لسنوات، كلما شاهدت فيلم «اللعب مع الكبار» كان يشغلني
تساؤل كيف لوحيد حامد بعد فيلمه "البريء" أن يرسم شخصية ضابط الأمن بكل هذا
التسامح والعفو والنبل ضمن أحداث "اللعب مع الكبار" الذي أخرجه
شريف عرفة
عام ١٩٩١.
والحقيقة أن الخاتمة تحديداً كانت أكثر شيء يُدهشني، فبعد
اغتيال الحلم الذي كان يجسده محمود الجندي، يحتج صديقه البطل الذي يلعب
دوره الفنان الكبير عادل إمام، ويصرخ معلنا أنه سيواصل الحلم، هنا تتوازى
وقفة البطل والضابط - عادل إمام وحسين فهمي- وتتوازى الصرخة مع إطلاق ضابط
الأمن المتسامح النبيل الرصاص على الفاسدين، وكأن رصاصات رجل الأمن تحمي
حلم المواطن وأمنه.
ظللت أتساءل: هل كان وحيد حامد بتلك النهاية يحكي عن أمله
ورؤيته لما يجب أن يكون عليه الواقع، أم أنه تغيير طرأ في موقفه، ونوع من
رد الاعتبار لتلك المؤسسة، خصوصاً بعد
فيلم البريء
١٩٨٦، أم العمل مع مخرج له رؤية مغايرة لعبت دورها أثناء
النقاش ورسم الشخصيات؟
أمس، وجدت الفرصة لسؤال المخرج
شريف عرفة
في
أعقاب الندوة التي أُقيمت له في إطار تكريمه من
مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي في دورته الحادية والأربعين، حيث تم منحه جائزة فاتن
حمامة التقديرية.
سألته ثلاثة أسئلة عن تكوينه الثقافي والمعرفي خصوصاً أنه
ولد لأب ملتزم، غرس فيه مبادئ وأخلاقيات مؤكد تأثر بها، إلى جانب قراءاته
ومطالعاته العربية والأجنبية، من كل الأنواع، سواء الخفيفة أو الجادة
والعميقة والساخرة والمأساوية، هذا التكوين غير العادي هو الذي جعله يختار
طريق البداية في السينما، وكانت النتيجة الأولى ثلاثة أفلام لم تحقق نجاحاً
في شباك التذاكر، ولم يتمكن الجمهور من فهمها؛ إذ إن الوعي المعرفي للجمهور
آنذاك لم يتمكن من استيعابها، ثلاثة أفلام دفعة واحدة غير ناجحة تجارياً
بمقياس زمانها- أمر صعب أن يستمر بعده مخرج في مهنته، فهل شكل ذلك التكوين
عبئا وثقلا وموروثا سلبيا عليك في البداية؟ فأجابني عرفة بأن المهم أنه-
ومعه ماهر عواد- كانا يمتلكان من الصلابة ما يُتيح لهما الوقوع والوقف مرة
أخرى لاستكمال الطريق؛ فالموهبة وحدها لا تكفي، لا بد أن يكون هناك إصرار
ومثابرة وإرادة بنفس حجم الموهبة، فهناك شخصيات موهوبة عديدة لم تستمر،
لأنها لم تكن قادرة على الاستمرار والصمود.
فاتن حمامة تطلبه للإخراج
سألته أيضاً عن دور النقاد في مساندته؛ إذ لم يذكر أثناء
الندوة سوى سامي السلاموني، فهل نجح نقاد تلك الفترة في التجاوب مع أفلامه
الأولى التي تحمل روح التجريب والدخول في نوعيات جديدة على السوق
السينمائية المصرية، وسؤالي كان سببه الأساسي موقف حكاه
شريف عرفة
عن فاتن حمامة عندما اتصلت به للمرة الأولى، وهنأته على
فيلم «يا مهلبية يا»، فقد كانت عضو لجنة تحكيم، أخبرته بصراحة أن «الفيلم
لن يأخذ جائزة لأن أعضاء الجنة غير قادرين على استيعاب روح السخرية
بالفيلم، لكنها معجبة به جدا، وأنها تتمنى أن يخرج لها عملا ...» وبالفعل
أرسلت له بسيناريو لكن عرفة اعتذر؛ لأنه لم يكن يريد أن يتعامل مع الشاشة
الصغيرة.
