ملفات خاصة

 
 
 

عزت العلايلي:

فنان بروح طفل يشق طريقه بثبات

عبدالمجيد دقنيش

عن رحيل الفنان

عزت العلايلي

   
 
 
 
 
 
 

يعتبر الفنان عزت العلايلي أيقونة من أيقونات السينما المصرية والعربية، كلما قدم دورا إلا وتميز في أدائه وقدم الإضافة من خلاله، ولذلك بقيت أغلب أدواره وأعماله راسخة في ذاكرة المشاهد العربي، عن طفولته ومشواره الفني الطويل الحافل، وعن علاقته بالمخرج يوسف شاهين وتفاصيل أدواره السينمائية المتميزة، كان الحديث مشوقا معه في هذا الحوار الخاص بـ”العرب”، بالإضافة إلى تفاصيل كثيرة أخرى تكتشفونها تباعا.

عزت العلايلي أيقونة سينمائية عربية

بدأ الممثل المصري عزت العلايلي حياته كمعد برامج تلفزيونية حتى يتمكن من الإنفاق على أشقائه الأربعة بعد وفاة والده، ثم خطا أولى خطواته في عالم الفن سنة 1962 بتقديم دور بسيط في فيلم “رسالة من امرأة مجهولة” من بطولة فريد الأطرش ولبنى عبدالعزيز، وبعد ذلك تعددت أعماله المتميزة نذكر منها خاصة في السينما “التوت والنبوت” و”بين القصرين” و”قنديل أم هاشم” و”أهل القمة” و”القادسية” و”الطريق إلى إيلات”، و”السقا مات” و”المواطن مصري” مع المخرج الراحل صلاح أبو سيف.

وكذلك قدم مع يوسف شاهين أدوارا فارقة في أفلام رائعة مثل “الأرض” و”الاختيار” و”إسكندرية ليه”، كما قدم أدورا بارزة في التلفزيون مثل “وقال البحر” و”بوابة الحلواني” و”عسكر وحرامية” و”الأرض الطيبة”.

هو وشاهين

عن الراحل يوسف شاهين الذي قيل عنه إنه سقف السينما العربية وشاعرها وروحها من خلال محافظته الدائمة على طفولته وجموحه وطموحه، يقول الفنان المصري عزت العلايلي “تلقى يوسف شاهين تعليما أكاديميا سينمائيا عميقا جدا، وعاش البيئة المصرية بكل وجوهها، والأهم من كل ذلك كونه متذوقا للسينما بدرجة عالية جدا، ويجتهد في عمله وحياته الفنية ليثبت أنه عاشق لهذه المهنة وهذه الحرفة تحديدا، وتاريخه يعكس كل هذا الاهتمام”.

ويضيف “يوسف شاهين كان مهتما بالإنسان العربي عامة والمصري خاصة، كان رحمه الله يعيش هموم الشباب ويعرف كل التناقضات الموجودة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الفنية وغيرها، وهو باستمرار يضع إصبعه على الداء الموجود في أيّ مجال، وهنا تكمن أهمية يوسف شاهين، لذلك عند اختياره لأيّ ممثل يتعاون معه في فيلم لا يختلفان، بل بالعكس يتفقان تماما”.

وسبق لعزت العلايلي أن تعامل مع شاهين وهو شاب، وكلاهما كان مهموما بالشارع المصري وبقضاياه الوطنية، وهو ما صبغ الأعمال التي أنجزاها معا آنذاك، والتي أثرت في الشارع وأخذت صدى كبيرا.

ومن هناك يقول العلايلي “يوسف شاهين باختصار شديد، مجنون كبير بروح طفل، وهو أحد الشعراء المهمين في السينما المصرية والعربية، حيث نجح من خلال شاعريته في أن يرسم صورة جميلة ومتحدية للإنسان المصري والعربي بكل إيجابياته وسلبياته، رغم كل تناقضاته”.

وعن روح الطفولة التي تسكن الفنان عموما وهو تحديدا، يقول العلايلي “ما زلت طفلا طموحا في عالم الفن وفي طريق الحياة، وأدعو الله ألاّ تشردني المدن أو الأيام أو أن تلجم أحلامي، صدقا أقول إن دموعي دائما تسبقني أمام أيّ حدث جلل أو جرح يخدش مصر.. وأتمنى أن أقدم عملا يعكس رأيي وإحساسي نحو هذا البلد العظيم الذي ترعرعت وعشت فيه وتضمخت بعطره، مصر بالنسبة إليّ شيء عظيم وكبير جدا”.

