المخرج داود عبد السيد: لا أعمل
بنطرية «سائق التاكسى» وقد أكون خاطئًا.. وأقول للسبكى «برافو»..
نعم نقتبس من الغرب والنص الأصلى أصبح قليلًا لأن الزاوية ضيقة
وبالتة الألوان فقيرة والعقل صغير.. «الجونة» أفضل مهرجان فى مصر
وسعيد بتكريمى فى الدورة الثانية.. «الواد الحليوة» محمود عبد
العزيز فاجأ الجميع بـ«الشيخ حسنى».. وهند صبرى معجونة بمية عفاريت
وكنت قلقًا من بسمة وآسر ياسين.. صناع السينما المستقلة ذهبوا إلى
مثلهم الأعلى فى الغرب وتركوا الجمهور هنا
عشرات التفاصيل الدقيقة الصغيرة نستطيع ملاحظتها
بسهولة فى أعمال المخرج داود عبد السيد، هذه التفاصيل لا يمكن أن
توجد إلا عند صانع أفلام عرف الحياة وتعاطاها على مستويات متعددة
مكونًا خبرات وقرارات متتالية لم تصنع مخرجًا سينمائيًّا قدر ما
صنعت فيلسوفًا ذا مشروع سينمائى.
رغم بدايته كمساعد مخرج، اختار أن يحمل كاميرا
وينزل إلى الشارع ويصور طبيعة ربما لا تلتقطها السينما بهذا الشكل
دون رتوش من خلال أفلامه التسجيلية، ولكن مع انتصاف عقد
الثمانينيات كان فيلمه الأول «الصعاليك» معروضًا بشكل رسمى،
مدشِّنًا المشروع الفريد الذى يتبناه داود، حيث تختلط الواقعية
بخيال وما ورائيات غير موجودة فى أفلام معاصريه من مخرجى موجة
الواقعية الجديدة، دائمًا يتدخَّل الحظ أو القدر أو قوى غير مفهومة
لتحوِّل مسار الأحداث بشكل سلس فى أفلامه التى تحمل روحًا مصرية
خالصة ترفض أن تتغيَّر عن طابعها القديم، أبطاله دائمًا ينتمون إلى
مصريتهم بتنوعها وضد أى تطرف من أى شكل أو نوع.
الحوار التالى يضم تفاصيل ملهمة من حياة ورحلة صانع
الأفلام الفريد داود عبد السيد الذى يكرمه
مهرجان الجونة فى
دورته الثانية..
·
بدايةً، ماذا يمثل لك التكريم فى الدورة
الثانية لمهرجان الجونة السينمائى،
خصوصًا فى هذا التوقيت بعد مشوار سينمائى كامل الملامح؟
- ما يهمنى فى التكريم هو الجهة التى تكرمنى، ومهرجان
الجونة فى
دورته الثانية هو مهرجان شاب وجديد، فالعام الماضى حضرت الدروة
الأولى وكان رأيى أننا أمام مهرجان تحوَّل إلى أحسن مهرجان فى مصر،
ولا أعلم كيف ستكون الدورة المقبلة لمهرجان القاهرة السينمائى فى
ظل الإدارة الجديدة؟ لكن مهرجان الجونة به حرية حركة وإمكانات ليست
فقط مادية، فـ«القاهرة» العام الماضى مثلًا كانت به إمكانيات
مادية، لكن ما أعنيه هنا الحرية والتنظيم والرؤية، وما أقصده فى
النهاية هو أن الظروف المحيطة جعلت «الجونة» من أهم المهرجانات
حاليًّا.
·
فكرة الشغف بالحياة والسينما منذ اللحظة الأولى
ووجودك فى استوديو جلال وأنت تشاهد هذا العالم الباهر وحتى الآن
بعد أن قدمت تسعة أفلام، هل الشغف عندك لا يزال موجودًا رغم كل
المعوقات الموجودة حاليًّا أم أصبح أقل؟
- هذه اللحظة تحديدًا كانت باهرة، لأنه كان نوعًا
من الاكتشاف الغامض، فى هذه الفترة كنت دائمًا أقول إننى لست
مخرجًا ولا كاتبًا أيضًا، بمعنى أننى لست مخرجًا محترفًا ولست
كاتبًا محترفًا، وأقصد هنا أنه مثلًا لا يأتى منتج ليطلب منى
فيلمًا بوليسيًّا أو سيناريو عمل، فأنا لا أعمل بمنطق «سواق
التاكسى» وأن يُطلب منى شىء معين.
