كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

نبيل المالح مخرج وكاتب ورسام لا يعرف 'استراحة المحارب'

العرب/ إبراهيم الجبين

عن رحيل شيخ السينما السورية نبيل المالح

   
 
 
 
 

السينما السورية تدين لنبيل المالح بأنه كان مؤسسا حقيقيا لإطارها الرفيع وتوجهاتها التي أرستها على قواعد عمل محترفة وجريئة.

برلين ـ صيف دمشق نهاراته باردة وشمسه تلفح وجوه رواد مقهى التوليدو، حيث اعتاد نبيل المالح الجلوس والكتابة لسنوات طويلة. الذي اختار أن ينظر إلى الوجود بعين الدهشة والابتكار والخلق، منذ أن عرف طفولته الأولى على ضفاف الفرات في بيت الطبيب الدمشقي ممتاز المالح وحتى انتقاله إلى الشام، ثم إلى العالم، وصولاً إلى لحظته هذه في دبي.

رحل مبكراً عن مدينته، قاصداً دراسة الفيزياء النووية في براغ. لكنه غيّر اتجاهه هناك، ليدرس الإخراج السينمائي ويكون من أوائل السوريين الذين تخصصوا في السينما في الخارج. عاد إلى بلاده في العام 1964 ليجد السينما وقد احتكرت من قبل الدولة مثل غيرها من مؤسسات الثقافة والإعلام. فصارت تشرف عليها المؤسسة العامة للسينما.

إكليل الشوك

لم يضيع المالح الوقت. قدّم خلال فترة قصيرة ثلاثة أفلام طويلة للتلفزيون "المفاجأة" و"أحلام" و"رجلان وامرأة" و"إكليل اشوك". لكنه بدأ تعاونه مع مؤسسة السينما في أعمال تسجيلية وروائية وتجريبية فكان فيلم "نابالم" في العام 1970. فيلمه هذا حصد على الفور حضورا مميزا على المستوى العالمي.

قدم ثلاثية" رجال تحت الشمس" في العام 1970 وكان فيلماً من ثلاثة أعمال سينمائية "المخاض - الميلاد – اللقاء". من إخراج محمد شاهين - مروان المؤذن ونبيل المالح ، كتب السيناريو حينها، نجيب سرور و نبيل المالح و قيس الزبيدي ومحمد شاهين و مروان المؤذن.

كان هذا الفيلم يدعم موقف المالح وجيل السينمائيين السوريين الأوائل لقضية الشعب الفلسطيني. إلى جوار أعمال هامة مثل فيلم للمخرج توفيق صالح المأخوذ عن قصة لغسان كنفاني، والذي يروي رحلة تهريب ثلاثة لاجئين في صهريج ماء يقوده "أبو الخيزران"، من مخيمات اللجوء الفلسطينية إلى الكويت عبر الصحراء، حيث يختنق الثلاثة في الصهريج كما اختنق اللاجئون السوريون في الشاحنة الشهيرة في أوروبا، وحصل الفيلم على الجائزة الذهبية بمهرجان قرطاج للأفلام العربية والأفريقية عام 1973. واختير كواحد من أهم 100 فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية.

في العام 1972 قدّم المالح فيلمه الكبير "الفهد" عن رواية حيدر حيدر، الذي يحكي حكاية فلاح بسيط يكتشف أن السلطة الاقطاعية هي امتداد للسلطة الاستعمارية حين انتزعت منه أرضه. يدخل السجن ويعذب بقسوة من قبل السجانين الذين يقاومهم ببندقية حصل عليها، متحولاً إلى أيقونة شعبية. الفيلم فاز بالعديد من الجوائز العالمية، ونال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي وجائزة تقديرية من مهرجان لوكارنو السينمائي، وجائزة تقديرية من مهرجان كارلو فيفاري، وجوائز عديدة في مهرجانات دولية. وتمت دعوته لمهرجان بوزان الدولي للأفلام الآسيوية ليجري اختياره قبل عشر سنوات، ضمن الأفلام الخالدة وأهم الأفلام في تاريخ السينما الآسيوية. أخرج المالح بعد فيلم "الفهد" فيلمه "السيد التقدمي".، ثم فيلم "بقايا صور" عن رواية لحنا مينة. وكذلك فيلم "غوار جيمس بوند" لدريد لحام ونهاد قلعي.

أعمال نبيل المالح تخرج عن الإيقاع العربي المألوف، ولا تقترب من التشبه بالأعمال الغربية. وقراءة دقيقة لمجمل أفلامه التي تجاوزت الـ150 فيلما يمكنها أن تقول بجرأة أن المالح قد شكل مدرسته الخاصة التي تعلم منها الكثيرون في أنحاء مختلفة من العالم

الكومبارس

كان نبيل المالح يروي لي ببهجة، كيف أنه قرّر مرة زيارة جميع المدن الأوروبية على ظهر دراجة نارية. وأنه في مرحلة ما كان يكتب القصص القصيرة ويبيعها للمجلات في فرنسا ليعيش من مكافآتها. لم يتوقف عن السفر، وكانت رحلته بداية الثمانينات إلى الولايات المتحدة الأميركية لتدريس السينما في تكساس وكاليفورنيا، بداية رحلة طويلة ستمتد قرابة العقدين. سيقضي الشطر الأكبر منهما في اليونان. وهناك كتب سيناريو فيلمه الفريد "الكومبارس" الذي تدور أحداثه بين رجل وامرأة. رجل بسيط يعمل مع الممثلين ككومبارس. وامرأة عادية. يتواعدان ليلتقيا في بيت صديق له. وتدور بينهما الأحاديث وتدور من حولها الأحداث.

عاد بنص فيلمه الجديد إلى دمشق. ووقع اختياره على بسام كوسا وسمر سامي. ليعرض فيلم "الكومبارس" في مهرجان دبي السينمائي ونال جائزة أحسن إخراج من مهرجان القاهرة وجائزتي التمثيل من مهرجان السينما العربية في باريس، وجائزة أحسن سيناريو من مهرجان فالنسيا والجائزة الفضية لمهرجان ريميني.

بعد فيلمه "الكومبارس" استقر المالح في دمشق. وهناك أخذ ينتج الأفكار والمشاريع بصورة دائمة. وحين لا يجد ما يصوّره بكاميراته يقوم بتصوير العالم بريشته. وحين لا يجد الصور والمجسمات. يكتب عنها قصصاً وأشعارا وسيناريوهات.

