«لهاث الزملاء، وأيضا الفنانين والإعلاميين في 20 يومًا، من
أسوان
إلى
شرم الشيخ
إلى
الأقصر
لمتابعة
المهرجانات السينمائية
الثلاثة- هو أكبر خطر يُهدد المهرجانات الثلاثة. وإذا لم
تنجح لجنة المهرجانات في فض الاشتباك العام القادم، فلا يوجد في هذه الحالة
منطق لوجودها».
أتحفظ على الرأي السابق الذي يُثير عندي عددًا من التساؤلات
وعلامات الدهشة، خصوصًا مع ظهور مجموعة من الكتابات والتحقيقات الصحفية
المؤيدة للفكرة وآخرها ما قرأته في الزميلة «المصري اليوم» بعنوان «مهرجان
ورا مهرجان».
سؤالي الأول الذي يُثيره التصريح السابق للزميل
طارق الشناوي
على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» الذي لاقى ترحيبًا من
عدد من الصحفيين والصحفيات- هو:
هل دور اللجنة العُليا للمهرجانات يقتصر على تحديد وتنسيق
مواعيد إقامة المهرجانات؟
فهذا ما يتضح من كلام الشناوي، أحد أعضاء تلك اللجنة، إذ
يقول: «وإذا لم تنجح لجنة المهرجانات في فض الاشتباك العام القادم، فلا
يوجد في هذه الحالة منطق لوجودها»، وإذا كان الرأي السابق صحيحًا، فهذا
معناه أنه لا لزوم لوجودها، طالما تم التنسيق بين المهرجانات.
خلط الأوراق والخطر الحقيقي
السؤال الثاني: عن لهاث الصحفيين والفنانين والإعلاميين
الذي اعتبره الزميل «أكبر خطر يُهدد المهرجانات الثلاثة»، فصدقاً هذا الرأي
رغم تأييد عدد له- لكني أرى به مبالغة شديدة إلى جانب خلطه للأوراق وتوجيه
للأنظار عن الخطر الحقيقي، لعدة أسباب أبرزها:
في تقديري أن الخطر الحقيقي الذي يُهدد أي مهرجان أنه لا
يجد جمهورًا يشاهد تلك الأفلام التي تم إنفاق الكثير أو القليل للحصول
عليها واستضافة صحفيين ونقاد للكتابة عنها وعن المنظمين، ودفع تكاليف إقامة
لهم، وكذلك تذاكر طيران، كما تم دفع أجور للعاملين بالمهرجان والمطبوعات
الصادرة عنه إن وجد.
أعتقد السؤال الحقيقي: هل صرف هذه المبالغ على تنظيم
مهرجان- مهما كان المبلغ ضئيلاً- كان يذهب لمستحقيه من الجمهور، أم راح على
مظاهر التوك شو والترويج الإعلامي؟!
فبالخارج أحد أهم مقاييس نجاح أي مهرجان هو عدد الجمهور
الذي حضر العروض! وعدد التذاكر التي تم بيعها! أم أن الإدارة تجلب هذه
الأفلام وتُنظم هذا المهرجان من أجل أن يُشاهدها بعض الصحفيين والنقاد
الذين سيكون أغلبهم قد شاهدها في مناسبات أخرى دولية؟!
لست ضد إقامة مهرجان في كل مدينة ومحافظة، مهما كان الوقت
قريبا من بعضه، لأنه ليس من المفترض أن يذهب نفس الصحفيين ونفس النقاد إلى
جميع المهرجانات. كما أنني لست ضد إقامة مهرجانات في مدن سياحية، مثل شرم
الشيخ، خصوصاً بعد متابعتي عن قرب ما حدث في مهرجان الجونة السينمائي
بدورتيه الأولى والثانية.
أحد أوجه التحدي الذي يواجه أي إدارة منظمة لمهرجان هو: هل
تستطيع خلق جمهور سينمائي؟ وذلك كما فعل مهرجان الجونة بأسلوب لافت جعلنا
نرفع له القبعة، حتى إن أهالي الجونة اعترفوا بالزحام الشديد الذي تعاني
منه المدينة خلال فترة المهرجان، كما أن الفنادق والشقق الفندقية تكون
كاملة العدد تماماً قبلها بنحو شهرين بأسعار مرتفعة للغاية.
