الأفلام الأجنبية أكثر سويّة من الأفلام العربية
قراءة نقدية في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة
لمهرجان الجونة الثاني
عدنان حسين أحمد
يلعب المبرمجون في المهرجانات السينمائية دوراً
أساسياً في انتقاء الأفلام المهمة التي تتوفر على سويّة فنية عالية
تمنح المُشاهد فرصاً جديّة لتحقيق المتعة والفائدة في آنٍ معاً،
وربما تقوم بعض الأفلام بتغيّير ذائقة المتلقين والارتقاء بها إلى
مستويات عالية جداً تجعل من المُشاهد المحترف رقماً صعباً في عملية
التلقّي بحيث يوازي المُرسِل والرسالة البصرية، ولا يكتمل هذا
المثلث إلاّ بضلعه الثالث الذي نقيس بواسطته نجاح الفيلم أو إخفاقه
أو تأرجحه في المنطقة الوسطى بين النجاح والفشل.
وبغية تقييم الدورة الثانية من مهرجان الجونة
السينمائي لابد لنا أن نتوقف عند مسابقة الأفلام الروائية حصراً
لأنها تُعطينا أنموذجاً لبقية الأفلام التي انضوت تحت مسابقتي
الأفلام الوثائقية الطويلة، والأفلام الروائية القصيرة، وربما
تتعداها إلى الأفلام التي ظلت خارج المسابقة لكنها جذبت جمهوراً
كبيراً من المتلقين وكانت الأفلام الأكثر مشاهدة طوال أيام
المهرجان الذي انطلق في العشرين من أيلول الماضي وطوى صفحته
الختامية في الثامن والعشرين منه.
اختار مبرمجو المهرجان والقائمون عليه 15 فيلماً
لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة من إنتاج عام 2018 ، عشرة منها
أجنبية والخمسة الباقيات من بلدان عربية مختلفة. ولو تأملنا هذه
الأفلام جيداً لوجدنا أن الأجنبية منها تتناول موضوعات إنسانية
حسّاسة، كما تنفرد بمستوياتها الفنية والتقنية العالية في التصوير،
والمؤثرات الصوتية والبصرية، ومعالجة الثيمات، والأداء المبهر
للشخصيات، ناهيك عن الرؤية الإخراجية المرهفة لصنّاع الأفلام.
دعونا نتتبع الأفلام بحسب الجوائز التي أسندت إليها، ففيلم"أرض
مُتخيلة" للمخرج السنغافوري إيوا سيوا هوا خطف الجائزة الذهبية في
مهرجان الجونة وذلك لثيمته المبتكرة التي تثير سؤال الهجرة بطريقة
لاذعة مفادها: هل أن المهاجر الذي يترك بلده الأصلي يقف عارياً في
مهب الريح؟ وهل أن كرامته الإنسانية عرضة للانتهاك حينما يلوذ ببلد
آخر لا يضمن الحريات الشخصية، واشتراطات العيش الكريم؟ بين اختفاء
وانج، عامل البناء الصيني، والمحقق لوك الذي يقتفي أثره تكمن قصة
الأرض المتخيلة التي حصد مخرجها جائزة "الفهد الذهبي" في مهرجان
لوكارنو عام 2018.
أُسندت الجائزة الفضية لمهرجان الجونة لفيلم "راي
وليز" للمخرج البريطاني ريتشارد بيلينغهام الذي ركّز على والديه،
مستبطناً طبيعة علاقتهما، وتأثيرها عليه وعلى شقيقه الأصغر كطفلين
يعيشان في شقة بائسة في ضواحي مدينة بيرمنغهام المهمّشة. توُّج هذا
الفيلم بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان لوركانو هذا العام لكنهم
أهملوا الأداء المبهر للفنانة إيلا سميث التي تألقت بدور الأم
وأمسكت بأحداث درامية مهمة ستظل عالقة في ذاكرة المتلقين لسنواتٍ
طوال. سبق أن شاهدنا إيلا بأدوار متوهجة في أفلام مثيرة مثل
"ساندريلا" و "الأصوات" وغيرها من الأفلام الروائية المتقنة في
الأساليب، والثيمات، والمقاربات الفنية. أما الجائزة البرونزية فقد
ذهبت إلى فيلم "الوريثتان" لمارسيلو مارتنيسي الذي يدور حول
امرأتين تنحدران من عائلتين ارستقراطيتين في مدينة أسنوسيون
البارغوانية وتعيشان معاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وحينما يتدهور
وضعهما المادي تبيعان جزءاً مهماً من إرثهما وتدخل تشيكيتا السجن
بتهمة الاحتيال، أما تشيلا فتقودها المصادفة لتعمل سائقة تاكسي
لتكتشف حياة جديدة جديرة بأن تُعاش خصوصاً بعد أن تتعرف على أنجي
وترتبط معها بعلاقة حميمة. سبق لهذا الفيلم أن نال جائزة "الدب
الفضي" في مهرجان برلين السينمائي لهذا العام.
