أمير العمري يروي تفاصيل الصراع حول مهرجان
القاهرة السينمائي
أمير العمري
بعد أن أعلنت قبولي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي في يونيو 2013
كنت أعرف جيدا أن ثائرة البعض ستثور لمجرد إسناد المهرجان إلى أنا
الذي أقيم معظم الوقت خارج مصر، وأن البعض سوف ينبري بالفعل
للتشكيك في القرار والقول بأنني لا أعرف الواقع المصري وأنني بعيد
عنه وعن أجوائه لأنني أقيم في الخارج (تماما كما حدث مع الدكتور
محمد البرادعي) ويحاولون تصويري وكأنني هبطت بـ"باراشوت" على سقف
ذلك المهرجان العجوز، وهو ما حدث بالفعل من جانب بعض الصحفيين
الصغار من أرزقية المهرجانات، أي ذلك النوع من الصحفيين المغرمين
بالتطفل على موائد الطعام في الفنادق التي يقيم فيها ضيوف
المهرجانات في مصر، فهؤلاء لا يشاهدون الأفلام بل يتلصصون على ما
يجري حولهم فربما يعثرون على خبر من نوع النميمة أو على أي شيء
يمكن استخدامه للاثارة أو التشهير.
وبوجه عام يشعر "المقيمون" بنوع من الضغينة والحقد على الذين
يتمتعون بحرية الانتقال بين عواصم الدنيا ومصر، فهم يعتقدون أن من
يقيمون بالخارج يعيشون في نعيم، ويرون بالتالي، أن المقيمين (في
الشقاء- وهو شقاء من صنع البشر أنفسهم في الحقيقة) أولى بالعمل
والمناصب من القادمين من الخارج، حتى لو كان هؤلاء يتمتعون بخبرة
قاموا بتحصيلها عبر سنوات من الجهد الشاق والجاد، دفعوا خلالها
الثمن مضاعفا: غربة وجهدا مضاعفا للتحصيل والمعرفة. وبدلا من
الاحتفاء بمن درسوا وتعلموا في الخارج على نفقتهم الخاصة وليس من
خلال بعثات حكومية ممولة من أموال الفقراء، اصبح الاحباط الاجتماعي
يجعل الأكثرية ناقمين على هؤلاء الذين يشعرون بتفوقهم عليهم. وهذه
بالطبع مأساة بلد ينحدر نحو أعماق التخلف بقوة!
في ذلك الوقت تلقيت رسالة من ناقدة صديقة تقول لي فيها بالحرف:
"ألف مبروك لنا - أولاً - على قبولك أن تكون رئيسا لمهرجان القاهرة
السينمائي. وبالتأكيد أقول لك: كان الله في عونك.. فلا يمكنني أن
أهنئك على مثل هذه المهمة الانتحارية.. حقيقة أجمل ما في هذا الخبر
المبهج أنه جدد إحساسي باستمرار المقاومة وأنه لابد للظلام من أن
يُهزم".
لم يكن ما جاء في هذه الرسالة بعيدا عن الحقيقة ولا بعيدا عني
شخصيا فأنا واحد من أكثر من يعرفون خبايا المهرجان رغم أنني لست
مقيما بشكل دائم في القاهرة. والتطلع من الخارج دائما ما يتيح
للمرء الفرصة لمعرفة الكثير مما لا يلحظه المقيمون المنغمسون في
الداخل. وقد كنت أستمع لسنوات، لما يرويه لي الكثير من الأصدقاء من
الصحفيين والسينمائيين والنقاد من بلدان العالم المختلفة، عن
تجاربهم السيئة مع مهرجان القاهرة السينمائي، الذي أصبح "أضحوكة"
الدنيا!
كنت أعلم تماما أنني بقبولي المنصب أو المهمة، سأدخل "عش الدبابير"
أو بالأحرى "جحر الأفاعي" كما ثبت بعد قليل. فهذا المكان الذي قام
على سياسة معينة تمارسها شخصية تستند الى عصا السلطة وعلاقات غريبة
بأجهزة ومسؤولين لا تخلو من من شبهة "تبادل للمنافع بل وفساد
واضح"، يبدو كيانا مغلقا له ألغازه وأسراره، وكلها ترتبط بهيمنة
تلك الشخصية التي كان بامكانها أن تستبعد بطريقة فظة من لا يستجيب
لمشيئتها، وتقرب من ينفذ لها تعليماتها وأولها أن تكون عينا على ما
يجري في المكان، تبلغها به أولا باول!
