هكذا إذن، المُخرج كوينتن تارانتينو، خرج لنا بفيلم ممتع ذي
طابع كلاسيكي قديم محبب، إنه فيلم (حدث ذات مرة في هوليوود).
الفيلم يمثل رسالة حب للوس أنجلوس في 1969 بقدر ما يمثل
رسالة حب للأفلام والمسلسلات التلفزيونية والثقافة الشعبية لتلك الحقبة
الصاخبة.
يأخذنا الفيلم لقلب صناعة السينما، بطليه ممثل وبديل أو
دوبلير له، وتدور الأحداث في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، حول نجوم
السينما الذين أفل نجمهم، واتجهوا للتلفاز بعدما سطع الأخير.
تدور الأحداث في العام 1969، ويتناول الحياة الفاشلة التي
يعيشها النجم ريك دالتون (ليوناردو دي كابريو) وبديله المُخاطر كليف بوث
(براد بيت)، وكيف يضطران لتقديم الكثير من التضحيات للحفاظ على عملهما
بالنظر إلى سمعتهما السيئة.
تارنتينو يعرف كيف يمتع ويسرق كل حواس المشاهد، وأهم ما
يفعله لأجل ذلك هو أن يجعل إيقاع فيلمه شيقًا منذ أول دقيقة. له توليفته
الخاصة التي جذبت الملايين لأفلامه منذ ظهوره.
دوما ما تحتوي أفلام تارنتينو على إحالات أو مرجعية للثقافة
الشعبية الأمريكية أو الـ
Pop
culture
سواء اقتباسات وعبارات من أفلام قديمة، أو الموسيقى المستخدمة في الفيلم
التي ترجع غالبًا في الفترة ما بين الستينيات والثمانينيات، لكن هنا في هذا
الفيلم لتكن الثقافة الشعبية مجرد أحالة، بل حضرت بنفسها، وصورها على
الشاشة، نجد مثال على ذلك مشهد بروس لي، الذي قد يكون ضايق البعض من محبيه،
لكن يجب هنا عدم نسيان أن تارنتينو لا يقدم الشخصيات كما هي بصورة تأريخية،
بل رؤيته الهزلية، تكرر الأمر مع موجة الهيبيين الذين كانوا جزء رئيسي من
حبكة الفيلم.
على أية حال ، يتطرق الفيلم كذلك لمسيرة الممثلة شارون تيت
(مارغو روبي)، وكيف أزعج تألقها عصابة “تشارلز مانسون”، فأقدموا على خطف
النجمة الحامل من منزلها في لوس أنجلوس، مستغلّين غياب زوجها المخرج رومان
بولانسكي في مهمة عمل في أوروبا.
يشارك في العمل جمع كبير من نجوم هوليوود؛ فإلى جانب دي
كابريو وبيت وروبي، نجد آل باتشينو كأبرز الأسماء في الفيلم، إلى جانب
داميان لويس ولوك بيري، ودايمون هيريمان، بالإضافة للمثل الشاب أوستن
باتلر.
الفيلم هو تاسع أفلام تارنتينو وفيه يستعرض بذكاء معرفة المخرج / المؤلف
الواسعة بالسينما والثقافة الشعبية، وفي نفس الوقت يقدم رسالة محبة لعصر
مضى من الأفلام والنجوم. وبالرغم من أن الفيلم يدمج العديد من العناصر التي
اشتهر بها أسلوب تارانتينو (مثل حس الفكاهة السوداوي ولحظات العنف المتفجرة
والموسيقى التصويرية الرائعة وغيرها)، إلا أنه يظهر جانباً أكثر عاطفية،
ومع ذلك يستعرض الفيلم العديد من نقاط ضعفه وانغماسه في الذات.
لذلك لا يمكن القول إنه أفضل أفلام تارانتينو، إلا أنه يبقى
من أفضل الجهود التي بذلها صناع أفلام آخرين. ولكن يعكس الفيلم مشاعر
تارانتينو الأكثر حساسية، الذي نشعر بأنه أكبر سناً وربما أكثر عمقاً مما
كان عليه سابقاً، عندما كان مخرج الأفلام المستقلة التي اكتسحت في
التسعينيات مع أفلامه الرائعة مثل
Reservoir Dogs
و
Pulp Fiction.