لم يمر فيلم "حرب باردة" للمخرج البولندي بافل
بافليكوفسكي مرور الكرام لأنه ينطوي على مفاجآت عديدة سواء في
الثيمة التي تتلون وتتصاعد على مدار الفيلم الذي بلغت مدته 84
دقيقة أو على صعيد الأداء المدهش لكلا الفنانين اللذين تناصفا دور
البطولة وهما يوانا كوليج التي حصدت جائزة أفضل ممثلة وتوماس كوت
الذي لعب دوره بإتقان شديد يُغبَط عليه حقاً.
حظي فيلم "الرجل الذي فاجأ الجميع" للروسية ناتاليا
ميركولوفا وألكسي شوبوف على تنويه من لجنة التحكيم علماً بأن ثيمته
الجريئة والحساسة تحتاج لوحدها جائزة منفصلة، كما أن المقاربة
الفنية للمخرج كانت سلسة، ومعبرة، وشديدة التأثير بحيث تدفع
المشاهد لأن يتعاطف مع الشخصية الرئيسة التي أداها يفغيني تيسغانوف
التي كانت مثار إعجاب الجميع بغض النظر عن المصير المؤلم الذي آل
إليه في نهاية المطاف، وقد اضطر لتغيير هويته كي يتفادى مواجهة
الموت القادم لكنه فاجأنا جميعاً حينما تبين أنه غير مصاب بالسرطان.
لا أحد يشكك في أهمية الأفلام الفائزة ولكن هذا لا
يعني أن بقية الأفلام سيئة فـ "الحاصدون" للمخرج الجنوب أفريقي
إتيين كالوس هو فيلم من طراز رفيع يناقش ثقافة الأقلية الأفريقية
ذات الأصول البيضاء التي بدأ يتناقص عددها بشكل كبير لكنها ما تزال
مهووسة بقيم القوة، والرجولة، ونبذ الآخر حتى وإن كان من أبناء
جلدتهم كما حصل مع "يانو" الذي رفض أن يستقبل الغريب ويجعل منه
أخاً له بسبب سلوكه الشخصي الذي يعتبره شائناً ومعيباً. وولو
قُدِّر لهذا الفيلم أن يُعرض في أي مهرجان أوروبي لنال عدداً من
الجوائز المهمة على صعيد التصوير، والتمثيل، والسيناريو، والإخراج.
وهذا الأمر ينسحب على "تاريخ الحُب" للمخرجة السلوفينية سونيا
بروسنك، و "تومباد" للهندي راهي أنيل برافي وأديش براساد، و "فات
الأوان أن نموت صغاراً" للتشيلي دومينغا سوتومايور، و "هل تتذكر؟"
للإيطالي فاليريو مييلي، وهي أفلام مميزة تستحق الإشادة والتكريم.
أما الأفلام العربية الخمسة فهي ضعيفة باستثناء
"يوم الدين" للمخرج المصري أبو بكر شوقي الذي توِّج بنجمة الجونة
لأفضل فيلم روائي عربي لا يخلو من الفكاهة، والمواقف الكوميدية
الطريفة. وعلى الرغم من فجائعية أجوائه إلا أن الفيلم ظل مشبعاً
بروح الأمل. وحينما يعود (بشاي) المواطن المصري المصاب بمرض الجذام
إلى أهله وذويه يقرر العودة إلى المستعمرة لأنه يعرف أناسها جيداً
ولا يتمنى فراقهم رغم شظف العيش، وقسوة الحياة بين جدرانها.
انحسرت الأفلام العربية الروائية في معالجة ثيمتي
الحرب والإرهاب كما هو الحال في فيلم "يوم فقدت ظلي" للسورية سؤدد
كعدان التي بنت فيلمها على فكرة ضياع الظل في أوقات الحروب
والكوارث، وفيلم "مفكّ" للفلسطيني بسام الجرباوي الذي يدخل فيه
"زياد" السجن لمدة خمسة عشر عاماً وحينما يُخلى سبيله يحاول
التكيّف مع عالمه الجديد الذي تغيّر كثيراً. أما الفيلم التونسي
"ولْدي" لمحمد عطية فيتمحور حول ثيمة الإرهاب التي يجسدها من خلال
أب يبحث عن ابنه في المناطق السورية التي تنشط فيها خلايا داعش
الإرهابية. وفي السياق ذاته يتعاطى الجزائري مرزاق علواش مع شاب
وشابة تربطهما علاقة قوية ثم يُكلفان بالقيام بعمل مسلّح ضد معمل
لتكرير البترول في الصحراء الجزائرية حيث يلاقيان مصيرهما المحتوم.
ومع ذلك فقد نال الفنان التونسي محمد ظريف جائزة أحسن ممثل تثميناً
لبراعته في تجسيد دور الأب المفجوع بابنه الذي يذهب إلى الموت
بقدميه.
