عام 2019 يكشف عن عمق التغيير وإقلاع الثقافة السعودية إلى
مرحلة جديدة.
تغيرات ثقافية هامة يشهدها الخليج العربي في السنوات
الأخيرة، وخاصة في السعودية التي اتجهت هذا العام ناحية تعزيز التحول
الوطني المدعوم برؤية 2030 في ملمـح تغييري متصاعد كان عنوان سنة 2019،
التي يعتبرها المراقبون البوابة الفعلية الكاشفة لواقع ما سيكون عليه الأمر
في المرحلة الأولى من التحول الوطني في 2020، ثم 2030.
لعل المتابع للشأن الثقافي السعودي لن يحيد عن الواقع لو
اعتبر أن أهم تفاصيل المشهد لعام 2019 تكمن في تدشين وزارة الثقافة
السعودية في مارس 2019، بعد أن كانت مندمجة مع وزارة الإعلام، وإطلاق
مبادراتها الـ27 المتنوّعة التي لامست حقولا ثقافية وفنية وموسيقية
ومسرحية، بالإضافة إلى مبادراتها العديدة التي وعدت بها المثقفين أثناء
لقائهم مع وزير الثقافة.
وقد أعلنت الوزارة عشية تدشينها عن رؤيتها وتوجهاتها، كما
أعلنت عن حزمة من المبادرات التي تندرج تحتها، والقطاعات الثقافية التي
ستدعمها، بالإضافة إلى دعمها لكيانات وقطاعات ثقافية، بهدف تمكين كل
المنتسبين للمجال الثقافي من ممارسة إبداعاتهم، وتوفير منتج ثقافي مميز
يساعد على رفع مستوى جودة الحياة في جميع مناطق المملكة.
مبادرات وإصدارات
عديدة هي المبادرات التي أطلقتها وزارة الثقافة السعودية
متمثلة في: مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وصندوق “نمو” الثقافي،
ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وبرنامج الابتعاث الثقافي، وبينالي
الدرعية، والفرقة الوطنية للمسرح، والفرقة الوطنية للموسيقى، ومركز موحد
للخدمات والتراخيص الثقافية، وبيوت الثقافة، وأكاديميات الفنون، ومبادرة
الكتاب للجميع، والجوائز الثقافية، ومجلات الآداب والفنون، والمتاحف
المتخصصة، والأرشيف الوطني للأفلام، وبرنامج التفرغ الثقافي، وبرنامج
“ترجم”، والمهرجانات الثقافية، وبرنامج ثقافة الطفل، وتوثيق التراث الشفهي
وغير المادي، ومعرض الفن المعاصر السنوي، وتطوير المكتبات العامة، وأسابيع
الأزياء، ومهرجان الطهي الوطني، والفن في الأماكن العامة، وتأشيرة الفنان،
ومدينة الثقافة السعودية.
وتنتمي هذه المبادرات الـ27 إلى 16 قطاعا ثقافيا تخدمها
الوزارة، وهي: اللغة، والتراث، والكتب والنشر، والموسيقى، والأفلام والعروض
المرئية، والفنون الأدائية، والشعر، والفنون البصرية، والمكتبات، والمتاحف،
والتراث الطبيعي، والمواقع الثقافية والأثرية، والطعام وفنون الطهي،
والأزياء، والمهرجانات والفعاليات، والعمارة والتصميم الداخلي.
هذه المبادرات الاستراتيجية التي غيّرت الواجهة الثقافية
للسعودية جعلت المتابعين يضعون أسئلتهم الفكرية مفككين المشهد الذي كان
بالأمس القريب مشهدا مسكوتا عنه، متسائلين عن قدرة المثقفين والمبدعين على
استشراف تحولات الواقع السعودي المفصلية الأخيرة في عهد العاهل السعودي
الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان مقارنة بتاريخ
المملكة المحافظ القريب.
بدأت وزارة الثقافة هذا العام تتسلّم بعض مهامها من خلال
اعتبار إدارة الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية تحت مظلتها الإدارية بعد
أن كانت تحت إشراف وزارة الإعلام، وذلك إنفاذا لقرار مجلس الوزراء، الصادر
مؤخرا، والقاضي بنقل المهمات والنشاطات المتصلة بالثقافة من وزارة الإعلام
إلى وزارة الثقافة.
