بعد رحيله.. نعيد قراءة شخصياته فى السينما والدراما:
وداعًا بطل القلوب.. يوسف شعبان
كتب
آلاء شوقى
«محسن
ممتاز، حافظ رضوان، سلامة فراويلة، وهبى السوالمى، الحنش، رؤوف الرسام،
سرحان البحيرى، أحمد حسنين باشا، بطليموس، أبوالحكم، عكرمة»، وغيرها من
الشخصيات التى اختلفت أفكارها، أعمارها، وزمن وجودها، جسَّدها ببراعة النجم
الراحل «يوسف شعبان»، فى أكثر من 308 أعمال درامية، وسينمائية.
لقد رفض «شعبان» أن يُقيّد إبداعه فى أدوار محددة مع جماعة
(الخير، أو الشر)، ففى الوقت الذى لعب فيه دور المجرم والكائد والخبيث،
استطاع فى المقابل، أن يجسد دور الرجل الطيب، والبطل القومى، والشخصية
التاريخية، بجانب الأب والابن والأخ بمختلف ظروفهم.
ورغم عدم حصوله على البطولة المطلقة فى أى عمل، فإنه استطاع
- بمهارة شديدة- أن يظهر حضوره فى أى عمل فنى، بل وصل الأمر - فى بعض
الأحيان - أن ينافس ويتساوى مع أبطال تلك الأعمال، كما تمتع أيضًا بالقدرة
أن يتحول فى العمل الواحد من البرىء إلى الدنىء، ومن الصغير إلى الكبير، من
المضطرب إلى المستقيم، وتوصيل كل هذه المشاعر والأفكار إلى المشاهدين دون
مغالاة.
لذلك، خيّم الحزن على العديد من محبيه إثر رحيله، باعتباره
أحد نجوم (زمن الفن الجميل)، الذى ترك بصمته أيضًا فى الأجيال الحديثة.
وهذا ما جعله فريدًا، إذ حاكى أجيالًا منذ زمن الملكية، إلى أجيال الألفية.
رحل (الأستاذ)، ولكنه ترك أرشيفًا كبيرًا من الأعمال التى
تصلح أن تدرس للأجيال القادمة، أعمالاً حاولنا أن نجعل نقادًا من مختلف
الأعمار أن يختاروا الأفضل بينها، لكنهم اختاروا العديد، لأن أغلبها على
قدر كبير من الإبداع، مما يجعل من الصعب اختيار الأفضل.
الناقد الكبير «كمال رمزى» يتحدث عن الفنان الراحل قائلًًا:
«أنا من محبى «يوسف شعبان»، وأحب كل أدواره، لأن أداءه يتسم بالعمق
والهدوء، إذ قلما نراه يعلى من شأن الحنجرة، وبدلاً من ذلك، يعمق من
انفعاله وتفهمه لمشاعره التى يظهرها باقتصاد، وهو ما يعد أهم سمة فى تمثيله».
ثم أوضح أن أفضل عمل درامى للنجم الراحل، هو دوره فى مسلسل
(عيلة الدوغرى)، إذ قام بدور قوى جدًا فى تجسيد الأخ الكبير، وكانت مساحة
الانفعالات فيه متنوعة، مثل إحساسه بأنه سوف يتوفى، ومن ثم تتوفى تلك التى
أحبها وكان سيتزوجها.
أما أفضل فيلم، فكان (ميرامار) إذ جسد دور الإنسان الذى بدأ
حياته وهو على قدر كبير من النقاء، ثم تورط فى عشرات الأعمال المتدنية، ثم
صار متآمرًا ووصوليًا، مؤكدًا أنه استطاع أن يقوم بهذا الدور بشكل متقن
جدًا، كما ابتعد تمامًا عن المغالاة، وهذا ما يميزه أيضًا، بجانب حضوره
القوى الطاغى، حتى وإن كان يجسد شخصية ضعيفة أو هزيلة.
اتفقت مع «رمزى» فى اختيار فيلم (ميرامار)، الناقدة الكبيرة
«ماجدة موريس»، إذ أعربت أن فيلم (ميرامار) كان أكثر من رائع، حيث أظهر
«يوسف شعبان» للمشاهدين مشاعر الشاب الثورى، الذى جاء من عائلة متواضعة فى
فترة ما بعد ثورة يوليو، ومحاولاته الانتهازية للوصول إلى بنت أرستقراطية،
وفى الوقت ذاته، عندما رأى «الشغالة زهرة» فى الفندق، قام بمغازلتها رغم
عدم استجابتها له، مما أثار تصميمه على الاستحواذ عليها، مثيرًا للمشاكل فى
الفندق.
وأضافت أنه تمتع بالجرأة والشجاعة أيضًا حين قدم شخصية
المثلى «رؤوف الرسام» فى (حمام الملاطيلى)، قائلةً: «قلما يستطيع أى ممثل
تجسيد شخصية مثيرة للجدل، ويقدمها لجمهور تتنوع عقلياته، بعضهم يتعامل مع
الفن بنظرة الحلال والحرام».
ثم أشادت بشجاعته أيضًا فى فيلم (معبودة الجماهير)، إذ رأت
أن غيره من الممثلين قد يرفضون هذا الدور، لأنه يقدم شخصية غير محبوبة،
ناهيك عن إيمان النجم الراحل بموهبته، بأنه يستطيع الدخول فى منافسة مع
اثنين من كبار الشاشة فى هذا الوقت، وهما: «عبدالحليم حافظ، وشادية».