هذا لا يعنى أننى أقلل من شأن هذه الطريقة فى
العمل، بالعكس فقد أكون أنا مَن أفكر بشكل خطأ، وأقول «يا ريت»
وافقت على ذلك.. الشغف موجود ولكن بشكل مختلف.
·
أزمة السينما هى أزمة إنتاج أو عقلية تُدير هذا
الإنتاج بنمط معين، لتكريس النوع التجارى، وأحيانًا تكون أزمة
رقابة، ولكن السينما حاليًّا تمر بأزمة سواء من الرقابة المجتمعية
أو القانونية أو السياسية، وأصبحت هناك محاذير عديدة، فكيف أثَّر
كل ذلك على الفن؟
- بكل تأكيد له تأثير كبير، لأنه لا يمكن صناعة
الفن فى جو خانق، فأزمة السينما لها أبعاد مختلفة، منها البعد
السياسى، وأزمة حرية الإبداع التى يواجهها الفن ليست فقط من
الرقابة ولكن أيضًا من المجتمع، وما يحيرنى هو الأزمة التى لا
يتحدث عنها أحد بشكل كبير وهى وجود نوعان من السينما، سواء
التجارية أم حتى المستقلة، وأحيانًا يطلقون عليها «سينما الشباب».
السينما التجارية موجودة ولست ضدها، فهى برأيى قوام السينما، لكن
المهم أن يكون النوع الثانى يحقق نجاحات فنية فى المهرجانات
وأحيانًا دخلًا معقولًا عند عرضه تجاريًّا، ولكن السؤال المهم: هل
يصبح النوع الثانى هو السائد جماهيريًّا؟ أشك.
كما أن الأزمة فى أن النوع المستقل متأثّر كثيرًا
بالسينما الغربية فى تناول المجتمع والموضوع وطبيعة القصة وتكنيك
جذب الجمهور، يمكن تلخيص ذلك بأنهم غير مهمومين بأن يصلوا إلى
الناس، لأن المثل الأعلى أصبح مختلفًا تمامًا عن الجمهور، ولكن
هناك أفلام حققت نجاحات فى المهرجانات العالمية، وهى أفلام جيدة،
فشاهدت «أخضر يابس» وشديد الإعجاب به، ولكنى لا أتصور أن يقف
الجمهور بالطوابير على شباك تذاكر «أخضر يابس»، ولا حتى بعد خمس
سنين مثلًا، وحتى لو كانت هناك شركة توزيع كبيرة أو عرض فى خمسين
دار عرض.
البعض يلقى بالمسؤولية على آل السبكى ويهاجم
السينما التى يصنعونها كأنها سبب الأزمة، لكن هذا غير صحيح،
فالسبكى منتج شاطر وأشطر منتج فى هذه الفترة، وأفلامه تتماشى مع
الجمهور ويقبل عليها، وأقول له «برافو.. أنا أحترمك جدًّا».
·
ما رأيك فى أننا نواجه أزمة عدم وجود نص أصيل،
فأغلب الأفلام مقتبسة من أفلام أجنبية؟
- لا توجد رؤية «فالزاوية ضيفة وبالتة الألوان
فقيرة قوى، والعقل صغير للغاية»، وهو ما كنت أقصده بأن وجود
الجمهور سيفرض نوعًا جديدًا من السينما، ومختلف، لا أعرف ماهيته
بالضبط، لكن سيحدث تغيير.
·
أفلامك كما قُلت ليست بعيدة عن الجمهور، ولكن لماذا
لا يطلب المنتجون داود عبد السيد؟
- أقصد بالنجاح الجماهيرى لفيلمى أن يحقق إيرادات
معقولة، فمثلًا إذا كان فيلمى يحقق 5 ملايين جنيه كإيرادات، فهناك
أفلام تحقق 20، وطبيعى أن ينجذب المنتج إلى هذه النوعية، وأنا
أُقَدِّر هذا الأمر كثيرًا، والحل هنا وليس خاصًّا بى فقط، ولكن
لابد أن يكون هناك دعم الدولة كنوع من أنواع التوجيه، وأقصد
بالتوجيه هنا المحتوى الفنى للأعمال أو نوع السينما المقدمة.
