حكايات اللاجئين من الحرب والطائفية والحصار إلى رحاب
السينما والسلام..
أبو وطفة يترك غزة للبحث عن شغفه.. دانية هربت من سوريا
للبحث عن غد أفضل..
والشمسى دفعته الطائفية بالعراق ليساهم فى نشر السينما
بمهرجان مالمو
كتب - على الكشوطى
لمدينة مالمو السويدية سحر خاص، فرغم البرد القارس الذى
يحيط بها من جميع جوانبها إلا أنها تتمتع بحالة دفء شديد صنعها أهل تلك
المدينة التى ترحب بالأغراب من كل مكان، وما ساهم بشكل كبير فى إضفاء تلك
الروح الدافئة هو أنك لا تشعر ولو للحظة أنك بعيد عن أهلك وناسك، فأثناء
مرورك فى شوارعها تستمع وبوضوح لصوت الست
«كوكب
الشرق أم كلثوم»،
على مسافة أخرى من ذلك الصوت تجد "جارة القمر" فيروز تشدو
أجمل أغانيها، بجوارك تمر أسرة عربية كاملة يتغنون بأغان من التراث العربى،
فهى إحدى المدن التى تضم العديد من الجاليات العربية لأسر كاملة وشباب
تركوا وراءهم ماض يجعلهم يئنون كلما اشتموا رائحة بلادهم.
لعامين متتالين كان لـ«اليوم
السابع»
مشاركتها ضمن وفد من الإعلاميين المصريين لتغطية مهرجان
السينما العربية فى مالمو،
وهو المهرجان الذى اتخذ من المدينة السويدية مركزًا لبث الثقافة والسينما
العربية، واستطاع أن يكون منارة للفن العربى.
فريق عمل المهرجان متنوع الثقافات، حيث يضم أعضاءً من أغلب
الدول العربية المحبة للسينما فمنهم من فلسطين وسوريا والعراق، وبالطبع كل
منهم وراءه حكاية ملهمة، لذا اخترنا لكم 3 حكايات لشباب يمثلون 3 نماذج
لكفاح الشباب العربى، وكيف أنه قادر على تحدى كل الظروف لتحقيق وإثبات ذاته.
الحكاية الأولى السورية دانية الشيخ حسن
أصوات الرصاص تدوى فى السماء، صيحات وصراخ وعويل رعب وخوف
ودمار، هذه هى الصورة التى ارتبطت بذهن دانية عن بلادها سوريا قبل أن يمحى
الجمال والسحر من على تلك الأرض الطيبة.
بصوت حزين وعيون يغمرها التوتر والشغف تقول دانية إن عام
2011 فى سوريا، هو عام مختلف بكل ما تعنيه الكلمة، فالحراك الشعبى بدأ فى
ريف دمشق وهى غير قادرة تمامًا على تحديد متى بدأ الحراك الشعبى، قريبًا
جدًا منها تسمع أصوات الرصاص دائمًا، عاشت دانية أوقات مرعبة، الخروج من
المنزل خطر والبقاء فيه خطر فهى غير آمنة خارجه أو حتى داخله.
تضيف دانية «حاولت أن أتعايش مع الوضع وأن أذهب إلى عملى
مرورا على 4 حواجز أمنية يوميًا ومع مرورى لكل حاجز يزداد خوفى فى ظل
الأوضاع التى تسوء مع مرور الوقت، فالمنازل بلا كهرباء وبلا خطوط تليفون،
وجوه مخيفة تطوف شوارع المدينة التى اعتادت أن تلهو فيها وهى طفلة، سيارات
تحمل البنادق والرشاشات تجوب الطرق والأزقة».تكمل دانية «فقدت وظيفتى ومصدر
رزقى وتاهت مدينتى الحبيبة وسط الغبار، وبات الأمل معدومًا»، وهو ما دفع
دانيا لاتخاذ قرار الرحيل تاركة قلبها فى دمشق والخوف يسيطر عليها فهى
بعيدة عن وطنها الحبيب وبعيدة عن أمها وأبيها ربما للمرة الأولى لتذهب إلى
الإمارات.
