إبراهيم عبد المجيد: السينما أقرب الفنون إلي تشكيل الوعي
السياسي
حوار: نرمين حلمي
·
«يعجبني مسلك نجيب محفوظ في تحويل النص الأدبي إلى شاشة
السينما
·
وفيلم "الوسادة الخالية" سبب مجيئي للقاهرة»
·
«السينما تراجعت حين ابتعدت عن الرواية..وسينما النجم
تحركها متطلبات السوق»
·
«هناك شباب يصنعون أفلامًا من العدم المالي مثل محمد حماد
وشريف البنداري وأحمد فوزي صالح وهالة خليل وغيرهم يستحقون أن تنفتح لهم
دنيا الإنتاج لأنهم يهمهم السينما قبل النجم الوحيد»
شهدت الدورة الـ 41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عدة
مشاركات وفعاليات متميزة؛ على صعيد الأفلام المعروضة أو المبرمجين وأعضاء
لجان التحكيم، والذي جاء من بينهم الأديب المصري إبراهيم عبد المجيد، عضو
لجنة تحكيم المسابقة الدولية الرسمية.
مشاركة الرموز الأدبية في المهرجانات السينمائية اندثرت
خلال الأعوام الأخيرة؛ وهو الأمر الذي نسلط الضوء عليه في حوار "القاهرة"
الخاص مع الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد، الفائز بعدة جوائز من بينهم
جائزة الدولة التقديرية للاَداب عام 2008، كما تطرقنا في الحديث إلى
العلاقة بين الأدب والسينما، ورأيه فيما اَل إليه الفن السابع في العصر
الحالي، والكثير من التفاصيل المميزة حول عطائه الإبداعي الفني الممتد
لأكثر من 40 عامًا..وإلى نص الحوار.
·
في البداية..كيف استقبلت طلب انضمامك كعضو لجنة تحكيم
المسابقة الرسمية للدورة الـ 41 لمهرجان القاهرة السينمائي؟
** استقبلته بالسعادة طبعًا لأسباب علي رأسها أني لم أعد
أخرج من البيت إلا نادرًا وأتابع السينما العالمية من خلال قنوات مشفرة مثل
"بين موفي" ووجدتها فرصة أن التقي مع فنانين من العالم وفرصة أن التقي في
فترات الاستراحة بالشباب والكبار من المصريين من كل الأعمار في كافيهات
الأوبرا التي عرفت أنها سُتعد خصيصًا للمهرجان كما أن أسماء لجنة التحكيم
من العظماء تشجع أي شخص، وهم: ستيفن جاجان المخرج والسيناريست الأميركي،
وميشيل فرانكو المخرج والمنتج المكسيكي، و دانيللي لوكيتي المخرج الإيطالي،
وماريون هانسيل المخرجة والمنتجة البلجيكية، و كين هايلو الممثلة الصينية،
ولميا الشرايبي المنتجة والموزعة المغربية، وكلهم حصلوا علي جوائز عالمية
كبيرة كما كنت كما قلت في حاجة كبيرة للخروج الي الفضاء.
·
خلال الـ 10 أو 15 أعوام الأخيرة، اندثرت مشاركة الرموز
الأدبية في المهرجانات السينمائية، على الرغم مما شهدته أزهى فتراتها على
أيدي كُتاب مهمين مثل سعد الدين وهبة عندما ترأس مهرجان القاهرة
السينمائي..في رأيك ما السبب في ذلك؟
** لا أعرف الأسباب لأني بعيد عن أنشطة وزارة الثقافة بل
وبعيد عن أنشطة المجتمع الأهلي إلي حد كبير لكن لابد أن وراء ذلك رؤية
المشرفين علي المهرجانات السابقة وربما أتعبتهم وفيات الكثير من الرموز
الثقافية.
·
ما هي أبرز ملاحظاتك على الدورة الـ 41 لـ "القاهرة
السينمائي"؟
** التنظيم الجيد جدًا الي درجة مذهلة فلم يوجد خطأ واحد
كبيرًا أو صغيرًا في استقبال الأفلام أو عرضها أو نقل الضيوف أو غيرها .
كذلك الإقبال الذي لم يحدث منذ عامين أو أكثر علي مشاهدة الأفلام رغم قلة
أماكن العرض المخصصة لذلك وهذا يعني أن السينما فن لا يموت.
