للعام الثاني على التوالي يحقق
برنامج عروض منتصف الليل نجاحًا كبيرًا ضمن فعاليات مهرجان
القاهرة السينمائي ، وهو البرنامج الذي
تم وضعه بالدورة الماضية، وخاض تحديًا كبيرًا هذه المرة بعد أن أصبح هناك
شخص واحد يتولى مهمة البحث والفرز والاختيار لصالح الجودة وذوق الجمهور.
الناقدة رشا حسني التي تولت إدارة برنامج عروض منتصف الليل هذا العام بخلاف
عملها كمبرمج لمنطقة آسيا والباسفيك تتحدث لـ "بوابة الأهرام" عن اكتشافتها
للسينما الآسيوية التي يشارك بها ربما للمرة الأولى، دول لم تكن موجودة على
الخريطة من قبل في حسبة المهرجان، وتوضح كيف أثر ذلك على تغيير ثقافة
الجمهور؟ كما تكشف عن أسباب نجاح برنامج عروض منتصف الليل في السطور
التالية..
·
ما تقييمك لحالة التفاعل الموجودة في
برنامج عروض منتصف الليل والتي ترفع دائما شعار كامل العدد، للعام الثانى؟
فخورة جدًا بهذا الزخم والإقبال الجماهيري الذي وجدته خصوصًا هذا العام،
والحقيقة أن معرفة الجمهور بالبرنامج في دورته الأولى بالعام الماضي دعمت
في هذا الإقبال الكبير، هذا بخلاف أن مواعيد إعادة عروض الأفلام هذه الدورة
كانت جيدة في توقيته ومكانه أيضًا في "مركز الإبداع" بالأوبرا، بالإضافة
للدعم الصحفي بتعريف الصحافة والجمهور بجدول العروض مبكرًا، والبرنامج هذا
العام تم تنظيمه بشكل أكبر لكونه أصبح هناك شخص مسئولاً عن اختيار أفلامه
وليس كما كان يحدث بالعام الماضي في اختيار الأعمال بشكل عام من لجنة
المشاهدة.
·
وما هو التحدي الذي وضعته هذا العام
لخروج البرنامج بشكل أكثر جذبا؟
أهم وأكبر تحدٍ كان لنا جميعا في هذه الدورة هو وفاة المدير الفني يوسف
شريف رزق الله والفراغ الكبير الذي تركه، فقد كان هو المرجع والمستشار،
لذلك كنا نعمل بأقصى طاقتنا ومجهودنا حتى نقدم عملا يليق باسمه.
هذا بخلاف التحدي في معايير الاختيار التي تقوم على التنوع فلم يكن الموضوع
عشوائيًا بالمرة، وقبل أن أبدأ في تنفيذ البرنامج وضعت قائمة بكل
المهرجانات التي تتعلق بعرض أفلام الرعب والإثارة على مستوى العالم
والأفلام المشاركة بها ثم بدأت قراءة مقالات العرض التي تكتب عنها وكذلك
الأفلام التي حصلت على جوائز أو حصلت على إشادات نقدية جيدة وبدأت في طلبها
وكذلك بالنسبة للمهرجانات التي لم أسافر إليها وخاطبنها للحصول على
أفلامها.
·
لكن التحدي في اختيار سبعة أفلام فقط
كبير فكيف تضحي باختيار فيلم على حساب الآخر؟
بالفعل تحدٍ كبير جدًا وهو أمر صعب لكن في النهاية ما يحكمني هو جودة
الفيلم وفكرة التنوع وذوق الجمهور فيما يتقبله من أعمال تعرض إليه،
فالبرنامج يعتمد على الأعمال الأكثر رواجًا بين فئات الجمهور المختلفة، وقد
حاولت تزويد عدد الأفلام إلى "٨" لكني لم أتمكن بسبب مواعيد حجز قاعات
العرض وهو ما جعلني أتحمس للتركيز أكثر في الاختيارات بدون التخلي عن
معاييري الأساسية، وفي العام المقبل سيكون لدي خطة للتركيز بشكل أكبر في
المهرجانات المهتمة بهذه النوعية من الأفلام والحقيقة.. كنّا محظوظين هذا
العام أن أغلب شركات التوزيع التي تواصلنا معها كانت متحمسة كثيرًا للعرض
بالمهرجان نظرًا لسمعته الكبيرة في الوطن العربي.