تضيف دانية «فرقنا الصراع فى سوريا فبات كل فرد من أسرتى فى
مكان، منزل العائلة تحول إلى سراب لا أحد يعرف إذا تهدم أم لا ولكن فى
الأغلب تحول لكومة من التراب، أنقذت العناية الإلهية أسرتى ولكن كل منهم فى
طريقه حيث يعيش والدى ووالدتى فى فرنسا بعدما خرجوا من سوريا عن طريق
اللجوء الطبى».
وتستكمل «كنت أجاهد نفسى لتعلم اللغة الإنجليزية التى
يستخدمها الجميع فى الإمارات بمهارة واحترافية ومهنية وضعت الماضى نصب عينى
وشحنت نفسى بطموح مغزول بالرعب من العودة فى ظل الأوضاع الراهنة، هون عليا
الغربة رفيق دربى وحبيبى وزوجى حاليًا والذى لم نجد لنا ملجأ سوى السفر
للسويد بعدما انتهت أوراق إقامتنا بالإمارات».
تقول دانية إن عامها الأول فى مالمو كان عام الانتظار..
إقامة – لغة – بيت – وظيفة – طفل، ثم بدأت الحياة العملية فلم تكن تريد
الاعمتاد على أموال التأمين، كانت تطمح فى استقرار واستقلالية.
تروى دانية كيف التحقت بالعمل فى مهرجان
مالمو للسينما العربية فى
السويد، حيث دعتها صديقة لحضور عرض فيلم عربى، وهو الأمر الغريب بالنسبة
لها كيف تشاهد فيلما عربيا فى بلد بعيدًا عن بلادها، وهو الأمر الذى أعجبها
فلم تر فيلما واحدا يومها، بل شاهدت فيلما تلو الآخر ضمن فعاليات يوم من
أيام مهرجان مالمو للسينما العربية، لتستمر داينا فى متابعة أيام المهرجان
فى أعوامه المتتالية إلى أن علمت بأن المهرجان يطلب موظفين فتقدمت
بأوراقها، وحصلت على الوظيفة التى تعتبرها أول فرصة عمل حقيقة لها فى
السويد.
تختتم دانية حديثها بأن مشوارها لم ينته فهى مستمرة فى
كونها جزءًا ولو بسيطًا من مهمة الحفاظ على ثقافة عربية فى بلد اسكندنافى،
وهو ما يعود لرغبتها الشديدة فى أن تستمر ملامح هذه الثقافة فى تواجدها
القوى فى مالمو حيث تأمل فى أن ينشأ طفلها فى بيئة ليست ببعيدة عن بلدها
العربى الأصلى سوريا.
أبو وطفة.. أنا أتنفس سينما
أنا أتنفس سينما.. قالها الفلسطينى محمد أبو وطفة، فى بداية
حديثه، كان البرد يتملك جسده لكن حديث الذكريات أدخل الدفء إلى قلبه وبدأ
يتحرر من «الكوفية» و«البالطو» الصوف.. يقول أبو وطفة، إنه ولد فى غزة عام
1985، وتلقى تعليمه ودخل جامعة الأزهر فى غزة ليدرس المونتاج والتصميم، حبه
للسينما دفعه للعمل على مشروع إقامة عروض سينمائية للأطفال فى غزة، فهى لم
تشهد ذلك من قبل، واستطاع أن يحصل على دعم وصول إلى 2000 دولار من الوكالة
السويسرية للتنمية، إلا أن المشروع واجه صعوبات خاصة بعد سيطرة حركة حماس
على القطاع، فالمناخ العام بعد ذلك أصبح خانقا لطموح أبو وطفة ليجد الملاذ
الوحيد فى ترك غزة والذهاب إلى رحاب أوسع وأفق جديد يستوعب طموحه ويمنحه
قبلة الحياة من الجديد، «هاجرت إلى السويد وتركت غزة» قالها أبو وطفة
والحنين يملأ عيونه.