وقد سمعت أو روي لي من بعض العاملين في مقر المهرجان منذ سنوات،
الكثير من القصص التي تصل الى حد الاستعانة بأشخاص للاعتداء
بالضرب على موظف ما رفض تنفيذ التعليمات والاستجابة لتعليمات
السيدة المعروفة، وكانت النتيجة أن كسر ذراعه، ووصل الأمر إلى
القضاء ثم تمت تسويته. واطلعت – ومازلت أحتفظ- بما زودني به عاملون
آخرون- من أوراق وصور لمحاضر ودعاوى قضائية قاموا برفعها ضد
تجاوزات "السيدة الحديدية" التي كانت تهيمن على الأمور. لكن ظل
أغلبية العاملين بالمهرجان (وعددهم 26 موظفا وموظفة) يرتعدون من
مجرد ذكر إسم تلك السيدة، ويعتقدون أنها عائدة لا محالة لتولي
قيادة الأمور، وكانت تلك "العقدة" من أكثر ما واجهت من مشاكل
فجميعهم يتكاسلون ويتباطئون في تنفيذ المهام التي كنت أكلفهم بها
(بتعليمات من السيدة). وكانت هي قد جربت في العام السابق الدخول في
مواجهة صدامية استخدمت فيها محور (ممدوح الليثي- منيب شافعي) ضد
الجمعية التي أسسها الناقد يوسف شريف رزق الله باسم وحصلت على
مليون جنيه من ميزانية المهرجان من وزارة الثقافة أنفقتها في
الاعداد للدورة لكن الوزير صابر عرب جاء في اغسطس 2012 أي قبل
المهرجان بشهر واحد أعاد المهرجان الى السيدة سهير عبد القادر
وفريقها، أي إلى الإدارة القديمة برئاسة الممثل عزت أبو عوف.
وكانت تلك الفضيحة قد أثارت ثائرة الكثيرين في الوسط الثقافي لكنها
لم تؤد أبدا الى تدفق "المثقفين والسينمائيين" الى مكتب الوزير
لاحتلاله والاعتصام بداخله على نحو ما حدث بعد ذلك مع الوزير علاء
عبد العزيز في أكبر لعبة قذرة مخطط لها ومدفوعة من قبل أجهزة الأمن
عرفتها جهة حكومية في مصر بدعوى "الغطاء الثوري" و"طليعة الثورة"،
وللأسف فقد شارك بعض "الأبرياء" بحسن نية في هذه المهزلة باسم
الدفاع عن الثقافة المصرية ضد ما أطلقوا عليه "الأخونة" بعد أن
ألغى علاء عبد العزيز انتداب اثنين من كبار موظفي الوزارة في دار
الأوبرا وهيئة الكتاب.
ولدي شخصيا رسائل عدة من نقاد وكتاب معروفين يهنئونني فيها بتولي
المنصب ويشيدون بقرار الوزير علاء عبد العزيز، إلا ان نفس هؤلاء
الذي طلبوا أيضا التعاون معي في العمل، عادوا فانضموا الى الاعتصام
سيء السمعة في مقر وزارة الثقافة بعد ذلك، فقد كان المجال مجالا
للمزايدات، ومن لم يذهب للاعتصام كان يصور على أنه موالي للاخوان،
تماما كما يحدث حتى اليوم من الادعاء بأن من لم يذهب الى ميدان
التحرير في يناير 2011 ليس ثوريا، وهو نوع من المراهقة الفكرية
والمزايدة المتدنية المستوى بالطبع، فليس كل من وقفوا في "الميدان"
ثوار بحق، وليس كل من اعتصموا في مقر الوزارة "أبرياء"!
