وثائقيات القاهرة السينمائي ترصد تحقق أحلام الشباب في
الداخل والخارج
سامح الخطيب
الفيلمان اللبناني والمصري يوثقان الطموحات الإنسانية من
خلال رحلات خاضتها شخصيات سعت إلى تحقيق حلمها في حياة أفضل.
تنتصر الأفلام الوثائقية المعروضة ضمن فعاليات مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين للفعل الإنساني وسعيه
الدؤوب نحو التحقّق، موثّقة عبر الكاميرا يوميات شخصيات حقيقية جازفت
وثابرت من أجل إثبات ذواتها، فكان لها النجاح رغم صعوبة المسار.
القاهرة- بين
المجازفة بالهجرة إلى أوروبا بطرق غير شرعية لتحقيق الذات، وبين التحقّق في
الوطن عبر ممارسة الرياضة والتفوّق فيها ترصد الأفلام الوثائقية المعروضة
ضمن النسخة الثانية والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الطموحات
الإنسانية وتوثّقها بحساسية فنية عالية، مثبتة أن لا شيء يقف عائقا أمام
إرادة التحقّق.
وضمن هذا السياق يأتي الفيلم اللبناني “نحن من هناك”
المشارك في مسابقة آفاق السينما العربية بالمهرجان الذي تختتم فعالياته
الخميس.
ويقول مخرج الفيلم وسام طانيوس “عندما علمت بعزم اثنين من
أقاربي على الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، تنامى لديّ هاجس الفقد
وسارعت إلى توثيق كل لحظة تالية بالكاميرا علّني أحتفظ بداخلها بشيء من
الذكريات إلى أن أصبحت لديّ تسجيلات تكفي لصنع فيلم وثائقي”.
ويتتبّع الفيلم الوثائقي قصة ميلاد المحبّ للموسيقى، وخاصة
آلة البوق، والذي يعيش في دمشق ويعمل مدرس موسيقى للأطفال. لكنه يدرك أن
بقاءه في سوريا لن يحقّق أي شيء من طموحاته في حياة أفضل سواء اجتماعيا أو
فنيا، فيقرّر السفر من خلال الاستعانة بمهرّبي البشر.
وسام طانيوس: في «نحن من هناك» ركزت على رحلة العبور النفسي
التي يعيشها المهاجرون
وفي بيروت يقيم شقيقه جميل الذي يعمل في ساحة انتظار
سيارات. لكنه هو الآخر يتطلع إلى مستقبل أفضل ولا يريد أن يقضّي بقية عمره
لاجئا في بلد آخر، خاصة أن هذا البلد يعاني أيضا من مشكلات اقتصادية
وسياسية كثيرة.
وعلى غير المتوقّع في مثل هذه الأفلام عن الهجرة غير
الشرعية، يقدّم المخرج اللبناني الشاب تفاصيل المغامرة كاملة عبر البحر
المتوسط على الشاشة بالاستعانة بجميل الذي ظل يصوّر الرحلة بدءا من تركيا
إلى اليونان ثم إلى مقدونيا ثم صربيا والمجر وصولا إلى السويد.
وبينما استقر جميل في السويد وبدأ العمل في مجال النجارة،
امتدت رحلة ميلاد إلى ألمانيا حيث أصرّ على تحقيق ذاته فنيا وبدأ في تقديم
موسيقاه الخاصة.
لكن وصول ميلاد وجميل إلى أوروبا وبدء كل منهما حياة جديدة
هناك لم يكتبا نهاية سعيدة للفيلم، لأن ما ركّز عليه المخرج هو الثمن
الباهظ الذي ظل يدفعه كلاهما مقابل قرار الهجرة وترك الأهل والوطن.
وبفضل شغف والد ميلاد وجميل بالتصوير منذ سنوات طويلة
استطاع مخرج الفيلم توظيف مادة تسجيلية من أرشيف العائلة في الربط بين حياة
الشابين في الحاضر والماضي الذي تركاه في دمشق، حيث ورشة نجارة الأب التي
تعلما فيها كل شيء تقريبا عن الحياة.