يمكنك أن تتعلم من نبيل المالح كما تعلمت أنا الكثير. سيرهقك بمشاريعه التي كانت تُتّهم بأنها "وهمية"، وأفكاره التي لا تتحقق. ويطلب منك أن تعيد كتابة نصوصك. ويعرضها على منتجين. ويعقد اجتماعات تنفيذية. ثم لا يتحقق شيء. لكنك تكون في تلك الأثناء قد خضت التجربة المباشرة مع الكتابة السينمائية والوثائقية. والأهم أنك استمعت طيلة الوقت إلى ما يدور في رأس نبيل المالح الذي لا يشبه أحداً.

كتبتُ قبل ما يقرب من ربع قرن فيلمي الأول، وكان اسمه "خطر"، بطلب من نبيل المالح. وبناء على تشجيعه، بل حتى إلحاحه. فكان يصرّ على اللقاء بي وكأني أحمل إليه كأساً من ذهب. ولم أكن سوى مبتدئ في هذا العالم الواسع، عالم الصورة. حظيت بعدد كبير من الملاحظات والمراجعات والتدوينات من المالح الذي تعامل على مدى شهور بأعلى درجات الجدية مع عمل لن يحصل على شيء شخصي من ورائه. لكنه هكذا، مولّد للأفكار ومحرّك للعقول والصور.

لا يمكنك أن تشعر بـ "معلّمية" نبيل المالح، حتى لو كنت صديقاً له. فهو لا يمارسها على الإطلاق، بقدر ما يجعلك تشعر أنه يكتشف معك الأشياء والصور والخيالات والمشاهد. لتبقى تتحدى ذاتك وتتحدى معها دهشة الصديق الذي يبدأ معك من جديد كلّ مرة بداية طفل.

في بيت أسامة بن لادن

كثيراً ما نظر زملاء نبيل المالح إليه على أنه مخرج سينما "شامي". ولم يكن ذلك مديحاً، بقدر ما كان القصد منه الإشارة إلى مفهوم "الشطارة" في السوق. لكن المالح كان ولم يزل "شاطراً" بالفعل. ولم يكن متشاطراً في يوم من الأيام. فكل همّته قائمة على طاقته ورغبته بالإنجاز. وهو ما كان يغيظني شخصياً، أنني لم أكن أشعر بالقدرة على إشباع نهم المالح إلى الإنجاز.

سنوات مرّت، قبل أن أتصل بنبيل وأخبره أن مشروعاً هاماً بين يديّ. وأنه سيكون هو المشروع الذي كنت أرى أنه يليق بأن نشتغله معاً بشكل مشترك. وكان ذلك بعد تفجير برجي التجارة العالمية في مانهاتن في نيويورك بأسبوعين فقط في خريف العام 2001.

جاء نبيل واجتمعنا في مطعم طابعه من طابع الستينات في شارع بغداد. ورويت له أن هناك فيلماً وثائقياً كتبته وهو على درجة عالية من السرية ولا أستطيع البوح بشيء الآن. عليه فقط أن يحضر سيارته وسائقه والكاميرا الخاصة به وهي كاميرا متطورة كانت الوحيدة في سوريا، ولم يكن يملكها سوى نبيل، الذي وافق على الفور متحمساً.

في فجر اليوم التالي. كان نبيل تحت شرفتي في ركن الدين. وانطلق بنا السائق نحو الشمال. لم يسألني نبيل إلى أين نحن ذاهبون؟ لكن عندما وصلنا حمص. طلبت من السائق أن يوقف السيارة جانباً ونزلت أحدّث نبيل بما كان بين يديّ من أوراق. قلت إننا ذاهبان لنصور فيلماً في بيت أسامة بن لادن في اللاذقية، ونتتبع أثره وتطوّر شخصيته السيكولوجية منذ أن كان في الساحل السوري. وأن هذا الأمر يجب أن يتم بعيداً عن أعين ومسامع المخابرات السورية لأنها ستمنعنا بالتأكيد.

تنقلنا بين القرى العلوية في ريف طرطوس والقرداحة وصولاً إلى اللاذقية. والتقينا بكبار السن. كان نبيل يصوّر المقابلات والبيوت ويتدخل في الأسئلة ويصنع المشهد ويضيف إليه رؤيته التي تقدّم اللحظة بما يناسب حرارة الموضوع حينها. وكان الخطر يزداد كلما توغلنا في ماضي بن لادن في سوريا، خاصة حين ترد عبارات مثل " في الخمسينات، جاء تاجر يمني اسمه محمد بن عوض بن لادن إلى آل غانم واشترى منهم ابنتهم عليا التي أنجبت أسامة".

في بيت العائلة في مدينة اللاذقية صوّر نبيل شهادات أقارب أسامة بن لادن العلويين، أهل والدته. وكذلك حركة يد ليلى غانم، ابنة أسامة بالتبنّي، التي لم تكن ترتدي أيّ حجاب. والتي تحدثت عن تلك السنوات التي عاشتها في بيت "أبو عبدالله" وكيف كان يوقظها لصلاة الفجر. أرسل له الجميع رسائل هامة وحساسة من جبال العلويين. وكانت تلك العائلة تتحدر من قرية جبريون في ريف القرداحة.

كنا نتتبع في الفيلم كيف دخل في وعي ذلك الطفل الذي عاش سنين طفولته ومراهقته في الساحل السوري، ذلك الجانب الثأري الغاضب، الذي دفعه إلى أن يهجر المال والثروة وأن يتوجّه إلى جبال أخرى في تورا بورا.

انتهينا من تصوير الفيلم وعدنا إلى دمشق. ولم نكن نصبر حتى اليوم التالي. كان نبيل قد هيأ مكاناً سرياً للمونتاج والعمليات الفنية فوق أحد الأبنية القديمة في قلب دمشق. رفضت محطات شهيرة كانت تربطها علاقة وثيقة مع نظام بشار الأسد شراء الفيلم. في الوقت الذي سعت وكالات الأنباء خلفنا، لمشاهدة لقطات منه. وكان نبيل يتوقع أن يلاقي الفيلم نجاحاً كبيرا. لكن الخبر كان قد وصل إلى المخابرات السورية التي استدعت نبيل وهددته وصادرت الفيلم. لم يكن يعنيني أيّ مكسب من الأمر، بقدر ما كنت أنظر في عيني نبيل المالح، باحثاً عن بريق من يشعر بالزهوّ بما قدته إليه. وهذا ما حصدته. وكان أكبر بكثير من لو عرض ذلك الشريط وحصد نجاحاً باهراً.