الموقف من الرقابة
لا يعرف كثيرون أنني لم أقابل علاء عبد العزيز سوى مرة واحدة في
حياتي قبل أكثر من عشرين سنة. ولا يعرف كثيرون أيضا أنني لم أطرق
باب علاء ولا غيره من الوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة المصرية
التي انفصلت عنها تماما منذ أن اخترت طريق العمل الحر في الخارج
معظم الوقت، وأنني عندما توليت مسؤولية مهرجان الاسماعيلية في 2001
ثم 2012 كنت أؤدي مهمة مؤقتة كمحترف أبيع لهم خبرة معينة وليس
كموظف في الدولة. وقد كنت في ذلك الوقت في الخارج، وأثناء حضوري
مهرجان كان السينمائي في مايو 2013 بدأت الاتصالات معي بشأن تولي
مسؤولية رئاسة المهرجان واستمرت المفاوضات ووضعت شروطا قاسية قبلت
كلها بل ووصل الحديث الى حد أنني رفضت أي رقابة على أفلام
المهرجان. وقد قبل علاء عبد العزيز هذا الشرط وتعهد بأنه سيتصدى
لوقف الرقابة عند حدها إذا تدخلت. وأود هنا أن أذكر الواقعة
التالية للتاريخ:
أثناء عملي كمدير للدورة الـ15 من مهرجان الاسماعيلية السينمائي في
2012 جاءني الصحفي إياد إبراهيم من صحيفة "الشروق" المصرية لإجراء
مقابلة صحفية معي. وكان من ضمن الأسئلة التي وجهها إلي سؤال يتعلق
بموقفي من الرقابة إذا أرادت مراقبة أفلام المهرجان، فكان ردي أنني
أرفض إرسال الأفلام للرقابة وأرفض تدخل الرقابة في المهرجانات
السينمائية في مصر. وقد نشرت المقابلة وكان عنوانها الرئيسي: "مدير
مهرجان الإسماعيلية: لن أسمح للرقابة أن تشاهد أى فيلم" (الشروق-
بتاريخ 11 مارس 2012)- مرفق صورة من الموضوع.
بعد نشر الموضوع بيومين جاء الى مكتبي في المركز القومي للسينما
موظف يحمل خطابا موجها لرئيس المركز من مدير عام الرقابة على
المصنفات الفنية (سيد خطاب) يشير فيه إلى تصريحاتي الصحفية
الأخيرة، ثم يطلب من رئيس المركز "التنبيه" على "الزميل الفنان"-
كما وصفني الدكتور أمير العمري، بضرورة احترام قانون الرقابة وعدم
اصدار أي تصريحات من شأنها التحريض ضده (!!). وقد عاد المدعو خالد
عبد الجليل الذي كان يعمل رئيسا لما يسمى "قطاع الانتاج الثقافي"
وهو مسمى مضحك لا معنى له ولا دور، فذكرني بعد ذلك بأنه كان من
الخطأ أن أصرح بما صرحت به. وكان في ذلك بالطبع يوجه لي رسالة ما
أو تحذيرا يتسق تماما مع كونه أحد "كوادر الأمن الثقافي" في
الادارة المصرية المشهود لها بالخضوع لتعليمات الأمن وليس
للمقتضيات الفنية والمهنية.
لم أشعر بالغضب لكون الخطاب لم يكن موجها لي بشكل مباشر (فلم أكن-
كما أوضحت- موظفا من موظفي الدولة، وبالتالي فعتاة البيروقراطيين
يعتبرونني "محترفا" يؤدي عملا، وليس "مسؤولا" يخضع للوائح
الادارية) أما ما أشعرني بالغضب فكان وصف مدير الرقابة لي بأنني
"الزميل الفنان" فلم أكن زميلا، كما أنني لا أعتبر نفسي فنانا!
وقعت على الخطاب باستلامه دون أي إشارة تفيد التعهد بالالتزام بما
فيه ، فقط "علم وشكر"ا. واحتفظت بصورة منه كوثيقة دامغة من وثائق
البيروقراطية المصرية.
