة الجنسانية.
هذا بالإضافة إلى تشييء المرأة، ورسمها كموضوع لرغبة الذكر،
حيث السينما تعتمد على الخيال الذكوري وتستهدف تلبية رغباته في المرأة،
ويستعان في سبيل ذلك بالكاميرا والإضاءة للتأكيد على أن المرأة كيان يمكن
للذكر بناء خيالاته والفانتازيا الخاصة به فوقه، كما قالت الكاتبة كلير
جونستون في كتابها بعنوان "ملاحظات على سينما النساء".
الختان السينمائي للمرأة على الشاشة
إذن، المرأة على الشاشة يتم تشييؤها على هيئة معينة من وجهة
نظر الرجل داخل الفيلم، ثم وجهة نظر المتفرج بالتبعية الذي يتماهى مع
البطل، فيما أسمته الكاتبة لاورا ميلفي "التلذذ الجنسي بالفرجة"
(Scopophilla)
وطرحت سؤلاً حول كيفية تلقي النساء هذا البناء السردي
الذكوري، ومع من تتماهى؟ هل مع الموضع السلبي لشخصية الأنثى على الشاشة، أو
تتخذ موضع الذكر؟
في الحقيقة، إن المرأة بأي حال من الأحوال لا يمكنها
التماهي مع الأنثى على الشاشة، لأنها ليست أنثى حقيقية، بل صورة مصنوعة
بإتقان لتتناسب مع ما يرغب في مشاهدته المتفرج الذكر، لذلك هي بعيدة عن
حقيقتها وواقعها.
نلاحظ ذلك في الأفلام المصنفة للبالغين فقط، والتي يمكن أن
يظهر فيها الجسم الأنثوي عارياً بالكامل وبطريقة تصوير تظهر معالم جماله
وجاذبيته، بينما لا يظهر الرجل بذات الصورة، ويتم إخفاء العضو الذكري بشكل
متعمد، إلا في أعمال قليلة مثل فيلم "روما" للمخرج ألفونسو كوارون إنتاج
عام 2018، وذلك لأن منطقة العانة لدى الذكر ليست مثيرة لاهتمام المتفرّج
الرجل، بينما الأعضاء الأنثوية تفعل.
أما فيما يتعلق بالعلاقة الجنسية على شاشة السينما- سواء
كان صناع الأفلام متبعين محاذير الرقابة أم لا - يتم تقديمها من وجهة نظر
ذكورية فقط، بعيداً عن وجهة النظر الأنثوية في العلاقة، أو الطبيعية
الفيزيولوجية المختلفة لكل من الجنسين، فيما يمكن أن أطلق عليه "الختان
السينمائي"، فالمرأة في السينما لا تملك حق الوصول إلى الذروة الجنسية،
امرأة منزوعة البظر، تتأوه بمجرد أن يقترب منها الرجل، لأنه البطل الوسيم
القادر على إثارتها بمجرد نظرة، وهي الفحولة التي يطمح إليها المشاهد
الذكر، ويرغب بالتأكيد في التماهي معها.
المرأة في السينما لا تملك حق الوصول إلى الذروة الجنسية،
امرأة منزوعة البظر، تتأوه بمجرد أن يقترب منها الرجل، القادر على إثارتها
بمجرد نظرة، وهي الفحولة التي يطمح إليها المشاهد، ويرغب في التماهي معا.
فيلم أميرة والزوجة العذراء
في السينما العربية الأمر أكثر تعقيداً، وذلك لأن السينمات
العالمية تحللت شيئاً فشيئاً من سطوة الرقابة، على عكس الشرق الأوسط
وسينماه التي مازالت مقيدة بقيم الأسرة العربية، وقليلة هي الأفلام التي
استطاعت تقديم بطلات سيدات لهن رغبات جنسية من الأساس، ربما أشهر المخرجات
اللواتي استطعن فعل ذلك هي إيناس الدغيدي، المخرجة المصرية الأكثر إثارة
للجدل، لأن بطلاتها سيدات يرغبن في الرجال كما يرغب فيهن الرجال.
لكن بعيداً عن تجربة إيناس الدغيدي التي تحمل شبهة الذكورية
في نواحٍ أخرى، فإن المرأة على الشاشة العربية كلما تحللت من إنسانيتها
ورغباتها الجنسية استطاعت أن تنال أكثر إعجاب الجمهور، وواحد من أحدث
الأعمال الذي يمكن أن يُطرح كمثال على ذلك، فيلم "أميرة" للمخرج محمد دياب،
والذي عرض خلال فعاليات مهرجان البندقية السينمائي ثم مهرجان الجونة.
أحداث الفيلم تدور بشكل رئيسي حول إنجاب الأطفال عن طريق
تهريب النطف من المعتقلين الفلسطينيين إلى زوجاتهم بالخارج، وإجراء عملية
تخصيب صناعي، وأمامنا عائلة مبنية بهذه الطريقة من أب معتقل منذ سنين
طويلة، وزوجة تزوجها خلال فترة اعتقاله، وابنة منجَبة خلال سجنه.
نحن هنا أمام زوجة لم تفض عذريتها إلا بعملية الولادة، لم
تجرب العلاقة الجنسية في حياتها، وتعتبر تلك التضحية مقبولة في هذا العالم
الفيلمي ولدى المشاهدين، لأن هذا الحرمان الجنسي هو ما يكسبها الاحترام في
مجتمعها، وعند التشكيك في نسب الابنة إلى الأب، كانت النتيجة المباشرة
وبدون الكثير من الأسئلة هو تهديد حياتها بالقتل، لأن ذلك يعني أن تلك
المرأة تخلت عن عذريتها في مقابل رغبة طبيعية تساور أي امرأة بالغة تمتلك
شهوة جنسية طبيعية.
العالم الفيلمي لـ "أميرة" -والعالم الحقيقي الذي نعيش فيه-
يتقبل أن تكون المرأة قرباناً محروماً من العلاقة الجنسية، و في ذات الوقت
يحتقر المرأة التي قد تستجيب لهذه الرغبة الطبيعية للغاية تحت أي وازع أو
سبب.
السؤال هنا هل سيقابل انقلاب الوضع ذات التلقي؟ هل لو كانت
المرأة هي المعتقلة والزوج بالخارج سيكون من المقبول إجباره على الحفاظ على
طهارته وعذريته إيماناً بقضية زوجته والتضحية التي تقوم بها من أجل بلادها؟
هل من المقبول إخصاء الرجل سينمائياً كما من المقبول ختان المرأة على
الشاشة؟ |