سبحان الله.. فنان عالمي “بجد” وبحجم الكبير «أوي» عمر
الشريف الذي صال وجال وسط عتاولة نجوم ونجمات هوليوود حاملاً اسم مصر
ورافعا رايتها كأول وآخر نجم عربي عالمي حتى الآن، فنان حصل على أكبر
الجوائز العالمية ونال أعظم النياشين من الخارج وسكن القصور والفيلات وأفخم
الفنادق ينتهي به المطاف بعد هذا العمر الطويل هنا في مستشفي بهمان للأمراض
النفسية في حلوان، وتصعد روحه إلى بارئها في صمت بعد ١٠ أيام صعبة ساءت
فيها حالته بعد دخوله مرحلة اكتئاب شديد، أعقبها زهد وامتناع تام عن
الطعام، ثم أزمة قلبية متوحشة لم ترحم ضعفه وهوانه وشيخوخته ووهن ذاكراته
ووحدته.. وغيبوبتنا!
نعم غيبوبتنا لأننا لم ندرك قيمة هذا الفنان الثروة، ولم
نقدره حق قدره، وقفنا منه موقف المتفرج على مدى عقود طويلة حتى عندما علمنا
بإصابته بالخرف الذهني أو الزهايمر وإقامته وحيدا في منتجع بالجونة بعيداً
عن الناس، لم نلق بالاً ولم يفكر أحدنا فيما يمكن أن يقدم لهذا الرجل الذي
عشقه العالم كله، وكأنه لم يكن ابناً لهذا البلد الذي لا يعرف قيمة أبنائه
إلا بعد فوات الأوان!
هل تعرفون من هو عمر الشريف؟ إنه فنان يشار له بالبنان في
الخارج! لقبوه بـ”سندباد” السينما العالمية، ولورانس العرب، ودكتور زيفاجو،
وفاتن القلوب، والمخضرم، والأسطورة صاحب الجوائز العالمية “النجم الصاعد،
وأفضل ممثل ورشح لجوائز الجولدن جلوب والأوسكار، ونال جائزة سيزر”! واسمحوا
لي أن أذكر واقعة حدثت معي عندما سافرت إلى إيطاليا عام ١٩٨٠ وقتها كنت
طالباً بالسنة الثالثة بكلية الإعلام، وشاءت الظروف أن ألتقي بعض الشباب
هناك، ولما علموا أني مصري سألوني عن ثلاثة «الأهرامات والسادات وعمر
الشريف”!
هل تعلمون كيف تلقى الغرب نبأ وفاة النجم العالمي يوم
الجمعة الماضي؟ لقد خيم الحزن عليه واتشحت مدينة السينما العالمية هوليوود
بالسواد وتبارى أشهر نجومها في إعلان حزنهم عليه، وتقديم التعازي فيه!
ها هو صديقه المقرب النجم الإسباني الشهير أنتونيو بانديراس
يعرب عن حزنه الشديد فور سماعه خبر الوفاة ويكتب عبر حسابه الشخصي
«الفيسبوك” رحل صديقي العظيم «عمر الشريف» سوف أفتقده دائماً، فقد كان
واحداً من أفضل النجوم، فقط فيلمان أغنى بهما التراث الفني «لورانس العرب»
و”دكتور زيفاجو”!، و كتب «سيان والتمان» تغريدة على تويتر قال فيها: “كان
حقًا أحد العظماء”. وودعه الفنان الكبير “كيفين تشامبرلين” بقوله «شكراً
على جميع أعمالك الخالدة على الشاشة». وقال عنه الفنان «يوجين سيمون» بطل
السلسلة التليفزيونية الشهيرة «لعبة العروش» عبر حسابه على «تويتر»: «عمر
الشريف، يا له من عمل مذهل قدمته للعالم، فلترقد في سلام”.
أما المخرج الشهير «رولان إيميريش» فقد عبر عن تعاسته بسبب
رحيل «عمر” قائلاً: «حزين للغاية برحيل عمر الشريف، وسعيد جدًا أنني تمكنت
من العمل مع أسطورة مثله، قلبي مع عائلته”.
بينما قامت النجمة العالمية صوفيا لورين بنشر صورة تجمعها
بالنجم العالمي الراحل على صفحتها الرسمية بالـ”فيسبوك”، وعلقت بجملة:
“ارقد في سلام”.
وقال عنه الفنان العالمي «جوش جاد»، عبر حسابه على «تويتر»:
«حزين لمعرفة خبر وفاة عمر الشريف، فقد نشأت على (لورانس العرب) و(دكتور
زيفاجو).