مساء نفس اليوم جاء الى مكتبي رئيس المركز القومي وقتذاك، المخرج
مجدي أحمد علي لكي يناقشني في أمر "خطاب الرقيب" وسألني: ماذا
سنفعل؟ فقلت إنني أرفض مراقبة أفلام المهرجان. فقال إنه كمسؤول
حكومي يجب عليه الامثتال للأمر. فقلت له ببساطة: لماذا نتطوع
بإرسال الأفلام إليه؟ دعه يطالبنا رسميا بارسالها، وعندها ننظر في
كيفية التعامل معه. فاقتنع مجدي بهذا الرد. ولم يطلب الرقيب ارسال
الأفلام، كما لم نرسل نحن إليه أيا منها. وعرضنا فيلما مثيرا للجدل
هو فيلم "العذراء والأقباط وأنا" (الذي فاز بعدد من جوائز
المهرجان) وعندما أرادوا عرضه ضمن مختارات من المهرجان في مركز
الابداع بدار الأوبرا المصرية، طالبتهم المسؤولة عن النشاط
السينمائي (وهي مخرجة) بالحصول اولا على موافقة الرقابة كتابة على
عرض هذا الفيلم.
هذا نموذج حقيقي وعملي أسوقه لكي ندرك مغزى اتفاقي مع الدكتور علاء
عبد العزيز. يمكنك أن تقل عنه ما تشاء وأن تختلف كما تشاء مع
توجهاته الفكرية وقناعاته السياسية، إلا أنك لا تستطيع أن تتهمه
بالجبن والانصياع لتعليمات رجال السلطة والأمن، لقد كان أول وزير
للثقافة من داخل اللعبة السينمائية ولم يكن رجل سلطة في النظام
القديم الذي يحكم عن طريق عملاء الأمن في الوسط الثقافي حتى يومنا
هذا. هل كان هذا- إذا ما كتب له أن يتحقق- مكسبا للثقافة
السينمائية في مصر أم لا؟ أترك الجواب على هذا للزملاء المحترمين.
وافق علاء عبد العزيزعلى أن ينص (كتابة في العقد- وليس من خلال
قرار عام مقتضب كما يحدث حتى اليوم) على أن أحصل على حق اختيار
الأفلام ولجان التحكيم بالاشتراك في الرأي مع معاوني الذين أختارهم
طبقا للكفاءة. ولم أتجاوز سلطتي حينما تعاقدت مع مجموعة من خيرة
النقاد الشباب في مصر. وقد حددت لهم بموجب عقود واضحة، التخصصات
والمسؤولين التي سيتحملونها فقد قررت وقتها أن أفكك المهرجان الى
مجموعة من البرامج والأقسام وتحديد شخص واحد كمسؤول عن كل قسم،
والاستعانة بمدير تنفيذي ينسق العمل ويتابعه بين شتى المسؤولين عن
تلك الأقسام. لكن جاء الوزير العائد لكي يشن ضدي حملة قذرة افتتحها
بقوله إنني قمت بتجاوزات وصلت حد أنني تعاقدت مع مجموعة ممن وصفهم
بالـ "مستشارين" وهم لم يكونوا مستشارين بل مسؤولين عن أقسام
المهرجان. ووضعنا خطة شاملة لتكوين فريق كامل للمهرجان يبلغ نحو 40
شخصا (إلى جانب الـ26 موظفا). وحددنا الأسماء والاختصاصات.
جاء "الصحفي النكرة" الذي يخرج الأفلام أحيانا (أخرج ثلاثة أو
أربعة أفلام ذهبت كلها طي النسيان!) وكنا قد ذكرنا اسمه في مقال
سابق غير أنه اعترض على ذكر اسمه لذلك سنكتفي بأن نلقبه بـ"الصحفي
النكرة" بناء على طلبه، جاء هذا الصحفي الذي كنت أعرفه منذ سنوات
(الطريف أنه بلغ الرابعة والأربعين ولايزال مصرا على وصف نفسه
بالمخرج الشاب!) وشرحت له أننا إزاء وضع جديد تماما الآن.. فها قد
أصبح هناك رئيس للمهرجان اعتاد أن يعمل بنفسه، وليس مجرد رئيس شرفي
يستند على مدير فني يحتكر كل الخيوط في يده، ويبقي الرئيس مجرد
منظر يوقع على الأوراق فقط. كنت في الحقيقة معترضا من الأصل
والأساس في كل كتاباتي على ازدواجية الرئيس والمدير التي هي آفة من
آفات البيروقراطية المصرية في مهرجانات السينما.. فقد كنت أرى أن
الشخصية الأولى التي ترجع إليها الأمور في كل جوانب المهرجان يجب
أن تكون شخصية مدير المهرجان أما الرئيس فيظل دائما منصبا شرفيا.