هنا، مهرجان الجونة خلق جمهورًا، وحقق عائدًا ماديًا للعمال
في المنتج السياحي الخلاب، وأسهم في الترويج السياحي للمدينة الجميلة. فهل
مهرجان شرم الشيح أو غيره من المهرجانات الأخرى حقق أي شيء مُشابه؟!
هل كان طموحهم يرقى لنظيرهم في الجونة؟! هذا سؤال استفهامي
وليس استنكاريًا.
شرم وغياب البنية التحتية السينمائية
جانب آخر للخطر الحقيقي الذي يُهدد أي مهرجان يتضح من مقال
الزميل العراقي المقيم بالسويد قيس قاسم - والذي حضر فعاليات مهرجان
شرم الشيخ
- فأشار إلى هنات المهرجان ومنها التساؤل عن: "مغزى عقد
مهرجانات سينمائية في مدن عربية لا تتوفر على بنية تحتية (سينمائية)، وما
معنى أن تُعرض الأفلام المشاركة فيها داخل قاعات لا تستوفي شروط العرض؟ وما
الغاية من أن تُقيم مهرجانا سينمائيا والشكوى من ضعف ميزانيته تسبق أيام
انعقاده"؟!
لم أحضر المهرجان، لكن شهادة الزميل تعتبر شهادة موثقة
لأنها منشورة. وهنا يثور تساؤل: أين
اللجنة العليا للمهرجانات
من
وضع
البنية التحتية السينمائية
في شرم الشيخ؟ فالموافقة علي تنظيم مهرجان وليد- أو بقاء
مهرجان- تعتبر ضمن اختصاصاتها أم لا؟ وإن كان ضمن اختصاصاتها، فلماذا؟ وعلى
أي أساس وافقت على تنظيم مهرجان شرم الشيخ؟! وهل سيقوم أعضاؤها بتقييم
الدورة وتحديد فكرة استمراره من عدمه؟ وهل هناك شروط للاستمرار؟! وهل رئيس
المهرجان عضو باللجنة العليا للمهرجانات أم لا؟
تنسيق المواعيد..!
الكثير من الصحفيين والإعلاميين يحتجون على اللهاث بين
المهرجانات، وسؤالي هو: ولماذا تسمح لنفسك- كصحفي أو ناقد- بأن تلهث؟! اختر
المهرجانات التي تهمك – وتلك التي تحمل قيمة وعلى قدر من الاحترافية- واذهب
إليها؟ هل كل المهرجانات في نفس القيمة لتلهث وراءها؟! وبعدين لو قبلت هذا
معناه أنك تستمتع فأرجو ألا تُمثل علينا دورالضحية وخلينا نناقش جوهر
القضية الحقيقية ونسأل أين تذهب أموال دافعي الضرائب التي يُمول منها- على
الأقل ٤٠٪ - من ميزانية كل مهرجان من تلك المهرجانات.
المهرجانات المذكورة كلها (أسوان، شرم، الأقصر،
الإسماعيلية) يوجد بينها فواصل زمنية، على الأقل أربعة أيام أو أسبوع أو
أسبوعان. إذن لا يوجد أي تقاطع بينها، فما المشكلة إذن؟! في الخارج تتقاطع
بعض المهرجانات المهمة مع مهرجانات أخرى لا تقل عنها أهمية- مثل فينيسيا
وتورنتو، وبرلين وكليرمون فيراند.
أؤكد أن المهرجانات تتقاطع ولا يكون بينها مجرد فواصل كما
يحدث عندنا، ومع ذلك يتنقل بينها الصحفيون والنقاد وكتاب السينما المهتمون،
فهل هذه المهنة خارج مصر أعلى كفاءة وقادرة على المنافسة والقيام بمهامها
دون تذمر؟ أم أن الصحفيين عندنا "بيتدلعوا"؟! أم ماذا؟!
أعتقد أن كل مهرجان يختار الموعد المناسب له لأسباب منطقية،
فالكاتب الصحفي الزميل حسن أبوالعلا، مدير مهرجان أسوان، شرح لي ذات يوم عن
أسباب إصراره على تثبيت موعد مهرجان أسوان، وهو سبب وجيه وذكي في رأيي،
فالشمس تتعامد على تمثال رمسيس يوم ٢٢ فبراير، وهو يُفضل أن يستفيد من ذلك
الحدث التاريخي الاستثنائي الذي يهتم به العالم. وهذا حقه.