واستكمل أبو وطفة حديثه، قائلًا «جئت أبحث بشغف عن طموحى
وحبى للسينما وللحرية، لكن الأمر لم يكن سهلًا أبدًا، ففى عام 2011 كان
العالم العربى مضطربا والمظاهرات والإضرابات تجوب الدول العربية ولم يكن
الوضع مستقرًا، فظللت 3 سنوات أنتظر التواجد الرسمى فى السويد، وهو أمر
أشبه بالكابوس لا تستطيع العودة لغزة وفى نفس الوقت وجودك غير معترف به،
إلى أن حصلت على الإقامة فى 2014».
يضيف وطفة «بعد حصولى على الإقامة كان لابد أن أثبت جدارتى
وأن أتعلم اللغة السويدية، وفى نفس الوقت البحث عن عمل فحصولى على عمل فى
تخصصى تصميم الجرافيك أمر غاية فى الصعوبة وهو ما دفعنى للعمل كبائع فى
سوبر ماركت، ثم فى أحد المطاعم السريعة، إلى أن تقابلت مع مؤسس ومدير مهرجان
مالمو للسينما العربية المخرج محمد
قبلاوى والذى
منحنى الفرصة لإثبات ذاتى والسير وراء شغفى وحبى فى مجال السينما، وأن أكون
ضمن خطة مهرجان
مالمو للسينما العربية بنشر
السينما العربية فى جميع أنحاء السويد، فكان هناك مهرجان سينما المرأة
العربية، بالإضافة إلى جولة الأفلام والمهرجانات الفرعية فى مدن هلسنبورى
-غوتنبرغ -ستوكهولم -لوليه - وأوميو فى أقصى شمال السويد».
يكمل وطفة «شاركت بعدها مع المهرجان فى مهرجان كان
السينمائى والتى كانت بمثابة نقلة جديدة فى حياتى ومزيدًا من الاستمرار من
أجل الأفضل، ومع استمرار العمل أصبح مهرجان
مالمو علامة
فارقة فى السينما العربية بأوروبا وأشعر بفخر كبير جدا إننى أحد أعضاء فريق
هذا المهرجان العظيم والذى أشعر بانتماء كبير له انتماء يجعلنى على استعداد
لتضحية من أجله لأنه صنع كيانى ومستقبلى وحاضرى كما أشعر بالامتنان لرئيس
المهرجان الذى ساعدنى ومنحنى هذه الفرصة من أجل استعادة ذاتى وعملى
ومساعدتى على الإبداع».
الحكاية الثالثة العراقى أثير محمد الشمسى
«فى
بلد يعيش فيه المواطنون وسط الكثير من المحاذير والخوف والرعب من المؤكد أن
طموحى بمجال السينما فيه ليس محل ترحاب»، هكذا بدأ أثير الشمسى حديثه عن
دوافعه للهجرة إلى السويد.
يروى أثير تفاصيل حياته قبل الهجرة، فيقول «كنت أعمل كمدير
موقع فى وزارة النفط العراقية وكلفت بنقل المنتج النفطى داخل العراق من
زاخو -مدينة فى إقليم كوردستا- إلى الفاو بفترة تهديدات كيان النظام
السياسى العراقى التى كانت مع عصابات التوحيد والجهاد وتنظيم القاعدة
بقيادة أبو مصعب الزرقاوى وتعاونهم مع الجيش الأمريكى الذى كان يبيع القوات
العراقية للقاعدة على حد قوله».
يضيف أثير «الحياة بالعراق أصبحت صعبة خاصة مع الأحداث
الطائفية التى ألمت بالبلاد حيث استمرت عامين، وبعدما تأثرت بالأحداث
الطائفية أصر والدى الخروج من العراق، خوفًا على حياتى خاصة بعدما فضحت
تعامل الأمريكان مع تنظيم القاعدة بالتليفزيون، لذلك انتقلت إلى السويد عام
2008».
