على إيقاع موسيقى كلاسيكية مؤثرة، افتتحت الدورة العاشرة من
المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وكما كان مقررا جرى عرض فيلم
"جريمة هنري"، من بطولة كينو ريفيس وجيمس كين وإخراج مالكوم فينفيل.
فيلم قوي، فقط ما أزعجني هو أن عشرات ممن حضروا الافتتاح غادروا
القاعة فور إطفاء الأنوار ليبدأ الفيلم.
لماذا؟
لا يميزون بين السينما وحفلات الزفاف، لذا فقد جاؤوا للاستعراض...
واضح أن الفتى الذي يوزع الدعوات والاعتمادات لا يتابع... لا يهم،
لنر الأهم: الفيلم.
يعمل هنري محصلا في محطة أداء الطريق السيار. رجل صالح، ينهي عمله
ويسرع إلى بيته، خاتم الزواج واضح في يده، يصل فيجد الأكل جاهزا،
فزوجته مثالية، إلا أنها تريد أن تنجب، وهنري لا يقوم بواجبه على
هذا المستوى... تتهمه زوجته انه لا يحب الأطفال. يؤكد العكس لكنه
لا يقدم الدليل العملي... يتابع برنامجا إذاعيا ينصحه ألا يكون
مخنثا... يأتي زملاء الدراسة ويقترحون على هنري أن يرافقهم
للمشاركة في مقابلة... يترك زوجته ويذهب وقد ارتدى الجميع قمصانا
بنفس اللون... هنري يقود ولكن زميله يقرر الاتجاه... يطلب منه
زميله التوقف أمام بنك، يسرق الزميل البنك ويهرب... تجد الشرطة
الفتى هنري واقفا بسيارته وهو يلبس نفس ملابس اللصوص فيجد نفسه
محكوما بثلاث سنوات حبسا... لم يش بزملائه، لم تكن لديه الطاقة
ليناضل لإنقاذ نفسه... إنه ضعيف الشخصية، يمكن التأثير عليه
بسهولة، لذا يتبع التيار... لا يعرف ما يريد لذا يملي عليه الآخرون
خططهم... يوجد المشكل في دماغه لا في الآخرين.
تزوره زوجته في السجن، تخبره أن لها عشيقا، يرد أنه "لا مشكلة" وهو
ليس غاضبا... في هذه الأجواء الضبابية التي يعيشها هنري يتعرف على
سجين عجوز يدعى سالزمن، وحينها يكتشف شخصا لديه وجهة نظر صلبة لا
يتنازل عنها. يعرف ما يريد وكيف، إنه نقيض هنري.
سالزمن محكوم بالمؤبد، وهو لا يريد تحويله للمحدد لكي لا يغادر
السجن، وفي كل مرة يلتقي بلجنة فحص السلوك يهدد أعضاءها لكي لا
يقلصوا مدة سجنه او يطلقوا سراحه... ليس له أحد خارج أسوار
السجن...
يتحدث سالزمن مع هنري، يوضح له أنه عوقب على جريمة لم يقترفها، إنه
بريء، والحل هو أن يرتكب فعلا الجريمة التي عوقب بسببها... حينها
يقرر هنري أن يسرق البنك فعلا... إنها الجريمة بعد العقاب... عدالة
مقلوبة...
يغادر اهنري السجن إلى منزله مباشرة، وجد زوجته حامل، لم يرتكب
هنري الجريمة المتوقعة، بل يشرب بيرة مع العشيق... ثم يغادر ليخطط
للسرقة ليرد الاعتبار لنفسه، يحوم حول البنك يفحصه فتصدمه سيارة
ممثلة في مسرح ملاصق للبنك... واوا... يتواعد مع الممثلة ويبدأ في
حبها، لقد وجد المبرر للتواجد قرب فريسته بشكل دائم... يكتشف بارا
أسفل المسرح، وانه كان هناك نفق يربط بين البنك والبار ليأتي موظفو
البنك ليشربوا البيرة... لم يبق هناك إلا التنفيذ... وهذا يحتاج
التخطيط والحسم، وهم ما لم يتوفر عليه هنري أبدا في حياته.... عن
سؤال: من أنت؟ يقول: خارج من السجن، هذا كل تعريفه لنفسه... ماذا
يريد أن يكون؟ لم يخطر السؤال بذهنه.
يريد الاحتفاظ بكل الخيارات دفعة واحدة، يريد أن يصبح لصا وأن
يحتفظ بحبيبته. حتى حركة هنري المتخشبة، تعكس جمود عقله... لا
يستطيع أن يختار ويحسم...
