جائزة مهرجان مراكش الكبرى للفيلم الكولومبي «وادي الأرواح»
«آخر
زيارة» السعودي فاز مناصفة بجائزة لجنة التحكيم
مراكش: عبد الكبير الميناوي
أسفرت نتائج المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم
بمراكش، في دورته الـ18، التي اختتمت أول من أمس، عن فوز فيلم «وادي
الأرواح» لمخرجه الكولومبي نيكولاس رينكون خيلي بالجائزة الكبرى (النجمة
الذهبية)، والتونسي علاء الدين سليم بجائزة أفضل إخراج عن فيلمه «طلامس»،
والممثلتين روكسان سكريمشاو ونيكولا بورلي بطلتي فيلم «لين + لوسي» لمخرجه
البريطاني فيصل بوليفة، مناصفة، بجائزة أفضل دور نسائي، والممثل توبي والاس
بطل فيلم «بايبيتيث» لمخرجته الأسترالية شانون مورفي بجائزة أفضل دور
رجالي. كما فاز مناصفة كل من فيلم «آخر زيارة» لمخرجه السعودي عبد المحسن
الضبعان، وفيلم «فتاة الفسيفساء» لمخرجه الصيني زهاي بيكسيالك بجائزة لجنة
التحكيم.
وتأسف عدد من المتتبعين المغاربة لعدم تمكن «سيد المجهول»
لمخرجه المغربي علاء الدين الجم، من الصعود إلى منصة التتويج، فيما رأوا في
فوز الفيلم السعودي، مناصفة، بجائزة لجنة التحكيم، دعوة لمتابعة العمل
المبذول على مستوى هذه التجربة، مستحضرين طريقة تقديمه، من طرف المنظمين،
ضمن وثائق دورة هذه السنة من المهرجان، حيث نكون مع إشارة إلى أن «آخر
زيارة» ينطوي على «عمق كبير وأصالة نادرة تمتزجان بجرأة وإتقان مثيرين»،
معلناً بذلك عن بزوغ موجة من أفلام المؤلف المستقلة في المملكة العربية
السعودية.
تميز برنامج حفل توزيع الجوائز في أمسية الاختتام التي توجت
بعرض الفيلم المصري «رأس السنة» لمخرجه محمد صقر، بكلمة للممثلة والمنتجة
الأسكوتلندية تيلدا سوينتون، رئيسة لجنة التحكيم، شددت فيها على ما ميز
عملية تقييم أفلام المسابقة الرسمية والعلاقة الإنسانية التي تكونت ما بين
أعضاء لجنة التحكيم، التي ضمت، فضلاً عن رئيستها، المخرج البرازيلي كليبر
ميندونسا فيليو، والممثل السويدي مايكل بيرسبراند، والكاتب والمخرج
الأفغاني عتيق رحيمي، والمخرج الأسترالي ديفيد ميتشو، والمخرج المغربي علي
الصافي، والمخرجة الفرنسية ربيكا زلوتوفسكي، والمخرجة البريطانية أندريا
أرنولد، والممثلة الفرنسية - الإيطالية كيارا ماستروياني.
من جانبهم، لم يخف الفائزون سعادتهم بالتتويج في تظاهرة
سينمائية من حجم مهرجان مراكش، مشددين على أن الفوز بقدر ما يتوج جهودهم
يشكل حافزاً نحو مزيد من الاجتهاد.
يمثل «وادي الأرواح»، المتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان،
الذي يعد لوحة شاعرية عن الخوف والحزن ومغامرة مزعجة وهادئة، دعوة قوية من
أجل السلام في مجتمع ما زالت تمزقه الحرب الأهلية.
تغوص قصة «طلامس» الفائزة بجائزة الإخراج، في أعماق تجربة
سينمائية غريبة ومتفردة، تتأمل في أساسيات وجود معاصر قريب من الكارثة، في
علاقة بالطبيعة والحب والجماعة والإنجاب.