·
المتعة جزء أصيل فى أفلامك، فالمتفرج يكتشف جديدًا
كل مرة فى العمل، والمقصود هنا الأصالة فى النص والكتابة والحالة
والمتعة الموجودة من أول العمل لآخره.. داود عبد السيد «مش مخاصم
الجمهور»؟
- لأنى لا أتصور أننى أقدم فيلمًا لكراسى «فاضية»،
وسأكون «عبيطًا» بل وأحتاج إلى بنك يموّلنى ويخسر، لأقدم أفلامًا
تخاصم الجمهور وتخسر تجاريًّا، لكن المهم فى المتعة هل هى متعة
فنية متكاملة أم مجرد إلهاء ودوشة ولّا تسلية، أم تغيير الوعى وخلق
وعى مزيَّف؟ وأنا اختياراتى هى أن تكون هناك متعة للمتفرج مع درجة
من الرقى الثقافى، وهى أمر مرتبط بالتقدم والقضية.
·
نعيش أرض الخوف هذه الفترة، كأن كل شخص يستعير حياة
شخص آخر غير حياته، ففيلم «أرض الخوف» أكثر ما ينطبق على وضعنا
الحالى، وهو جزء من جماله، فهل وصلك هذا الإحساس؟
- الفكرة تتمثل فى هل كل شخص منا يستعير حياة شخص
آخر أم أصبحنا غير قادرين على التحقق، وقصدى هنا القمع؟ لأن كل
إنسان لديه رغبات وآراء ومتطلبات من أجل أن يتحقق بصرف النظر عن
أرض الخوف، لكنه لا يتحقق بسبب عدم تلبية رغباته.
·
المد السلفى وصل إلى السينما وأصبح الجمهور أحيانًا
يُقَيِّم البطلة من طول فستانها، فهل التأثير الموجود بهذا الشكل
جعلك تجد صعوبة فى اختيار بطلات أفلامك؟
- أكيد.. ولكن الأمر ليس فقط مدًّا سلفيًّا، لكنه
نوع من الإرهاب، فمثلًا حادثة الدكتورة التى نامت على كتف زوجها
وضربها أحد الأشخاص، ومَن ترتدى مايوهًا لابد أن تتعرض للتحرش،
فالقانون لا يطبق بشكل حرفى ولا تطبق آلياته.
فهناك ممثلة قدَّمت دورًا فى أحد أفلامى ولبست
مايوهًا واضطرت إلى الاعتذار عنه بعدها، والتمست لها العذر، فلم
أغضب منها، لأن هناك حالة ترهيب من المجتمع، فالممثلة التى تقدِّم
هذه النوعية من الأدوار بالتأكيد ستفكر فى نظرة حارس العمارة لها
والمحيطين بها.
·
هل تضع قيودًا على أعمالك فى أثناء التحضير لها أو
تتنازل عن مشهد ليتم تنفيذ الفيلم؟
- بكل تأكيد يكون هناك اعتبارات، ولكن مهما تم
التنازل، الأهم عدم الهزيمة فى الحرب، فقد ننهزم فى معركة، لكن
المهم أن لا نخسر الحرب نفسها.
·
نرجع إلى البدايات أكثر وتجربتك كمساعد مخرج مع
مخرجين مثل يوسف شاهين وكمال الشيخ وممدوح شكرى فى تجربته، كيف
تعبر عن هذه التجربة؟
- أعتبرها مرحلة استكشاف، والتى بدأت منذ تخرُّجى
فى المعهد، وكان لدىَّ شكوك وتساؤلات عديدة تدور كلها حول هل أصلح
كمخرج؟
وكل مخرج ممن تعاملت معه كانت له تجربته، وكنت
محظوظًا بالعمل كمساعد مخرج فى فيلمَى «الأرض» و«الرجل الذى فقد
ظله»، ولم يسعفنى الحظ للعمل مع صلاح أبو سيف وبركات، فأنا شديد
الإعجاب بهما وأعتبرهما من أهم مخرجى السينما.