هنا يظهر كم يسيطر السيناريست على هوية الشخصية، بحيث لا يفرض
عليها سلوكات تناقض طبيعتها... ما الحل؟
يذهب هنري لزيارة سالزمن في السجن، يطلب منه المساعدة، لا يريد
سالزمن مغادرة السجن، لكن هنري يتوسل إليه... حينها يتصرف العجوز
بأدب مع لجنة فحص سلوك السجناء وتمنحه حرية مشروطة... يلتقيان
ويقصدان البنك لفتح حساب... في الحديث مع موظف البنك يتذكر سالزمن
أيام البار الذي يربط المسرح بالبنك وعن جمال الأيام الخوالي...
ويسأل الموظف: هل مازال الصندوق على حاله؟
الجواب: نعم.
يقرران بدء الحفر من المسرح لسرقة البنك... وهكذا وجدا نفسيهما
يوميا مع الفرقة التي تتدرب على مسرحية تشيكوف "بستان الكرز"،
وفيها امراة روسية تعود للريف لتبيع بستان الككرز خاصتها... صار
المسرح مطية للسرقة... التمثيل فوق الخشبة والحفر أسفلها للوصول
لصندوق البنك... للخشبة مستويات: تحت وفوق. تحت للفأس وفوق
لكاستينغ ملائم للأدوار وكأن كل دور كتب خصيصا للممثل الذي
يؤديه... سلاسة وأداء طبيعي كما يطلب المخرج في المسرحية... الفيلم
هو درس تطبيقي ونظري في الأداء الطبيعي، وهو علامة على ابتعاد
أساليب التمثيل في السينما عن تقاليد المسرح التي تتسامح مع
المبالغة... على صعيد الصوت، هناك الكثير من الصمت الدال، وقد
استخدم المخرج الأغاني بكثافة بدل الموسيقى التصويرية... وقدم
لقطات قصيرة تقول الكثير... وهذا سر المخرج المبدع... ووحدها
المشاهدة المكثفة والمركزة لأفلام كثيرة ومختلفة تمنحنا أسرار
السرد السينمائي... تلك التي يستخدمها المخرجون، ولا يتحدثون عنها،
يحتفظون بها لأنفسهم، ونحن، المتفرجين، نحصل على الدهشة، ونادرا ما
نعرف كيف بنيت وطورت...
نتابع تطور المفارقات في الفيلم: يتواعد هنري مع الممثلة بينما
يساعد سالزمن المخرج بتوجيهات... يعلمه أنه يعتبر تشيكوف أفضل روسي
بعد غورباتشوف... بينما يغرق العجوز في التخطيط للسرقة يغرق هنري
في حب الممثلة... وهكذا يتباعد مسارهما...
غير هنري رأيه، لا يريد سرقة البنك، يريد البقاء مع الممثلة، وقد
حصل على دور مهم في المسرحية... بينما الحب يتعمق... تتوالى ضربات
العجوز بالفأس والرفش لتعميق حفرة تنتهي إلى البنك...
اعترف هنري لحبيبته بخطته للسرقة، صار الثلاثة على علم بالجريمة،
وكلما زاد العارفون بالخطة تهددها الانكشاف... وقد تعقد الأمر
عندما دخل الشرطي الذي يحرس البنك على الخط...
بينما العجوز تحت الخشبة يركب أجزاء الخطة بناء على خريطة النفق في
مرحاض البار القديم... كانت الممثلة فوق الخشبة قد وقعت في حب هنري
فسهت، لذا تجد صعوبة لتؤدي دور العاشقة له، لأن الحقيقة أقوى من
التمثيل.... ينتقدها المخرج المسرحي: تمثلين بصوت عالي ولا أشعر
بك...
ترفض أن تعترف بحبها على الخشبة كما تعترف به على السرير... الحل؟
خرجا من نص تشيكوف ليعيشا حبهما بدل أن يمثلاه، وهو ما أسعد المخرج
والجمهور...
انتهى الفيلم، ما هي جريمة هنري؟
حين وقع في الحب لم يذهب مع المجرمين، أنقذه الحب، وهو بريء يستحق
كل التعاطف. واضح أن جريمة هنري هي عدم الوقوع في الحب مبكرا، لو
كان وقع لمنحه ذلك وضوح الرؤية وشحنه بالإرادة التي تنقصه ليختار
مسارا واحدا ويسير فيه، لأن عدم الحسم ومحاولة الاحتفاظ بكل
الخيارات دفعة واحدة أكثر من جريمة، إنه جنون يقود للدمار.
هذا ما يفسره المخرج بحرفية عالية في فيلم "جريمة هنري". فيلم يليق
بافتتاح مهرجان مراكش الدولي.