·
أغلب أعمالك الأدبية لاسيما رواياتك تنصر المرأة..كيف رأيت
توقيع المهرجان السينمائي على ميثاق للمساواة بين النساء والرجال في
الفعاليات السينمائية والمعروف باسم “5050 في 2020”؟
** أي وثيقة تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق في أي
فعاليات هو أمر جدير بالاحترام . الإبداع أصلاً فعل نسائي، فالمبدعون كما
يقال يحملون جنينهم وهو الفيلم أو الرواية أو المسرحية أو اللوحة التشكيلية
أو القصيدة حتي يأتي يوم الوضع أو الولادة. يشترك في ذلك الرجال والنساء
ولا يوجد إبداع بلا نساء فالمرأة أساس الالهام وغايته باعتبارها الأرض
والوطن.
·
ماذا عن دور الرقابة؟..هل كان هناك أي اعتراض على الأفلام
المشاركة في المسابقة الرسمية؟
** الإعداد للمهرجان واختيار الأفلام لم يكن لي عمل أو
اشتراك فيه. أنا فقط كنت عضو تحكيم في اللجنة الدولية للأفلام المشتركة في
الجوائز الكبري وكانت خمسة عشر فيلمًا ومن ثم لا أعرف شيئًا عن كواليس
الاختيار.
·
ما هي المعايير التي تحكمت في اختيار أفضل الأفلام الفائزة
في المسابقة الدولية؟
** هناك جوائز للإخراج وأخري للسيناريو والتمثيل وغيرها
ولكل جائزة معاييرها. الإخراج يشمل كل نواحي الفيلم الفنية والسيناريو
تتابع وبناء المشاهد ومعناها والتمثيل يشمل الأداء وهكذا.
·
كتبت في كتابك "أنا والسينما": "أن السينما كما عرفتها
تاريخ وطن وتجليات لروح ذلك الوطن"..وفي حفل ختام الدورة الـ 41 للقاهرة
السينمائي، أهدى الفائزون من لبنان والعراق جوائزهم لثورات بلادهم..إلى أي
مدى ترى الترابط بين السينما والسياسة؟ ومن وجهة نظرك هل تساهم السينما في
تشكيل الوعي السياسي لدى الشعوب؟
** السينما أقرب الفنون إلي تشكيل الوعي السياسي للشعوب ومن
ثمً تقوم الدول المتخلفة برقابة صارمة عليها. السينما تعيد الغائب من
التاريخ فتلهم المعاصرين معاني الحرية والوطن . فضلاً طبعًا عن الجانب
الإنساني في مسيرة البشر وغرائب الكون والطبيعة وغير ذلك. كل القادة في
التاريخ العالمي أعيد تقديمهم بما كان غائبًا في وقتهم وبعيدًا عن المعرفة
العادية. فضلاً طبعًا عن التاريخ الممتع لأنه فن للثورات والنضال في الدنيا
كلها وكل هذا يلهم المشاهد المعاصر. كم ارتفعت في المظاهرات شعارات مثل
"زواج عتريس من فؤادة باطل" منذ عاد المصريون الي الشارع بعد حرب 1967 .
نيرون وكاليجولا وهتلر وستالين وموسوليني وغيرهم رأيناهم في السينما وبين
المتعة بالصورة تقفز المعاني الكبيرة عن الديكتاتور والمشاهد الذي يستمتع
بذلك سيكون ضد أي ديكتاتور يومًا ما. إن فيلما مثل "451 فهرنهايت " يلخص
غباء الرقابة ومنع الكتب وقدرة الإنسان علي تجاوز ذلك ومن ثم تفشل كل
محاولات مصادرة الرأي الآخر مهما طال الزمن وهكذا . فضلا عن أفلام عظيمة
تظهر نضال الانسان ضد هذه النظم مثل سبارتاكوس وغيره وهذه مجرد أمثلة أو
افلاما تجسد نضال الإنسان في الحروب وما أكثرها وكلها ترسخ قيمة الدفاع عن
الأوطان مهما كان الزمن.
