شريف الدسوقي: موهبتي حقيقية..
وكنت مرعوبا من ليل خارجي
حوار مني شديد
أقامت مدينة الإسكندرية الأفراح والاحتفالات احتفاء بابنها
شريف الدسوقي الذي اقتنص لمصر جائزة أفضل ممثل في الدورة الـ40 لمهرجان
القاهرة السينمائي الدولي التي اختتمت فعالياتها مؤخرا عن دور سائق التاكسي
مصطفي في فيلم ليل خارجي مع المخرج أحمد عبد الله السيد
ليتوج سنوات من التعب والشقاء في المسرح والسينما المستقلة,
ويحقق انتصارا جديدا لمواهب أبناء الإسكندرية الحالمين بالشهرة وتحرمهم
منها قسوة القاهرة, ويكتمل الانتصار للمواهب الحقيقية أيضا بإعلان د.أشرف
زكي منح الدسوقي عضوية نقابة المهن التمثيلية بعد حصوله علي الجائزة.
شريف الدسوقي ابن المسرح بالدرجة الأولي تربي ونشأ فيه منذ
الصغر حيث كان والده مديرا لمسرح إسماعيل ياسين في خمسينيات القرن الماضي,
منذ أن أسسه ياسين مع السيد بدير وأبو السعود الإبياري, وبنوا لوالده منزلا
خلف خشبة المسرح ورغم انبهاره بهذا العالم فإن والده منعه في البداية من
التمثيل فاضطر للعمل بمهن أخري في المسرح منها فني صوت وفني خشبة مسرح إلي
أن صعد علي الخشبة في النهاية, وعمل في الثقافة الجماهيرية والفرق المسرحية
المستقلة واهتم بالحكي وحصل علي العديد من الورش التدريبية وأصبح الان
مدربا للحكي والتمثيل, وشارك العديد من صناع السينما المستقلة أعمالهم,
ويعتبره العديد من أبناء الإسكندرية الآن الأب الروحي لهم, لكن ليل خارجي
يعتبر أول فرصة كبيرة يحصل عليها ومن المتوقع أن تفتح أمامه أبواب الشهرة
وفي هذا الحوار يتحدث الدسوقي عن هذه الفرصة:
·
كيف حصلت علي دور مصطفي في فيلم ليل خارجي؟
أعرف المخرج أحمد عبد الله منذ عام2010 عندما شاركت مع
المخرج إبراهيم البطوط في فيلم حاوي, ففي العام نفسه كان عبد الله يعمل علي
فيلمه ميكرفون, وعرض الفيلمين معا في دور العرض وقتها, وهو من المخرجين
العباقرة وأي ممثل يتمني العمل معه, لأن الحلم الذي يحلمه أي ممثل وهو يصعد
درجات السلم أن يعمل مع شخص يوفر له كل الأجواء المناسبة ليقدم أفضل أداء
لديه, وأحمد عبد الله من هذه النوعية وكذلك المنتجة هالة لطفي, فهما يريدان
صناعة عمل يبقي, والمخرج إبراهيم البطوط لديه جملة عظيمة وهي نحن سنذهب
والشريط هو الذي سيبقي هؤلاء الناس يريدون العمل بالفكر القديم لصناع
السينما العظام في تقديم أعمال تبقي بمرور الزمن وضخ مواهب ودماء جديدة في
السينما, ومن هذا المنطلق وضعا ثقتهما في وتواصلا بداية عام2017, وفي
المقابلة الأولي مع أحمد عبد الله قال لي إنه شاهد كل أعمالي السابقة
ورشحني لدور رئيسي في الفيلم, وبدأنا ورشة عمل معا لمدة شهر ونصف تقريبا
بدون باقي الأبطال حيث لم يكن فريق العمل قد اكتمل بعد.
·
ولماذا اختارك لهذه الشخصية؟
أعتقد أنه لم يخترني لهذه التجربة لمجرد أني ممثل جيد فقط,
وإنما لأني في الأصل ممثل مسرح وحكاء ولدي مخزون من المراقبة والرصد, وأقدم
عروض الحكي الفردية منذ أكثر من15 عاما, وأقوم بكتابة حكاياتي بنفسي من
المشاهدات التي أجمعها من البيوت والشوارع المصرية ومراقبة المجتمع
والأماكن المميزة, وهو علي علم بأن لدي هذا المخزون وأمتلك قدرة جيدة علي
الارتجال, والسيناريو الذي تسلمناه- وهو النسخة الـ11 مكتوب بداخله يتم
التعامل بالارتجال علي مستوي الشخصيات الثلاث الرئيسية مو ومصطفي وتوتو بعد
القراءة الأولي للمشهد, فكنا نقرأ المشهد ثم نترك السيناريو جانبا ونبدأ
تمثيل المشهد بشكل ارتجالي, لأنه كان يريد للشخصيات أن تظهر علي الشاشة
حقيقية وطبيعية من دون تمثيل أو افتعال, وهو المنهج المتبع الآن في أنحاء
العالم منهج اللا تمثيل.