فيلم الفهد للمالح يصنّف كواحد من روائع الأعمال السينمائية الخالدة العالمية. فلغته البصرية تفوقت على الكثير من الأفلام التي قدمتها السينما منذ إنتاجه عام 1972

البحث عن شيخ الشباب

اكتشف المالح سرّ الفيلم التسجيلي ذلك الذي بدأ به سنواته الأولى في الستينات. فأخذ يكتب ويصوّر أفلاماً قصيرة. كل واحدٍ منها يحتاج إلى مجلدات للبحث في الملفات التي تطرّق إليها. وقد وصل عدد أفلامه إلى أكثر من 150 فيلماً بين أفلام روائية طويلة و قصيرة وأفلام تجريبية وتسجيلية.

لا يفوّت فكرة أو لقطة دوّنها ولو مرت عليها خمسون سنة. في فيلمه "البحث عن شيخ الشباب" (40 دقيقة تعرض فيها مواد وثائقية وصور نادرة) يتناول المالح شخصية فخري البارودي السياسي والكاتب السوري الراحل وصاحب النشيد الشهير "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان". يبدأ الفيلم بقراءة رسالة كتبها أحمد الصافي النجفي ينعي بها البارودي قائلاً "مات وجه دمشق.. مات فخر دمشق.. مات فخري البارودي". لعب على الزمن الماضي والحاضر. وعلى الشخصية المتعددة التي مثلها البارودي. وغياب هذا البعد في الإنسان اليوم. بينما يختتم الفيلم الذي يجوب حياة البارودي وموسيقاه ومشاريعه بعبارة يقولها الراوي ـ المالح "هذا الذي منح الوطن كل ما يملك ولم يأخذ من الوطن سوى شرف الانتماء إليه".

يقول المالح عن بطله البارودي "في بيت البارودي، تأسست أول حكومة مستقلة وطنية سورية سنة 1918، وفي بيته سكن أول رئيس لدولة سوريا المستقلة، وكان عضوا في الجمعية العربية الفتاة، ثم عضوا في الكتلة الوطنية، وقد رَأَسَ جمعية خيرية، وهو الذي أسس أول مكتب للعمل القومي في دمشق، وكان البارودي بين الذين كافحوا ضد الانتداب الفرنسي وصنعوا الجلاء".

العتمة المضيئة

أعمال نبيل المالح تخرج عن الإيقاع العربي المألوف، ولا تقترب من التشبّه بالأعمال الغربية. وقراءة دقيقة لمجمل أفلامه التي تجاوزت الـ150 فيلماً يمكنها أن تقول بجرأة إن المالح قد شكّل مدرسته الخاصة التي تعلّم منها الكثيرون في أنحاء مختلفة من العالم.

زملاء نبيل المالح كثيرا ما ينظرون إليه على أنه مخرج سينما “شامي”. ولم يكن ذلك مديحاً، بقدر ما كان القصد منه الإشارة إلى مفهوم “الشطارة” في السوق

فيلم "عالشام عالشام" يروي قصة هجرة الريف إلى دمشق. وكيف تم تدمير الحياة في الأرياف، وإفقار الفلاحين ودفعهم إلى هجر أراضيهم من أجل حلم الذهاب إلى العاصمة. فتآكلت العاصمة والريف معاً. أما فيلمه "غراميات نجلا" ففاز بفضية مهرجان القاهرة التلفزيوني، وبذهبيتي أحسن سيناريو وأحسن ممثلة لبطلته رنا الأبيض. أما فيلمه "وليمة صيد" يقول عنه "طرحت في الفيلم، فكرة ضحايا تحاكم جلادها، كان هذا نوعاً من التمني، لكني على أرض الواقع مؤمن بأن الجلاد سيحاكَم، ولن أترك هذه المحاكمة المشتهاة للفكرة الخيالية الفانتازية التي تقول بأني سأتركه ليحاكمه التاريخ، أو ليذهب إلى مزبلة التاريخ، لا على الإطلاق. بل سيحاكم حقاً وفيزيائياً، وسيحاكم هذا الشعب من أذلّه".

تم تكريم نبيل المالح قبل أيام في دبي، من قبل اللقاء السوري المشكّل من كتاب ومفكرين ومثقفين وفنانين كبار. وسلّمه المخرج السوري مأمون البنّي السعفة الذهبية الخاصة باللقاء. وسبق التكريم عرض فيلمه "العتمة المضيئة" الذي يعرض فيه لحياة المكفوفين في مدينة حلب، أطفالاً وكباراً.

قال نبيل المالح بعد عرض الفيلم إن "سوريا ليست قوة عظمى، ولا بلداً كبيراً. لكننا في سوريا لدينا بطولاتنا. صغاراً وكباراً.. بطولاتنا (على قدنا)". كانت للمالح بطولاته وهو صغير وهو لا يكف عن رواية قصة "الكف" الأول الذي تلقاه يوم خرج لأول مرة في مظاهرة وهو ما يزال بعد في سن الثالثة عشرة. وحين كبر لم تتوقف بطولاته من خلف الكاميرا وعلى الورق وفي الحياة العامة.

سجّلتُ شخصياً مع نبيل المالح ساعات تلفزيونية منعت من العرض في سوريا. ومن حسن الحظ أنها موجودة. يعرض فيها المالح أفكاره وتصوّره للوجود والحياة والسينما التي يحلم بها. والأهم باستمرار صورة الإنسان التي يتخيّلها.

في بيته في حي المهاجرين اجتمعت أولى خلايا لجان إحياء المجتمع المدني. وبقي المالح على المسافة ذاتها التي رسمها لنفسه. لا يسمح لأحد أن يشدّه إلى أبعادٍ غير أبعاده. فهو الوحيد الذي يعرف كيف يتحرك، ومتى وأين يتحرك دون أن يتوقع أحدٌ خطوته القادمة.