·
من وجهة نظرك..كيف ترى العلاقة بين السينما والأدب خاصة في
السنوات الأخيرة التي ازداد تحويل النصوص الأدبية إلى سينمائية أو درامية
فيها؟
**من أسباب قصور السينما في مصر إنها ابتعدت عن الرواية.
ليس هناك كما تقولين أفلامًا عن روايات إلا واحدًا أو اثنين أو ثلاثة كل
عام بينما ازدهار السينما منذ وجدت قائمًا علي الرواية. يومًا ما منذ
الخمسينات قامت في الدنيا دعوة المخرج المؤلف ونجحت جدًا في العالم والحديث
عنها طويل وانتقلت إلي مصر في الثمانينات مع مخرجين قلائل من أبرزهم داوود
عبد السيد لكن السينما كانت تنحصر لأسباب تتعلق بالإنتاج ثم انتهت هذه
الظاهرة تقريبًا الآن وأصبح التأليف يتم عن طريق ورش للكتّاب ولست ضده لكنه
تأليف يخضع في أغلبه إلي رؤية نجم الفيلم أو منتجه إلا نادرًا. أي تحكمه
السوق قبل أي شي. أين هي السينما التي كنا نري فيها عمر الشريف ورشدي أباظة
وشكري سرحان وغيرهم من النجوم معا وأين هي السينما التي كنا نري فيها شادية
وفاتن حمامة أو نادية لطفي وسعاد حسني وغيرهما معًا. كانت هذه السينما تهتم
بموضوع الفليم وليس بنجم الفيلم وكان السوق بالمناسبة يأتي إليها بقوة. مَن
يكره أن يري عددًا من النجوم الكبار معًا؟ لكن هذه السينما وهي الحقيقية قد
ضاعت من مصر ولابد أن تعود مصر إليها إذا أرادت أن تكون لديها سينما.
·
شغوف بالسينما منذ طفولتك، شهدت مراحل وتغيرات عدة في صالات
عرض الفن السابع، وفي كتابك "أنا والسينما" أوضحت أنه كان هناك عصر إضمحلال
سينمائي لصالح المسلسلات في التسعينيات، إذن ما رأيك في صناعة السينما
حاليًا في مصر؟
** لقد بدأ اضمحلال السينما مع موجة أفلام المقاولات أما
المسلسلات فلأنها صارت الأسهل في التوزيع في العالم العربي فقد اتجه إليها
المنتجون أكثر والآن أكبر ما يصيب السينما هو أن الأفلام تتم سرقتها علي
قنوات فضائية لا يسيطر عليها القانون وتكون في اليوم التالي علي يوتيوب
مجانًا ومن ثم صارت خسارة للمنتجين فضلا عن الأسباب السابقة ولابد من منع
هذه السرقات وهناك قوانين لذلك يجب تفعيلها.
·
تتفق أم تختلف مع أن إيرادات شباك تذاكر السينما يعد بمثابة
معيار لنجاح الأفلام؟ وما هو تعريف العمل السينمائي الناجح من وجهة نظرك؟
**العمل السينمائي الناجح هو العمل السينمائي بمعني الصورة
والإخراج والسيناريو والحوار وغيرها. الشباك سيأتي بعد ذلك، وهناك حقًا
أفلام يأتي إليها الشباك أكثر لكن الآفلام الأخرى تاتي إليها الجوائز ونوع
آخر من الجمهور لا يكتفي بالتسلية فالجماهيرأنواع وهذا ليس عيبًا. أفلام
يوسف شاهين لم تكن أفلام شباك مثلا وفيلم "المومياء" لشادي عبد السلام لم
يكن فيلم شباك أصلاً لكنها وغيرها أفلام خالدة أتتها جوائز العالم. وهناك
أفلام عظيمة تخسر في أول عروضها مثل "بين السماء والأرض " لصلاح أبو سيف ثم
يصبح عليها الإقبال عظيمًا بعد ذلك وتدخل تاريخ الأفلام الجميلة رغم ذلك.
الآن خسارة المنتج ليست قائمة إذا توفر القانون الذي يتيح له بيع فيلمه دون
أن تتم سرقته فالعالم العربي ينتظر الأفلام بل وأوروبا وأميركا وغيرها حيث
المهاجرون العرب. هناك شباب يصنعون أفلامًا من العدم المالي مثل محمد حماد
وشريف البنداري وأحمد فوزي صالح وهالة خليل وغيرهم ويستحقون أن تنفتح لهم
دنيا الإنتاج لأنهم يهمهم السينما قبل النجم الوحيد والمهم أن تتوقف
السرقات وسيصبح المكسب قائمًا وإن لم يكن بقدر المكاسب من الأفلام
التجارية.