·
من خلال توليكِ برنامج برمجة منطقة
الباسفيك وآسيا، ما ملاحظاتك على السينما الآسيوية وهل هناك نقاط تشابه
بيننا وبين السينما العربية؟
السينما الآسيوية لم تأخذ حقها جيدًا في المشاهدة في مصر، والحقيقة أن هذا
ينطبق أيضًا على أي نوع سينما يخالف السينما الأمريكية، والحقيقة أن نظام
البرمجة هذا العام أتاح مزيدا من التنوع وتغيير الثقافات، لذلك كنت أختار
أفلاما تتقارب مع ثقافة الذوق المصري وهمومه الاجتماعية فمثلًا شاركت
معنا أفلام من ماليزيا وسنغافورة والفلبين التي شاركت بفيلمين يتحدثان عن
منظومة الصحة وشكل المستشفيات الحكومية والعامة، ومثلًا كان لدينا فيلم من
الهند يتحدث عن دعم الأنثى في مواصلة رحلة تعليمها والحفاظ على كرامتها
وعزم تزويجها مبكرًا كسيدة، والحقيقة كلها مشاكل تلمس على الأوضاع في قرى
وصعيد مصر النائية، وأيضًا مع دول عربية أخرى، تتشابه أوضاعها مع الفكر
الذي تتناوله مثل هذه الأعمال، والدليل ما نشاهده في تونس الآن ومطالبتهم
بقوانين تدعم المرأة وحقوقها.
·
مستوى اختياراتك من قارة آسيا له بصمة
واضحة في برمجة المهرجان هذا العام، ما هي معايير اختيارك للأفلام؟
جودة الفيلم فنيًّا وأيضًا على مستوى التناول سواء على صعيد السرد والإخراج
البصري، فهناك أفكار بسيطة يتم تناولها بإبهار وجذب بصري كبير مثل فيلم
"لوونا: ثور داخل الفصل" الذي عرض ضمن فعاليات المسابقة الرسمية فقد تكون
الفكرة مكررة أو سمعنا عنها لكنها تحمل جودة في تناولها خصوصًا وكونها
التجربة الأولى لمخرجه كما أن الفيلم من إنتاج دولة مثل "مملكة بودان" وهي
من أبعد مكان في جنوب آسيا قرب جبال الهملايا وهو مكان ناءٍ جدًا.
والحقيقة هذا هو قيمة أن يكون هناك مبرمج مسئول عن منطقة معينة لأنه يكتشف
ثقافات دول وصناعة سينمائية بعيدة عن الأنظار، إلى جانب أن المهرجان لديه
مستشارون أجانب بالخارج وهو ما حدث معي في برنامج آسيا حيث تواصلت مع
المستشار الخاص بها والذي كان يمدنا بالتفاصيل عن الأفلام الموجودة في هذه
المنطقة وهو ما يجعلنا نغطيها بشكل جيد سواء كنّا بداخلها أو خارجها.
·
كم عدد الأفلام التي شاركت بشكل عام في
برامج المهرجان من آسيا وكم عدد المشارك منها بالمسابقةالدولية؟
١٦ فيلما شاركت بالمهرجان من آسيا، أربعة منها تواجدوا فى المسابقة
الدولية، لكن السينما الآسيوية لا تزال في مرتبة متأخرة من المتابعة لدى
الجمهور المصري من وجهة نظر البعض.
·
تعتقدين أن ذلك في مصلحة جمهور
المهرجان في الأعوام المقبلة من حيث تغيير ثقافة الذوق العام؟
بالطبع، هذا هو المكسب الأهم هذا العام خصوصًا مع فكرة وجود مبرمجين
متخصصين لمناطق بعينها يكتشفون ثقافات وفنونا سينمائية أخرى لدى الجمهور،
لأن السياسة التي كانت تتعامل بها لجنة المشاهدة بالمهرجان في السابق كانت
تقوم على الأغلبية والتي كانت تجمع بين رأي مؤيد وآخر مخالف، فالقرار في
اختيار الآفلام هذا العام كان للمبرمج الذي يتشاور بدوره بعد ذلك مع المدير
الفني وأحيانًا رئيس المهرجان، وهذا بالطبع يساهم في تغيير ثقافة المشاهد
وتغيير النمط السائد في اختيارهم للمشاهد فعندما يكون لدينا أكثر من فيلم
مشارك من قارة كبيرة مثل آسيا ومن دول لم يلق الضوء عليها من قبل، فهذا
نجاح حيث كان الأغلب دائمًا الاهتمام بالسينما الهندية أو الصينية
بالمسابقة الرسمية.
هذا بخلاف حدوث حالة من التوازن بين جميع المناطق التي تم تغطيتها على
المستوى الدولي، وبالتالي أصبح للجمهور الحرية في الاختيار بما يتقارب مع
ذوقه، والحقيقة أنني كنت محظوظة بوجود أربعة أفلام من منطقتي بالمسابقة
الرسمية.
·
كيف حدث التواصل بينك وبين الموزعيين
هناك من أجل جلب الأفلام وإقبال صناعها على العرض بالمهرجان، وكم فيلم عرض
أول على مستوى قارة آسيا شارك بالمهرجان؟
هناك أكثر من طريقة تبدأ من عملية تسجيل صناع الأفلام لأعمالهم عبر موقع
المهرجان أو من خلال شبكة مستشارينا الدوليين وترشيحاتهم بخلاف سفرنا
كادارة فنية في العديد من المهرجانات والالتقاء بصناع الأفلام، وكان لدينا
مثلا فيلم مثل "الحائط الرابع" الذي شارك بالمسابقة الدولية وكان عرضه
الدولي الأول بالمهرجان، وكذلك الفيلم الهندي "رودرام" في قسم البانوراما،
وهو حدث خاص أقيم بالتعاون مع مهرجان ميدفيست للأفلام الطبية، والفيلم
متعلق بأمراض الزهايمر والشيخوخة، وهو أولى التعاونات بين المهرجانين،
وهو أيضًا من الأشياء الجديدة التي تحدث هذا العام.
