هل تنجو أيام قرطاج السينمائية من فخ السجادة الحمراء
استعراض المشاهير يحول اهتمام الجمهور من العروض الفنية إلى
جدل الأزياء.
تنطلق في الثلاثين من أكتوبر الجاري فعاليات الدورة الثانية
والثلاثين من أيام قرطاج السينمائية وسط تشوق كبير في صف الجماهير، التي
تعد من أبرز ملامح المهرجان الذي نجح على امتداد دوراته أن يخلق عادات فرجة
مميزة من جيل إلى آخر. لكن في السنوات الأخيرة أثّرت ثقافة الاستعراض
المستوردة من أميركا في توجيه الاهتمام إلى السجادة الحمراء وأزياء
الممثلات والممثلين بدل الأفلام والندوات والفعاليات الأخرى، وهو ما تحاول
الأيام الخروج عنه.
تونس
- يترقب
الجمهور التونسي والعربي الدورة الثانية والثلاثين من مهرجان أيام قرطاج
السينمائية التي تنطلق في نهاية أكتوبر الجاري تحت شعار “نحلم.. فنحيا”.
وفيما يؤكد القائمون على الدورة الجديدة أنها ستكون وفية
لتطلعات الجمهور من خلال عرض أكثر من ألف فيلم من 45 دولة عربية وأجنبية
وأفريقية، تناقش قضايا الواقع الراهن وتكون انعكاسا حقيقيا صوتا وصورة لما
يعيشه المواطن اليوم، إلا أن استحواذ ثقافة الاستعراض، التي هيمنت على كبرى
المهرجانات العربية، يجعلها منافسا للعروض نفسها.
وسيم القربي: نريد
أن يكون المهرجان مناسبة ثقافية بحتة وليس للاستعراض
مناسبة ثقافية
انتشرت ثقافة “السجادة الحمراء” في كبرى المهرجانات العربية
في السنوات الأخيرة، وباتت أزياء المشاهير محل جدل واسع على وسائل التواصل
الاجتماعي، فيما غابت أهمية مضامين الأعمال السينمائية المعروضة عن
الواجهة. وأخيرا أثار مهرجان الجونة السينمائي في مصر جدلا واسعا بسبب
أزياء المشاهير الحاضرين، فيما تقول أوساط فنية إن المهرجان كان يحتوي على
ندوات مهمة تناولت قضايا الفن في المنطقة، إلا أن البحث عن نسب المتابعة
على مواقع التواصل جعل من أزياء المشاهير مادة إعلامية دسمة بينما وقع غض
الطرف عمّا تعانيه السينما العربية من صعوبات وسبل إنقاذها وإنقاذ الجيل
الجديد من المواهب والهواة.
ولا يستبعد متابعون أن تسير أيام قرطاج السينمائية على خطى
مهرجان الجونة، أمام سيطرة ثقافة الاستعراض التي حولت اهتمام الجمهور من
الأعمال الفنية إلى الجدل القائم بشأن الأزياء.
ويشير المخرج وسيم القربي في حديثه لـ”العرب” إلى أهمية أن
يحافظ المهرجان على قيمته الثقافية وألاّ يركز على السجادة الحمراء بهدف
الإثارة وجذب الأضواء إليه.
ويؤكد على ضرورة أن يبقى المهرجان مناسبة ثقافية بحتة وليس
مساحة لاستعراض المشاهير.
ويعد المهرجان الذي تأسس سنة 1966 ويقام تحت رعاية وزارة
الشؤون الثقافية أحد أبرز المهرجانات السينمائية العربية وأقدمها.
ويراهن المهرجان على استعادة جمهور السينما الذي أرغم على
الغياب ومقاطعة الفضاءات الثقافية أعقاب انتشار وباء كوفيد – 19.
ونقلت وسائل إعلامية عن مدير المهرجان رضا الباهي قوله إن
“أبرز متغيرات الدورة الجديدة هي عودة المسابقة الرسمية وباقي البرامج
الأخرى بعدما غابت التنافسية عن الدورة السابقة بسبب جائحة كورونا”.
وستشهد هذه الدورة إضافة جديدة وهي “سينما الثكنات” والتي
تشمل عرض الأفلام لعناصر الجيش داخل ثكناتهم وذلك استكمالا لتمدد المهرجان
في المدن والمحافظات ووصوله إلى داخل السجون في دورات سابقة.
وأوضح الباهي في وقت سابق أن عدد الدول المشاركة في الدورة
الجديدة بلغ 45 دولة منها 28 دولة أفريقية و17 دولة عربية بينما بلغ إجمالي
الأفلام 750 فيلما موزعة على 11 قسما بالمهرجان.