أخيرا، لقد اكتشفت، مساء اليوم الثالث أن الاعتمادات تميز بين
الصحفيين، وقد حصل مراسل هسبريس السينمائي على اعتماد صحفي من
الدرجة السابعة. انتظرت حتى اليوم الرابع، شاهدت أربعة عشر فيلما
قصيرا تخص مسابقة مدارس السينما ثم غادرت مراكش.
سينمائيون يزورون "هوليود المغرب" على هامش مهرجان مراكش
الشيخ اليوسي من ورزازات
زار عدد من المخرجين والممثلين الأجانب مجموعة من مواقع تصوير
الأفلام في مدينة ورزازات، من أجل التعرف عن قرب على مرافق الفن
السابع بالمغرب، التي كانت مسرحا لتصوير أفلام عربية وعالمية.
الزيارة، التي نظمتها مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم في رابع أيامه،
شارك فيها عدد من الممثلين الذين تشارك أفلامهم في المسابقة
الرسمية في الدورة الخامسة عشر، منهم الممثلون الكوريون الذين أدوا
أدوارا في فيلم "زهرة الفولاذ"، أول أفلام المسابقة الذي تم عرضه
في المهرجان صباح السبت الماضي.
وعلى الرغم من الشهرة التي تحظى بها مدينة وارززات على الصعيد
الإفريقي، لدرجة تسميتها بـ"هوليود المغرب"، إلا أنه كان لافتا أن
ذلك لم ينعكس ايجابيا على بنيتها التحتية، خاصة تلك المرتبطة
بالطرق المهترئة.
فمن أجل الوصول إلى قصبة آيت بن حدو، التي تبعد عن مركز المدينة بـ
30 كيلومترا، والتابعة لجماعة امرزكان في النفوذ الترابي لإقليم
وارززات، كان لابد من المرور عبر طرق أقل ما يمكن أن يقال عنها
إنها "طرق مهترئة وضيقة"، وتنقصها الكثير من الصيانة، ما دفع عددا
من السائقين الذين تم تكليفهم بنقل ضيوف المدينة القادمين من
مراكش، إلى السير بأقل سرعة ممكنة، من أجل ضمان الوصول إلى القصبة
التي تصنف ضمن التراث العالمي بسلام.
البعثة الكندية، التي حظيت بتكريم المهرجان، زارت هي الأخرى كلا من
قصبة آيت بن حدو، واستوديوهات التصوير، حيث عبّر المخرج الكندي
الذي يرأسها، أتوم أكويان، عن إعجابه بالقصبة، وبالاستوديوهات التي
كانت مسرحا لتصوير عدد من الأفلام العالمية.
وكشف أكويان، في تصريح لهسبريس على هامش الزيارة، أنه شاهد عددا من
الأفلام التي تم تصويرها في المدينة، موضحا أنه من خلال زيارته
الأولى للقصبة، وجد اختلافا كبيرا بين مشاهد الأفلام التي قام
بمتابعتها، وطريقة بناء وهندسة هذه المعلمة السينمائية.
المخرج الكندي عبّر عن سعادته باحتفاء المهرجان بالسينما الكندية،
التي اعتبرها "تعكس خليطا عرقيا وثقافيا يجمع الشعوب التي تكوِّن
بلاده، من شعوب أصلية وأخرى استوطنت في شمال القارة الأمريكية"،
مؤكدا أن تأثير الهجرة أضيف إلى التنوع الثقافي الكندي.
وجوه سينمائية عديدة في أدوار "كومبارس" تعوّد محبو الفن السابع
على مشاهدتها في مجموعة من الأفلام العالمية كانت حاضرة اليوم
بقصبة آيت بن حدو وباستوديوهات التصوير، حيث قال أحدهم إنه على
الرغم من الأموال الطائلة التي يتم تخصيصها للإنتاجات السينمائية
بـ"هوليود المغرب"، فإن راتب هؤلاء "الكومبارس" يبقى زهيدا.
مهرجان مراكش للفيلم يكرِّم السينما الكندية .. ويعرض "المتمردة"
هسبريس - و.م.ع
شهد اليوم الثالث من الدورة 15 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش،
تكريم السينما الكندية باعتبارها واحدة من أكثر أقطاب الصناعة
السينمائية تميزا وحيوية، فضلا عن حضور السينما المغربية في
المسابقة الرسمية، من خلال عرض فيلم "المتمردة" للمخرج جواد غالب.
ولبت نخبة من الأسماء اللامعة في المشهد السينمائي الكندي، مساء
الأحد، دعوة مهرجان مراكش، حيث عاشت منصة قصر المؤتمرات لحظة ساحرة
للاحتفاء بقارة سينمائية حافظت على وتيرة تطور مطردة.