وظلت ورشة النجارة هي الرمز الذي يختصر معنى الوطن
والذكريات في قلب ميلاد وجميل، وكلما أرادا الاطمئنان على عائلتهما بحثا
عبر تطبيق خرائط غوغل عن الورشة حتى يتأكّدا أنها لا تزال موجودة ولم تختف
من على الخارطة.
وبعد العرض الأول للفيلم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن
فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أكّد طانيوس أنه ظل يتتبّع مشوار
ميلاد وجميل من عام 2015 حتى 2020.
وقال “ساهم ميلاد وجميل في إنجاز الفيلم ليس فقط بظهورهما
وقبول توثيق رحلتيهما؛ لكنهما شاركا أيضا في التصوير من خلال لقطات فاجأتني
بشكل كبير على متن قارب الهجرة وأثناء عبور الحدود من بلد إلى آخر”.
وأضاف “ربما بدت رحلة جميل تحديدا على الشاشة سهلة ووصل
بشكل آمن إلى شواطئ أوروبا، لكن ما كان يعنيني هو التركيز على رحلة العبور
النفسي أو النقلة التي حدثت في الحياة بعد الهجرة”.
وأشار إلى أنه بعد استقرار كل منهما في بلد كانت هناك
الكثير من القضايا والمشكلات التي يمكن أن يتطرّق إليها الفيلم، لكنه أراد
أن يظل معنى الوطن وقيمته هو المحور الرئيسي للعمل.
وغير بعيد عن ثيمة التحقّق، وإمكانية حصوله في الوطن هذه
المرة، يتتبّع الفيلم المصري “عاش يا كابتن” للمخرجة مي زايد، والذي يشارك
بدوره في المسابقة الرسمية للمهرجان، رحلة لاعبة رفع الأثقال أسماء، ابنة
مدينة الإسكندرية، منذ كان عمرها 14 عاما حتى وصلت إلى عمر 18 وتدريباتها
والبطولات التي شاركت فيها.
والفيلم يشبه دفتر يوميات للفتاة التي كانت تتدرّب مع
زميلاتها بأقل الإمكانيات في أرض خلاء بعيدا عن رعاية أي نادٍ أو مؤسسة
رياضية، وتتسارع وتيرته وتهدأ مع أنفاس بطلة رفع الأثقال الصغيرة التي
شاركت في بطولات على المستويين المحلي والإقليمي.
كما يسلّط الضوء على تجربة الكابتن رمضان عبدالمعطي مدرب
أسماء ووالد البطلة نهلة رمضان، الذي توفي في عام 2017، وإيمانه الشديد
بدعم وتأهيل الفتيات ليصبحن بطلات في رياضة كان ينظر إليها حتى وقت قريب
على أنها للذكور فقط.
وقالت المخرجة زايد عقب عرض الفيلم في القاعة الكبيرة لدار
الأوبرا المصرية بحضور عدد من نجمات السينما، إن التصوير استغرق أربع سنوات
جمعت خلالها هي وفريقها نحو 300 ساعة تصوير.
وأضافت “الفكرة في البداية كانت اختيار إحدى الفتيات وتوثيق
رحلتها نحو تحقيق حلمها بأن تصبح بطلة رياضية، ولم أكن أعرف على وجه
التحديد متى سينتهي الفيلم”.
وتابعت “كابتن رمضان كان أكثر المتحمسين للفكرة، وهو الذي
رشّح لنا أسماء لنتابعها لأنه كان يتوقّع لها مستقبلا باهرا، وكاد المشروع
يتوقّف بعد وفاته بسبب حالة الحزن الشديدة التي سيطرت علينا جميعا، لكننا
فوجئنا بأن الفتيات اتصلن بنا وسألن لماذا لا نأتي.. فعدنا لاستئناف العمل”.
وأشارت إلى أن عملية المونتاج استمرت نحو عام ونصف العام
حتى اتفقت هي والمونتيرة سارة عبدالله ومدير التصوير محمد الحديدي على
الشكل النهائي للفيلم. |