·
الأكاديمية تسعي إلى آسيا وتكسر دائرة المحلية وتتجاوز
اتهامات العنصرية وتمنح جوائزها الكبرى إلى فيلم من كوريا الجنوبية
·
هل يكون
Parasite
بداية سلسلة الأفلام " غير الأمريكية" التي تفوز بالأوسكار؟
·
الفيلم يمجد نضال المهمشين الذين يحيون خارج إطار الصورة
المصنوعة للمجتمعات الحداثية
·
الفيلم يعري الصورة البشعة التي أصبح عليها العالم
الرأسمالي الحداثي وأساسه الطبقي
لم تختلف كثيرا جوائز الأوسكار في دورته الـ 92 الذي أقامته
أكاديمية فنون وعلوم السينما الأميركية في مسرح دولبي بلوس أنجلوس، والذي
امتد حتى الساعات الأولى من صباح الاثنين الماضي، عن توقعات صناع السينما
والمهتمين بها، وقد تكون من المرات المعدودة التي انتصر فيها أعضاء
الأكاديمية ولجان تحكيم. الأوسكار لأمل كان يملأ الكثيرون بأن يحصل الفيلم
الكوري "بارازايت" على أهم الجوائز بعيدا عن أي حسابات أخري قد ينتصر لها
أعضاء أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية المانحة لجوائز الأوسكار
والتي كانت تخيب آمال البعض في انتصارها لنوعيات معينة من الموضوعات في
دورات سابقة.
ويبدو أن توسيع دائرة الأعضاء واضافة جنسيات وأعراق مختلفة
من آسيا والشرق الأوسط قد ساهم إلى حد كبير، في تغيير الاتجاهات ويبقي
التساؤل هل تستمر هذه الحالة في السنوات المقبلة ذلك هو التحدي خصوصا وأن
الأكاديمية معنية بالذات بالإنتاجات المحلية ولكنها وبعد مرور أكثر من 90
عاما تنتصر للفن وليس لجنسية البلد أو موضوعه.
وذهبت جوائز التمثيل أيضا إلى أكثر النجوم توقعا وهم
"خواكين فينكس" كما كان متوقعا عن فيلم جوكر" أفضل ممثل، وتفوق يواكين
فينيكس على أسماء كبيرة، من أمثال ليوناردو دي كابريو وأنطونيو بانديراس
وآدم درايفر وجوناثان برايس. وهي أول جائزة أوسكار يفوز بها فينيكس، والذي
قدم دورا شديد التعقيد قد يراه البعض يحمل قدرا من المبالغة ولكن فينكس
تماهي مع الشخصية وبذل مجهودا كبيرا.. لذلك صار تميمة حظ الفيلم حيث سبق
وحصد على جوائز التمثيل في البافتا، والجولدن جولوب أيضا.
أما براد بيت فحصل على جائزة أفضل ممثل مساعد عن فيلم " حدث
ذات مرة في أمريكا"، للمخرج كوانتين تارانتينو وهي جائزة الأوسكار الأولي
في تاريخه والتي حصل عليها بعد ثلاث ترشيحات منذ أن بدء مشواره في هوليوود
مع الممثلة جينا ديفيس والمخرج ريدلي سكوت اللذين أعطياه فرصته الأولى في
فيلم "ثيلما آند لويز" (1991) قبل حوالي 30 عاما.
فيلم
Once
Upon a Time in America
يتغنى بهوليوود الستينات والحنين إلى تلك الفترة، ومقدما تحية لنجومها
وأيضا للبدلاء الذين يقومون بالمشاهد التي فيها مجازفات حيث جسد براد بيت
دور الممثل البديل عن النجم ريك دالتون الذي أدى دوره ليوناردو دي كابريو.
وكما كان متوقعا تماما ذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى الرائعة "
رينيه زيلويغر" عن فيلمها "جودي"، ورغم أن الفيلم طرح قبل افتتاح موسم
الأوسكار رسمياً، إلا أن رينيه تمكنت من وضع اسمها على قوائم ترشيحات أفضل
ممثلة. وتجسد زيلويغر دوراً استثنائياً حيث غاصت فيه في أعماق الشخصية، ولم
تكتفِ فقط بتقليد جودي جارلاند، نجمة هوليوود الشهيرة في الستينيات الفترة
الذهبية بهوليوود وصاحبة دور دوروثي جيل من فيلم
The
Wizard of Oz
عام 1939،والتي عاشت حياة صعبة بسبب سطوة الاستوديوهات على النجوم وتحديدا
الأطفال أصحاب المواهب الفذة.
