الفن العراقي ينزف برحيل عمالقته،، آخرهم يوسف
العاني
عدي فاضل خليل
عملاق آخر يغادرنا حديثا بعد ان غادرنا مجموعة من
عمالقة الفن العراقي كان آخرهم عمانوئيل رسام وقبله امل طه
وعبدالجبار الشرقاوي الذين تساقطوا كأوراق الخريف ، ها هو الفن
العراقي ينزف مجددا برحيل مبدعيه !! وها هو العاني الذي رحل عنا
امس بعد معاناة مع المرض في العاصمة الاردنية عمان تاركا خلفه ارثا
فنيا كبيرا اغنيت الدراما والمسرح العراقي طوال عقود من الزمن ،
فلا احد ينسى رائعة : (سعيد أفندي) و(عبود يغني ) و(المنعطف)
و(النخلة والجيران) و(بغداد الازل بين الجد والهزل)و(رائحة
القهوة) وغيرها والتي كانت لها الاثر الكبير في الدراما والمسرح
العراقي ، ويعد العاني من أهم وأبرز فناني المسرح والسينما في
العراق منذ أربعينيات القرن الماضي… الى يومنا هذا ، وداعا يا ابا
وسن .. وداعا يا عبود لطالما غنيت بابداعك طوال مسيرتك الفنية
الغنية ، ولطالما غنيت فوق خشبات المسرح وامام الشاشات الكبيرة
والصغيرة وغيرها … حتى توقفت عن الغناء لكنك ستبقى حيا بارثك الفني
الكبير بروحك التي لازالت حية بذكراك العطرة .. رحمك الله يا فنان
الشعب
.
ولد العاني في بغداد عام 1927 وتخرج من كلية
الإدارة والاقتصاد في بغداد وعمل معيدا فيها، قبل ان يتفرغ لاحقا
كليا للعمل الفني. وقد شهدت دراسته الجامعية بدايات انطلاقته
الفنية عندما أسس أول فرقة مسرحية ابان حياته الطلابية.
ولم يقتصر نشاط العاني على التمثيل، بل اشتهر ايضا
بكتابته عددا من المسرحيات وممارسته للكتابة النقدية عن السينما،
فضلا عن الإدارة الفنية إذ عمل مديرا لمصلحة السينما والمسرح في
العراق التي أسست في العراق أواخر خمسينيات القرن الماضي.
عرف العاني بنهجه الواقعي النقدي في أعماله
المسرحية والسينمائية والتزامه بالتعبير عن هموم الفئات المسحوقة
في المجتمع العراقي، بقدرته على التقاط خصوصيات الحياة العراقية
وشخصياتها الشعبية التي يقدمها في مواقف تحتوي على لمسة من النقد
والسخرية التي يبرع العاني في استخدامها.
•
ويمكن تقسيم منجز العاني في الكتابات المسرحية الى مرحلتين الأولى
التي سبقت الاطاحة بالنظام الملكي في العراق عام 1958، حيث قدم
مجموعة المسرحيات الاجتماعية القصيرة من أمثال “رأس الشليلة” 1951
و”حرمل وحبّه سوده” 1952 “أكبادنا” 1953و”تؤمر بيك” 1953 و”فلوس
الدواء” 1954 و”ستة دراهم” 1954 و”آني أمك يا شاكر” 1955، وغلب على
الكثير منها الطابع الكوميدي الساخر، كما يمكن تصنيف بعضها في سياق
المسرح السياسي والتعبير عن اهتمامات الاحزاب الوطنية العراقية
الايديولوجية في تلك الحقبة.
وفي المرحلة الثانية بدت مسرحيات العاني أكثر نضجا
ودربه فنية لاسيما بعد تعرفه على المسرح الملحمي لدى برخت وتأثره
به، ومن أبرز أعماله في هذه المرحلة “المفتاح” و“الخرابة” و“النخلة
والجيران ” و”صورة جديدة” و”الشريعة” و”الخان”.
وارتبط اسم العاني بفرقة المسرح الفني الحديث، احدى
ابرز الفرق المسرحية في العراق، التي اسسها بالاشتراك مع الفنان
الراحل إبراهيم جلال عام 1952.
وقد وصفه الناقد المسرحي المصري الدكتور علي الراعي
في كتابه السينما والمسرح في الوطن العربي الصادر عن سلسلة عالم
المعرفة الكويتية بأنه “ضمن لنفسه شرطيّ توفيق الحكيم: الموهبة
والاستمرار، وزاد عليهما شيئا آخر مهما، و هو التمثيل؛ فهو أقرب من
غيره إلى رجل المسرح”.
رافق العاني السينما في العراق منذ بداياتها الاولى
وكان العنصر الفاعل وراء ولادة أحد أهم الأعمال الواقعية في
السينما العراقية وهو فيلم”سعيد أفندي” الذي أخرجه كاميران حسني
عام 1957، المأخوذ عن قصة شجار للكاتب العراقي أدمون صبري، وقد مثل
العاني الدور الرئيسي فيه كما كتب حوار الفيلم.