العرب اللندنية في

24.01.2016

 
 

نبيل المالح:

قوى المعارضة في الخارج خانتنا وتركتنا نستجدي

سامر محمد إسماعيل (دمشق)

خاض المخرج السوري المخضرم كما كل أبناء وطنه في المتاهة السورية، لكنه آثر الابتعاد عن لهيب الحرب الدائرة، مسافراً إلى دبي، تاركاً قلبه في دمشق، مدينته التي قدم لها مثل ما قدم لسوريا أهم الأفلام في تاريخ سينما بلاده حيث يعد «نبيل المالح - 1936» من جيل الرواد؛ فبعد دراسته السينما في تشيكوسلوفاكيا عام 1964 عاد «المالح» إلى بلاده في ستينيات القرن الفائت ليعمل في المؤسسة العامة للسينما، حيث قدم عدة أفلام روائية قصيرة كان أبرزها: «إيقاع دمشقي» و «نابالم» ليقدم في عام 1969 أول فيلم روائي قصير له بعنوان «إكليل شوك» وليقدم بعدها فيلمه «المخاض - 1970» ضمن الثلاثية السينمائية الروائية «رجال تحت الشمس» التي تعتبر أول فيلم سوري طويل ونال عليه جائزة مهرجان قرطاج السينمائي؛ ليساهم المخرج السوري في تكوين حساسية سينمائية خاصة عبر أفلامه «الفهد - 1969 وفيلمه «بقايا صور- 1980» وفيلم «تاريخ حلم - 1983» وفيلم كومبارس - 1993- جائزة أفضل إخراج القاهرة السينمائي».

«السفير» التقت المخرج السينمائي نبيل المالح وكان معه الحوار الآتي:

·        بعد ثلاث سنوات من الغيابٍ عن منزلكَ في حي المهاجرين بدمشق كيف تبدو لك اليوم سوريا وقد شارفت الحرب على الدخول في عامها الخامس؟

ـ سؤال يفاجئني يومياً .ترى ما الذي جرى ...وهل أكثر السيناريوهات فانتازية كانت قادرة على استقراء ما جرى ...لقد تجاوز الأمر خيالي وخيال من يحيطون بي وحتى أكثرهم تشاؤماً.. وفي الحقيقة، لربما كنا جاهلين بمكونات تراكمت لتصنع هذا الحاضر المقيت. على أي حال، وبالرغم من تفاؤلي الدائم، أرى أن خارطة الأحداث اليوم قد غدت أكثر عتمة وغموضاً، والسنوات الأربع الماضية كانت ثمناً باهظاً لحلم بسيطٍ وأساسي، والناس في العالم قد نسوه لأنه غدا ممارسةً يوميةً، بينما نفتقده ويبتعد عنا في كل يوم.. حلم الحرية.. الديموقراطية والكرامة الإنسانية. هل الكرامة الإنسانية مكلفة إلى هذا الحد؟

·        ماذا عن فيلمك الجديد «الوشم السابع»؟ حدّثنا عنه، عن فكرته، شخصياته، وخطوط الصراع فيه؟ جهة تمويله إن وجدت؟

ـ «الوشم السابع» كان هاجساً سينمائياً بالنسبة لي قبل «الثورة» بزمن طويل. لقد كان حلمي أن أسرد لنفسي، لأطفالي وللناس وثيقة عن الأربعين سنة الماضية من حياة سوريا.. سنوات الاستبداد والفساد والطغيان وامتهان الكرامة الإنسانية، وطبعاً كنتُ أعرف أنني لن أجد جهة منتجة، ولكن الأمر كان ذا أولوية بالنسبة إلي. المهم أن فكرة «الوشم السابع» تتمركز حول استحضار ستة أحداث متميزة في العقود الأربعة الماضية، أي حقبة مصادرة حزب البعث لمقدرات سوريا، وذلك عبر دمج الشخصي بالعام، والأيام أو الأحداث التي تركت وشمها على أرواحنا ومصيرنا، أما الوشم السابع فهو «الثورة».

والآن، ليست لدي أوهام حول إمكانية إنتاج هذا العمل لسببين، أولهما أن الجهات المُنتجة المحتملة قد أعطت الخبر الساخن اليومي أولوية، وثاني الأسباب، هو قناعتي بأن الحدث السوري قد غدا أكبر من ذلك بكثير، وأن هنالك أولوية لبقائنا كشعب ومصير.. وإيقاف آلة الموت والقتل.

·        أنت من المخرجين السوريين الذين اشتغلوا على شخصية وطنية لسينما بلادهم؛ أين وصلت اليوم في هذا التحدي الفني؟

ـ لا أعتقد أن السينما قادرة على فعل شيء الآن، فيما عدا توثيق المجزرة التي يتعرض لها شعبنا الآن.. والأحداث التي نشهدها اليوم، إضافة إلى أن المستجدات الكثيرة جعلت الكثيرين يفقدون البوصلة ويلجؤون إلى الدعوات لله القدير الذي يحل كل المشاكل، بينما هم يعرفون أن ذلك لن يحدث.

أعترف بأنني غدوت حافلاً بالشكوك، فهنالك هذا التشرذم لقوى المعارضة والذي أفقدها مصداقيتها وقدرتها على القيادة، وأخيراً جاء عنصر سيريالي إلى المشهد السوري، عنصر داعش والقوى الظلامية السلفية التي قلبت جميع المفاهيم والقيم وأرجعتنا قروناً إلى الوراء، في وقت كنا نعتقد فيه أنفسنا بأننا شارفنا على الاقتراب من تخوم القرن الحادي والعشرين، وأن لا شيء يفصلنا عنه سوى نظام آن أوان اجتثاثه، فلقد استوى هذا النظام على غصن التاريخ وقد بدأ بالتعفن. حاولنا وحاولت أن أكتب هذا الزمان بشكل سينمائي، ولكنني عجزتُ كما عجز الآخرون، وما كتبته حتى الآن أصغر بكثير مما يجري. ونحن نمر في مرحلة انقلاب تاريخي، بل إن التاريخ والجغرافيا معرّضان لكتابة جديدة.. إننا نمرْ بما يشابه سقوط بيزنطة أو نهاية الحرب العالمية الأولى.. رسم جديد للخرائط والقوى.

