ستيفن سبيلبرغ في التصوير مرّة أخرى. في السابع عشر من
الشهر الماضي دشّن تصوير أول لقطات الفيلم الجديد الذي سيحمل الرقم 93
كمنتج، والرقم 32 كمخرج. وهو رقم مبدأي إذا ما أضيفت إليه الأفلام والبرامج
التلفزيونية التي نفذها مخرجاً أو منتجاً ثم أضيفت إليها الأفلام القصيرة
التي تسلى بها (سبعة) أو أفلام فيديو غالباً ما حققها لكي يتسلى بها وقت
فراغه.
الفيلم الجديد هو إعادة صنع
(Remake)
لفيلم كان أنجز نجاحاً كبيراً عندما تعاون روبرت وايز وجيروم روبينز على
تحقيقه سنة 1961 بعنوان «وست سايد ستوري» («قصة الجانب الغربي»). دراما
بمواقف عاطفية - تراجيدية وموسيقية حول صراع نفوذ بين عصبتين من الشباب
إحداهما من البيض والأخرى من اللاتينيين. ومحور الصراع ماريا (كما لعبتها
نتالي وود) التي تشهد الصراع حولها مجسداً بشخصيتي اللاتيني برناردو (جورج
تشاكيريس) وتوني الأبيض (ريتشارد بيمر).
بعض وجوه تلك الفترة لم تمثل في أفلام موسيقية راقصة من
قبل، مثل ريتا مورينو التي هي الوحيدة التي يستعين بها سبيلبرغ للظهور في
نسخته وقد بلغت 88 سنة من العمر. التصوير لفيلم سبيلبرغ الموسيقي الأول
هذا، سيمتد حتى نهاية السنة ثم تأتي فترة طويلة أخرى قبل إنجازه.
من المحتمل أن يقفز عليه مهرجان «كان» محاولاً عرضه في مايو
(أيار) المقبل، أو ربما فضّـل سبيلبرغ التوجه به إلى مهرجان «فينيسيا». لكن
عروضه التجارية، في كل الأحوال، سوف لن تبدأ قبل الثامن عشر من ديسمبر
(كانون الأول) 2020. الفترة النموذجية لدخول سباق الأوسكار في العام التالي.
«ميوزيكال»
لأول مرة
عندما انطلقت عروض «وست سايد ستوري» الأول في 1961 أنجز
تجارياً 44 مليون دولار عندما كان سعر التذكرة نحو دولارين فقط. بهذا الرقم
تبوأ المركز الأول في «شباك التذاكر» في ذلك العام يليه «مدافع نافارون»
و«السيد» و«البروفوسور ذو العقل الغائب».
الأهم هو أنه خرج بعشرة أوسكارات في الدورة الرابعة
والثلاثين من تلك المناسبة التي أقيمت في أبريل (نيسان) في العام التالي.
من بينها أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل ممثل (تشاكيريس)
وأوسكار أفضل ممثلة مساندة (مورينو) وأوسكار أفضل إخراج وأفضل تصوير وأفضل
توليف، لجانب أوسكارات تقنية أخرى. الأوسكار الوحيد الذي لم يستحوذ عليه من
بين الترشيحات الإحدى عشر التي رٌشح لها هو أوسكار أفضل سيناريو مقتبس، إذ
ذهبت الجائزة هنا إلى فيلم «حكم في نورمبيرغ» لستانلي كرامر.
«وست
سايد ستوري» مستلهم من مسرحية ويليام شكسبير «روميو وجولييت» بعدما سطا
عليها جيروم روبنز وحوّلها إلى مسرحية باسمه نالت نجاحاً كبيراً في نيويورك
ولندن. جورج تشاكيريس لعب الدور الذي أسند إليه في الفيلم على الخشبة في
كلتي المدينتين.
بالنسبة لستيفن سبيلبرغ فإن «قصة الجانب الغربي» هو أول
فيلم ميوزيكال يحققه وهو الذي جال بين أنواع قصصية كثيرة فأنجز الخيال
العلمي والفانتازيا والدراما وأفلام الحرب والجاسوسية أساساً. لكنه ثاني
فيلم إعادة صنع ينجزه سبيلبرغ بعدما كان حقق سنة 2005 فيلم «حرب العالمين»
(War of the Worlds)
الذي دار حول غزو فضائي مريع للأرض.