أما موقع الجارديان، فقد تعامل معه بصفته واحداً من أهم
نجوم العالم ونشر عنه تقريراً مصوراً ومطولا استعرض فيه مشوار حياته!.
بينما انشغلنا كالعادة بالحديث عن ديانته «مسلم ـ مسيحي
ـيهودي» وعدد النساء في حياته «وأمور أخرى تافهة من هذا القبيل!
هل تصدقون أن مصر لم تكرم هذا الرجل الذي طالما كرمها
وشرفها في الخارج أو حتى تفكر «مجرد التفكير» في تكريمه؟ فها هو فاروق حسني
وزير الثقافة الأسبق الذي قضى في منصبه زهاء العشرين عاما يعترف وبكل بساطة
أنه كان من الأصدقاء المقربين من عمر، لكن صداقته له حالت دون تكريمه أو
طرح اسمه على مؤسسة الرئاسة وقتها حتى تكرمه! يا له من عذر أقبح من ذنب!
وهل كان الشريف بحاجة إلى تذكيرك الرئاسة أو المسئولين بقيمته؟ عمر الشريف
الذي نتباهى ونتفاخر به أمام الدنيا كان أكبر من ذلك بعزة نفسه وتواضعه إلى
أبعد الحدود، وهو الأمر الذي لمسته بنفسي حين أتيحت لي الفرصة لإجراء حديث
معه لمجلة المصور عام ١٩٨٣، عندما كان يصور فيلم «أيوب» مع الفنانين الكبار
فؤاد المهندس ومديحة يسري وآثار الحكيم في بدايتها، وقتها كنت محرراً
صغيراً ذهبت إليه برفقة المصور الخلوق فاروق عبدالحميد متعه الله بالصحة،
وضربات قلبي عالية كما لو كانت تعزف في أحد الأفراح البلدية، وأنا على بعد
مترات صغيرة من لقاء هذا النجم العملاق؛ خوفاً من أن يرفض الحديث معي أو
يعاملني بشكل غير لائق وأنا صحفي مبتدئ، وكانت مفاجأتي كبيرة، فمنذ الوهلة
الأولى من المقابلة وجدته إنسانا بسيطا مبتسماً مرحباً متحضراً يجيب عن
جميع أسئلتي دون ضيق أو ضجر بعكس أنصاف نجوم وقتها كانت تأخذهم العزة
بالإثم ويقتلهم الغرور ولا يجرؤ أحاديث صحفية إلا مع رؤساء التحرير فقط!
عمر الشريف لم يتأخر عن خدمة مصر أبداً، وتفسيري الوحيد
لهذا التقصير والتجاهل المتعمد لا يخرج عن ثقافة الحقد والكراهية والنقص
والجهل التي لا زالت غرست في قلوبنا وتسيطر علينا وتحكمنا!
أعود مرة أخرى لأستعرض معكم محطات مهمة في حياة الأسطورة أو
«ميشيل ديمتري شلهوب» هو الاسم الحقيقي للفنان الراحل عمر الشريف الذي ولد
يوم ١٠ أبريل عام ١٩٣٢، بالإسكندرية وظل يحمل اسم شلهوب ويتعامل به حتى
التقى الفنانة فاتن حمامة، فتزامنت قصة حبه لها وأشهر إسلامه من أجلها، مع
بدايته الفنية في فيلم «صراع في الوادي»، فاختار لنفسه اسم «عمر الشريف»!
كان والده تاجر أخشاب، يحلم أن يعمل ابنه في هذه المهنة إلا
أن ميشيل الصغير كان شغوفاً بالتمثيل الذي بدأه على خشبة مسرح فيكتوريا
كوليدج التي كان يدرس بها. وكان زميلا للمخرج العالمي يوسف شاهين.
ولعبت الأقدار دورها في توطيد هذه الزمالة، حتى كان
لـ”شاهين” الفضل في تقديمه للجمهور مشاركا الفنانة الراحلة فاتن حمامة
بطولة «صراع في الوادي»، ومنه حصل على شهادة نجاحه، وحب حياته الذي عجز
الزهايمر أن ينسيه إياه بل كانت وفاتها من أهم الأسباب التي أدت إلى إصابته
بالاكتئاب الشديد، حيث كان معروفاً عن الفنان الراحل أنه يكتئب كلما فقد
أحداً من أصدقائه أو أبناء جيله، وحدث أن دخل في اكتئاب شديد عندما علم
بوفاة صديق عمره الفنان الكبير أحمد رمزي منذ سنوات!