·        ولكن ماذا عن الجيل السينمائي الجديد في سوريا والذي يبدو مختلفاً في تطلعاته ورؤاه ومشاربه الفنية؟

ـ في حياة الشعوب، أربع سنوات تعتبر زمنا قصيراً، ولكنها في الحالة السورية كانت طويلة ومضنية، وفيها نشأ جيل جديد من الأفراد.. مئات آلاف الأطفال بدون مدارس؛ ومئات آلاف العاطلين عن العمل الذين يحلمون برغيف الخبز؛ وملايين النازحين ولم تعد الأحلام هي تلك السائدة فيما قبل «الثورة». الحلم المشترك الوحيد بين البارحة واليوم هو العيش بكرامة، وهو الحلم الذي يبدو متباعداً في كل يوم. ومن هنا يمكننا أن نتصور نوعية الجيل السينمائي الجديد الباحث عن مكان له، وقد صهرته نار الصراع وشاهد في خلال السنوات الأخيرة ما لم تشاهده الأجيال الأخرى، وكان شاهداً على سقوط وتدمير وطن بشكل مذل وقبيح.

إننا نعلم أن السلطة قد حاولت وتحاول أن تقدم صورتها عبر السينما والتلفزيون، وهي لا تخرج في ذلك عما دأبت عليه طوال أربعة عقود من تزييف للحقائق، محاولة تكريس صورة الأبدية كما تراها.. أبدية استمرار خدعة السلطة المفضوحة، وكل ذلك واضح وليس بحاجة إلى براهين، ولكن المشكلة كانت في الطرف الآخر؛ طرف «الثورة».

لقد افتقدت «الثورة» منذ البداية القيادة الكاريزمية الواضحة، ولم يكن فيها من شيء حقيقي سوي في بداياتها التي كانت تصرخ «الموت ولا المذلة» و «الشعب السوري واحد واحد» وغيرها من الشعارات التي صنعت ألق تلك الأيام ونقاءها.

·        السينمائيون في سوريا شهدت شريحتهم انقساماً حاداً في ظل الحرب بين سينمائيي خارج وسينمائيي داخل.. كيف تقرأ هذا الواقع وتقيمه اليوم؟

ـ هذه معضلة ممتدة إلى شرائح المجتمع كافة وليست خصوصية مجتمع السينمائيين. الداخل والخارج.. ما هذا الفصام وما هي أصوله؟ الجميع يحملون أحلاماً، والجميع لديهم زوجات وأطفال ورغبات في عيش كريم. ليس هنالك من اختلاف سوى في استنباط حلول حياتية آنية تفرضها شروط الحرب والدمار. رأى البعض في الغربة نجاة من آلة الحرب ورأى آخرون أن البقاء هو الأسلم؛ ولكن أحدا لا يملك الشرعية ولا المكان لتخوين الآخر؛ فمعظم الذين رحلوا يعيشون ظروفاً قد تكون أقسى وأشد مضاضة. ولا أعتقد أن هنالك حرباً بين سينمائيي الداخل والخارج، وإنما هي الظروف التي يتواجد فيها كل منهما، ففي النهاية، كل منهما مواطن يريد العيش في بلده حيث تحترم مواطنيته وكرامته.

·        أفهم من كلامك أنكَ ما زلت مؤمناً بوحدة الشعب السوري؟

ـ طبعاً الشعب السوري واحد واحد.. أنا مؤمن بذلك حتى العظم. والشخصية الوطنية ليست قائداً ميدانياً أو حامل مسدس، وإنما هو ذلك الإنسان البسيط المتواضع الذي يعشق وجوده مع الآخر ويحترم هذا الوجود.

·        الكارثة السورية أظهرت عنفاً كبيراً لجهة انتفاضة كومبارس عارمة كنت قد تنبأت بها في فيلمكَ «الكومبارس» كيف ترى اليوم إلى هذا الواقع في ظل موجة الإرهاب والتطرف العارمة التي تضرب العراق وسوريا؟

ـ في كل نقاشاتنا اليومية وصداماتنا وادِّعائنا المعرفة والذكاء، نكتشف مدى عجزنا عن إيقاف نزف وهدر الدم السوري، لقد كثُر اللاعبون، وهي قوى لا تعنيها سوى مصالحها ومخططاتها البعيدة، وغدا من الصعب استعادة المبادرة إلى أيدي السوريين أصحاب العلاقة. إنني ولسوء الحظ يائس من مصير هذه الحالة.

·        البعض يرى أن اليسار السوري وضع يده في يد قوى اليمين المتطرف الممثل بالإخوان المسلمين.. ما رأيك بذلك؟

ـ أعتقد أن في ذلك بعض الظلم لليسار السوري، خاصة أننا نعلم عن كمية الأموال الموظّفة لاختراق «الثورة» التي لم تكن في بداياتها ذات مظهر إسلامي، ولكن قوى اليمين المتطرف ركبت الموجة الشعبية الرافضة للنظام، وإن كان ذلك لا يعفي اليسار من مسؤوليته تماماً عن هذا الاختراق الذي دمّر الحالة العامة.

·        برأيك هل استطاعت السينما في سوريا عبر خمسة عقود من الإنتاج أن تكون مرآة واقعها وصوت مجتمعها؛ أم أن ما قدمته لم يتعدَ عدة أفلام جيدة لمخرجين بعينهم كان كل طموحهم هو تحقيق حضور في المهرجانات العربية أوالدولية؟

ـ لا أعتقد أن الطموح الأساسي كان في تحقيق حضور في المهرجانات العربية والدولية، فلقد كان الطموح الحقيقي هو في التأسيس لسينما وطنية، وهذا ما تحقق في العديد من الأفلام، حيث كانت الجوائز في المهرجانات نتيجة ولم تكن هدفاً بحد ذاتها.