·
تجربة ذهابك للسينما أثرت على مخزونك الثقافي وإنتاجك
الأدبي فيما بعد، مثل قصة الرجل الذي يلعب بالثلاث ورقات، الذي شاهدته
أثناء ذهابك للسينما واستوحيته فيما بعد لرسم شخصيات مسلسلك "بين شطين
ومية"..حاليًا الوضع اختلف بسبب التكنولوجيا ، والبعض يرى أن المنصات
الإلكترونية الحديثة المتخصصة في بث الفيديوهات على حسب الطلب مثل
"نتفليكس، وأمازون" أثرت سلبًا على تجارب المشاهدة الجماعية والذهاب
للسينما. فما رأيك في ذلك؟ وكيف ترى تأثيرهم على جمهور وصناعة السينما
والدراما في العصر الحالي؟
** مؤكد أن هذه المنصات أثرت بالسلب علي الذهاب إلي السينما
لكن كما قلت لكِ الجماهير أنواع والمشاهدون أنواع ولايزال هناك من يري في
مشوار السينما متعة. للأسف تم هدم أكثر من خمسمائة دار سينما في مصر منذ
الثمانينات من القرن الماضي تحت دعوى الحرام التي وفدت إلينا مع الوهابية
والآن السعودية تنشئ مائتي وخمسين دار سينما . المهم أن يعرف أصحاب
السينمات التسويق الحديث وعملية جذب الجمهور و إن شعبًا تعداده أكثر من
مائة مليون الشباب فيهم أكثر من ستين مليونا لن يمضي وقته كله في البيت.
المهم أن نعرف كيف تكون دورالسينما جاذبة للجمهور.
·
حولت أعمالك الروائية للسينما والتلفزيون، مثل فيلم "صياد
اليمام" 2009، بواسطة كُتاب دراما اَخرين، فيما كتبت أنت سيناريو رواية
"قناديل البحر" 2005..إذن متى تختار كتابة النص الدرامي بنفسك؟ ومتى تفضل
ترك مهمة تحويله من نص أدبي لسينمائي أو تليفزيوني لسيناريست اَخر؟
** كانت تجربة والكاتب يحب التجارب لكني وجدت أنه من الأفضل
أن ابتعد وأفعل ما فعله نجيب محفوظ مع أعماله. كان هناك مسلسل بعيد عن
رواياتي اسمه "بين شطين وميه " أخرجه الرائع عمر عبد العزيز وقام
بدورالبطولة فيه حسين فهمي وعشت معهما وأبطال الفليم أجمل الأيام لكن
التليفزيون بعد الانتهاء من المسلسل لم يعرضه علي القناة الأولي أو الثانية
أو حتي الثالثة وقتها لكن عرضه علي القناة الفضائية المصرية ثم لم يعيده
لأنه مليئ بالفنتازيا السياسية. ما بعد ذلك لا أحب أن أتحدث فيه. لم أتحدث
يومها فكيف أتحدث اليوم بعد خمس عشرة سنة.
·
كتبت سيناريو موجه للدراما مباشرة في "بين شطين وميه" 2002،
وأيضًا للفيلم القصير "الأشرعة البيضاء" 1998..لماذا لم تستمر في ذلك
بالتوازن مع أعمالك الأدبية وفَضلت كتابة النص الأدبي ومن ثمً تحويله
لسينمائي أو درامي؟
**أجبت في السؤال السابق. كانت تجربة وعدت إلي بيتي سالمًا؛
بيتي هو الرواية. وبالمناسبة غانمًا بعض المال اكتفيت به عن كل شيئ وقتها.
وبالمناسبة هناك مسلسلين آخرين بعتهما ولم يتم تحويلهما للشاشة ولا أسأل
عنها رغم مضي أكثر من عشر سنوات وانتهاء العقود مع شركتي الإنتاج. أنا كتبت
الشعر يومًا ولم أستمر فيه وكذلك حدث مع الدراما. أمًا "صياد اليمام" فهو
طبعًا فيلم جميل كتبه السيناريست علاء عزام وأخرجه إسماعيل مراد وبالمناسبة
لم يستمر الفيلم في السينما كثيرًا لكن حين أعيد عرضه علي التليفزيون أحبه
الناس جدًا فهو فيلم يستحق الفرجة سيناريو وإخراجًا وتمثيلاً.