لم نكن نرى هذا النمط من الأفلام النوعية لولا
الجهود الكبيرة التي بذلها المبرمجون، ولجنة تصفية الأفلام،
والأفراد الذين اقترحوا عرضها في الدورة الثانية مهرجان الجونة
السينمائي الذي يتألق عاماً بعد عام.
####
كلاكيت: ثلاثة مخرجين كبار
علاء المفرجي
اختار مهرجان الجونة في دورته الأخيرة الاحتفاء
بثلاثة مخرجين عالميين ، وكانت خطوة موفقة من حيث أهمية هؤلاء
المخرجون، حيث تم الاختيار وفق رؤية متفحصة لدور هؤلاء وحجم
انجازاتهم، والأهم تأثيرهم الكبير على الأجيال اللاحقة .. فاسماء
مثل فيديركو فيلليني، وانغمار برغمان، ويوسف شاهين، أسهموا بشكل
كبير في صنع مجد السينما ، ويكفي مايقوله المخرج وودي ألن إنه هو
وكل المخرجين أبناء لثانية ونصف، وهو هنا يشير الى أحد أفلام
فيلليني.. أما برغمان فيكفي أن أفلامه جميعها أصبحت من كلاسيكيات
السينما، فيما اعتبر يوسف شاهين المخرج الذي الأكثر حداثة بين
مخرجي جيله.
واختار المهرجان فعاليات مختلفة للاحتفاء بهم،
واختارت لهم أفلاماً تمّ عرضها لجمهور المهرجان، خاصة من الجيل
الذي لم يتسنى له مشاهدتها.
فقد اختارت للمخرج برغمان أفلام "برسونا" الذي انتج
عام 1966 من إخراجه وتأليفه ويعد أحد أهم الأفلام وأكثرها تأثيراً
في السينما الحديثة. يحمل عنوان الفيلم
(Persona)
معنيين، الأول كلمة لاتينية تعني قناع والثاني نظرية لعالم النفس
كارل يونغ.
كان الفيلم ثورياً على مستوى الأسلوب وامتاز
باستخدام اللقطات القريبة. كان برغمان يولي أهمية كبير للوجه، وقد
اختار الممثلة ليف أولمان خصيصاً بسبب ملامحها. وهو يقول: "الوجه
البشري مادة عظيمة للسينما. فهو يحوي كل شيء". اعتبر بعض الباحثين
أن أسلوب الفيلم ما بعد الحداثي هو رد فعل على طريقة السرد
الواقعية. ظهرت في الفيلم مشاهد تثير الاستغراب والاستنكار مثل
مشهد دخول "إليزابت" غرفة نوم "ألما"، فليس واضحاً إذا ما كانت
"ألما" تحلم أو أن "إليزابت" تمشي أثناء النوم. ومشاهد أخرى مماثلة
كانت كأنها أحلام أو كوابيس.
أما الفيلم الآخر فهو فيلم التوت البري من تأليفه
وإخراجه وهو عن رجل عجوز يحاول استرجاع ذكرياته. يؤدي الأدوار في
الفيلم مجموعة من الممثلين ارتبطوا بأفلام برغمان مثل بيبي
أندرسون، أنغريد تولين، جونير بيورستراند وفي دور صغير ماكس فون
سايد. فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي،
كما تم ترشيحه لجائزة الأوسكار عن أفضل سيناريو.
ومن أفلام فيلليني فيلم" ثمانية ونصف" والذي جاءت
تسميته وفقاً لتسلسل المخرج في إخراج افلامه وليس من وقائع قصة
الفيلم.
فقد أخرج فيلليني قبل هذا الفيلم سبعة أفلام روائية
طويلة وفيلماً واحداً قصيراً فشكل فيلمه الجديد "ثمانية ونصف"
المنتج عام 1963 حاصل جمع أفلامه المنجزة.
وأدى الممثل الإيطالي مارشيللو ماستروياني في
الفيلم دور مخرج سينمائي ناجح ومشهور في طريقه لإخراج فيلم جديد،
ولكنه يعاني من عجز في ايجاد الأفكار الابداعية عند شروعه بإخراج
الفيلم, في ذات الوقت الذي تتداخل فيه علاقته السيئة بزوجته مع
علاقة اخرى يعاني منها مع عشيقته. وكذلك فيلم روما الذي انتج عام
1972
أما المخرج يوسف شاهين فقد اختير له فيلم (المهاجر)
أثار ضجة عند نزوله فيدور العرض السينمائية حتى إنه منع من العرض
وذلك لتناول الفيلم قصة مأخوذة عن حياة أحد الأنبياء يوسف
.
يتميز الفيلم بضخامة الأنتاج والأخراج المميز
ليوسيف شاهين. كما أن الفيلم شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان
كان السينمائي.
وقد رفع يوسف شاهين دعوى قضائية لعرض الفيلم والتي
حُكِمَ لِصالِحِه فيها بعد عرض فيلمه المصير الذي قام بكتابته
وإخراجه ردّاَ على منع فيلم المهاجر. |