للارتقاء بالثقافة والتعليم وفق رؤية المملكة الجديدة،
تحاول وزارة الثقافة السعودية أن ترفع من سقف أحلامها
وعلى إثر هذا القرار انتقل أيضا الإشراف على الجمعية
السعودية للفنون التشكيلية، وجمعية الطوابع، وجمعية التصوير الضوئي،
والجمعية السعودية للكاريكاتير والرسوم المتحركة، وجمعية المسرحيين، وجمعية
الخط العربي، وجمعية الناشرين السعوديين، وجمعية المنتجين السعوديين،
بالإضافة إلى المجلة العربية.
وقد أوضحت الوزارة في وقت سابق بأن العمل بين وزارتي
الثقافة والإعلام قائم على قدم وساق لإنهاء الإجراءات الإدارية المترتبة
على نقل المهام الإشرافية والارتباطات المرجعية في الكيانات الثقافية،
لافتة الانتباه إلى أن وزارة الثقافة ستعمل على تطوير الإمكانيات وتعزيز
الفرص والقدرات في القطاع الثقافي.
ورغم كون الأندية الأدبية الستة عشر التي تتوزع في مناطق
السعودية لها استقلاليتها الاعتبارية وتتبع لوزارة الثقافة، ورغم كونها
مدعومة سنويا بأكثر من 16 مليون ريال (ما يزيد على 4 ملايين وربع المليون
دولار)، بواقع مليون ريال لكل فرع سنويا، غير أنها عجزت عن أن تتحول إلى
كيانات ثقافية فاعلة، فمع كونها مهتمة بالشعر والسرد وطباعة الإصدارات
الأدبية وتنظيم الأماسي إلا أنها لم تستطع أن يكون لها هذا التأثير المتوقع
والمنتظر منها. وهنا لا بد من استثناء نادي جدة الأدبي حيث فعاليات عبقر
الشعرية الاستثنائية التي يشرف عليها الشاعر عبدالعزيز الشريف.
الأمر نفسه نلاحظه -ولكن بأقل وتيرة مستثنيا فنون الدمام-
مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، التي ينصب اهتمامها بالمسرح
والسينما بالإضافة إلى التشكيل والفنون الشعبية والموسيقى، حيث ترعى
الأدباء والفنانين السعوديين، وتتبنى المواهب الشابة، وتقوم بتمثيل المملكة
في الخارج والداخل على المستويين العربي والعالمي. ولها 16 فرعا موزعة في
مدن مختلفة بالمملكة، غير أنها لا تحظى بالدعم اللازم حيث لا تزيد
ميزانتيها على عشر ميزانية الأندية الأدبية.
هذا الشتات الثقافي الرسمي بين الأندية والجمعيات دفع وزارة
الثقافة هذا العام لإعادة هيكلة الأندية الأدبية والجمعيات الفنية
الثقافية، والخروج من خلالها بصيغة موحدة لجميع مناحي الشأن الثقافي، حيث
من المتوقع أن تندمج تحت عنوان عام “البيوت الثقافية”، أو “المراكز
الثقافية”، ومع ذلك إلا أن بعض المثقفين لا يجدون جدوى حقيقية من ذلك،
ويعتبرونه مجرد تغيير في المسميات دون المساس بواقع المشهد الثقافي.
سلطان السبهان الشمري ثالث شاعر سعودي على التوالي يفوز
بأمير الشعراء
الأدب والكتب
بحسب القاص والباحث السعودي خالد اليوسف -الذي يعمل بجد منذ
سنوات طويلة على جمع وتقصي المحتوى الثقافي السعودي في قوالب معلوماتية
ضخمة ودقيقة- فإن الإصدارات للمؤلفين السعوديين خلال العامين 2018 و2019 في
مجال الأدب العربي بصورة عامة ناهزت 400 مؤلف، وكانت الإصدارات المتخصصة في
الأدب قد بلغت ستة كتب ما بين ببليوغرافيا وتاريخ ونقد وتراجم وسير ورحلات
ومذكرات ومقالات، أما كتب الرواية فتجاوز عدد إصداراتها 180 رواية، أما
المجموعات الشعرية فتجاوزت 110 مجموعات فردية وجماعية ومترجمة، وفي مجال
القصة لدينا ما يناهز 80 مجموعة فردية وجماعية ومترجمة، ونال المسرح
الاهتمام الأقل، حيث لم تطبع منه سوى أربعة أعمال سعودية ومترجمة.