للحظة كنت أفكر، إذا كان أعضاء لجنة التحكيم لم يفهموا، أو
لم يستوعبوا الحس الساخر بفيلم «يا مهلبية»، فكيف تعامل النقاد معه، خصوصاً
مع أفلامه الأولى، لكن
شريف عرفة
أكد أنه «صحيح هناك صحفيون هاجموه، لكن هناك أيضاً نقادًا
آخرين وقفوا إلى جانبه، ودعموا أفلامه ومنهم الناقد السينمائي الكبير كمال
رمزي وآخرون».
أيضاً، أثناء الندوة أشار
شريف عرفة
إلى أنه أحيانا في الاستديو كان يقوم بتغيير الميزانيس
ويطلب من الممثل تقديم أداء بزاوية معينة، وأنه عندما فعل ذلك مع الفنان
عادل إمام في أول لقاء بينهما، احتج الزعيم لأن هذا التعديل مفاجئ له، ولم
يكن متفقاً عليه، فصمت عرفة إزاء ذلك، لكن الفنان عادل إمام بذكائه، ورغم
رفضه اقتراح عرفة، لكنه أثناء التصوير حقق له مطلبه.
الواقعة السابقة حمستني أن أسأل المخرج الكبير
شريف عرفة
عن مشهد الختام بفيلم «اللعب مع الكبار»؛ فهل تلك النهاية
كما كتبها وحيد حامد أم أنها نهايتك؟ فقال بحسم شديد: «هذه نهايتي».
مخرج شامل
منذ لحظة تكريمه بليلة افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي،
ولحظة صعوده على خشبة المسرح ووقوف الحضور له مصفقين طويلاً له؛ تعبيراً عن
الاعتزاز بقيمة وقامة كبيرة قدمت للسينما المصرية واحداً من أهم فصولها،
وهو فصل شديد الثراء والتنوع ما بين كوميدي وغنائي واستعراضي، وتاريخي،
واجتماعي. مخرج تعلمت على يديه أجيال، وخرج جيل جديد شاب متأثرا بفكر
وأسلوب
شريف عرفة
ومنهم مروان حامد.
التأثير السابق أكده أحد المخرجين الشباب من خريجي معهد
السينما الذي قال إنه وأصدقاءه كانوا يشاهدون أفلام
شريف عرفة
أكثر من مرة، ويدرسون أسلوبه في الإخراج، وزوايا الكاميرا،
ونوعية الانتقال والقطع بين اللقطات، وغيرها من الأمور الفنية.
كذلك، كلمة الفنانة ليلى علوي التي أنتجت له فيلم «يا
مهلبية يا»، بعد أن شاهدت فيلم «أندر جراوند»، في مهرجان كان السينمائي،
وشعرت بالغيرة الفنية والسينمائية من قوة وجمال الفيلم، فاتصلت بشريف عرفة
من هناك وطلبت منه إخراج فيلم موسيقي استعراضي لها، وتمنت أن يعود لهذا
النوع النادر في وقت قريب، وأنها على استعداد للمشاركة في إنتاجه بأجرها
وأكثر من أجرها.
روح جميلة دافئة مشحونة بالعواطف والتقدير أحاطت تلك الندوة
من جميع الحضور من مختلف الدول العربية، وما حدث في ندوة
شريف عرفة
ليس إلا جزءًا من طاقة حب كبيرة تنتشر بين أرجاء دار
الأوبرا المصرية؛ حيث تتوزع الفعاليات والمشاهدات والندوات والماستر كلاس
ونقاشات الجمهور وطلاب الجامعة الحاضرون. إنها حالة ثقافية تُثير البهجة
والفخر بمهرجان القاهرة السينمائي الذي- ومن خلال الأيام الثلاثة الأولى-
نشعر أنه استعاد ألقه، وجدّد دماءه بقوة لافتة، هذه الدورة.