يركز تارنتينو قصته (والتي تجري على مدار 3 أيام في هوليوود
حوالي عام 1969) على الممثل ريك دالتون الذي فقد بريقه، وصديقه المفضل
وبديله السابق، كليف بوث. يلعب ليوناردو ديكابريو بكل براعة دور ريك المصاب
بيأس محموم وغرور متهاوي، في حين يقدم براد بيت الذي يتسم بالهدوء الشديد
أفضل أداء له منذ سنوات بدور كليف، الذي يناقض شكله الخارجي الذي لوحته
الشمس سوداويته الداخلية التي كلفته كل شيء باستثناء محبة كلبه وريك.
وبالرغم من أن المظهر الخارجي لكليف يبدو هادئاً ومتزناً، إلا أنه يخفي
توتراً معقداً تحت السطح والذي يدل على العنف الذي لديه القدرة على
ارتكابه. إذن يمكن القول أن شخصية كليف أكثر تعقيداً وإثارة للاهتمام من
شخصية ريك النرجسية والهشة، لكن الانسجام الهائل بين ديكابريو وبيت يجعلهما
وقوداً رائعاً لبعضهما البعض.
الشخصية المحورية الثالثة في الفيلم هي الممثلة شارون تايت،
وهي امرأة جميلة يصعد نجمها في الوقت الذي ينطفئ به نجم ريك. لكن هذا ليس
فيلماً آخراً على نمط
A Star
is Born،
بل هو فيلم تاريخي خيالي.
ظهرت شارون تايت على أنها جارة ريك، وهي في الواقع شخصاً
حقيقياً غطى تعرضها للقتل بشكل وحشي، حيث تم ذبحها وهي حامل على يد أتباع
زعيم الطائفة المتعصبة تشارلز مانسون.
لعبت الممثلة مارغوت روبي دورها بحيوية كبيرة، لكن شخصية
تايت نفسها لم تحصل على الدور الذي تستحقه في الفيلم (حيث دور روبي أقل
بكثير من جميع الشخصيات الرئيسية الأخرى تقريباً). ولكن نجد بأنها تمثل
رمزاً لأحلام هوليوود أكثر من كونها بطلة من لحم ودم مثل ريك وكليف.
ويبدو تارانتينو مهتماً بفكرة شارون تايت أكثر من اهتمامه
باستكشاف من كانت عليه حقاً، إلا أن شارون تؤدي أكثر المشاهد المؤثرة
بالفيلم، والتي تبقى في ذاكرة المشاهد وتلامس أكثر من بعض المشاهد التي
تحوي ريك أو كليف.
وبالطبع هذا أكبر العيوب التي يعاني منها الفيلم، فبالرغم
من أن معاناة ريك وقصة كليف الجانبية ممتعتين، إلا أنه يصعب الشعور
بالتواصل معهما بشكل كامل.
نسبة العنف في حدث ذات يوم في هوليود أقل من أفلام تارنتينو
الأخرى، لكنه لم يخيب ظن جمهوره، وختم الفيلم بمشهد طويل عنيف ومثير
للغاية.
وظهر اهتمامه المتكرر بالسيارات، سواء بالتصوير داخلها، أو
بالتركيز على السيارات ودلالاتها، سنجده ذلك في مشهد مصور بطريقة بعين
الآله لكل من سيارة الممثل وسيارة الدوبلير بجانب بعضهما البعض لإظهار
الفروق الطبقية بين الصديقين، كذلك تكرر وجود التلفاز الذي يعمل طوال الوقت
ويعرض محتوى يلفت أنظار المشاهد من مشهد لآخر
ومع انتهاء الفيلم ستجد نفسك تتساءل ما الذي أراد تارنتينو
أن يشعر به المشاهدون حول فيلمه، باستثناء مغادرة السينما مع شعور بالتقدير
لهوليوود القديمة. |