في
فيلم «بنات عبدالرحمن» المشترك في المسابقة الدولية بالدورة الـ43 لمهرجان
القاهرة السينمائي، يبدأ كل شيء من السكون إلى الصخب الكامل، من البيوت
المرتفعة إلى هذا المنحدر أو السهل حيث المنزل الساكن المليء بالتفاصيل،
وتلك الأربعينية التي تتحرك بهدوء في المنزل وتقوم بواجباتها بحركات آلية
اعتيادية، ترعى والدها المسن بوجه ساكن وعينين مليئتين بالحزن، نلمح العود
الذي تعرض للكسر ملقى على كرسي، وقصاصات من قمصان النوم وفساتين العرائس
التي تحيكها للجيران وبنات ونساء الحي.
تلك
الأم المنتقبة في منزل آخر تلهث بالـ«سندوتشات» خلف أبنائها المتجهين إلى
المدرسة، من بوق السيارة الغاضب، للزوج المتشدد الجالس في السيارة ولا يفعل
شيئًا سوى استعجال تلك المرأة المنتقبة التي تمتلأ عيناها بالغضب المكتوم
وكأنها قنبلة على وشك الانفجار.
إلى
صالون التجميل وامرأة في تبرج كامل تتحرك في عصبية، في انتظار انتهاء
العاملة من وضع «المانيكير» على أظافرها، تمسك التليفون لتجيب صديقتها وهي
في قمة الانفعال والغضب لاعنة اليوم لأنها ولا مرة «تهنت» بأظافرها بعد أن
وضعت «المانيكير» فيجب أن «يبوظ».
تلك
الشابة التي تجلس برفقة صديقة على حمام السباحة وبعد مكالمة لم ترضها
نتيجتها، تقوم لتقفز في المياه ثم تقف وتتأمل من حافة المياه المدينة التي
يطل عليها، وعيناها هي الأخرى مليئة بالخوف والغضب والانتظار لشيء لا تعرف
إذا كان سيأتي أم لا.
إنهنّ ببساطة «بنات عبدالرحمن»، المسن صاحب المكتبة التي تقع على ناصية
المنزل، نتعرف إليه وإلى علاقته بزينب ابنته «فرح بسيسو»، التي يبدو أنَّها
لم تتزوج، نفهم في البداية أنَّها فضلت أن تجلس مع والدها لترعاه بعد زواج
الشقيقات وموت الأم.
و«زينب» التي تعاني آلام الوحدة والفقد، تقرر في يوم أن تجرب فستان ابنة
عمتها العروس، كعادتها في كل مرة تحيك قميص نوم أو فستان تقوم بتجربة كل ما
هي محرومة منه، في تلك اللحظة ينادي الأب ويدخل عليها ليجدها بفستان العرس،
وبعدها مباشرة تنقلب الأحداث، هو يشعر بالذنب تجاهها وهي تحس أنَّها جرحته
وكأنّها تذكره وتضغط عليه فهي لم تتزوج بسببه.
يغادر «عبدالرحمن» المنزل ولا يعرف أحد وجهته، ترتبك «زينب»، إذ فجأة تنقلب
حياتها الساكنة، تحاول أن تخفي الأمر على كل جيرانها وأقاربها في المحيط
فهم متطفلين، و«حشريين»، ثم تخبر شقيقتها سماح «حنان حلو» التي كانت معها
على الهاتف، وتدخل إليها «آمال» المنتقبة تجسّدها «صبا مبارك» التي جاءت
بالصدفة لتزور والدها، ونفاجأ أيضًا بـ«ختام» مريم باشا، شقيقتهم الصغرى
قادمة من دبي لرؤية والدها، في محاولة أخيرة لإقناعه بالزواج من «باسل»
الذي التقته في دبي وتعيش معه، وهو ما أدى لقطيعة بينهم،ا كما قاطعه شقيقة
أيضًا لأنّه يترك ابنته على هذا الوضع.
سيناريو العمل الذي صاغه أيضًا مخرج الفيلم زيد أبو حمدان الذي يقدم تجربته
السينمائية الأولى مليء بالتفاصيل، ويعكس أنَّه مخرج واع بشخصياته النسائية
وعوالمها المختلفة، لذلك جاءت شخصياته حية نابضة «أمل وسماح وزينب وختام»
كلهنّ ممتلئات بالغضب لأسباب مختلفة، بعضها من الماضي وبسبب التربية
الخاطئة من الأم والأب، وهو ما جاء في جمل حوارية عابرة، ولكن كل واحدة
منهنّ تعبّر عن غضبها وتنفث عنه بطريقتها.