وتسلم المخرج الكندي الكبير أتوم أكويان النجمة الذهبية للمهرجان
من المخرجة المغربية فريدة بليزيد، على منصة اصطف فيها جمع من
الممثلين والمخرجين والمنتجين، يعدون سفراء سينما تحمل بصدق سمات
دولة متعددة الأعراق والثقافات.
وفي كلمة باسم الوفد الكندي، أعرب المخرج العالمي أتوم أكويان، عن
سعادته بتقاسم التجربة السينمائية لبلاده مع الجمهور المغربي، من
خلال أفلام تعكس تنوع المرجعيات والأساليب في المتن السينمائي
الكندي، مضيفا أن أفلام كندا تعكس فسيفساء ثقافية تجمع بين إرث
الشعوب الأصلية والذاكرة الاستعمارية لفرنسا وبريطانيا، انضافت
إليه تأثيرات موجات الهجرة المتواصلة إلى بلاده، التي تكرس تعددية
ثقافية وهوية متنوعة الروافد.
وأعقب حفل التكريم الذي يكرس تقليدا دأب عليه مهرجان مراكش منذ
دورة 2004، عرض فيلم " تذكر" للمخرج أتوم أكويان، الموهبة الفذة
التي أبهرت أرقى محافل الفن السابع عبر العالم، وفي إطار هذه
الاحتفالية، برمج المنظمون سلسلة عروض شملت ثلاثين فيلما كنديا،
تدعو ضيوف التظاهرة وعشاق السينما، لاستكشاف العوالم الإبداعية
للسينمائيين الكنديين، والتي تمثل أجيالا وتيارات وأساليب متنوعة.
"المتمردة" .. عين على نضال المهاجرين من أجل الانصاف
وفي اليوم الثالث، وقعت السينما المغربية، حضورها في المسابقة
الرسمية للدورة 15 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش من خلال عرض فيلم
"المتمردة" والذي الذي يتنافس على جوائز المهرجان ضمن قائمة من 15
فيلما، كما يمثل نظرة جيل جديد من السينمائيين المغاربة المنشغلين
بمساءلة قضايا عدة ذات طابع إنساني وحقوقي. فهو يسلط الضوء على
جوانب من معاناة المهاجرين المغاربة في الوسط المهني بأوروبا، بصوت
أنثوي.
إنه صوت "ليلى"، الشابة الجامعية المغربية، التي تقصد بلجيكا من
أجل مستقبل مهني أفضل. تحط الرحال بمزرعة عائلية للتفاح يديرها
أندرو وتكتشف النظام الجائر الذي ينتهك الحقوق المهنية والانسانية
للعمال والعاملات، خصوصا من ذوي عقود العمل الموسمية. ليلى التي
كانت ناشطة من أجل الديموقراطية في بلادها ستحاول الدفاع عن نفس
القيم التي تؤمن بها، من أجل التغيير الذي يحفظ الحقوق في بلد
استقبال من قبيل بلجيكا.
ويتخذ الفيلم منحى خطيا، يرسم رحلة ذهاب صوب المهجر. يبدأ بمغادرة
المغرب، وينتهي بالعودة إليه بعد انتهاء عقد العمل الموسمي. يقترح
صورة مغايرة لمهاجر حامل للقيم الحداثية، مستعد للدفاع عن حقوقه
المشروعة في إطار القانون. يتفادى الفيلم السقوط في صور أحادية
للآخر. فمقابل رب العمل البلجيكي الذي ينتهك حقوق عماله، ثمة أيضا
مواطنته الناشطة الحقوقية التي تساعد المهاجرين وتتبنى قضاياهم.
أدى أدوار الفيلم ( ساعة و 16 دقيقة) كل من صوفيا مانوشا (ليلى)،
بنيامين رامون (ثيبو)، هاند كودجا (جولي)، نادج ويدراوكو (فاتو)
بونوا فان دورسالاير (أندري)، رفائيل برونو (فرانسواز)، إيزابيل
كايولكزوك (لوسيا)، أوليفيي بونجور (ألبير)، جون دومينيك أورساتيلي
(برنار).
يذكر أن جواد غالب يخوض مغامرة الفيلم الطويل لثاني مرة بعد عدة
تجارب في الفيلم الوثائقي توجته بأفضل فيلم وثائقي في فيسباكو
سنة2007 . وقد جذب الانتباه أيضا بفيلم "المعذبون في البحر"، حول
معاناة الصيادين والذي حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان مونتي
كارلو، وترشح لجوائز الأكاديمية الأوروبية.
سبق لجواد غالب أن أخرج أول فيلم روائي طويل له بعنوان "7، شارع
الجنون" الذي تم عرضه في مهرجان بلد الوليد، ومهرجان السينما
الجديدة في مونتريال ومهرجان الفيلم الفرنكوفوني بنامور. |