وبذلت رينيه مجهودا جبارا لتجسيد تلك الشخصية سواء على
مستوي المظهر الداخلي وانفعالات الشخصية وتركيباتها الداخلية ومن ناحية
المظهر الجسدي، فقد خاضت زيلويغر التجربة بتغييرات راديكالية طالت وجهها
وطريقة تكلمها إلى درجة أن الممثلة شاهدت أفلاماً عن جارلاند حتى تتقمص
لغتها الجسدية. كما تدربت زيلويغر مع مدرب صوت للتدرب على طبقات الصوت
للشخصية الحقيقية.
في حين حصلت لورا ديرن على جائزة أوسكار "أفضل ممثلة
مساعدة" عن دورها في فيلم "ماريدج ستوري"، حيث جسدت دور المحامية شديدة
العصبية والانفعال والتي تتولي قضية البطلة والتي ترغب في الحصول على
الطلاق، وتفوقتعلى مارجو روبي "بومبشل" وسكارليت جوهانسون "جوجو رابيت"
وفلورانس بيو "ليتل وومن" وكاثي بايتس "ريتشارد جويل".
في حين خرج فيلم "البابوان" من الجوائز الرئيسية رغم أنه
كان ينافس بقوة في فئة التمثيل نفس الحال فيما يتعلق بفيلم الأيرلندي
للمخضرم " مارتن سكورسيزي ".
كوريا الجنوبية تكتسح
تظل الدورة الـ92 علامة فارقة في تاريخ أكاديمية العلوم
والفنون خصوصا وأنها الدورة التي انتصرت فيها للفن وتحديدا بعدما اقتنص فاز
الفيلم الكوري الجنوبي "بارازايت" الجوائز الكبرى كأفضل فيلم ،وأفضل اخراج
،وأفضل فيلم أجنبي، وأفضل سيناريو أصلي مكتوب للسينما وهي المرة الأولى
التي يفوز فيها فيلم "أجنبي" بجائزة "أفضل فيلم" في تاريخ جوائز الأوسكار،
ويسجل بذلك "المخرج بونج جون هو "رقما قياسيا ومفاجأة تاريخية حيث لم يحدث
في تاريخ الأوسكار بأن حصل فيلم أجنبي على جائزة أفضل فيلم بعيدا عن
الانتاجات الهوليوودية " وبهذا الإنجاز تفوق المخرج الكوري على البريطاني
سام منديس بفيلمه "1917 "والذي كان الأوفر حظا للفوز، بعدما حصل على جوائز
الجولدن جولوب ،والبافتا، خصوصا وأنه يتناول تضحية واحد من الجنود في الحرب
العالمية الأولي تلك الحرب التي قتلت الملايين في أوروبا.
"أن تعيش حياتك كطفيلي "
. يحكي المخرج الكوري «بونج جون هو» في تصريحات صحفية أنه
أثناء دراسته الجامعية كان قد لجأ ومن أجل الحصول على المال إلى التدريس
لابن أحد الأثرياء، وأنه لا يزال يتذكر حتى الآن، وهو ابن الطبقة الوسطى،
ذلك الشعور الغريب والذي اختلط بالخوف والذي تملكه لدى رؤيته لمنزل تلك
العائلة شديدة الثراء والبذخ؟
من هذه الخبرة الشخصية، ومن هذا الشعور تحديدًا جاءت البذرة
الأولى التي أثمرت فيلمه «Parasite»
والذي سبق وحصل على السعفة الذهبية في «مهرجان كان
السينمائي» هذا العام، ليصير بذلك بونج جون هو أول كوري جنوبي يحصد هذه
الجائزة السينمائية الأكثر قيمة أيضا.
وأهمية الفيلم الكوري لا تتعلق فقط بقيمته الفنية، بل بما
يحمله من أفكار واستشراف لمستقبل ليس بعيدا عن واقعنا حيث يطرح الكثير من
التساؤلات عن تدهور حال الطبقة المتوسطة وتآكلها، وتوحش الأغنياء أو تلك
الطبقات التي تعيش واقع شديد البذخ في حين يضطر الآخرون لأن يعيشوا مثل
الطفيليات غارقين في المشاكل الحياتية وطفح المجاري، والرضا بأي قليل يأتي،
وكيف تقضي حياتك وأن تتحايل لكي تكسب قوت يومك أو تعيش، ليس ذلك فقط بل
تستعير حياة أخري غير حياتك في محاولة أخيرة لإنقاذ نفسك ، عن هذا الطوفان
من التساؤلات والمشاعر المركبة صاغ بونج جون هو قصيدته السينمائية، والتي
كان يسهل عليه أن يأخذها في طريق الميلودراما والمبالغات الفاقعة، ولكنه
قدم كل تلك الأفكار من خلال رؤية تحمل الكثير من المفارقات الكوميدية والتي
تصل إلى حد السخرية اللاذعة في بعض المشاهد حول التفاوت الاجتماعي لذلك فوز
فيلمه ليس فقط مفاجأة تاريخية لأنه أول فيلم أجنبي يحصل علي تلك الجائزة،
ولكن لما يحمله الفيلم من قيم إنسانية وواقع سياسي واجتماعي بات جديرا
بالتوقف عنده.