·        أريد أن أعرف رأيكَ عن مهمة السينما بعد أربع سنوات من الحرب وتذابح الأخوة واختفاء مدن وتهجير ملايين من السوريين داخل بلادهم وخارجها؟

ـ مهمة الفن والفكر والسينما بعد أربع سنوات من الدماء والدمار..؟ تبدو الإجابة واضحة، ولكن الخطاب الثقافي كان غائباً تماماً لدى قوى المعارضة، وبدت الثورة وكأنها لا تملك الروح، وبالتالي لا تملك الشرعية، ونحن نعلم أن الثورة هي ثقافة الثورة أولاً وأخلاقياتها ومفاهيمها التي تعطيها الشرعية لأن تقود نضالاً تحررياً ما، وأنا كواحد من السينمائيين أشعر صراحة بأن قوى المعارضة في الخارج قد خانتنا وتركتنا نستجدي فرص قول ما نتمناه ونرغب فيه من تكريس واحترام لعشرات الآلاف من الأفراد الذين غابوا وتركوا الوطن أمانة بين أيدينا. لقد قمنا كلنا بخيانتهم؛ ولكن الثورة هي الحدث الأكثر شرفاً في تاريخنا المعاصر، بل إنها ستصبح النبراس الذي يضيء المستقبل في حال عودتها إلى أصولها المبدئية.

·        أنتم من الجيل الذي انتمى بقوة لسينما حملت على عاتقها مهمة التغيير والمواجهة مع السينما التجارية الرخيصة.. هل تعتقد أن ذلك أدى إلى خسارة الكثير من شرائح الجمهور التي كنتم تدافعون عنه في الأفلام التي حققتموها؟

ـ في الحقيقة، لم تكن هنالك مجابهة مع السينما التجارية الرخيصة، لسبب واحد هو أن إنتاجها توقف عملياً في الداخل السوري وتحولت رؤوس الأموال للإنتاج التلفزيوني؛ ولكن المشكلة هي في حصر الاستيراد بالمؤسسة العامة للسينما الذي كان مناسباً من أجل تمويل إنتاجها ولكنه أغرق السوق بأفلام من الدرجة الثالثة أبعدت المشاهد عن الصالات وخلقت مشاهداً عجائبياً، إضافة إلى تقصير أو عجز الجهة المسؤولة عن الترويج والتسويق للأفلام السورية، لا سيما إذا علمنا مثلا أن ثلث ميزانيات الأفلام الأميركية مخصص للدعاية والإعلان والترويج.

·        إذاً أنت تعتقد أن التلفزيون في سوريا هيمن نهائياً على مخيلة الجمهور؟ فهل من الممكن اليوم أن تسترد السينما هذا الجمهور من سباته التلفزيوني الرمضاني؟

ـ لا أعتقد أن السينما قادرة على استرداد الجمهور، فالسينما الوطنية تقاتل في سبيل بقائها، وهموم مخرجيها أصبحت في دائرة المعاش اليومي وبعيدة عن الانهماك في البحث عن أدوات إبداعية مبتكرة أو مشاريع ذات طموح سينمائي بعيد. لقد استعار السينمائيون من التلفزيون الخطأ القاتل بأن الصورة هي لسرد حكاية، ونحن نعلم جيداً أن السينما هي حالة أكثر من أن تكون حكاية. السينمائي الحقيقي ليس حكواتياً وإنما هو مرآة لحالة.

·        في ظل موات معظم صالات العرض وانكفاء القطاع الخاص عن مغامرة الإنتاج كيف يمكن الخروج إلى حالة سينمائية فاعلة؟

ـ المهم الآن هو الخروج من هذا النفق المظلم الذي وجدنا أنفسنا فيه نحن السوريين. نفق نريد الخروج منه إلى آفاق عالمنا المشرْعة. المهم الآن هو وقف نزف الدم والبشر.

·        وهل السينما قادرة على صياغة واقتراح فضاء آخر للمدينة السورية في ظل الحرب القائمة؟

ـ هذا أمر منوط بحركة الأشياء والبشر والمستجدات والمناخ السياسي المقبل، وأنا شخصياً أشعر بيأس على الأقل للمدى القصير، ولكنني مؤمن بقدرة الشعب على صنع غد مختلف دفع ثمنه غالياً.

·        كيف تقرأ مستقبل السوريين في ظل كل هذه الانقسامات؟ ألا نستطيع التعويل على الطليعة الجديدة من المخرجين الجدد في سوريا وسط كل هذا الخراب؟

ـ أعرف أن الحدث السوري الدامي لن يخلف رماداً ميتاً وإنما تراباً خصباً لأجيال قادمة حافلة بالإشعاع والرغبة في الحياة. أجل سيكون هنالك جيل سينمائي مختلف، صهرته نار الحدث السوري وشكّلت منه معدناً أكثر صلابة وأعمق جوهراً.

السفير اللبنانية في

30.01.2015

 
 

خلال محاضرته في ندوة الثقافة والعلوم بدبي

نبيل المالح يحلق في فضاء الفن السابع

دبي ـ غسان خروب

بشغف واضح، يعكس مدى حميمية العلاقة التي تربطه بالسينما، جاءت ندوة المخرج السوري نبيل المالح التي قدمها، أول من أمس، في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، تحت عنوان «المعادل الحضاري للصورة السينمائية»، وهو العنوان الذي حمل في معناه العام صيغة فلسفية، كانت قادرة على شحن الجو العام للندوة بالنقاش والتفاعل بين المالح وجمهوره، الذين حلقوا معه في فضاء الفن السابع، وجمالياته وأفلامه التي قال: إنها تختصر مستويات الفنانين، وإنها تقدم لنا حكاية يمكن أن تعبر عن إنسانية السينمائي وأفكاره وتطلعاته، معتبراً أن التصنيف المسبق للسينما وفصلها بين هابطة وجادة فيه ظلم ويلغي المنتج الإنساني المتنوع.

مستويات الفنانين

مجموعة من الأسئلة الخاصة بالإنتاج السينمائي، بدأ بها المالح ندوته التي أدارتها الدكتورة حصة لوتاه، وحضرها معالي محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وصلاح القاسم المستشار الثقافي في هيئة دبي للثقافة والفنون، وعلي عبيد مدير مركز الأخبار في مؤسسة دبي للإعلام، وياسر القرقاوي مدير الفعاليات في هيئة دبي للثقافة والفنون، ليحاول المالح من خلالها تقديم تعريف واضح لعنوان الندوة، مترجماً إياها بأن «السينما رؤية، وأن كل مكوناتها من صور وسيناريو وموسيقا وغيرها تشكل معادلاً حضارياً يضعنا على خط واحد مع الآخر».

