طرزان وعرب توأم يكتب ويخرج أعماله معًا، وهما آخر سلسال
طويل من الشقيقين اللذين يصنعان الأفلام معًا، من الأخوين لوميير، اللذين
اخترعا السينما، مرورًا بالأخوين كوين، والأخوين واتشوسكى فى أمريكا،
والأخوين تافيانى فى إيطاليا، والأخوين داردين فى بلجيكا.
منذ عدة أعوام قام الأخوان طرزان وعرب ناصر بصنع فيلمهما
الطويل الأول بعنوان «ديجراديه»، وهو اسم قصة شعر نسائية، شارك فى مهرجان
«كان» 2015، وهو يدور بالكامل داخل صالون حلاقة نسائى فى غزة، ويستعرضان من
خلاله واقعًا آخر غير الذى نراه فى نشرات الأخبار أو الأفلام التى تتناول
الحصار والجدار العازل والقصف وبؤس المخيمات، وقد منعت سلطة حماس عرض
الفيلم فى غزة، مع أنه عُرض فى أماكن كثيرة بالعالم.
يمكن للسينما من خلال صنّاعها الموهوبين أن ترى أشياءً لا يستطيع الناس أن
يروها فى حياتهم اليومية، أو من خلال وسائل الإعلام التقليدية، وهذا ما
يفعله الأخوان طرزان وعرب ناصر فى أفلامهما عن فلسطين.
غزة مونامور
الحب ضد الحصار
إلى مهرجان القاهرة السينمائى يأتى الأخوان ناصر بفيلمهما
الجديد «غزة مونامور»، الذى عرض فى عدة مهرجانات دولية، وقد أقيم عرضه
الأول ثانى أيام المهرجان.
مرة أخرى يتجنب طرزان وعرب الأحداث السياسية «الكبيرة»،
التى تأتى كمجرد خلفية بعيدة وبشكل كوميدى ساخر، فيما يركز الفيلم على حياة
بطله الرئيسى «عيسى»، الرجل الذى تجاوز الستين، ويعمل كصياد وبائع سمك، وهو
أعزب قضى حياته متصعلكًا ويعيش حاليًا مع شقيقته الصغرى.
عيسى متيم بأرملة وأم لشابة مطلقة، تعمل حائكة وبائعة فى
متجر ملابس، وهو يفكر فى التقرب منها عندما يصطاد ذات ليلة تمثالًا أثريًا
من البرونز الثقيل للإله الإغريقى أبولو، ويحاول أن يخفيه فى منزله، لكن
التمثال يسقط على الأرض ويُكسر قضيبه، فيذهب به إلى تاجر تحف يقوم بإبلاغ
الشرطة عنه، ويتم القبض عليه وسجنه وأخذ التمثال منه.
وفيما يحاول المسئولون بيع التمثال للغرب، يستمر «عيسى» فى
محاولات التقرب من حبيبته.
هذا باختصار موضوع الفيلم الذى يبدو غير مألوف بالنسبة
لتوقعاتنا عن الأفلام الفلسطينية، ولكن مثل «ديجراديه»، فإن الوضع السياسى
الذى تتم إزاحته إلى الخلفية يبدو أكثر حضورًا، من خلال تأثيره على حياة
الأفراد الذين يعانون من أزمة اقتصادية طاحنة، ومرافق منهارة، وسلطة لا
تفكر سوى فى إطلاق الشعارات والأغانى الوطنية، وعدو يحاصر المدينة برًا
وجوًا وبحرًا، لم يترك لأهلها سوى ثلاثة أميال فقط من مياه البحر يتحركون
فيها بقواربهم الصغيرة.
يعتمد الفيلم على رصد وتسجيل تفاصيل حياة البسطاء فى غزة،
كما يعتمد على الأداء التمثيلى المتميز لبطلى الفيلم سليم الضو فى دور
«عيسى»، وهيام عباس فى دور المرأة التى يحبها، ورغم جدية الموضوع، فإن
الفيلم كوميدى ومبهج، كما لو أن أصحابه يريدون أن يقولوا إن المقاومة لا
تكون بالرثاء للذات والتركيز على دور الضحية فقط، ولكن بإظهار قوة البسطاء
وتمسكهم بالحياة والحب مهما كانت الظروف.