وبلغت مشاركات تونس 18 فيلما طويلا منها تسعة روائية وتسعة
وثائقية، إضافة إلى 36 فيلما قصيرا بين روائي ووثائقي.
جيل جديد
يتساءل المتابعون ما إذا ستكون الدورة الجديدة ناجحة في جذب
جمهور السينما، وهل ستحظى الأعمال المحلية تحديدا بالمتابعة؟
ولطالما وجهت للأعمال السينمائية اتهامات بالجرأة في طرح
القضايا، حيث تحول البعض منها إلى أعمال تجارية تستجيب لشروط الجهات
الممولة.
مع ذلك ظهرت في السنوات الأخيرة أعمال سينمائية لاقت
استحسان الجمهور والنقاد، أغلبها أشرف عليها جيل جديد من الشباب، والذي نجح
في مصالحة الجمهور مع السينما من ذلك فيلم “نحبك ياهادي” وأول فيلم رعب
تونسي الذي يحمل عنوان “دشرة” لمخرجه عبدالحميد بوشناق.
ونجح جيل شاب من السينمائيين والمنتجين التونسيين في إثارة
مواضيع اجتماعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشددة قبل ثورة عام 2011،
مقدمين في أعمالهم طرحا جريئا، مساهمين في ظهور سينما جديدة بالرغم من قلّة
صالات العرض وإنعاش الحياة الثقافية في البلاد.
ومن المتوقع أن تنافس السينما التونسية على جوائز الدورة
الثانية والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، حيث ترشّحت ثلاثة أفلام لخوض
غمار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وهي “فرططو الذهب” لعبدالحميد
بوشناق، “مجنون فرح” لليلى بوزيد و”عصيان” للجيلاني السعدي.
وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، ستكون السينما
التونسية ممثلة أيضا بثلاثة أفلام هي “حلال سينما” لأمين بوخريص، “أبي فين
أفنيت شبابك؟” لأكرم عدواني و”مقرونة عربي” لريم التميمي.
أما مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، فتعرف بدورها مشاركة
ثلاثة أفلام هي “في بلاد العم سالم” لسليم بلهيبة و”فريدا” لمحمد بوحجر
و”سواد عينيك” لطارق الصردي، بينما سيشارك كل من “سياح خارج الموسم” لماهر
حسناوي و”يا عمّ الشيفور” لبية مظفر في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة.
وبخصوص مسابقة السينما الواعدة، فإن حضور تونس سيكون بثلاثة
أفلام هي “فالصو” لأمين غزواني و”أمل” لآمال كراي و”pomme
d’amour”
لدنيا غضاب. وتحتكم عروض مسابقة الأفلام الروائية إلى لجنة متكونة من 6
أشخاص يرأسهم السينمائي الإيطالي إينزو بورسلي.
حضور الجمهور
يعول القائمون على المهرجان على حضور الجمهور ومتابعته
باعتباره يعد مقياسا أساسيا لنجاح المهرجان أو فشله. ويعتقد هؤلاء أن
الاستقرار الصحي بعد تخطى أزمة الوباء وتطعيم نسبة كبيرة من السكان من شأنه
أن يحفّز على حضور المهرجان.
وبرأي القربي فإن أهم ميزة لمهرجان قرطاج هو الجمهور، حيث
رسخت هذه المناسبة تقاليد وعادات في الفرجة السينمائية. ويتابع “من المعلوم
أن مهرجان قرطاج من أقوى وأهم المهرجانات في العالم العربي على مستوى
الحضور الجماهيري فهو يمثل قيمة مضافة”.
ويتوقع أن يحظى المهرجان بالإقبال خاصة وأنه سيقدم أهم
العروض العالمية، وعلى العكس سيضاعف فايروس كوفيد – 19 من الإقبال على
العروض نظرا إلى تعطش الجمهور للسينما بعد انقطاع طال أكثر من سنة.
وفيما يتزامن حضور الجمهور مع المناسبات الكبرى، يعتقد
القربي أن الأرضية الثقافية لأيام قرطاج السينمائية حادت عن مسارها وعلى
الأهداف التي تأسست عليها في العقد الأخير في ظل غياب تصور سينمائي.
وفي تقديره فإن المهرجان الذي تبنى سينما الجنوب منذ
انطلاقته ويعد بوابة للعالمية لكثير من المخرجين ومنتجي السينما، إلا أنه
طغت عليه العقلية التجارية، وسيطرت عليه ثقافة السجادة الحمراء.
وفي رأيه يحتاج المهرجان إلى إعادة هيكلة وتصور، خاصة من
خلال الدعم الحكومي وتوفير ميزانية هامة. والميزانية المرصودة للمهرجان هي
مليونان و200 ألف دينار( 774.6 ألف دولار). |