يقول أثير «أتممت دراستى الجامعية بقسم الإعلام والاتصالات
وأنشئت مهرجانا للإبداع يكرم من خلاله المبدعون العرب خارج أوطانهم أطلق
عليه مشروع «أقصوصة لقطة» حيث كرمنا من خلاله سينمائيين وغيرهم من المشاهير».
يكمل أثير «حصلت على اعتراف دولى من الأمم المتحدة والدولة
السويدية ونقابة الصحفيين العراقيين والسويديين بمزاولة العمل الاجتماعى
والصحفى، وبعدها درست التصوير وعملت فى المدارس السويدية بعدة مشاريع
لتطوير الأطفال من عمر 6 إلى 14 من خلال الصورة، ثم اتجهت الى دراسة علم
السلوك والقيادة والتربية وأنشأت أول مجلة ناطقة باللغة العربية فى مدينة
كرستيان ستاد وقد أعلنت المجلة كأول منشور عربى فى عيد ميلاد المدينة 400
بحضور الملك والملكة».
يشير أثير إلى أن حياته تغيرت فى السويد حيث يقول «أسلوب
الحياة فى السويد مختلف فهناك العديد من المفاهيم لم نترب عليها لذلك
الإنسان يحتاج أن يطور من ذاته من خلال اكتساب الإيجابيات فى مجتمع السويد
ومزجها مع ثقافتنا العربية».
وأوضح أثير أنه يتعامل مع نفسه فى المجتمع السويدى باعتباره
سفيرًا للغة العربية وسفيرًا لبلاده وللثقافة العربية، مضيفًا أنه مع
بداية مهرجان
مالمو وجد
نفسه معجبًا به وبفكرته وبأهدافه ما دفعه للتواصل مع رئيس المهرجان المخرج
محمد قبلاوى،
لينقل له إعجابه بالمهرجان وأنه يريد المشاركة بالمهرجان، ورغم أنه لا
يعرفه إلا أنه كلفه بمهمة العمل بمهرجان كرستيان ستاد الفرعى التابع
لمهرجان مالمو وهى مدينة يسيطر عليها الحزب العنصرى، ولكن خلال ثلاثة أيام
من بداية المهرجان وجدنا صدى واسعا، وأصبحت عروض الأفلام كاملة العدد وبدأت
الصحافة فى الحديث عن المهرجان ليبدأ أثير فصلا جديدا فى حياته بالعمل فى
مجال يحبه ليلتحق بالعمل فى مهرجان
مالمو للسينما العربية،
ويؤكد قدرته على العمل والإتقان وإثبات الذات رغم الصعوبات والإحباطات التى
واجهها فى بلاده التى كان يتمنى أن ينجح بها، إلا أن كونه وجها مشرفا
لبلاده ولديه هدف يتسق مع أهداف مهرجان مالمو هو الأمر الذى هون عليه
الكثير من أوجاع الغربة التى تجعلها السينما والشغف بها يسيرة وسهلة إلى حد
ما.
ويضيف أثير «أصعب مرحلة عشتها أثناء عملى بالعمل العام فى
السويد هى الفترة التى كان يأتى أفواج من اللاجئين إلى السويد، كنا ننام
قرب محطة القطار لاستقبال أخوتنا العرب من مختلف الجنسيات وخصوصا السوريين
لمساعدتهم فى إيجاد أماكن لهم وتوفير حاجاتهم وتقديمهم إلى دائرة الهجرة
لإتمام معاملاتهم بالتنسيق مع الشرطة دائرة الهجرة السويدية فقد مرت علينا
أحداث وقصص لم نكن نعتقد أنها فى الحياة الدنيا، ولكنها فقط فى الأفلام وهو
ما يؤكد على أن السينما وحدها تستطيع نقل معاناة العالم وما لم نكن نتخيل
أنه على أرض الواقع بيننا». |