يسهل على المتصفح أو الباحث في موقع السينما العربية أن يجد
أن رصيد الممثل الراحل حسن حسني يتجاوز ٤٩٠ عمل فني٫ وهو رصيد يفوق كل من
الفنانين الراحلين فريد شوقي ومحمود المليجي مجتمعين.
إلا أن الأكثر إثاره للاعجاب من الكم هو الكيف، أو بعباره
أخرى فإن المبهر بحق في مسيرة حسن حسني الطويلة والتي زادت على ٤٠ عاماً من
العطاء الفني والإبداعي، هو قدره حسني على تقديم تنوع مدهش من الأدوار
والشخصيات يندر أن يجدها المرء في مسيرة فنان آخر.
تنوعت أعمال حسني بين التراجيديا والدراما التاريخية
والكوميديا الراقية، فأحبه الجمهور في أدوار الأب الحنون التي تميز بها،
وأبغضه في أدوار الشر التي أجادها، واستطاع حسني أن يرسم على شفاه جمهوره
ضحكه صافيه كلما قدم عملاً كوميدياً لا سيما مع جيل الشباب.
عرفه الجمهور في كل الأدوار «ثرياً مترفاً، وعاملاً،
وفلاحاِ من قلب صعيد مصر، وغير ذلك» حيث لم يحصر نفسه كما فعل كثيرون في
نوع محدد من الأدوار ونجا بذلك من فخ «التنميط» الذي يعتبر داءا عضالا
يعاني منه الممثلون في السينما المصرية.
فعلى الشاشه الفضيه، كانت أكثر أدوار حسني تميزاً تلك التي
جمعته بالمخرج الراحل عاطف الطيب، بداية من فيلمه الأبرز «سواق الأتوبيس»
عام 1982 حيث قدم دور عوني، العامل السابق الذي يكون ثروة عقب سنوات
الانفتاح فيتنكر لماضيه ولمعلمه «عماد حمدي» ويسعى للاستيلاء على ورشته
بدلاً من انقاذها.
حسن حسني من فيلم سواق الأتوبيس
بدا وكأن الطيب وكاتب السيناريو بشير الديك قد أودعا في
شخصية عوني كافة سلبيات المرحلة وقبحها، وهو ما جسده حسني بالفعل بفهم دقيق
للشخصية.
وتجدد تعاون الطيب و حسني في فيلم آخر هو «البريء» عام ١٩٨٦
ولعب فيه دوراً محورياً هو الضابط فهيم أحد المسؤولين عن سجن يجمع فيه
السجنا السياسيون ويمارس بحقهم القمع في أقسى صوره.
جمع حسني في أدائه لهذا الدور بين الشراسة والانضباط الذي
يعد سمه أساسيه لرجل الأمن وجاءت جمله الحوارية على قلتها إضافه حقيقيه
للفيلم.
فيلم «البريء»
وفي عملين آخرين بدا حسني وكأنه يستعيد شخصية الضابط فهيم
حين جسد دور المسؤول الأمني في كل من فيلم «زوجه رجل مهم» لمحمد خان
و«الهروب»لعاطف الطيب، لم يقع حسني في فخ الاختزال لأي من الشخصيتين وإنما
بدا واضحا فهمه لكل منهما، فالمسؤول هنا شخص يؤمن تماما أنه رجل وطني وأن
كل ما يقوم به من إجراءات مهما بلغت درجة العسف فيها هي ضرورية لحماية
الوطن من المتربصين به.
أما دوره في فيلم «فارس المدينة» لمحمد خان عام ١٩٩٣ فكان
بحق اضافه اخرى لمسيرته، فالشخصية هنا رماديه بامتياز، ليست بالخيره ولا
بالشريرة، فـ«عبد العظيم» الذي يجسده حسني هو عجوز متقاعد يدرك تماما أن
زمانه وزمن من هم مثله من محبي أم كلثوم قد ولى٫ ولذا يلجأ إلى الاحتيال
وإلقاء نفسه أمام سيارات الأغنياء أملاً في تعويض مادي أو علاج مجاني.
حسن حسني من فيلم «فارس المدينة»
وعلى الشاشة الصغيرة٫ لم يكن حسني أقل إبداعا٫ ففي مسلسل
أرابيسك على سبيل المثال يجسد شخصية الأستاذ وفائي٫ ذلك المثقف الوطني
والفنان المبدع الذي يمثل لبطل العمل حسن أرابيسك (صلاح السعدني) المعلم
والملهم والذي يسعى مثله تماما للوصول إلى جواب للسؤال الذي يطرحه المسلسل
حول هوية مصر.
حسن حسن من مسلسل «أرابيسك»
السؤال ذاته هو الذي يطرحه عمل آخر لا يقل تميزاً هو مسلسل
«حلم الجنوبي» الذي جمع حسني مرة أخرى بالسعدني، وجسدا فيه شخصيتين تمثلان
الهوة والفارق الشاسع بين عراقة الماضي وضحالة الحاضر، فحسني هو عمران
الجارحي، تاجر الآثار المهربة الذي يبيع تراث الوطن وتاريخه للأجانب وفي
المقابل فالسعدني هو نصر وهدان معلم التاريخ الساعي للحفاظ على هذا التراث
المهدر، إذا صح التعبير.
حسن حسني في مسلسل «حلم الجنوبي»
كما قدم حسني عددا من الأعمال الدينية والتاريخية مثل
مسلسلات «الكعبه المشرفه» و«تحت ظلال السيوف» وغيرها التي بدا فيها واضحا
اتقانه التام للغة العربية الفصحى.
وبداية من عام ٢٠٠٠ صار حسني العامل المشترك في أغلب، إن لم
يكن كافة، افلام الجيل الذي بات معروفا باسم «الكوميديانات الشباب»، كانت
البداية مع الراحل علاء ولي الدين من خلال فيلم «عبود على الحدود» للمخرج
شريف عرفة ثم توالت اعماله مع هذا الجيل من أمثال محمد هنيدي وأحمد السقا
وكريم عبد العزيز ورامز جلال وأحمد حلمي وغيرهم.
مثل وجود حسني في هذه الأفلام اضافة لروح المرح التي أرادها
صناعها وارتبط اسمه بعدد من أشهر «الإفيهات» في تلك الفترة من قبيل «يا
فاشل» و«انا حرامي» و«ذنبه على جنبه».
فعلى الشاشة، كان حسن حسني يلعب دور الأب البيولوجي لهؤلاء
الشبان، أما على ارض الواقع فكان حسني بمثابة الأب الروحي لهم، يستمدون منه
خبرة السنين وحكمه الايام ويدفعهم دفعاً إلى الأمام. |