·
من مشاهدتي للسينما العربية هناك اتجاه
للتجريب وتقديم المختلف فما هي الاتجاهات الجديدة في السينما الآسيوية؟
الاتجاه للبساطة بمعنى تبسيط المضمون، فمثلا الاقتصاد بأغلب دول آسيا ليس
قويًا حتى الصين ذاتها فأفلام كثيرة من التي جاءت إلينا كان لها علاقة
بالنقد المجتمعي المرتبط بالفقر والسياسيات الاقتصادية ونسبة البطالة
وانتشار الجريمة فيها مثل الفلبين، بخلاف الاهتمام بالطفل لدرجة أنني قررت
في العام المقبل أن يكون هناك فعالية خاصة بالأطفال والاهتمام بالمشاكل
والقضايا الخاصة بها، بخلاف انتقاد التاريخ مثل فيلم "بالون" الذي تطرق
لقانون الطفل الواحد الذي حدث في الصين بعد الثورة الثقافية في فترة حكم
الشيوعي من منظور فلسفي.
·
عشرة شهور عمل متواصل، هل لك أن تسردي
لنا مراحل هذا الجهد، خصوصا مع جولاتك بالخارج في مهرجانات أخرى سواء على
مستوى إدارتك لبرنامج عروض منتصف الليل أو برنامج آسيا؟.
بالنسبة لبرنامج عروض منتصف الليل، بدأت العمل فيه منذ يناير الماضي قبل
سفري لمهرجان روتردام الذي اخترت منه أول الأفلام التي عرضت بالبرنامج وهو
"كوكو دي كوكو دا"، وبالتأكيد هناك تنوع كبير في الأفلام التي تصلح لهذا
القسم فليست الفكرة عنوانها الرعب فقط لأن هذا التصنيف يحمل تحته تنويعاته
كثيرة، فهناك مثلًا رعب نفسي وأخرى تعتمد على المؤثرات الصوتية والبصرية أو
الوحوش والمتحولين.
أما برمجة آسيا، فقد كنت أشاهد في اليوم ما يقرب من أربعة أو خمسة أفلام
على مدار ثلاثة شهور ثم نبدأ الفرز وهو أمر صعب للغاية لأننا من خلاله نرى
ما يصلح للعرض العالمي الأول أو الدولي الأول وهذا أمر هام يتعلق بمشاركة
مخرجين جدد أو يشاركون للمرة الأولى، حتى إن البعض منهم أخر عرض فيلمه
للمشاركة بالمهرجان مثل فيلم "الحائط الرابع" الذي شارك بالمسابقة الرسمية.
بالإضافة لذلك اكتشفت دول غير بارزة على الساحة، فبخلاف الهند والصين هناك
مثلًا سنغافورة التي شاركت بالمسابقة الرسمية بفيلم "موسم ممطر" الذي حصل
على مخرجه عن فيلمه الطويل الأول بجائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان،
فالفيلم متميز جدًا على المستوى البصري، وكذلك أحدث أفلام المخرج الفلبيني
المخضرم برياتني ميندوزا "مانداندو" وهو مخرج حاصد لكثير من الجوائز
العالمية وكان لديه مشارك في العام الماضي بلجنة التحكيم.
·
هل هناك ملاحظات أو خطط تنوين تنفيذها
في العام المقبل؟
أتمنى الكثير والكثير خصوصًا بعد الإقبال الكبير على عروض منتصف الليل
للدرجة التي جعلت بعض المشاهدين يطلبون الدخول ومشاهدة الفيلم دون جلوس،
وهذا حدث مثلًا في فيلم "4&4"، فأنا أحاول دائما متابعة مهرجانات متخصصة في
أفلام الرعب مثل مهرجان فانتازيا السينمائي الدولي، وهو من أكبر المهرجانات
المتخصصة في هذا النوع من الأفلام أو مهرجان روتردام أو برلين، والحقيقة
أني كنت حريصة على عمل ترتيب منظم في عرض الأفلام من حيث وضع الأعمال
الأكثر جذبًا مع بداية الأيام للعرض، تحديدًا في أول ثلاثة أيام، مما حمس
الجمهور على المشاهدة بشكل أكبر.
وفيما يتعلق بالسينما الآسيوية أعتقد أني سأكون محبة أكثر مشاهدة أفلام من
دول أخرى حتى يكون هناك طوال الوقت أنواع جديدة من السينما يتعرف عليها
الجمهور، والحقيقة أنني كنت سعيدة بتواجد الطلاب المكثف ومناقشتهم في
الأفلام وتفاعلهم مع المهرجان، وهذا ما جعلني أتحمس أن يكون المهرجان
دائمًا تجربة ثرية. |