وبعد صراع في الوادي انطلق الجواد الجامح في مضمار التمثيل،
حيث قدم مع فاتن أفلام “أيامنا الحلوة» مع أحمد رمزي وعبدالحليم حافظ، ثم
«صراع في المينا» مع أحمد رمزي أيضا، و»لا أنام» مع مريم فخر الدين وعماد
حمدي، و»نهر الحب» مع زكي رستم، وسيدة القصر مع ستيفان روستي وعمرالحريري.
العالمية
وجاءت الخطوة الكبيرة في حياة عمر الشريف في السينما
العالمية عندما اختاره المخرج ديفيد لين للمشاركة فى فيلم لورنس العرب،
وكان اختيار الشريف لهذا الدور بناء على رغبة المخرج في أن يكون العمل أكثر
واقعية، وقيل وقتها أن ديفيد لين أعلن في مصر عن مسابقة لاختيار بطل فيلمه
وتقدم لها عمر الشريف والفنان الراحل رشدي أباظة لكن ملامح عمر منحته فيزة
دخول العالمية وأكسبت الدور واقعية عرقية، وقيل أيضاً إن عمر رُشح لهذا
الدور بعد رفض هورست بوتشولز، وآلان ديلون، وكانت إجادته له سبباً في
ترشيحه لنيل جائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد، ولكنه حصل على جائزة الجولدن
جلوب كوجه جديد واعد وصاعد.
وبعد حصوله على جائزة الجولدن جلوب وترشحه للأوسكار فُتحت أبواب هوليوود
أمام عمر الشريف، ساعده فى ذلك وسامته التي أهلته لتجسيد أدوار متنوعة ولفت
أنظار العالم الغربي كلها صوبه.
واستمر عمر مع نفس المخرج الذي قدمه في أفلام «دكتور زيفاجو
والرولز رويس الصفراء والثلج الأخضر والفتاة المرحة”.
وفي السبعينيات، قام بتمثيل أفلام الوادي الأخير وبذور
التمر هندي.
إلا أن تلك الأفلام لم تلق النجاح المنتظر؛ نظرا لابتعاد
الغرب عن الأفلام الرومانسية في ذلك الوقت.
مما اضطر عمر إلى تمثيل أدوار كوميدية ثم الاكتفاء بالظهور
في البرامج والمسلسلات والسهرات أو كضيف شرف.
واشتهر عمر الشريف في أفلامه الأجنبية بشخصية الرجل الهادئ
والغامض واللطيف والمغري للنساء، بينما مثل في أفلامه العربية جميع
الشخصيات الهزلية والأدوار الجادة والرومانسية والكلاسيكية.
وأثناء غيابه عن مصر كان لا يتوقف عن العمل في مسلسلات
إذاعية مصرية منها «أنف وثلاث عيون» و»الحب الضائع»، وبعد انحسار الأضواء
العالمية عنه عاد إلى مصر في الثمانينيات وقام ببطولة عدة أفلام منها أيوب،
والأراجوز، وضحك ولعب وجد وحب، والمواطن مصري، وحسن ومرقص، والمسافر،
ومسلسل حنان وحنين عام ٢٠٠٧ مع صديقه الفنان الراحل أحمد رمزي.
واختتم أعماله الفنية بالاشتراك مع كبار نجوم الوطن العربي
في فيلم «روك القصبة».
حياته الشخصية
في عام ١٩٥٥ تزوج عمر الشريف من سيدة الشاشة، فاتن حمامة،
ودام زواجهما ١٥ عاما، وأنجب منها ابنه الوحيد “طارق”، الذي تولي إدارة
أعمال والده في السنوات الأخيرة رغم إقامته في الخارج، وكانت قصة حب عمر
وفاتن مضرب الأمثال ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله. لكنه دفع
ضريبة العالمية والشهرة بإهماله لبيته، ورفض الفنانة الراحلة ترك مصر
والإقامة معه في هوليوود لينتهي الأمر بطلاقهما بعد ٢٠ عاماً من المشاكل.