يقوم «بايبيتيث»، الذي فاز بطله بجائزة أفضل دور رجالي، على
فكرة تحويل موقف مأساوي إلى كوميديا خفيفة تتخللها نبرة رومانسية تذكرنا
بأن الموت هو مصير كل حياة، لذا يتعين علينا أن نعيشها في سعادة وأمل، وذلك
انطلاقاً من قصة الشابة ميلا، التي رغم معارضة والديها اللذين يمارسان
عليها حماية مفرطة، وفي الوقت الذي يتعين عليها أن تبدأ حصصها من العلاج
الكيميائي، تلتقي موزيس، بائع المخدرات المرح والمزعج في الوقت نفسه، فتقع
في حبه بعد أن منحها رغبة جديدة في الحياة. وبين الخوف من غد غير أكيد،
والأمل حتى آخر نفس، تحاول ميلا أن تخلق جواً من السعادة في محيطها ومحيط
عائلتها.
فضلاً عن معالجته لمأساة اجتماعية، وإلى إشارته إلى
«بريكست» وتداعياته، تكمن قوة «لين + لوسي»، المتوج بجائزة أفضل دور نسائي،
مناصفة بين بطلتيه، في معالجته البسيطة والمدمرة لشعور الإنسان بتعرضه
يوماً ما للأذى.
ويتناول الفيلم قصة لين ولوسي، اللتين تربط بينهما صداقة
حميمية منذ فترة الدراسة إلى غاية اليوم، فهما بالكاد تتجاوزان العشرين من
العمر، وتعيشان قبالة بعضهما في حي من المساكن الاجتماعية. واستطاعت لين،
الأم منذ الثامنة عشرة، أن تحصل على عمل. أما لوسي، خفيفة الظل، فقد أنجبت
للتو مولودها الأول. وعندما ستواجه لوسي مأساة كبرى، فإنها واثقة من مساعدة
صديقتها لها، على الرغم من أن دعم لين الصادق قد يتم إفساده بسبب خبث القيل
والقال.
في «آخر زيارة»، الذي يعد الفيلم الأول الطويل في مسيرة
مخرجه، نكون مع ناصر، الذي فور علمه بخبر مرض والده يقرر العودة، على متن
سيارته، مرفوقاً بابنه وليد (16 عاماً)، إلى قريته التي غادرها منذ مدة
زمنية طويلة من أجل الاستقرار في العاصمة الرياض. ويرصد الفيلم، المتوج
(مناصفة) بجائزة لجنة التحكيم، العلاقة الحالية بين الأجيال، المليئة
بالتنصل والاستنكار غير المعلن، والفجوة العميقة بين الأجيال في البلد، فمن
جهة هناك الآباء الذين يدعمون تقاليد وعادات النظام الأبوي، ومن جهة أخرى،
هناك الأبناء الذين يتطلعون إلى التحرر من كل ذلك، فضلاً عن رصد واقع
المجتمع السعودي الموزع بين الحواضر والأرياف.
أما في «فتاة الفسيفساء»، فنكون مع «بينك» الحامل، رغم أن
سنها لا يتجاوز الرابعة عشرة، التي بمجرد أن أعلنت مسؤولية أحد مدرسيها،
تكون قد أطلقت سلسلة من الأحداث والتحقيقات والمواقف التي يهمين عليها حضور
ذكوري قوي، عادة ما يجسده أب غائب، قوات شرطة، صحافي يحقق في النازلة، أو
مسؤولون في المدرسة، غيبوا جميعاً، من خلال تصرفاتهم ومواجهاتهم ومواقفهم
التي تستند في معظمها على انطباعات مبدئية وأحكام مسبقة بدلاً من أدلة
ملموسة، مصير الفتاة التي توجد في قلب المأساة، والتي تواجه صعوبة في
الخروج من المنطقة المبهمة التي يسعى الجميع إلى الإبقاء عليها بداخلها.
من الناحية الرمزية، يقدم مخرج الفيلم الفتاة في صورة
ضبابية، سواء في منزلها أو في محيطها، وعدم وضوح هذه الصورة، يعد بمثابة
إقرار بالمكانة التي تحتلها المرأة في مجتمع يهيمن عليه الذكور. |