أحلام المخرجين العرب تداعب الأوسكار المقبل معظمها
لمخرجين جدد وأعمالهم تتناول قضايا مهمة
لوس أنجليس: محمد رُضا
لم تشهد السينما العربية في تاريخها مثل هذا الحشد من الأفلام
الروائية الطويلة التي غزت عتبات ترشيحات الأوسكار في فئة «أفضل
فيلم أجنبي» من قبل.
إنها المرحلة الأولى التي تقوم فيها كل دولة، عبر هيئة متخصصة،
بإرسال الفيلم الذي سيمثلها للأوسكار. لجنة من أعضاء الأكاديمية
ستشاهد هذه الأفلام الآتية من كل أنحاء العالم (85 دولة هذا العام
مقابل 81 في العام الماضي) وتختار منها خمسة فقط لتعلنها بين قائمة
ما سيتم الإعلان عنه في الرابع والعشرين من شهر يناير (كانون
الثاني) المقبل. الحفل التاسع والثمانون للأوسكار سيتم في السادس
والعشرين من شهر فبراير (شباط).
*
تباعد
قبل أسابيع قليلة كان عدد الأفلام العربية التي تم إرسالها إلى
أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الأميركية سبعة سرعان ما ارتفع
ليبلغ الآن عشرة أفلام من تسعة دول تمني النفس بالوصول إلى دخول
الترشيحات الرسمية و- لمَ لا؟ - الفوز بالأوسكار.
الأفلام التسعة تختلف في اهتماماتها على نحو ملحوظ. صحيح أن بعضها
ينتمي إلى ما يصلح تصنيفه بكوميديا اجتماعية، مثل «بركة يقابل
بركة» للمخرج السعودي محمود صبّاغ (ممثلاً المملكة العربية
السعودية للمرّة الثانية بعد فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور الذي تقدم
لترشيحات 2013) ومثل الفيلم المغربي «مسافة ميل بحذائي» لسعيد
خلاف، إلا أن المواضيع تختلف بالنسبة للأفلام الأخرى اختلافًا
كبيرًا.
نحن مع الأحداث التاريخية التي عصفت بمصر في أواخر يونيو (حزيران)
2013 في فيلم محمد دياب «اشتباك» الذي يمثل مصر هذا العام. ومع
الموضوع الاجتماعي ذي القيمة السياسية في الفيلم اللبناني «فيلم
كتير كبير» لميرجان بوشعيا. وتتفقد مي المصري في «3000 ليلة» إلى
حال سجن نسائي في إسرائيل يضم مسجونات عربيات ويهوديات الذي يمثل
الأردن.
المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، بدوره، ينحو إلى السيرة الذاتية
في «يا طير الطاير» حول المغني محمد عساف وكيف شق طريقه صوب الشهرة
المتوجة. وهو في الوقت ذاته فيلم موسيقي من تلك التي لم تعد
السينما العربية تقدمها إلا نادرًا، ولو أنه ليس من النوع الملتصق
بالكلاسيكيات الاستعراضية المعروفة.
على القدر ذاته من التباعد في المواضيع نلحظ لجوء المخرج العراقي
حلقوت مصطفى (بعض المصادر تذكر اسمه الأول حالكوت) إلى موضوع
اجتماعي رصين في فيلمه «الكلاسيكو» متابعًا رحلة قزمين من الأكراد
من شمالي العراق وصولاً إلى مدريد.
أما «البئر» للطفي بوشوشي الذي يمثل الجزائر فهو عودة إلى أوضاع
الاستعمار الفرنسي للجزائر، مما يجعله دراما تاريخية ذات مرامٍ
وطنية. ويبقى «أنا نجوم.. عمري 10 سنوات ومطلقة» الذي يمثل اليمن
لأول مرّة، وهو من إخراج خديجة السلامي التي تطرح قضية بالغة
الأهمية حول إجبار القاصرات على الزواج وذلك حسب ما ورد في قضية
حقيقية.