والحقيقة أن الخاتمة تحديداً كانت أكثر شيء يُدهشني، فبعد
اغتيال الحلم الذي كان يجسده محمود الجندي، يحتج صديقه البطل الذي يلعب
دوره الفنان الكبير عادل إمام، ويصرخ معلنا أنه سيواصل الحلم، هنا تتوازى
وقفة البطل والضابط - عادل إمام وحسين فهمي- وتتوازى الصرخة مع إطلاق ضابط
الأمن المتسامح النبيل الرصاص على الفاسدين، وكأن رصاصات رجل الأمن تحمي
حلم المواطن وأمنه.
ظللت أتساءل: هل كان وحيد حامد بتلك النهاية يحكي عن أمله
ورؤيته لما يجب أن يكون عليه الواقع، أم أنه تغيير طرأ في موقفه، ونوع من
رد الاعتبار لتلك المؤسسة، خصوصاً بعد
فيلم البريء
١٩٨٦، أم العمل مع مخرج له رؤية مغايرة لعبت دورها أثناء
النقاش ورسم الشخصيات؟
أمس، وجدت الفرصة لسؤال المخرج
شريف عرفة
في
أعقاب الندوة التي أُقيمت له في إطار تكريمه من
مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي في دورته الحادية والأربعين، حيث تم منحه جائزة فاتن
حمامة التقديرية.
سألته ثلاثة أسئلة عن تكوينه الثقافي والمعرفي خصوصاً أنه
ولد لأب ملتزم، غرس فيه مبادئ وأخلاقيات مؤكد تأثر بها، إلى جانب قراءاته
ومطالعاته العربية والأجنبية، من كل الأنواع، سواء الخفيفة أو الجادة
والعميقة والساخرة والمأساوية، هذا التكوين غير العادي هو الذي جعله يختار
طريق البداية في السينما، وكانت النتيجة الأولى ثلاثة أفلام لم تحقق نجاحاً
في شباك التذاكر، ولم يتمكن الجمهور من فهمها؛ إذ إن الوعي المعرفي للجمهور
آنذاك لم يتمكن من استيعابها، ثلاثة أفلام دفعة واحدة غير ناجحة تجارياً
بمقياس زمانها- أمر صعب أن يستمر بعده مخرج في مهنته، فهل شكل ذلك التكوين
عبئا وثقلا وموروثا سلبيا عليك في البداية؟ فأجابني عرفة بأن المهم أنه-
ومعه ماهر عواد- كانا يمتلكان من الصلابة ما يُتيح لهما الوقوع والوقف مرة
أخرى لاستكمال الطريق؛ فالموهبة وحدها لا تكفي، لا بد أن يكون هناك إصرار
ومثابرة وإرادة بنفس حجم الموهبة، فهناك شخصيات موهوبة عديدة لم تستمر،
لأنها لم تكن قادرة على الاستمرار والصمود.
فاتن حمامة تطلبه للإخراج
سألته أيضاً عن دور النقاد في مساندته؛ إذ لم يذكر أثناء
الندوة سوى سامي السلاموني، فهل نجح نقاد تلك الفترة في التجاوب مع أفلامه
الأولى التي تحمل روح التجريب والدخول في نوعيات جديدة على السوق
السينمائية المصرية، وسؤالي كان سببه الأساسي موقف حكاه
شريف عرفة
عن فاتن حمامة عندما اتصلت به للمرة الأولى، وهنأته على
فيلم «يا مهلبية يا»، فقد كانت عضو لجنة تحكيم، أخبرته بصراحة أن «الفيلم
لن يأخذ جائزة لأن أعضاء الجنة غير قادرين على استيعاب روح السخرية
بالفيلم، لكنها معجبة به جدا، وأنها تتمنى أن يخرج لها عملا ...» وبالفعل
أرسلت له بسيناريو لكن عرفة اعتذر؛ لأنه لم يكن يريد أن يتعامل مع الشاشة
الصغيرة.
