الفلاح لا يتحدث قط عن الفن.. وإنما يصنعه.. تلك كانت
فلسفة المعماري المصري حسن فتحي- التي تناولها في كتابه عمارة الفقراء-
وهو يخطط و يبني قرية القرنة بالبر الغربي بمحافظة الأقصر حيث استخدم الطين
كمادة بناء وبنيت بالعمارة المحلية التقليدية.
لم يقتصر دور المعماري علي إنشاء مساكن لأهالي القرية الذين
تم تهجيرهم منذ زمن بعيد بل أسس لحياة كاملة حيث بني مسجدا وشيد قصر ثقافة
حمل اسمه, ومسرحا مكشوفا وبحيرة صناعية ذات تصميم فريد تكافح انتشار مرض
البلهارسيا, بالإضافة لبناء خان للقرية وسوق ومركز حرفي ومعرض منتجات
القرية.
ولعل زيارة الفنان محمود حميدة, رئيس شرف الدورة الرابعة
لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية والسيناريست سيد فؤاد رئيس المهرجان وبعض
الناشطين في مجال حماية المباني التراثية في الأقصر, قرية حسن فتحي ومسرحه
الشهير في غرب الأقصر, كان بمثابة جرس إنذار لإنقاذ ما تبقي من التراث
المعماري للقرية التي تعرضت للدمار.
وبتفقد أحوال المباني التراثية للقرية وضح التآكل عليها
بفعل عوامل الزمن فضلا عن سقوط عدد منها بفعل الأهالي, ويقول محمود عبد
الراضي صاحب أحد المنازل الباقية من عمارة حسن فتحي إنه منذ أكثر من03 عاما
لم تجر أي أعمال تطوير لمسرح القرية أو ما يجاورها وهو ما جعل أغلب المباني
تنهار والأخري أوشكت علي السقوط بفعل عوامل الزمن.
وأوضح أنه في عام0102 كانت هناك مساع من محبي عمارة حسن
فتحي ضمت عددا من الأستاذة من كلية الفنون الجميلة الذين أقاموا مبادرة
لحماية تراث حسن فتحي لكنها لم تكتمل لأنهم لم يجدوا الدعم الكامل لترميم
المسرح وقصر الثقافة.
وأكد أن عمليات الحفاظ علي التراث كانت بمثابة جهود فردية
من بعض الأهالي والمحبين الذين اشتروا عددا من المباني المجاورة للمسرح
والسوق بعد رغبة أصحابها في هدمها وبنائها بشكل حديث وهو ما يجعل القرية
مشوهة حيث تم الحفاظ علي4 منازل لا تزال شاهدة علي عمارة حسن فتحي.
ولفت سمير صبحي صاحب أحد المنازل بالقرية إلي أن الوضع
الحالي للمسرح وقصر الثقافة والمسجد كارثي, لأنها مبنية من الطوب اللبن منذ
عشرات السنين وتم إهمالها من قبل أهالي القرية الذين هجروا الأماكن
التراثية فضلا عن لجوئهم إلي هدم الأماكن لإقامة كتل خراسانية بديلة وهو ما
أفقد القرية شكلها الجمالي الذي بنيت عليه.
وشدد علي أن المبادرات الفردية للتطوير أو إعادة البناء
سواء من أهالي القرية أو المهتمين بالتراث الإنساني لن تجدي نفعا طالما لا
تسير وفق خطة ممنهجة, مؤكدا أن تراث حسن فتحي من الآثار النادرة المتبقية
في العصر الحديث وضرورة الحفاظ عليه من الاندثار متسائلا عن سبب عدم اكتمال
أي خطة لترميم أو التطوير من قبل وزارتي الثقافة والآثار.
ومن جانبه, تبرأ العميد صلاح المندوة المتحدث الرسمي
لمحافظة الأقصر من مسئولية تطوير مسرح وقصر ثقافة حسن فتحي, مؤكدا أن مشروع
الترميم والتطوير تم إسناده إلي جهات الاختصاص متمثلة في هيئة اليونسكو
ووزارتي الثقافة والآثار, موضحا أن دور المحافظة يقتصر علي الإشراف الإداري
وأكد محمد فراج الخطيب مدير فرع ثقافة الأقصر وجود خطة من
قبل هيئة اليونسكو العالمية لترميم المسرح وعدد من مباني القرية التراثية
لأن عملية الترميم لابد أن تتم بطرق علمية وهو ما دفع المسئولين إلي إغلاق
قصر ثقافة حسن فتحي لخضوعه لعملية الترميم وتم تخصيص مقر آخر للممارسة
الأنشطة.
وقال سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية, إن
إدارة المهرجان أجرت معاينة مسرح حسن فتحي في أول دورة بالمهرجان, وخلال
اجتماعنا بلجنة تنمية الجمهور بالأقصر, وخلالها التقينا عددا من الأشخاص
التنفيذيين والمثقفين ومن أهالي المحافظة, واقترحوا إعادة النظر بمسرح حسن
فتحي والذي تزامن مع وجود إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة والتي أبدت
استعدادها الكامل لمساعدة ترميمه والاهتمام به.
وأضاف ـ في تصريح خاص ـ أن هذا المسرح يعد من الأماكن
التراثية إذ يبلغ عمره أكثر من08 عاما وهو مصمم بالطين اللبن, وهذه من نقاط
مميزاته وقوته وحتي في حالة إعادة ترميمه سيتم مراعاة الجانب التراثي فيه
لتصميمه علي هذا النهج, إضافة إلي أن هناك بروتوكول تعاون بين وزارة
الثقافة لإعادة ترميمه وحدثت بعض التعطيلات من جانب منظمة اليونسكو, وأصرت
الوزيرة علي الرجوع للمنظمة قبل القيام بالترميم.
وعن سبب حماسه للفكرة قال: هذا المكان له تاريخ كبير ومن
واجبنا أن نقوم بإعادة ترميمه والاستفادة منه في تقديم عروض المهرجان في
حالة الافتتاح, ودعوني أقول إنه من الصعوبة ترميم هذا المسرح العريق وتقديم
عروض فيه خلال دورة المهرجان المقبلة لأنه يحتاج إلي شغل كثير.
وأكد أن الفنان محمود حميدة بذل جهودا مضنية بصفته الرئيس
الشرفي لدورة المهرجان لهذا العام, وحضر كل التجهيزات الأساسية للمهرجان
وكان له دور فعال وحضر لقاء لجنة تنمية الجمهور بالأقصر, فطرح فكرة معاينة
وترميم مسرح حسن فتحي, إضافة إلي حضوره بقوة خلال لقاء محافظ الأقصر
والمسئولين مع إدارة المهرجان, وتواجده أثناء لقاء مع القائمين علي فعاليات
وأنشطة المهرجان من وزارة الداخلية والشباب والرياضة وغيرها. |