·
الممثلون فى أعمالك يؤدون الشخصيات بنفس الهدوء
والحالة كأنهم اكتسبوا جزءًا من روحك، كيف يحدث ذلك؟
- 50% يكون فى الاختيار، ونسبة أخرى تكون فى الدور
المكتوب، لكن مدرسة تماهى الممثل مع الشخصية لدىّ شكوك بها، أو أن
الممثل يقدم المشهد 25 مرة كى أحصل على اللقطة المناسبة، فكلها
ألوان أو «أوهام» ونَصب.
الأمر بسيط، أنت ممثل كويس عندك دور مكتوب ووصف
المشاعر مكتوب بشكل كافٍ، والمخرج عليه اختيار الممثل الجيد، ويعمل
عليها بعد ذلك كعسكرى مرور، ينوَّر أخضر وأحمر ويعطى توجيهات ويكون
مراية للممثل.
·
مَن الممثل الذى كان مفاجأة لك فى الاستوديو؟
- محمود عبد العزيز فاجأنى كثيرًا فى فيلم
«الصعاليك»، وفى مشهد واحد بالمناسبة، وهو ما جعلنى أكرر التجربة
معه فى «الكيت كات»، والمفاجأة هى أن محمود فى هذه الفترة كان
الولد الحليوة «الجان»، لكنى وجدته قدَّم تعبيرًا ليس بسيطًا،
وفاهمًا لشخصية «الشيخ حسنى».
أما نور الشريف فكانت المفاجأة فى موافقته على
تقديم فيلم «البحث عن سيد مرزوق»، وفى فيلم «مواطن ومخبر وحرامى»
المفاجأة كانت صلاح عبد الله فى دور «المخبر»، لقد فاجأنى بأدائه،
وأيضًا شعبان عبد الرحيم اختياره فى حد ذاته يعتبر مفاجأة. وهند
صبرى كانت مفاجأة هايلة، وهى فنانة شديدة الموهبة وشديدة الثقافة،
ورأيى أنها «معجونة بميّة عفاريت»، وأيضا آسر ياسين فى «رسائل
البحر» كنت أشعر بشكوك ومخاوف، لكن بعد أن شاهدت الفيلم بعد تجميعه
فاجأنى بتقديمه الشخصية دون أن تفلت منه تفاصيلها فى أى مشهد.
أما بسمة فكنت مرعوبًا منها، فكنت أسميها «كابتن
بسمة» على اعتبار أنها رياضية ورئيس فريق كرة طائرة، لكن فكرة
الأنوثة كانت تقلقنى، ولكنها كانت مفاجأة لى.
عذرًا أعود مرة أخرى إلى «الكيت كات»، لأقول إن
أحمد كمال ونجاح الموجى وعلى حسنين فاجأونى، وحسن حسنى ولوسى وحنان
ترك فى «سارق الفرح».
·
رفقاء الدرب أستاذ أنسى أبو سيف وراجح داود وسمير
بهزان ومنى ربيع، هل داود عبد السيد لا يمكنه العمل دون هذه
المجموعة؟
- لا إطلاقًا، فهم أيضًا يعملون دونى، وهناك رفقاء
درب كثيرون، لكن هنا فكرة التناغم بيننا، وهم بكل تأكيد مستويات
كبيرة فى مجالهم، لكنى لا أمانع بالتأكيد العمل مع غيرهم.
بالتعاون مع مجلة «نجمة الجونة».
####
«الحصادون».. عقدة بيضاء فى مجتمع أسود
رشا حسنى
كيف تتحدَّد هوية الإنسان
وانتماؤه، هل عن طريق نشأته فى بيئة معينة فى ظل عادات وتقاليد
وممارسات اجتماعية معينة؟ أم بناءً على الشكل الذى يختاره الإنسان
لنفسه والمكان الذى يقرر بمحض إرادته أن يعيش فيه؟
كيف تتحدَّد هوية الإنسان وانتماؤه، هل عن طريق
نشأته فى بيئة معينة فى ظل عادات وتقاليد وممارسات اجتماعية معينة؟
أم بناءً على الشكل الذى يختاره الإنسان لنفسه والمكان الذى يقرر
بمحض إرادته أن يعيش فيه؟ وفى حالة انتقاله من مكان إلى مكان ومن
وطن إلى وطن فماذا تعنى قيمة الانتماء بالنسبة إليه؟ كلها أسئلة
يطرحها المخرج اليونانى الجنوب إفريقى إيتينى كالوس، فى أول أفلامه
الروائية الطويلة «The
Harvesters» (الحصادون).