للمرة الثالثة على التوالي يحصل شاعر سعودي هذا العام على
لقب «أمير الشعراء» في الموسم الثامن في البرنامج الذي تنظمه لجنة إدارة
المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بإمارة أبوظبي، وذلك بفوز سلطان
السبهان الشمري، والذي سبقه إلى اللقب في الموسم السابع الشاعر إياد
الحكمي، وفي الموسم السادس الشاعر حيدر العبدالله.
كما تصدرت السعودية والبحرين هذا العام قائمة الفائزين في
فرع الشعر العمودي لجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم، في دورتها السادسة
والثلاثين ضمن فئة “الإبداع الأدبي”. وحقق الشاعر السعودي حبيب علي معتوق
المعاتيق المركز الأول عن قصيدته «يقلب السوسن كمن لا يدري»، والشاعر
البحريني حسن عابد المركز الأول مكرر.
وفاز الشاعر السعودي محمد إبراهيم يعقوب بلقب «شاعر عكاظ»
وبردته في نسخة السوق الثالثة عشرة، وهو الخامس بين السعوديين الذين حصدوا
هذا اللقب من أصل 12 شاعرا عربيا بدءا من انطلاقة السوق في نسخته الأولى
عام 2007. كما قُلِّد «وشاح عكاظ» للفائز بالمركز الثاني عبدالله محمد عبيد
من اليمن، فيما فاز الشاعر شتيوي عزام الغيثي من المملكة بالمركز الثالث.
ولا شك أن مثل هذه التتويجات وهذه الجوائز تثبت قدرة
الشعراء السعوديين الكلاسيكيين على خوض غمار التحدي، متخذين من أدواتهم
ومهاراتهم دروعا تؤهلهم للفوز، ولكن لو استثنينا الجوائز والمسابقات
والمهرجانات ذات الطابق الماراثوني فإن الشعر في السعودية لم يحفل بشيء
يذكر سوى إصدار بعض المجموعات الشخصية لشعراء من أجيال ومدارس أدبية مختلفة
لم تلق أي احتفاء لا من خلال المنصات التقليدية ولا من خلال الصحافة
الثقافية الضعيفة.
وربما غياب مهرجان بيت الشعر في جمعية الثقافة والفنون
بالدمام في هذا العام كان له أثره الواضح على ركود الحركة الشعرية، رغم
انشغال منصات ومنابر الجمعيات الثقافية والأندية الأدبية بأمسيات شعرية على
مدار العام.
ورغم التدافع الكبير في حقل الرواية السعودية بشكل مطرّد،
حيث أن المتابع يلاحظ أن عدد الإصدارات كل عام يتفوق على العام السابق عليه
بصورة متنامية، غير أن المجموع الروائي الكلي يأتي على نحو بارد أشبه
بالخواطر السردية، أو التجارب المراهقة التي لا تستحق الالتفات لها، لكنها
-بحسب بعض النقاد- تطوّر من نفسها ومن أدواتها وعوالمها عبر التدريب
المستمر والدربة المتواصلة.
فالمشهد السعودي يحفل بمجموعة روائيين مهمين استطاعوا عبر
السنوات القليلة الماضية أن يتربعوا على عرش الرواية العربية، لكنهم لا
يشكلون ظاهرة، فأعمالهم الفردية قد تنجح وتلاقي جماهيريتها، غير أنها أيضا
قد تسكن مكتبات خاصة بعد طباعتها رغم أهميتها، وهنا، يمكن الإشارة إلى
رواية “موت أبيض” للروائي مظاهر اللاجامي الصادرة هذا العام عن دار عرب
بلندن، حيث تناولت قضايا إنسانية وسياسية واجتماعية مهمة، بصورة مبتكرة
وعميقة، غير أنها لم تحظ بالاهتمام، ولم يلتفت لها الناقد السعودي، ولا
الصحافة السعودية، وهذا بعكس اهتمامهم الواضح بروايات ذات قيمة أدبية باهتة
فرضت حضورها عبر المسابقات، أو جماهيرية مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرجع بعض المتابعين الأسباب إلى تأثير السوشيال ميديا على
الناقد نفسه، إذ أصبح المشهد معكوسا بملاحقة الناقد للفعل في مواقع التواصل
الاجتماعي والكتابة عنه وليس العكس.