·
حاليًا تُصور روايتك "في كل أسبوع يوم جمعة" على أن تتم
إذاعتها في مسلسل قرابة الـ 10 حلقات..ألم يكن هذا ظالمًا لقصة الرواية
الأصلية ويختزل الكثير من أحداثها؟
**الفيلم أو المسلسل غير الرواية. يمكن أن يكون السيناريو
لملمح واحد من الرواية وليس كلها. في تاريخ السينما لا يوجد فيلم التزم
بالرواية كلها إلا نادرًا لأن الصورة غير اللغة وما يكتبه الروائي في عشر
صفحات يمكن أن يختزله السيناريست والمخرج في مشهد واحد وما يكتبه الروائي
من شخصيات يمكن أن يجمع السيناريست والمخرج أكثر من شخصية بينها لتكون
شخصية واحدة ومن ثم المقارنة بين الرواية والفيلم أو المسلسل مجحفة. هذه
تفاحة وتلك برتقالة أو العكس والأفضل لكاتب الرواية أن لا يتدخل في عمل
المخرج والسيناريست. ونقد الفيلم أو المسلسل لا يجب أن يكون من خلال
مقارنته بالرواية لكن من خلال أدوات السينما ولغتها وعلي رأسها الصورة . لا
شيئ آخر.
·
ننتقل إلى أعمالك الأدبية والفنية بصفة عامة..مَن هم
شخصياتك الأكثر تأثرًا بفقدهم وغيابهم لفترة بعد انتهائك من كتابة عمل ما
على مدار 40 عامًا من عطائك الإبداعي؟
**كلهم تقريبًا وعلي رأسهم النساء أبحث عنهم في الشوارع
وروايتي الأخيرة "السايكلوب " تجسيد لعودة بعضهم فقط ومزجهم مع شخصيات من
الواقع. أنا أري وأشعر أن ما أكتبه هو الوطن وشخصياتي هم أهل الوطن أما
الحياة من حولي فهي المنفي .قلت ذلك كثيرًا في أحاديثي. حتي الشخصيات
الشريرة في الرواية يحبها المؤلف وتحبه لكن مَن الذي يحب الشخصيات الشريرة
في الحياة مثلاً؟
·
لو أتيحت لك فرصة بإعادة كتابة سيناريو معاصر لفيلم أو
مسلسل قديم شاهدته، ليس من تأليفك، وربما شاهدته في طفولتك، فماذا تختار
ولماذا؟
** فيلم "الوسادة الخالية" مثلاً لأنه كان سبب تفكيري
مبكرًا في الحياة في القاهرة. رأيته وأنا في الثانية عشر وقررت أن أفعل كما
فعل عبد الحليم حافظ بأن آتي القاهرة وأعيش في مصر الجديدة وأمشي مع حبيبتي
في شارع السبق كما كان يمشي مع لبني عبد العزيز وفعلتها بعض الوقت أيام
الشباب وانتهت القصة. لو أتيحت لي إعادة كتابته لجعلته في الإسكندرية حتي
لا آتي إلي القاهرة.
·
في الستينات كان هناك لقاء تاريخي بين الأديب عباس العقاد
والفنانة هند رستم، ونُشر وقتذاك في مجلة "اَخر ساعة"..لو عُرض عليك اختيار
ممثلة من الجيل الحالي لتجرى حوارًا صحفيًا معك..إذن مَن ستختار ولماذا؟
**ربما اخترت من جيل أسبق فنانة مثل ميرفت أمين التي أراها
من زمان مثل أوفيليا التي قال عنها هاملت لقد خلقتها السماء بنفسها .أما
الجيل الحالي فكلهن يحب أي كاتب أن يلتقي في حوار معهن. في كل منهن ملمح
رائع . نيللي كريم الباليرينا التي رأيتها، بالإضافة للأفلام والمسلسلات،
في الأوبرا في أكثر من عرض للباليه. هند صبري التونسية المثقفة. منة شلبي
ذات البسمة الجذابة والمنعشة. حلا شيحة اكتمال القمر في الليل. لكن كيف
يجلس رجل مثلي في عمره الذي تجاوز السبعين مع أي منهن ويستطيع الكلام ؟
سأضع أي منهن علي مقعد عالي في الحائط وأغلق باب الحجرة وأتفرج عليها
ناسيًا العالم حولي ولا أتركها للفضاء أبدًا أبدا وربما يكتب سيناريست
فيلمًا عن الحادثة بعد ذلك أو بعد نشر هذا الحديث!!!
·
نأمل أن تقدم لنا كتابًا سينمائيًا جديدًا في المستقبل
القريب..فهل يمكن أن تقدم جزءًا ثانيًا من كتاب "أنا والسينما"؟
**لا أعتقد، لقد كتبت عن أكثر من خمسين سنة من حياتي في
الكتاب. مشغول الآن بكتاب عن الأيام الحلوة فقط في الحياة الأدبية محاولاً
أن أنسي الأشرار بعد أن انتهيت من رواية ستُنشر العام القادم ولا أحب
الحديث عن الروايات قبل النشر. |