وقال: «إذا كانت السينما هي حكاية، فهي تعبر عن طبيعة البلد الذي تخرج منه، وتعطينا فكرة عن صناع الفيلم وطبيعة توجهاتهم، سواء كانت تجارية بحته أم إنسانية، وهي أمور يمكن تلمسها في مختلف زوايا الفيلم، الذي أعتقد أنه يختصر مستويات الفنانين ويقدمها بصورة واضحة للجمهور، لأن السينما هي «فن قول ما لا يقال»، التي تشكل قاعدة أساسية بين الاختلاف بين سينمائي وآخر».

ويؤكد المالح أن للسينما دور مهم في صقل حياة المجتمع الثقافية، بقوله إن «السينما هي شيء أصيل وإبداعي فيه مستوى ثقافة عالية، وهي التي تضع أي بلد على خريطة الثقافة العالمية».

الحديث عن المستويات الفنية العالية، قاد صاحب فيلم «الفهد» الذي يعتبر أول فيلم روائي طويل تنتجه السينما السورية، إلى الحديث عن الأسباب التي جعلت الدراما تتفوق على السينما في سوريا، محدثاً في الوقت نفسه مقاربة بين السينما السورية والمصرية، حيث اعتادت الأولى تقديم أفلام ذات قيمة فنية عالية، بينما جاء أفلام الثانية متعددة المستويات بين فنية عالية ومتوسطة وتجارية، عازياً السبب إلى أن الفيلم السوري اعتاد تصوير حكايته، خارج أسوار الاستوديوهات، وقال: «التصوير في الأماكن الحقيقية يقدم لنا صورة مختلفة، ويعكس مدى العلاقة التي تربط الممثل بالمكان وبالحكاية، على عكس التصوير في الاستوديوهات التي تعطينا صورة غير حقيقية مهما تطابقت مع الواقع».

وتابع: «السينما المصرية نجحت في تأسيس تاريخ لها، واشتغلت على صناعة النجوم، وهو ما تأخرت فيه سوريا، حيث لم يعرف نجومها إلا في السنوات الأخيرة، وعبر الدراما، فضلاً عن ذلك، فقد نجحت مصر في عملية توزيع الأفلام، التي يتم التعامل معها بشكل سيئ في سوريا»، مدللاً بذلك على فيلمه «الفهد» الذي تمت دبلجته إلى لغات عدة، ولكنه لم يبع في أي بلد عربي، وكذلك الأمر انسحب على فيلم «الكومبارس» الذي عرض في 40 دولة، ولكنه لم يعرض عربياً خارج المهرجانات.

«ميزة الإنسان هي التنوع» بهذا التعبير حاول المالح أن يحدد الخطوط الفاصلة بين السينما الهابطة والجادة، وقال: «بالنسبة لي، أعتبر أن هناك أفلاماً تستخف بالذوق العام، ولكن الجمهور يطلبها لأنها مسلية، وهناك أفلام أخرى يمكنها أن تفتح أعيننا على المشاعر والقضايا التي تهمنا، وهي الأفلام التي أعتقد أنه يجب علينا أن نهتم بها، ولكن في العموم، فالتصنيف المسبق هو عملية جائرة وظالمة، ويسهم في إلغاء المنتج الإنساني المتنوع».

مفارقة

رغم نجاحه في وضع بصمته في السينما السورية، إلا أن المفارقة تكمن في أن السينما لم تكن قرار المالح الأول عندما توجه إلى براغ للدراسة، فقد كانت عيناه آنذاك موجهة إلى تخصص الفيزياء النووية التي تحول عنها في ما بعد للإخراج، الذي مكنه من رفد السينما السورية بـ 120 فيلماً قصيراً تجريبياً ووثائقياً، و12 فيلماً روائياً طويلاً، من بينها «رجال تحت الشمس» المقتبس عن رواية الكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني.

البيان الإماراتية في

30.05.2014

 
 

نبيل المالح يعرض فيلمه الممنوع (عالشام ...عالشام ) في دبي!

أورينت نت- متابعات

أعلنت صفحة النادي السوري الإجتماعي على موقع التواصل الإجتماعي "الفيسبوك" عن عرض الفيلم الوثائقي السوري "عالشام ..عالشام" للمخرج السوري نبيل المالح الذي أنتج منذ سنوات، ومنعت السلطات السورية عرضه.

ويعد هذا الفيلم واحدا من التجارب السينمائية الإشكالية في سوريا، فبعدما انتهى مخرجه من عمليات تصويره ومونتاجه، تم تشكيل لجنة كبيرة للبت فيه لكنها رفضت عرضه

ومن يشاهد هذا الفيلم سيرى إرهاصات الثورة السورية فيه، فهو فيلم بسيط يطرح وجهة نظر لماذا يهرب الشباب من الريف إلى المدينة، ويؤكد أن أسباب الهجرة اقتصادية، كما أنه يرصد الانتهاكات التي تم ممارستها ضد سكان المناطق التي تعيش تحت خط الفقر." 

عرف نبيل المالح (درس الإخراج السينمائي في معهد السينما في براغ 1957 ). على مر تاريخه الطويل كمخرج أفلام روائية هامة وكان من بين قلة من المخرجين الذين صنعوا ما عرف بالسينما السورية، ولعل شهرة أفلامه الروائية والطويلة التي نالت العديد من الجوائز في مهرجانات عربية وعالمية خلال الثلاثين سنة الماضية ومن أهمها " نابالم (1969) ، المخاض ( 1978) ، بقايا صور( 1978) ، الكومبارس( 1992) ،

وقد عتّمت بشكل أو بآخر على إبداعه في مجال الأفلام الوثائقية والقصيرة التي صنعها نبيل المالح بكثير من الحب الشغف والتقدير ومن أهمها: " حلب( 1965) ، إكليل الشوك( 1969) ، الصخر( 1978) ، النافذة( 1978) ، العتمة المضيئة( 2003) . عالشام عالشام (2006)
في جعبته أكثر من 150 فلماً ما بين طويل وقصير ووثائقي وله بصمة دامغة في خارطة السينما السورية والعربية، وهو فنان – كما يصفه متابعون لمسيرته الغنية- يعيش موجة ملونة متداخلة تنقله من الإخراج إلى الكتابة والرسم والشعر، ويذكر أن المالح حائز على أكثر من 60 جائزة عربية وعالمية.

ننوه أخيراً أن فيلم (عالشام.. عالشام) سيعرض بتاريخ (26) ديسمبر الجاري في دبي مول.