وظل عمر دون زواج رسمي بعد فاتن، حتى وفاته بعد ستة أشهر من رحيلها، ومن
المفارقات الغريبة أنه ظل متصوراً أنها لم تمت وكان يسأل عنها ابنهما طارق
بين الحين والآخر بسبب إصابته بمرض الزهايمر منذ ٣ سنوات دون أن يعرف أحد
بهذا الأمر، حتى أعلن طارق فى تصريحات صحفية لجريدتي «تيليجراف» البريطانية
و»إل موندو» الإسبانية منذ ٣ أشهر أن مرض «الزهايمر» تمكن من والده، وأن
حالته تسوء وأصبح لا يتذكر أسماء أشهر أعماله الفنية التي شارك بها أو
تواريخ تصويرها، مضيفاً بأنه لم يعد يعي لماذا يحييه المعجبون، ويتخيل أنهم
أصدقاء قدامى نسي أسماءهم، مع أنهم مجرد معجبين لا تربطهم به أي علاقة، بما
يعنى أنه لم يعد يعرف أنه ممثل مشهور وأن والده «لا يدرك حقيقة مرضه ولا
يريد القيام بالتمارين من أجل تحسين حالته الصحية، ويجد صعوبة فى تذكر ما
فعله أمس، ناهيك عن تذكر فترة تألقه فى هوليوود. كما صرح طارق وقتها لجريدة
صنداى تايمز أن والده يكون فى بعض الوقت فى حال أفضل، وفى أوقات أخرى
مرتبكا للغاية». وأن سبب اكتشافه بأن ثمة شىء ما يعانى منه والده عام ٢٠١١،
عندما زجر صحفية خليجية كانت تحاول التقاط صورة معه خلال فعاليات مهرجان
الدوحة السينمائي فى قطر، وقال طارق إن والده لم يعره انتباها عندما أخبره
بوفاة أمه فى شهر يناير الماضي.
أهم الجوائز والتكريمات
نال الفنان الراحل جائزة النجم الصاعد لعام ١٩٦٣ عن دوره
بفيلم لورنس العرب، وأفضل ممثل في فيلم دكتور زيفاجو عام ١٩٦٦، وجائزة
الجولدن جلوب، عن فيلمه الموسيقي «الفتاة المرحة» عام ١٩٦٨، والدرامي
الرومانسي «ميرلنج» في نفس العام، والفيلم الفرنسي «السيد إبراهيم» والذي
رشح لنيل جائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي، وترشح لنيل جائزة الأوسكار
عن دوره في «لورانس العرب «، ونال جائزة سيزر العالمية.
كلمة أخيرة
علينا أن نعترف بتقصيرنا في حق هذا العملاق العالمي الذي
سنظل نتباهى ونفتخر به أمام العالم، هذا الفنان الذي تجاهله المنتجون
المصريون بسخف شديد ولم يحسنوا استغلال قدراته الفنية الرهيبة، اللهم إلا
بعض الأفلام القليلة، ويكفي أداؤه المبهر في الأراجوز وحسن ومرقص الذي لم
يكن فيلماً بقدر ما كان مباراة رائعة في الأداء بينه وبين الفنان الكبير
عادل إمام، وأرجوكم لا ترهقوا أنفسكم بإطلاق اسمه على دورة مهرجان أو قاعة
محاضرات أو شارع أو مدرسة، فقد سئمنا من هذه التكريمات التي لا تتم إلا بعد
رحيل العمالقة!.
أما عتابي فأوجهه لثلاثة أشخاص، ابنه طارق الذي تركه في
لحظات مرضه ومحنته حتى مات وحيداً داخل مصحة للأمراض العقلية، والذي أخفى
خبر إصابة والده بمرض الزهايمر منذ ٣ سنوات، وتسبب في غضب والدته الفنانة
الراحلة فاتن حمامه من تصريحات الشريف غير المسئولة والتي أساءت لها وهي في
عصمة الرجل الفاضل د.محمد عبدالوهاب دون أن تدرك أن ما قاله عمر لم يكن إلا
تخاريف نتيجة الزهايمر الذي أتي على جزء كبير من خلايا الذاكرة في المخ!.
وعتابي أيضا لفاروق حسنى الذي تخلى عن صديقه ولم يلفت نظر
المسئولين وقتها لتكريمه وكان ذلك حقاً عليه، وعتابي الأخير لصديقه الدكتور
زاهي حواس الذى تكتم هو الآخر تفاصيل الحالة المرضية الأخيرة للفنان
الراحل، وجعلنا نتفاجأ بخبر رحيله داخل مستشفي للأمراض العقلية في حلوان!
وفي النهاية أقول للعالمي عمر الشريف جسدك سيغيب عنا أما شمس أعمالك
وتاريخك المشرف فلن تغرب أبداً!.
الكبير كبير
في الوقت الذى تخاذل فيه عدد كبير من نجوم الفن عن المشاركة
في تشييع جثمان الفنان العالمي عمر الشريف الأحد الماضى ، أصر الدكتور محمد
عبد الوهاب زوج الفنانة الراحلة فاتن حمامة علي حضور الجنازة رغم كبر سنه
وحرارة الجو في نهار رمضان ، ليقدم واجب العزاء بنفسه ويثبت أن الكبير كبير
. |