تدور أحداث الفيلم فى جنوب إفريقيا، وتحديدًا فى
منطقة تعتبر معقلًا منعزلًا لثقافة الأقلية الإفريقية ذات الأصول
البيضاء، وهى عبارة عن شعوب أوروبية مختلطة استوطنت جنوب إفريقيا
منذ سنوات بعيدة.
فى هذه المقاطعة الزراعية المحافظة تعيش أسرة متدينة، (يانو) هو
ابنها الأكبر الذى يعتبره الجميع شابًّا مختلفًا، فهو كتوم وعاطفى
ولا يسعى مثل مَن هم فى مثل سنِّه خلف الصخب والقوة وإثبات الذات،
إلى أن تنقلب حياته رأسًا على عقب عندما تجلب والدته إلى البيت
(بيتر) صبى الشارع اليتيم والقاسى، كى تراعاه، بل وتطلب من (يانو)
أن يجعل من هذا الغريب شقيقًا له.
ينشب بين الشقيقَين صراع على الحظوة بالنفوذ داخل
الأسرة وبحب الأبوين، ولكن من خلال هذا الصراع الظاهرى تتفجَّر
صراعات داخلية فى نفس كل من (يانو) و(بيتر) حول الهوية والانتماء
والحب فى ظل وجودهما فى مجتمع منغلق على أفراده فى بيئة تجمع بين
العديد من المتناقضات كأنهما أوروبيان فى مجتمع إفريقى، وما الذى
يعنيه أن تكون نصف أوروبى ونصف إفريقى فى هذا المجتمع؟
يُركز كالوس على معاناة الشابَّين من خلال وجودهما
فى ذلك الشق أو تلك الفجوة ما بين الثقافة الأوروبية والثقافة
الإفريقية وما بين الثقافتين من اختلاف، خصوصًا أنه هو نفسه عانى
وبشكل شخصى من تلك الفجوة النفسية والحضارية، حيث إنه يعيش تجربة
مماثلة، فهو نصف أوروبى ونصف إفريقى، لذلك فقد استطاع أن يعبر عن
ذلك الصراع النفسى بكثير من الوضوح حتى على صعيد الحوار بين
الشخصيات، سواء بين الشابَّين أو بين (يانو) ووالدته أو بين (بيتر)
ووالدته أيضًا، إذ رسم الشخصيتَين وكأنهما شخص واحد منقسم إلى
نصفَين متناحرين، هما (يانو) الشاب الحالم الذى لا يشعر بالاستقرار
والأمان فى وجوده داخل هذا المجتمع الذى يشعر أنه جامد وليس لعاطفة
الحب وجود فيه، و(بيتر) العنيد الذى يقاتل كى يصنع لنفسه مكانًا
بين أفراد هذا المجتمع الذين ينظرون إليه نظرة دونية، حتى إن كان
سبيله فى تحقيق غايته هو القوة والبطش والتهور.
ومن اللافت استطاعة كالوس التعبير بصريًّا عن هذه
الصراعات النفسية الداخلية بشكل مميز من خلال تحريك الممثلين،
خصوصًا أوضاع أجسامهم فى حالة السكون داخل الكادر حيث كان يبدو
(يانو) دائمًا منعزلًا وحيدًا، فى حين كانت الكاميرا تتابع (بيتر)
المنطلق الذى لا يعبأ بمَن حوله حتى إن كان داخل إطار بصرى مؤطر
يحده ويحد حركته.
يعتبر فيلم «الحصادون» من أبرز أفلام مهرجان
الجونة السينمائي ليوم
الجمعة.
بالتعاون مع مجلة «نجمة الجونة». |