الفلسفة والفنون
ضمن المتغيرات السريعة التي تعيشها المملكة على المستوى
السياسي والاجتماعي والثقافي كشف وزير التعليم السابق أحمد العيسى، خلال
مشاركته في الجلسة الرئيسية من المؤتمر الدولي لتقويم التعليم المنعقد
العام الماضي، عن تطوير جديد قريب لمناهج المرحلة الثانوية، حيث ذكر أن
الوزارة تمتلك مقررا جديدا للتفكير الفلسفي الناقد، بالإضافة إلى مقرر
لمبادئ القانون، لكن السعوديين حتى الآن لم يروا شيئا مما بشّر به العيسى.
فقد كانت مجرد صورة لمسودة “منهج فلسفي” موضوع على طاولة الاجتماع في
الرياض.
وفي سبيل الارتقاء بالثقافة والتعليم والتسريع من عجلتهما
وفق رؤية المملكة الجديدة، تحاول وزارة الثقافة أن ترفع من سقف أحلامها
مدفوعة بالتعاون المشترك بينها وبين وزارة التعليم لخلق مزاج من التوافق
الوطني العام بين المؤسسات الخدمية والتعليمية والثقافية. من هنا، يأتي
قرار التعاون هذا العام بين الوزارتين، في ما يخص إدراج الموسيقى والفنون
في المناهج، وإنشاء الأكاديميات المتخصصة.
مبادرات لتغيير الواجهة الثقافية للسعودية
هذا التعاون اعتبره المثقفون السعوديون خطوة ذات قيمة
كبيرة، غير أن القرار رافقته حزمة من الأسئلة، مثل: هل يجب أن تعمل
الوزارتان على ذلك بشكل سريع، أم أنه لا بد من العمل على مقدمات مرحلية
للدخول في خطوة تعليم الموسيقى، لاسيما وأن المناهج الدينية مازالت تشتمل
على فتاوى تحرّم الموسيقى والاستماع لها؟ وألن يشعر الطالب بالمفارقة؟ وهل
المباني المدرسية جاهزة لذلك؟ وهل لدى التعليم كوادر مهيأة لتدريس الموسيقى
والفنون الأدائية الأخرى؟
سينمائيا، يمكن اعتبار الإعلان عن مهرجان البحر الأحمر
الدولي للسينما أهم تظاهرة سینمائیة دولیة في المملكة لهذا العام، حيث يركز
المهرجان على المواهب المحلية الصاعدة والأعمال العربية الجديدة، إضافة إلى
الأنماط السينمائية الحديثة في السينما العالمية.
ويأتي المهرجان ترافقا مع طیف التحولات الكبرى التي تعيشها
البلاد ضمن التحولات الوطنية الجديدة، ومع عودة نشاط عروض السینما العامة
إلى البلاد من بعد أربعة عقود من الغياب، حيث تعتزم وزارة الثقافة -ضمن
رؤيتها المستقبلية- إطلاقه في مارس 2020.
وأوضح الإعلان بأن ثلث المشاريع التي تم اختيارها هي
لمُخْرِجات عربيات، وأكثر من ربعها بمشاركة مُنتِجات عربيات. كما ضمّت
الأعمال المختارة 6 مشاريع لأفلام سعودية، إضافة إلى 6 مشاريع عربية من
الأردن، ومصر، وفلسطين، والعراق، ولبنان، بما يعكس سعي البرنامج لدعم صناعة
السينما محليا وعربيا.
وتناولت المشاريع السعودية التحولات السيسيو-اقتصادية وأثر
الأحداث السياسية؛ من لحظة اكتشاف النفط إلى حادثة اقتحام الحرم المكي سنة
1979. كما تناولت أوضاع تهميش المرأة، ونضالها الاجتماعي. فيما عالج أحد
المشاريع مسألة نفسية معاصرة تتعلق بمشاعر الوحدة والانفصال.
كاتب سعودي |