للحظة كنت أفكر، إذا كان أعضاء لجنة التحكيم لم يفهموا، أو
لم يستوعبوا الحس الساخر بفيلم «يا مهلبية»، فكيف تعامل النقاد معه، خصوصاً
مع أفلامه الأولى، لكن
شريف عرفة
أكد أنه «صحيح هناك صحفيون هاجموه، لكن هناك أيضاً نقادًا
آخرين وقفوا إلى جانبه، ودعموا أفلامه ومنهم الناقد السينمائي الكبير كمال
رمزي وآخرون».
أيضاً، أثناء الندوة أشار
شريف عرفة
إلى أنه أحيانا في الاستديو كان يقوم بتغيير الميزانيس
ويطلب من الممثل تقديم أداء بزاوية معينة، وأنه عندما فعل ذلك مع الفنان
عادل إمام في أول لقاء بينهما، احتج الزعيم لأن هذا التعديل مفاجئ له، ولم
يكن متفقاً عليه، فصمت عرفة إزاء ذلك، لكن الفنان عادل إمام بذكائه، ورغم
رفضه اقتراح عرفة، لكنه أثناء التصوير حقق له مطلبه.
الواقعة السابقة حمستني أن أسأل المخرج الكبير
شريف عرفة
عن مشهد الختام بفيلم «اللعب مع الكبار»؛ فهل تلك النهاية
كما كتبها وحيد حامد أم أنها نهايتك؟ فقال بحسم شديد: «هذه نهايتي».
مخرج شامل
منذ لحظة تكريمه بليلة افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي،
ولحظة صعوده على خشبة المسرح ووقوف الحضور له مصفقين طويلاً له؛ تعبيراً عن
الاعتزاز بقيمة وقامة كبيرة قدمت للسينما المصرية واحداً من أهم فصولها،
وهو فصل شديد الثراء والتنوع ما بين كوميدي وغنائي واستعراضي، وتاريخي،
واجتماعي. مخرج تعلمت على يديه أجيال، وخرج جيل جديد شاب متأثرا بفكر
وأسلوب
شريف عرفة
ومنهم مروان حامد.
التأثير السابق أكده أحد المخرجين الشباب من خريجي معهد
السينما الذي قال إنه وأصدقاءه كانوا يشاهدون أفلام
شريف عرفة
أكثر من مرة، ويدرسون أسلوبه في الإخراج، وزوايا الكاميرا،
ونوعية الانتقال والقطع بين اللقطات، وغيرها من الأمور الفنية.
كذلك، كلمة الفنانة ليلى علوي التي أنتجت له فيلم «يا
مهلبية يا»، بعد أن شاهدت فيلم «أندر جراوند»، في مهرجان كان السينمائي،
وشعرت بالغيرة الفنية والسينمائية من قوة وجمال الفيلم، فاتصلت بشريف عرفة
من هناك وطلبت منه إخراج فيلم موسيقي استعراضي لها، وتمنت أن يعود لهذا
النوع النادر في وقت قريب، وأنها على استعداد للمشاركة في إنتاجه بأجرها
وأكثر من أجرها.
روح جميلة دافئة مشحونة بالعواطف والتقدير أحاطت تلك الندوة
من جميع الحضور من مختلف الدول العربية، وما حدث في ندوة
شريف عرفة
ليس إلا جزءًا من طاقة حب كبيرة تنتشر بين أرجاء دار
الأوبرا المصرية؛ حيث تتوزع الفعاليات والمشاهدات والندوات والماستر كلاس
ونقاشات الجمهور وطلاب الجامعة الحاضرون. إنها حالة ثقافية تُثير البهجة
والفخر بمهرجان القاهرة السينمائي الذي- ومن خلال الأيام الثلاثة الأولى-
نشعر أنه استعاد ألقه، وجدّد دماءه بقوة لافتة، هذه الدورة. |