عن المنافسة النزيهة وغيرها
مثلًا أيضاً، مديرة مهرجان
الأقصر
للسينما الإفريقية، عزة الحسيني، رغم اختلافي مع رأيها في
ضرورة «تعديل تلك المواعيد لقربها من بعضها لضمان حدوث الأثرالحقيقي
للمهرجان»، ففي رأيي أن تلك المهرجانات تتم في محافظات مختلفة بعيدة عن
بعضها، فهنا الأثر الحقيقي كما سبق أن ذكرت يتحقق لجمهور كل محافظة ومدى
إقباله على الفعاليات واستفادته منها من عدمها، وليس المقصود بـ«الأثر
الحقيقي» أن يحصد منظمو المهرجان- فقط- أعلى تغطية إعلامية.
رغم ما سبق أتفق جزئياً مع الحسيني في رأيها أنه عند تحديد
موعد المهرجان تضع نصب عينيك خريطة المهرجانات المصرية والإفريقية والعربية
لضمان عدم التداخل. هذا أمر ذكي وأراه ضروريًا، لكن عندما يكون هناك فواصل
لمدة أيام أو أسبوع، فهذا ربما يدخل في إطار رغبة البعض في تسليط الأضواء
على أعمالهم فترة طويلة قبل الافتتاح وبعد الختام، وقد يكون هذا من حقهم،
لكنه لا يعتبر مشكلة كبيرة. ولا خطيرة لدرجة أنها تُهدد تنظيم مهرجان أبدا،
لأنه طوال أيام المهرجان هناك تغطية يومية وأحيانا كل ساعة.
أما أن اقتراب مواعيد المهرجانات من بعضها، التي تُصعّب
العثور على فيلم مصري، وترفع من وطأة المنافسة، فهذا أمر مردود عليه بأن
المنافسة أمر مشروع جداً، وأنه ليس من الضروري أن يكون بكل مهرجان فيلم
مصري جديد، فهذا يحدث أحياناً بمهرجانات دولية، ففي إحدى السنوات فضل ست
مخرجين إيطاليين عرض أفلامهم بمهرجان كان ولم تُشكل تلك أزمة لمهرجان
فينيسيا. إنه قانون التنافس.
مع ذلك، إن كان المهرجان المصري يُصر على تواجد السينما
القومية المحلية، فيمكن طرح بديل بتخصيص قسم للسينما المصرية المنتجة خلال
ذلك العام- حتى لو عرضت تجارياً- شرط ألا تتواجد بالمسابقة. وهذا يحدث في
كثير من مهرجانات العالم المهمة، فبرلين يخصص قسمًا بعنوان «وجهة نظر
ألمانية» إلى جانب الأقسام الأخرى.
التكريم والبوسترات
أما أن البعض يدعي- أو يُبرر- تكرار تكريم بعض الشخصيات من
مهرجانات مصرية عدة كما فعل مهرجان
الأقصر
للسينما الإفريقية، عندما قاموا بتكريم سيدة الإنتاج التونسية درة بوشوشة،
فرأيي أن هذا خطأ وقع فيه منظمو مهرجان
الأقصر
للسينما الإفريقية، خصوصا أن تكريم بوشوشة في الجونة
السينمائي لم يمضِ عليه سوى أشهر قليلة، وهذا ليس تقليلًا من دور أو قيمة
السيدة الرائعة، ولكن هذا أيضاً معناه أن هناك قدرًا من التكاسل في البحث
والتنقيب الجاد، لأن السينما العربية والإفريقية بها شخصيات عديدة تستحق
التكريم.
وأخيرًا فيما يخص البوسترات وأفيشات المهرجانات، أضع في
الترتيب الأول بوستر مهرجان
أسوان
لسينما المرأة؛ لأنه شديد التعبير الدلالي والرقي والشياكة ببساطة، ثم أضع
في التريب الثاني بوستر مهرجان
الأقصر
للسينما الإفريقية الذي أراه متميزًا لكن يعيبه الزحمة
وكثرة العلامات الدلالية.
أما بوستر مهرجان شرم الشيخ، فأمنحه جائزة أسوأ بوستر؛ لأنه
رغم اختياره صورة جميلة لسندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، فالتفاصيل
الكثيرة والمبالغة وزحمة العلامات شوهت وجه سعاد حسني، وجعلتني أنفر من
البوستر. |