·
كيف تري الانتقال من المسرح إلي السينما؟
منذ بداية نشأة السينما المستقلة في مصر وبالتحديد في
الإسكندرية, حصلت علي العديد من الورش التدريبية في الأداء التمثيلي أمام
الكاميرا منذ أكثر من14 عاما, وكان أغلبها من تنظيم مركز الجيزويت الثقافي
بالإسكندرية, وكان أول فيلم روائي قصير أشارك فيه نتاج ورشة تدريبية في
الجيزويت, وشاركت من هذا اليوم في بطولة عدد كبير من الأفلام القصيرة,
واكتسبت خبرة الوقوف أمام الكاميرا من العمل مع مخرجين مهمين في الأفلام
الروائية القصيرة كان آخرهم شريف البنداري الذي شاركت معه في فيلم حار جاف
صيفا الحائز علي الكثير من الجوائز في مصر وخارجها, ولهذا لا يعتبر الأداء
أمام الكاميرا غريبا علي والأمر دائما سهل طالما أن الممثل يعمل علي تطوير
نفسه دائما.
·
وهل ساعدك الحكي علي الارتجال في أداء الشخصية؟
بالتأكيد, فرغم أنني لم أدرس الفن بشكل أكاديمي فإنني حصلت
علي العديد من الورش وتعلمت علي يد الكثير من الأساتذة في أكاديمية الفنون
وقسم المسرح بكلية الآداب جامعة الإسكندرية فقد تبنوني منذ الصغر, وأسعي
إلي نقل هذه الخبرة لزملائي من الممثلين الشباب وأقول لهم دائما إن الممثل
إذا اعتمد علي التمثيل فقط ولا يتجه لتجربة الحكي سيخسر كثيرا, أيا كان نوع
الحكي الذي سيتوجه إليه سواء كتابات قديمة أو قصصا حديثة, لأن هذه التجربة
تحرض الممثل دائما علي استكشاف الشخصيات, فالحكي المونو الفردي أصعب بكثير
من التمثيل, الحكاء ليس لديه أي أدوات, الأداة الوحيدة التي يمتلكها هي
التشخيص داخل الحكاية, ولهذا لابد أن يكون لديه موهبة حقيقية يثق فيها حتي
يستطيع القيام بذلك, وهذه الموهبة تحرضه باستمرار علي مراقبة الشخصيات
والكراكترات في الشارع المصري الثري بالدراما والكراكترات, وهذا ساعدني
كثيرا في شخصية مصطفي التي أراقبها منذ سنوات, صحيح أنه لا أحد تأتيه
الفرصة تفصيل ولكن يمكنني القول إن الفرصة التي حصلت عليها مع شخصية مصطفي
كانت وكأنها متفصلة خصيصا من أجلي, فمن المرة الأولي التي حدثني فيها أحمد
عبد الله عن الشخصية شعرت أنها نفس الشخصية التي أراقبها منذ أكثر من15 سنة
وأحكي عنها في حواديت الحكي بأشكال مختلفة, خاصة أن هذا الكراكتر أصبح
موجودا بكثرة في المجتمع المصري خلال الأعوام الأخيرة, الشخص الذي يدعي
معرفة كل شيء ويريد أن يعمل في ثلاث مهن خلال اليوم الواحد, وعندما يسأله
شخص عن أي شيء يدعي أنه يعرفه رغم جهله حتي يحصل علي ما يريد, وربما لا
يعمل بشكل حقيقي ويقضي وقته علي القهوة ويحاول التربح من خلال استغلال بعض
الأشخاص, ولا نستطيع أن ننكر أن هذه الشخصية موجودة في المجتمع المصري الآن
بكثرة.