وعن العمل الأقرب إلى قلبه بين اثنين تعاون فيهما مع شاهين وهما “الاختيار” والأرض”، يقول “كلا العملين يمثلان بالنسبة إليّ علامة مميزة، فلا أستطيع أن أقول إن هذا العمل أقرب إليّ من الآخر، لكن على سبيل المثال “الاختيار” جاء في فترة صعبة جدا من تاريخ مصر، حيث قدم صورة المثقف الذي يعيش حالة التزعزع وعدم الثقة في نفسه وبحثه عن هويته وصورة وطنه الرمزية، خاصة أن الفيلم جاء بعد هزيمة 1967، وهو يؤرخ لهذه الفترة عبر إكراهات وفلسفة الحيرة والاختيار”.

وفي المقابل يرى العلايلي أن فيلم “الأرض” يعدّ علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية والعربية، وهو الذي يؤرخ لفترة مهمة من تاريخ مصر والعالم العربي ويبرز علاقة الإنسان المصري والعربي بالأرض كرمز للهوية والوجود والكرامة والعرض، ويسترسل موضحا “اجتمع في فيلم ‘الأرض’ كاتبان مهمان وهما عبدالرحمن الشرقاوي كاتب العمل، وحسن فؤاد كاتب السيناريو، وهو رجل سياسة بالدرجة الأولى وصحافي ناضج ومناضل قضى فترة من عمره وراء القضبان”.

يعمل العلايلي ذاكرته مستعيدا تلك الأيام، فيقول “أذكر أنه أثناء تصوير الفيلم كان الكاتب عبدالرحمن الشرقاوي موجودا بصحبتي أنا وحسن فؤاد وصلاح السعدني ومحمود المليجي ويوسف شاهين، وكنا بعد أن ننتهي من التصوير نجلس ونناقش ونتحاور حول الأوضاع، خاصة أن التصوير كان بعد النكسة مباشرة، وكانت هذه المناقشات والمساجالات مهمة جدا، وكم تمنيت لو أنني سجلتها واحتفظت بها، لأنها غنية وثرية، إلاّ أن عزائي عن ذلك أن فيلم ‘الأرض’ جاء اختصارا لتلك الفترة الحساسة من تاريخ الأمة العربية التي كان وجودها متعلقا أساسا بالأرض كرمز للهوية والكرامة والعرض”.

السينما والمجتمع

يرى النجم المصري عزت العلايلي أن السينما تمثل ظل المجتمع على الأرض، فهي تعكس الواقع بسلبياته وإيجابياته وفق رؤية كاتب الفيلم أو مخرجه للمجتمع، ومن المعيب تجاهل دور السينما في مجتمعات تعيش تناقضات متعددة، حيث يكون للفن السابع الريادة في تحليل الأوضاع ونقدها.

وعن السينما، يقول النجم المصري “نحن في حاجة دائمة لهذا الفن النبيل والجميل، السينما هي التعبير الصادق عن أيّ مجتمع، فهي تمثل المرآة الناقلة لواقعها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والفلسفي، إذ نظل دائما في حاجة ملحة كي نرى ونعرف وجهة نظرنا من خلال الصورة، التي هي أبلغ دليل وشاهد على العصر والزمان والأحداث الكبرى”.

وفي سؤال لـ”العرب” حول أين يجد العلايلي نفسه أكثر بين ثلاث: الدراما والسينما والمسرح، يجيب “لا أستطيع التفريق بين هذه وتلك، لأنّ كل التعبيرات الفنية صعبة وتتطلب مسؤولية كبيرة، وأنا مثلا حينما أنخرط في عمل سينمائي أعطيه كل وقتي وتفكيري وأعود إلى البيت مرهقا، ولا أستطيع القيام بأيّ عمل فني آخر، التصوير في السينما متعب جدا، حيث يقع الخلط في أجزاء التصوير فتصور مشاهد أخيرة ثم تعود إلى البداية وغيرها.. فيصبح الممثل عبارة عن حاسوب يبرمج من قبل المخرج، وهذا ينطبق ولو بشكل مختلف قليلا على المسرح والتلفزيون”.