ويحكي الفيلم الذي كتبه «بونج جون هو» و"جين وون هان" حكاية
عائلتين متماثلتين، كل منهما مكون من أربعة أفراد، أب وأم وابن وابنة هناك
عائلتان يبدوان للوهلة الأولي متشابهتان، لكن الحياة التي تعيشها كل عائلة
تختلف كلية فهناك مسافة ساشعة، عائلة «كيم كي تيك» المعدمة (أفرادها
الأربعة بلا وظيفة)، تقتات من طي علب البيتزا لأحد المطاعم، وتعيش في قبو
لا يطل على سطح الأرض، ولا تدخله الشمس رغم وجود نافذة وحيدة بل أن الحائط
الذي يجاور النافذة يتحول في بعض الأحيان إلى "مبولة" للسكارى.
ينجح ابن العائلة الفقيرة بتزكية من أحد أصدقائه أن يجد
عملًا كمعلم لابنة العائلة الثرية ثم بشيء من الحيلة والخداع تنجح العائلة
الفقيرة في أن تعمل بالكامل لدى الأسرة الثرية. ما مصير العائلتين، وماهي
التطورات الدرامية التي ستقع بينهما وكيف تتسلل تلك العائلة المهمشة مثل
الطفيليات إلى حياة هؤلاء الأثرياء فتقلبها رأسا على عقب، وماهي الأسرار
التي يحملها هذا المنزل الثري وتحديدا عندما يكشف لنا السيناريو عن زوج
الخادمة السابقة والذي يعيش في قبو منزل العائلة الغنية، إذا هناك طفيلين
آخرين يقتاتون أيضا وهذه ليست العائلة الوحيدة التي تقوم بهذا الفعل.
أهم ما يميز سيناريو الفيلم أيضًا هو ابتعاده عن «الكليشيه»
المتعلق بصورة الفقراء والأغنياء في الأفلام التي تتناول الصراع الطبقي
فليس بالضرورة أن يكون الغني شرير والفقير ضحية بل أن السيناريو يتراوح
ويتداخل حسب الموقف مما يجعلنا طوال الوقت أما مشاعر متناقضة تجاه الطرفين
لا تستطيع أن تتبني وجهة نظر محددة تجاه كل طبقة إلى ما لا نهاية فالفقراء
يلجؤون إلى الخداع والاحتيال والعنف في بعض المواقف لأنهم بذلك يحاولون
الحفاظ على بقائهم والأغنياء يبدون في المشاهد الأولي لطفاء وكرماء
وساذجون، لكن هناك عدوانية تظهر عندما يستوجب الأمر ويستدعونها وقتما شاءوا
تجاه الطبقات الأقل تظهر في بعض الأحيان عندما يسخر بطل الفيلم الغني "
باراك" من رائحة سائقه، ويري أنه شخص وقح يتخطى حدوده في بعض الأحيان.
الطفيليون قادمون وهذا هو واحد من أهم جماليات الفيلم تلك
الحالة الاستشرافية، والتي يحملها ويملك مخرج الفيلم والمشارك في السيناريو
أيضا " هو" قدرة مبهرة على حكي التفاصيل لا يوجد شيء مجاني، أو ثرثرة
درامية دون هدف بل أننا أمام نص سينمائي شديد الإحكام والتميز، كل شيء في
مكانه تمامًا. تفاصيل تظن في البداية أنها عابرة ولكن بتكرارها يحولها النص
إلى جزء من السرد يدفع الأحداث إلى الأمام، ويكشف عن طبيعة شخصياته فيلم «Parasite"
هو فيلم شديد الإنسانية يعبر عن الكثير من المجتمعات
الغارقة في الظلم ولا يعكس واقع كوري فقط بل واقع عالمي يمس البشر لذلك
استحق تلك الجوائز بجدارة. |