·
الفيلم وضع يده علي فكرة الفوارق الاجتماعية بين الطبقات
ونظرة الناس لبعضهم البعض والاتهامات المتبادلة, فهل كان ذلك ظاهرا من
القراءة الأولي للسيناريو؟
كما قلت أحمد عبد الله قائد وذكي بالفطرة, فعندما وجد أننا
دخلنا في المراحل الأولي من عمق الشخصيات, وجهنا إلي أن شطارة الممثل ليست
في قراءة الكلمات التي كتبها المؤلف وأدائها فقط وإنما في التعرف علي ما
بين السطور أولا, وبمناسبة فكرة الفوارق الطبقية التي يفصل بينها محطة
واحدة ما بين المعادي المنطقة الراقية, وحدائق المعادي المنطقة الشعبية, في
أثناء ثورة25 يناير كان يشغلني باستمرار مراقبة الناس وتوجهاتها, فكنت
أتجول في شارعين وصادفت مواقف من أعجب ما يمكن, من بينها في الإسكندرية,
كان هناك شارعان لا يفصل بينهما أكثر من200 متر الأول يعرف سكانه أن البلاد
في حالة اضطرابات وهناك ثورة قائمة, والشارع المجاور له لا يعرف أهله أي
شيء ويتفننون في اختلاق القصص مثل شخصية مصطفي في الفيلم تماما, فمنهم من
يقول احتجاجات لعمال شركة لم يتقاضوا رواتبهم أو يخترعوا أي قصص أخري لأنهم
لا يعرفون الحقيقة, وهذا يؤكد فكرة أننا طبقات تنظيريا ولكن واقعيا الفارق
بيننا هو مجرد أمتار بسيطة ولا أحد منا يعرف شيئا عن الآخر.
·
وهل الفيلم في رأيك عبر بشكل حقيقي عن واقع المجتمع؟
نعم, بنسبة ما ولكني كنت أتمني أن يكون هناك مشاهد توضح ذلك
أكثر وبتفاصيل أعمق, ولكن أحمد عبد الله هو القائد ولديه رؤيته وكان يريد
تقديم صورة عامة لهذا الشكل الطبقي وأظهره بالكثير من التفاصيل.
·
هل تري أن الفيلم والجائزة سيفتحان لك أبوابا أخري في
المستقبل؟
تعلمت دائما أن الممثل سلعة لابد أن تعلن عن نفسها, تعبت
جدا في الماضي وكنت أسمع كثيرا جملة ما الذي تفعله في الإسكندرية حتي الآن؟
لابد أن تتوجه للقاهرة لتستغل موهبتك, فأذهب للقاهرة أجدها صحراء وأجوع
فيها ولا أجد قوت يومي, المبدع لا يبدع لنفسه في الدور الذي يؤديه فقط
وإنما يبدع أيضا في مقاومة الحياة ومواجهة مهنة صعبة في بلدنا, ولهذا عودت
نفسي أنه طالما أني أرضيت ضميري أمام نفسي وأمام الله في الدور الذي أؤديه
فالنتيجة مضمونة, البعض يقول إنه لا توجد قاعدة للوصول للنجومية في مصر,
ولكن في رأيي أن هناك قاعدة وهي إرادة الله.
·
البعض يري أن النجومية التي حصل عليها متأخرا القادمون من
عالم المسرح مثل سيد رجب وبيومي فؤاد والراحل خالد صالح ستكون أيضا من نصيب
شريف الدسوقي فما رأيك في هذا؟
أساتذتي ربوني فأحسنوا تربيتي, كل فرصة أحصل عليها تصيبني
بالرعب ولكن في اليوم التالي تعود إلي ثقتي في موهبتي, وفي عام2010 كان لنا
في الإسكندرية لقاء مع النجم العالمي روبرت دي نيرو, سئل فيه عن الأوسكار
والجوائز العالمية التي حظيت بها فقال عندما أترشح لدور أغلق علي دي نيرو
الباب وأعيش الشخصية بمعني أنه يعطي معاناته الشخصية في الحياة إجازة,
ويذهب للشخصية وعندما يعود لشخصيته بعد انتهاء التصوير يكون قد استعاد
نشاطه ولديه قدرة أكبر علي المقاومة, وأنا مؤمن بهذه الفكرة أيضا, كنت
مرعوبا عندما ترشحت لفيلم ليل خارجي وخلال أيام التحضير والتصوير, ولكني
تعلمت أن أعمل علي تطوير نفسي من نواح مختلفة ليس فقط الأداء وإنما أيضا
كيفية إنشاء سلاح مقاومة في الحياة حتي لا يهزمني شيء ولا أستسلم للاكتئاب,
قد أكتئب أحيانا ولكني أؤمن بأنه طالما أن موهبتي حقيقية لا يجب أن أستسلم
للاكتئاب, والاحتفاء الذي حصلت عليه من الجمهور بعد عرض الفيلم في المهرجان
ومن بعده فوزي بالجائزة فهذا يجعلني أعيش أكثر من عام كامل بسعادة كبيرة,
حتي لو لم أحصل علي فرص خري في المستقبل القريب. |