لا وجود للشيطان
الفيلم الأشجع فى تاريخ السينما الإيرانية
اليوم الثانى للمهرجان شهد أيضًا عرض فيلم «لا وجود
للشيطان»، أو «لا يوجد شر»، حسب ترجمة كتالوج المهرجان، وهذا الخطأ يعود فى
رأيى لعدم اعتماد الأسماء الأصلية للأفلام، والاكتفاء بالعنوان الإنجليزى،
والمفترض فى أى كتالوج مهرجان اعتماد الأفلام بلغتها الأصلية أولًا، ثم
بالإنجليزية، ثم بأى لغات أخرى.
فيلم «لا وجود للشيطان» حصل على جائزة الدب الذهبى من
مهرجان برلين فى فبراير الماضى، وهو من تأليف وإخراج الإيرانى محمد رسولوف،
ولكن الفيلم يحمل جنسيتى ألمانيا والتشيك، ولا يحمل الجنسية الإيرانية، لأن
مخرجه مغضوب عليه وممنوع من صنع الأفلام أو السفر للخارج، مثل كثير من
السينمائيين الإيرانيين.
«لا
يوجد شر» عمل فريد من نوعه، إذ يقوم على سرد أربع قصص مختلفة تصب كلها فى
موضوع واحد، أو يمكن القول إن الفيلم يتناول موضوعًا واحدًا من خلال أربع
زوايا وقصص مختلفة، أما الموضوع فهو عقوبة الإعدام، خاصة إعدام المعارضين
السياسيين، وهو واحد من أشجع الأفلام الإيرانية على الإطلاق.
القصة الأولى تدور حول زوج وأب مثالى خلال يوم واحد مع
زوجته وابنته وجيرانه، ينتهى بنومه ثم استيقاظه فى الثالثة صباحًا ليذهب
إلى العمل داخل سجن كبير، وهناك، فى اللحظة الأخيرة من القصة نكتشف
المفاجأة، وهى أن كل عمله يتلخص فى الضغط على زر فى الحائط، يشغل ماكينة
الإعدام.
القصة الثانية تدور حول جندى لا يستطيع تنفيذ الأوامر بقتل
أحد المساجين، فيقوم تحت تأثير الضغط الشديد بنزع سلاح زميل له والهرب من
الجندية.
القصة الثالثة تدور حول جندى يحصل على إجازة لزيارة حبيبته
يوم عيد ميلادها، حيث يقرر أن يعلن خطوبته عليها، ولكن يجد أسرتها فى حالة
حداد على صديق لهم تم إعدامه لأسباب سياسية، ثم يكتشف أنه الشخص نفسه الذى
نفذ فيه حكم الإعدام قبل حصوله على الإجازة.
القصة الرابعة والأخيرة أشبه ما تكون استكمالًا للقصة
الثانية بعد عشرين عامًا، حيث تدور حول مصير جندى يرفض تنفيذ الحكم
بالإعدام ويهرب، ثم يرسل زوجته وأخاها إلى ألمانيا، باعتبار الأخ هو الزوج
ووالد ابنته الوحيدة، حتى يضمن سلامتهم، ولكن بعد عشرين عامًا يتم إرسال
الابنة إليه ليصارحها بالحقيقة.
مدة عرض الفيلم ساعتين ونصف الساعة، ويغلب عليه السرد
الهادئ، المتأمل، والهمس حتى فى أكثر اللحظات عنفًا أو غضبًا، وهو يعتمد
على لغة الصورة فى توصيل ما لا تقوله الكلمات بشكل مباشر، واستخدام الطبيعة
والمكان بجانب الشخصيات لرسم لوحات تعبيرية رائعة.
«لا
وجود للشيطان» هو أكبر مثال على أن السينما الإيرانية ليست امتثالًا
لتصورات وقيم النظام الإيرانى، بل هى بالأساس فعل مقاومة لاستبداد وقهر هذا
النظام، واستخدام فن السينما فى التعبير عما لا يسمح قوله علنًا. |