أورينت برس في

18.12.2012

 
 

نبيل المالح يحيي الذاكرة السورية بفيلم عن فخري البارودي

دمشق -الوسط

نبيل المالح مخرج سينمائي معروف، اشتهر بمجموعة أفلام متميزة في تاريخ السينما السورية، منها أفلام: الفهد، بقايا صور، إكليل الشوك، الكومبارس. وقد تجاوزت أفلامه المئة والخمسين فيلما، تتوزع ما بين الفيلم الطويل والقصير والوثائقي، وحاز نبيل المالح على الكثير من الجوائز المحلية والعربية والعالمية، وشارك في لجان تحكيم مهرجانات عربية ودولية كثيرة.

آخر انشغالات نبيل المالح السينمائية قيامه بإعداد وإخراج فيلم سينمائي عن فخري البارودي وهو شخصية سياسية سورية معروفة متعددة الابعاد والاهتمامات، لم يمنعه اشتغاله بالسياسة عن الاهتمام بالموسيقى، ومحبة الفن والفنانين.

فيلم فخري البارودي من نحو أربعين دقيقة. يتخللها عرض مواد وثائقية وصور نادرة جدا، بذلت جهود كبيرة للحصول عليها من اجل أن يكون الفيلم مليئا بالحيوية. عن هذا العمل وشخصية البارودي، كان اللقاء مع المخرج نبيل المالح.

·        اذا احببت ان تقدم فخري البارودي، كيف تقدمه؟

فخري البارودي - كما هو معروف - من أهم المهتمين بالموسيقى في سورية، فهو أول من أسس ناديا للموسيقى الشرقية سنة 1928، وأسس المعهد الموسيقي. وكلف بوضع نظام للإذاعة السورية في عهد الاستقلال، كما كون مع مجدي العقيلي الفرقة الموسيقية للإذاعة، وتعتبر مؤلفاته في الموسيقى من أهم المؤلفات وله معجم تراجم الموسيقيين من حوالي ألفين صفحة، وله الكثير من البحوث المعمقة عن تطوير العود، والكثير من أعماله الموسيقية قدمت في أغان وأناشيد تغنى بها الجمهور، وبقيت مرتبطة بـ ذاكرتنا حتى الآن، من أهمها، نشيد «بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد».

وقد أحيا البارودي رقصة السماح في سورية، والتي كانت موجودة في الأساس وانطفأت في القرن التاسع عشر وهو الذي موّل المشروع وأسهم في ظهوره وإنجاحه ورعايته. إلى جانب هذا كله كان بيته محجّا للفنانين والموسيقيين الكبارعلى مدى نصف قرن.

ارتبط البارودي بالنضال الوطني على مدى خمسين عاما من تاريخ سورية. وكان أهم زعيم شعبي في دمشق، فمثلا كانت دمشق تنتظر مجيء البارودي بعد نفيه إلى الحسكة لمدة ثلاثة أيام في الطرقات. وكان زعيما سياسيا، لمجرد أن هذا عشقه الوحيد، وهو شخص ولد مليونيرا، ومات مفلسا تماما، ففي أيامه الأخيرة من سنة 1966 كان يعيش على حساب الدولة.

في بيت البارودي، تأسست أول حكومة مستقلة وطنية سورية سنة 1918، وفي بيته سكن أول رئيس لدولة سورية المستقلة، وكان عضوا في الجمعية العربية الفتاة، ثم عضوا في الكتلة الوطنية، وقد رئس جمعية خيرية، وهو الذي أسس أول مكتب للعمل القومي في دمشق، وكان البارودي بين الذين كافحوا ضد الانتداب الفرنسي وصنعوا الجلاء.

·        الاشتغال على فيلم يتناول شخصية مثل البارودي يحتاج إلى مادة وثائقية سواء مادة مكتوبة أو مادة بصرية، كيف استطعت تأمين تلك المادة؟

المصادر الوثائقية كثيرة ومتوافرة، ولكن المادة البصرية نادرة جدا، هناك صور عند شخصيات مختلفة مثل بنت اخته، وكذلك الحال بالنسبة إلى صديقه وجاره رجا شربجي، وأخرى من نوال وطلال عقيلي، وهناك بعض الكتب ذات الصلة المباشرة مثل كتاب نهال صدقي عن شعره ونثره، وهناك مذكراته التي حققتها الدكتورة دعد الحكيم مديرة مركز الوثائق التاريخية.

وقمت شخصيا بإعادة بناء أجواء بيته، التي كانت ضاجة بالحياة على مدى خمسين سنة. لم تكن هناك شخصية مشهورة خلالها، إلا ومرت ببيت البارودي، ليس هناك مطرب مشهور او موسيقي او شاعر، ام كلثوم ، احمد شوقي، عبدالوهاب، امير البزق محمد عبدالكريم. كلهم مروا بهذا البيت او تربوا فيه أو تمت رعايتهم والاحتفاء بهم.

حاولت ايضا الا يكون فيلما وثائقيا جافا، فاستخدمت فيه موادا وثائقية حقيقية. فمثلا في حفلة لأم كلثوم يوقفها فخري البارودي في نصف الحفلة وهي تغني رباعيات الخيام في سينما دمشق سنة 1955، تتوقف الحفلة فيحصل الهرج والمرج في الصالة، يقف أمام الميكرفون ليقول: الله يبليك بحبي، فتضحك أم كلثوم، وكانت سعيدة بذلك.

·        كيف تسنى لك متابعة المواد الوثائقية الكثيرة وتنسيقها في مدة قصيرة؟

للأسف لم يكن هناك من يساعدني، وعمليا كنت وحيدا في هذا العمل ، لولا الشهادات التي أخذتها، ولولا البحوث والوثائق أو التلخيصات التي قدمتها نهال صدقي، ولولا نوال عقيلي، لكان الوضع اصعب، ولأني كنت وحيدا اضطررت للعمل قدر الإمكان، عملت مدة أسبوعين فقط في تجهيز وتصوير العمل، بينما كان يتطلب اعطاء العمل حقه، تخصيص مدة ستة أشهر للتحضير له، وكما قالت مديرة مركز الوثائق التاريخية: «ان عملا عن البارودي بحاجة إلى مسلسل مدته عشرون ساعة حتى يغطي حياة ونشاطات هذا الرجل»

الوسط البحرينية في

29.09.2002

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)