ذلك الفيلم، أساساً، من إنتاج سنة 1953 عندما استوحى المخرج
بايرون هسكين رواية هـ. ج. ولز التي دارت حول الموضوع نفسه. لكن عدم قيام
سبيلبرغ بإعادة صنع أفلام أعجبته صغيراً لا يعني أنه ليس خريج كل تلك
الأعمال التي تابعها بشغف حين كان فيما زال صبياً. في الخمسينات بلغ شغفه
بالتصوير أن أهداه والده كاميرا لازمته لبضع سنوات أخرى قبل أن يبدأ
برنامجاً دراسيا مفاده الوقوف عند بوابة شركة يونيفيرسال منتظراً السماح له
بالدخول. بالنسبة إليه كان الاستديو بمثابة مدينة والت ديزني لسواه. وفي
البداية اكتفى حراس الأمن عند البوابة بملاحظته واقفاً لأكثر من ساعة في كل
يوم إلى أن أبلغ عنه أحدهم مسؤوليه فاستحصلوا له على بطاقة زائر.
من هنا وصاعداً كان عليه أن يقدم على الخطوة التالية، وهي
البحث عن عمل ليبرهن من خلاله عن جدارته. في البداية سمحت له يونيفرسال
بالجلوس مع فناني التوليف في الاستديو ليتعلم وليساعد في الشؤون الصغيرة
التي يحتاجها المونتير. هذا العمل كان تطوعاً لكن سبيلبرغ، بعد حين، أقنع
الشركة الكبرى بأن تمول له أفلاماً قصيرة وهذه كانت مدخله إلى تحقيق بضعة
أفلام تلفزيونية وأحدها «مبارزة»
(Duel)
شق طريقه للعروض السينمائية سنة 1971 وأعجب الروّاد. آنذاك أدركت
«يونيفرسال» أن لديها فارساً جديداً فقامت فيلميه السينمائيين اللاحقين
«شوغرلاند أكسبرس» (1974) و«جوز»
(1975).
الباقي هو من التاريخ الذي تألفت مراحله من وثبات نجاح عدة
وسريعة، ولو أنه من الخطأ الاعتقاد أن كل ما حققه سبيلبرغ تحوّل إلى ذهب.
بعض أعماله تبلورت كأفلام محددة النجاح أو غير ناجحة على الإطلاق بداية
بفيلمه «1941» سنة 1979 وانتهاء بـThe
BFG
سنة 2017. رغم ذلك هو من بين أكثر المخرجين نجاحاً وقوّة في هوليوود وحول
العالم بالفعل.
على أن الأوسكار كان من نصيبه ثلاث مرات من أصل 14 ترشيحاً.
الأولى كانت عن إنتاجه «قائمة شندلر» (1993) والثانية عن إخراجه فيلم
«إنقاذ المجند رايان» (1998). وكان في عام 1987 نال أوسكاراً شرفياً وجده
البعض مبكراً بينما اعتبره آخرون مستحقاً.
لكن حلم سبيلبرغ بتكرار الفوز لما بعد 1998 لم يتحقق بعد.
في عام 2006 كان من بين فريق منتجي فيلم كلينت إيستوود «رسائل من إيو جيما»
وبعد خمس سنوات رشح كأفضل مخرج وأفضل فيلم عن «حصان حرب» (2011) ثم عن
«لينكولن» (2012) و«جسر بعيد» (2015) وقبل عامين رشح كأفضل مخرج وفي خانة
أفضل فيلم عن «ذا بوست» لكنه لم ينل الجائزة.
بالعودة إلى «وست سايد ستوري» الذي يدخل أسبوعه الثالث في
التصوير هذا الشهر، نجد أن كاتب السيناريو توني كوشنر ينفي أن الفيلم هو
إعادة صنع بحد ذاته، ويؤكد على أنه أقرب إلى المسرحية منه إلى نسخة 1961.
ثم يعود ليقول إن الفيلم «ليس إعادة صنع تامّة» وهذا بالتأكيد أمر متفاهم
عليه كون المخرج لن يقوم بتصوير فيلمه على النحو الذي جاء الأصل عليه
تماماً.
الممثلة راتشل زغلر ستلعب دور ماريا (الدور الذي لعبته
نتالي وود) وأنسل إلغورت دور توني، بينما يذهب دور برناردو إلى ديفيد
ألفارز. |