ومن أفلامه الأخرى “المنعطف” للمخرج الراحل جعفر
علي عن رواية خمسة أصوات لغائب طعمة فرمان و”ابو هيلة” و”المسألة
الكبرى” لمحمد شكري جميل، و”بابل حبيبتي” لفيصل الياسري و “ليلة
سفر” لبسام الوردي وفيلم “اليوم السادس” للمخرج يوسف شاهين.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي كتب العاني ومثل في
العديد من التمثيليات والمسلسلات التلفزيونية ومنها “رائحة القهوة”
و”عبود يغني” “بلابل” “ثابت أفندي” وغيرها.
وشارك العاني عضوا في لجان تحكيم العديد من
المهرجانات المسرحية العربية، كما ترأس لسنوات طويلة المركز
العراقي للمسرح، وكرم عام 1987 في مهرجان أيام قرطاج المسرحية
بتونس بوصفه أحد رواد المسرح في المنطقة العربية.
واشتهر العاني ممثلا في عدد من أشهر الأعمال
المسرحية والسينمائية والتلفزيونية العراقية، كفيلم “سعيد افندي”
عام 1957 ، ومسرحيات من أمثال “النخلة والجيران” 1968 عن رواية
الكاتب غائب طعمة فرمان، و”البيك والسائق” المعدة عن مسرحية
بونتيلا وتابعه ماتي للكاتب المسرحي الألماني برتولد برخت،
و”الانسان الطيب”، و”بغداد الأزل بين الجد والهزل” وغيرها.
وامتدت حياة العاني الفنية على مدى أكثر من نصف
قرن، وارتبط باسمه عدد من ابرز المحطات في الحياة الفنية العراقية
في المسرح والسينما والتلفزيون، ويحلو للبعض أن يطلق عليه لقب
“فنان الشعب” الذي جسد همومه وآماله في أعماله.
توفي الفنان المسرحي العراقي يوسف العاني عن عمر
يناهز الـ 89 عاما بعد معاناة مع المرض في إحدى مستشفيات العاصمة
الأردنية.
قالوا عن العاني
:
علي حسين
: (ظلّ
يوسف العاني على مدى تسعين عاما صورة عن العراق الذي أحبه وعشقه ،
لا الطائفية أغرته ، ولا المحاصصة اقتربت من بابه ، كان مثل العراق
الذي حلم به ، هادئا ، أنيقاً ، طافحاً بالامل ، ولم يكن يدري أنّ
بغداد ستتحول إلى ” طولة ” لخيل السياسة الذين يترافسون في ما
بينهم)
.
المخرج عماد بهجت
: (استذكر
في بدايات السبعينات، وانا اخطو اولى خطواتي كمخرج، كتب لي الاستاذ
يوسف العاني تمثيلية “خطأ بسيط جداً” وذلك تشجيعاً منه لي. واستمر
اشتراكه في تمثيله الكثير من اعمالي الدرامية هكذا علمونا الكبار،
حين يجدون موهبة يلتزمونها لينهضوا بالشباب … الى رحمة الله)
.
الفنان مقداد عبدالرضا : (ابو
يعكوب : انتهى زمن المرح , ثق لاول مرة لا اعرف ماذا اكتب , حاولت
جاهدا , الرحلة لاتستوعبها الدنيا , ايها الاستاذ الصديق , الزمن
المدور .. وداعا اغاتي انت)
.
الكاتب صباح عطوان :
(كان
يوسفا أستاذي اﻻول. وعرابي. .ومعلم واقعيتي ..وأول من كان يتفقدني
هاتفيا ..عند اية نازلة تحل بالعراق.!رحل يوسف وبقي الشبح الخير
ليوسف..مﻻك الكلمة الحرة ..ومعلم الوطنية في المسرح العراقي..ﻻ
ادري لم كرهت أن ابقى أعيش. .فأنا حزين حد توقف النفس..فقد بت في
قفر من اﻻرض ﻻعبا..! ﻻ اقول وداعأ ﻻستأذي ..بل على الطائر الميمون
أيها الراحل السعيد..فقد أديت واجبك. .واوصلت رسالتك..وسنلتقي
يوما..ان كان في مدلهم الغيب لنا مكان)
..
الفنان فاضل خليل :
(ولما
كان العاني مزيج من عذابات إنسانية متنوعة ، تجده سخر لها كل ما
كتب بلا استثناء . ولأنه مولع بالهم الإنساني تراه متأثرا عن دراية
، بالأدب الروسي والسوفيتي فيما بعد . المتمثل بآثار كبار كتابه من
أمثال تشيخوف ، غوغول ، غوركي ، تولستوي ، وسواهم . ولعل من مقولة
غوركي التي كانت سببا في كتابته لمسرحية [ آني أمك يا شاكر] ، فدون
جزءا من مقاطعها بعد أن أهدى غوركي مجموعته المسرحية الأولى
[مسرحياتي]
) . |