*
من خلفيات شتّى
مخرجو هذه الأفلام أيضًا يتفاوتون في مصادرهم وخلفياتهم. لكن
الملاحظة الأولى بشأنهم أن سبعة منهم يقدمون على تحقيق الفيلم
السينمائي الروائي الأول في حياته.
إنه الفيلم الروائي الطويل الأول لكل من محمود الصباغ («بركة يقابل
بركة») ولمي المصري («3000 ليلة») وخديجة السلامي («أنا نجوم...»).
ومي المصري، المخرجة الفلسطينية التي تعيش وتعمل في لبنان، وخديجة
السلامي، التي تعيش وتعمل في باريس، مخرجتان تسجيليتان في الأساس
وفيلماهما يحملان بعض تبعات هذه الخلفية.
كذلك هو الفيلم الأول للمغربي سعيد خلاف («مسافة ميل بحذائي»)
والأول بالنسبة للمخرج الجزائري لطفي بوشوشي واللبناني ميرجان
بوشعيا صاحب «فيلم كتير كبير».
والفيلم الثاني لحلقوت مصطفى بعد «قلب أحمر» سنة 2012، والثاني
كذلك للمصري محمد دياب بعد «678» سنة 2010.
أما هاني أبو أسعد فهو من جيل أواخر التسعينات وإن كانت شهرته بدأت
فعليًا العام 2002 عندما قدّم فيلمه «عرس رنا» ليتبعه بفيلمين
التحقا بالترشيحات الرسمية للأوسكار لاحقًا هما «الجنة الآن»
(2005) و«عمر» (2013).
خمسة من هذه الأفلام عرضت في مهرجان دبي السينمائي الدولي وهي
«3000 ليلة» و«الكلاسيكو» و«يا طير الطاير» و«أنا نجوم...». وهذا
الأخير كان نال جائزة المهر الذهبي كأفضل فيلم روائي في مسابقة
مهرجان دبي سنة 2014.
وتشكل المهرجانات في الواقع دفعًا مهمًا لاحتمالات الوصول إلى
الترشيحات الأولى أو ما بعدها هذا على الرغم من أن شروط التقدّم
إلى مسابقة أفضل فيلم أجنبي تعني بأسس متعددة، من بينها اللغة
وعناصر الإنتاج الغالبة وبينها ترشيح الفيلم من قبل هيئة محلية قبل
أو بعد عرضه تجاريًا في السوق المحلية. ليس من بينها، في المقابل،
أن يكون عرضًا في مهرجان دولي.
لكن بمراجعة قريبة للتاريخ نجد أن الغالب بين الأفلام التي مثّلت
الدول العربية في السنوات الأخيرة كانت عرضها في مهرجانات عالمية
(سواء عربية أو أجنبية شريطة أنها ليست مهرجانات إقليمية في الأساس).
تم اكتشاف فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور في مهرجان فينيسيا. وعرض
مواطنها محمود الصباغ فيلمه الحالي «بركة يقابل بركة» في برلين
الأخير، وكان «الجنة الآن» لهاني أسعد شهد عرضه العالمي الأول في
مهرجان برلين السينمائي أيضًا. بينما عرض محمد دياب فيلمه الحالي
«اشتباك» في مهرجان «كان» (فيلم افتتاح تظاهرة «نظرة ما») أما
«فيلم كتير كبير» فشارك في مسابقة مهرجان مراكش وخرج بجائزة
المهرجان الأولى.
حين نصل إلى احتمالات نفاذ أحد هذه الأفلام إلى الترشيحات الرسمية
نجد أن هناك أعمالاً تبدو مؤهلة أكثر من سواها، وهذا التأهيل يصب
في خانة الصنعة وسلامتها قبل سواها. بالتالي الأكثر أهلاً، من هذا
الموقع، يبدو «الكلاسيكو» لشمولية نظرته و«ياطير الطاير» بسبب
خلفية مخرجه وموضوعه، كما «بركة بن بركة»، ولو إلى حد، بسبب
معالجته الكوميدية لموضوعه الاجتماعي الجاد. |