«سماح»
السيجارة لا تفارق يدها وأيضا الكحول، و«أمل» بالصراخ الدائم، حياة «زينب»
تنقلب بقدوم شقيقتها، نرى الخلافات بين الشقيقات، والخوف من أن تبوح كل
منهنّ بما تعانيه في حياتها.
وبمجرد أن يجتمعنّ معًا في سيارة «سماح» الفارهة في رحلة البحث عن والدهنّ
يبدأنّ حالة من المكاشفة دون تصريح كامل بما تعانيه كل واحدة تتخللها لحظات
من إلقاء اللوم، وصولًا إلى التحول الدرامي الكامل بعد أن انفجرت «أمل» في
وجههنّ وأخبرت شقيقاتها أنَّ زوجها يرغب في تزويج ابنتها الصغرى «هبة» بعد
وصلت لسن البلوغ وهو ما جعل الشقيقات يتكاتفنّ معًا في محاولة لإنقاذ
الصغيرة من هذا المصير، وكأن كل منهنّ تحاول أن تنقذ نفسها معها وهذا ما
حدث بعد المكاشفة بينهنّ والمونولوجات الطويلة التي أدتها كل واحدة فيهنّ
لتكشف عما بداخلها، وفي الحقيقة تألقت صبا مبارك التي تقدم شخصية جديدة
عليها تماما بذلت فيها الكثير من الجهد على المستوي الخارجي والداخلي، ونفس
الحال للنجمة الموهوبة والمتميزة فرح بسيسو. تلك الفتاة المسلمة التي أحبت
جوزيف المسيحي الذي كان يعلمها العود، ولم تتزوج قدمت فرح بسيسو مشهدًا
مميزًا وهي تصرخ في وجه الجيران المتطفلين الذين لا يقومون سوي بمراقبتها
هي وشقيقتها وإطلاق الشائعات حولهنّ، حيث عرتهم تمامًا وكشفت خباياهم
وأكاذيبهم، فهي خياطة الحي وتملك الكثير من الأسرار، وأخيرًا، استطاعت
«أمل» أن تقف أمام زوجها بعد العنف الذي تعرضت له منذ بداية زواجها وترفض
تزويج ابنتها، أما «سماح» فتعرف حقيقة ميول زوجها الجنسية بعد أن ظلت 10
سنوات تعتقد أنَّه يخونها.
فيلم «بنات عبدالرحمن» يحفل بالكثير من قضايا لا تزال النساء يعانين منها
في مجتمعاتنا العربية، ويذكرنا بأفلام مصرية حظيت بتلك الحالة من الحفاوة
وهي «يا دنيا يا غرامي» و«أسرار البنات» للمخرج مجدي أحمد علي، الفيلم ممتع
ويحمل الكثير من المشهيات التجارية، وهذا شيء يحسب لمخرج يقدم تجربته
الأولى ونجح على مستوى السرد الدرامي في رسم شخصياته والصراع بينهنّ وبين
المجتمع الذكوري الذي بدا طوال أحداث الفيلم، ومن خلال زوايا الكاميرا
واللقطات أنَّه الأقوى والمسيطر (راجع مثلًا مشاهد معتز المتحرش الذي يقف
على ناصية الشارع طوال اليوم بلا عمل فهو دائمًا أعلى من سماح ومن الفتيات
عندما يتحدث إليهنّ)، (العم يقف في الشباك ويحدث زينب، زوج أمل يبدو طوال
الوقت كثور هائج).
نجح
المخرج زيد أبو حمدان في إدارة نجماته بشكل كبي، رغم أنَّ هذا الأمر قد
يكون مرهقًا لأي مخرج يعمل على خطوط درامية لأربع شخصيات منهن ثلاث نجمات
تبارين في المونولوجات ومشاهد المكاشفة التي كتبها المخرج، الذي يملك أيضا
حسًا كوميديًا ساخرًا في بناء المواقف وهو أمر نادر في السينما العربية أن
تجد فيلمًا يفجر كل هذه الضحكات كما حدث في دار العرض ولا يكون مصريًا. |