وفيما يخص أعماله الدرامية، فقد أكدت أنها تفضل الكثير،
وعلى رأسها مسلسل (رأفت الهجان) لقدرته فى تجسيد ضابط مكلف بتهيئة مواطن
ليصبح رسولاً للمخابرات، قائلة: «لا أعتقد أن هناك أحدًا كان يستطيع القيام
بهذا الدور، وبهذا القدر من الإبداع، مثل «يوسف شعبان» ».. أيضًا دوره فى
مسلسل (الشهد والدموع)، إذ تمتع بقدره كبيرة على توصيل مشاعره وصراعه
الداخلى للمشاهد، كذلك الإبداع الفنى فى شخصية «فراويلة» فى (المال
والبنون).
ومن جانبه، أوضح الناقد «رامى عبد الرازق» أنه يفضل مسلسل
(المال والبنون)، لأن شخصية «سلامة فراويلة» من الشخصيات التى أداؤها يحتاج
إلى توازن كبير جدًا، وذلك لأن «فراويلة» لم يكن شريرًا، وفى الوقت ذاته
ليس مثاليًا مثل نده «عباس الضو»، أى بداخله طمع الإنسان فى الوقت الذى
يتمسك بعقيدة الأصل بداخله، وهذا النوع من الشخصيات إن لم يستطع الممثل أن
يوازن بين هذه المشاعر فستظهر شريرة ومنفرة. مضيفًا أن «يوسف شعبان» استطاع
أن يجعل المشاهدين يحبون شخصية «فراويلة» حتى الآن، بل هناك البعض يحب
«فراويلة» أكثر من «الضو»، لأن الأخير يمثل المثالية المطلقة، والحق
المطلق، الإفراط فى الصدق والإخلاص الشديد، وهذا النوع من الشخصيات يكون
قاسيًا. فنرى أن «فراويلة» أطيب من «الضو»، رغم أن «الضو» على حق أكثر من
«فراويلة».
وكان (حمام الملاطيلى) هو المفضل أيضًا بالنسبة له، موضحًا
مدى حساسية الدور الذى تقمصه النجم الراحل بشكل جيد جدًا، لدرجة أن الناس
لم تعرفه حينما كان يمشى فى منطقة وسط البلد بالضفائر والملابس الملونة،
وكانت الناس تسبّه باعتباره شخصًا مخنسًا، بالإضافة إلى تقديمه الدور دون
ابتذال بنظرات عين ولغة جسد منضبطة جداً، تجعل البعض يتعاطف معه، باعتباره
شخصًا يعانى من حالة خاصة، وليس مجرد شاذ يستدرج الشاب.
أما الناقدة «علا الشافعى»، فقد أكدت أنه من الصعب اختيار
عمل واحد للنجم الراحل «يوسف شعبان»، نظراً لأدواره المؤثرة الكثيرة، فى كل
من (رأفت الهجان)، (المال والبنون)، (الوتد)، (الشهد والدموع)، وغيرها من
الأعمال المميزة جدًا فى الدراما المصرية. والأمر نفسه فى السينما، إذ رأت
أنه حظى بمشوار طويل وحافل، يكفى أنه أوائل الدفعات التى تخرجت فى فنون
مسرحية، وقد فضلت أيضًا أدواره فى (ميرامار)، و(زقاق المدق)، و(حمام
الملاطيلى).
لم يختلف رأى الناقد «رامى المتولى» عن سابقيه، مشيرًا إلى
تاريخ «يوسف شعبان» الدرامى باعتباره أكبر من السينمائى، وبالتالى فإن عدد
الأدوار التليفزيونية التى قدمها فى المسلسلات – من وجهة نظره - أكثر وأفضل
من حيث الجودة، خاصة أدواره المؤثرة فى كل من مسلسلات: (رأفت الهجان)،
(الوتد)، (عيلة الدوغرى)، وغيرها.
ومع ذلك، أكد «المتولى» أن أفضل عمل درامى، هو دوره فى
مسلسل (الشهد والدموع)، لعدة أسباب، منها: شخصية «حافظ» فى النص والتى تكبر
بالعمر، ورؤيتنا فى البداية للغيرة والصراع مع أخيه، وطمع «حافظ» الذى
يتحول لشخص متجبر يأكل حق أولاد أخيه فيما بعد، وصولاً لدخوله مرحلة
(الدروشة) مع نهاية الأحداث، وهذا يجعلنا نرى الشخصية بشكل بانورامى،
ونتابع التحولات الكبيرة التى حدثت لها، والتى استطاع تقديمها «يوسف شعبان»
بمهارة شديدة جدًا.
ثم أضاف أنه رغم قلة أعماله السينمائية نسبيًا، إلا أنه أدى
أدوارًا مهمة فى أفلام، مثل: (للرجال فقط)، و(أم العروسة)، وغيرهما، حتى
وإن لم تكن أدوارًا رئيسية، ومع ذلك فإن الفيلمين الأفضل، هما: (ميرامار)،
و(حمام الملاطيلى)، فالأول استطاع إبراز شخصية الانتهازى بكل تفاصيلها، من
خلال إظهار كيف يبيع الشخص حبه، فى مقابل الوصول إلى مناصب، أما الثانى
فكانت الشخصية جريئة جدًا فى الطرح والتناول، لأنها كانت مثلية، وفيها
تفاصيل لها علاقة بالعواطف والحب بشكل غير مطروق فى السينما المصرية، فكانت
جرأة منه أن يختار تلك الشخصية، وتأدية هذا الدور. |