وعن الدور الذي يحلم بتجسيده، يقول “سعيت في كل أعمالي التي قدمتها والتي أود تقديمها أن أعكس صورة الإنسان المصري في كل تناقضاته وتحدياته، وقد جسدت عدة أدوار تؤرخ لحرب أكتوبر 1973، ورصدت كيف حقق الإنسان المصري هذا النجاح كوريث للعالم العربي واستقلاليته، والتطرق إلى علاقة مصر بالوطن العربي آنذاك، مثل هذه الأدوار أحبها كثيرا، وأختارها دون تفكير”.

أما اليوم، يقول ضيفنا “لا أبالغ حين أقول إنه بعد ما عاشته مصر والمنطقة العربية عموما في ظل ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، فإني أطمح لتجسيد أكثر من 300 دور، كي يتسنى لي المساهمة ولو بجزء بسيط في التأريخ لهذه الفترة المهمة من تاريخ مصر والوطن العربي”.

نحن والآخر

لا يتفق عزت العلايلي مع رأي المخرج الراحل مصطفى العقاد القائل بأن “معركتنا مع الغرب معركة إعلام”، معتبرا أن هذا الرأي فيه الكثير من المبالغة، ويبرر بقوله “لأننا في الوطن العربي نملك مفكرين ومثقفين وإعلاميين كبارا رغم اختلاط الحابل بالنابل في الفترة الأخيرة، العالم العربي، بكل صدق، يملك عظماء في الإعلام والفن والثقافة، لكن التقنيات التكنولوجية لدى الغرب تلعب دورا مهما في ارتقاء من يمتلكها”.

ويضيف “صحيح أن الإعلام روح وفكر قبل أن يكون جهاز تقنيا أو حاسوبا ومحامل تكنولوجية، ولكن تبقى دقة وسرعة تدفق المعلومات بمساعدة التكنولوجيا هي التي تحدث الفارق”.

وعن صورة العربي لدى الآخر، والتي ظلت على امتداد عقود نمطية ومهتزة، يرى العلايلي أن العرب قادرون على محاربة هذه الصورة النمطية المهتزة بالفكر والعقل، حيث باستطاعتهم إبداع أدب وفن وثقافة أحسن من أيّ كائن في هذا العالم.

ويضيف “أنا أعتبر نفسي مثلي مثل الإنسان الغربي، رغم تفوقه تكنولوجيا واتصاليا، إلاّ أننا نتفوق عليه بتاريخنا وحضارتنا وثقافتنا، وهذا ما يجب أن نزرعه في أبنائنا وأجيالنا القادمة حتى يفتخروا بأنفسهم”.

لعزت العلايلي رأي في مدى قدرة الثورات العربية على تحقيق أهدافها، معتبرا أن نجاحها يتطلب زمنا طويلا، إذ لا يمكن أن تنجح أيّ ثورة بين عشية وضحاها، فالتغيير يتطلب وقتا وجهدا، وللثورات العربية إيجابياتها وسلبياتها، مشددا بالقول “في هذه الحياة ليس هناك شيء سهل يحقق نتائجه بسرعة”.

وعن تقييمه للتجربة التونسية، يقول “التجربة التونسية مثلما هو معلوم تمرّ من حالة إلى حالة، واليوم ليس بالغد، وغدا ليس اليوم، وهناك أمور لا تحدث فجأة، إذ أن التغيير يجب أن يطال المجتمع برمّته لا فردا بعينه، فجميعنا نعمل معا على بناء مجتمع جديد ناضج وواع، وهذا طبعا يتطلب منا الصبر والجلد”.

ويختم عزت العلايلي حواره مع “العرب” مجيبا عن سؤالنا حول الأنماط الموسيقية التي يستمع إليها وهو في بيته ساعات الراحة من العمل، فيقول “أستمع إلى كل الأنماط الموسيقية الجميلة، ولكن أستمع خاصة إلى عبدالحليم وأم كلثوم وفائزة أحمد وفريد الأطرش ولطفي بوشناق وصابر الرباعي الذي أعتبره فنانا متمكنا، كما أستمع لغيرهم، ولكلّ فنان قوامه ومميزاته ومع ذلك إن خيرتني فسأختار أم كلثوم في كل أغانيها، وخاصة الأغنية التي تتغنى بمصر “وقف الخلق”، وهي من كلمات حافظ إبراهيم وتقول بعض أبياتها: وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي/وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي/أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي/إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي/أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي.

كاتب من تونس

 

العرب اللندنية في

15.01.2017

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004