أما في مصر وبعد تجربتي في العمل كمدير للمهرجان فرغم أنني فرضت
بشخصيتي وأسلوبي وخبرتي، الاحترام لهذه الفكرة، إلا أنني أعترف
بوقوع الكثير من التجاوزات من جانب "الرئيس" الذي تعاملت معه أقصد
أنه كان لابد وأن يعتدي أحيانا على دور مدير المهرجان، فرئيس
المهرجان يكون عادة من (رجال السلطة أو موظفي الدولة أو المحسوبين
عليها أو يل رئيسا غائبا مثل الممثل الذي كان، يترك كل الا/ور في
يد "الست"!
وتفاديا لكل هذه المشاكل قررت أن أصبح رئيسا يعمل عمل المدير وأن
أكتفي باختيار مدير تنفيذي ينسق ويساعد ويدعم أي مثل مساعد لرئيس
المهرجان. لكن "الصحفي النكرة"، الذي جاء في البداية يقدم لي فروض
الطاعة والولاء ويخاطبني بـ"سيدتك وحضرتك" رغم زوال الكلفة بيننا
منذ زمن، وافق في البداية على العمل دون أي شروط، ثم طلب أن يكون
"مديرا للمهرجان" بدعوى أن هذا "حقه"- وهي كلمة ظل يرددها كثيرا
على مسامعي الأمر الذي أدهشني وجعلني أتساءل: بموجب أي حق ياترى
يتكلم؟ هل هو أمر شبيه بمبدأ التفويض الإلهي الذي كان يستند إليه
ملوك أوروبا في القرون الوسطى مثلا؟ المهم أنني طلبت منه أن يكتب
لي المهام التي يقوم بها المدير في وجود رئيس سيكون له دور مباشر
في الجوانب الفنية. فأرسل إلي قائمة تصل إلى 35 بندا تشمل كل
صلاحياتي وغيرها كثير جدا واشياء لا يمكن لأي انسان القيام بها
بمفرده بل تحتاج الى طاقم كامل من العاملين كنت بصدد تكوينه وقتها.
قمت بتحرير عقد له حددت فيه 5 او 6 مهام، لكنه كان دائما يراوغ،
ويحاول بشتى الطرق التملص والتسويف ويقول إنه مستعد للعمل بدون
أجر، و من أكثر من يخيفني ويثير نفوري، فإذا كان لا يريد أجرا
فلابد في هذه الحالة أن يكون له هدف آخر، وكان الهدف الحصول على
الصفة التي يريدها كمدير للمهرجان تكفل له حتى بعد تغير الوزير أن
يطالب بتنفيذها، والادعاء أمام العالم كله أنه هو الذي يدير
الأمور، واستخدام شبكة العلاقات في تحقيق منافع أخرى شخصية ربما.
وقد رفض توقيع العقد بدعوى أنه لا يريد أجرا، ثم اتصل يطالبني
مجددا بأن يكون "مدير المهرجان" وليس المدير التنفيذي، وطالب
بمقابل مالي ضهف المبلغ الذي حددته تقريبا لتعجيزي، ثم انقطع عن
التردد على المكتب ثم أرسل استقالته بتاريخ 5 أو 6 يوليو أي بعد أن
أيقن أن الوزير سيختفي وسيأتي وزير جديد وسينجح ثنائي الضغط في
الاطاحة بي من المنصب، وبالتالي تصبح أمامه فرصة للعمل مع الوزير
الجديد، وربما أيضا مع "السيدة الحديدية" إذا عادت، وكانت تثور
شبهات قوية لعودتها إلا أنني أعلنت أمام كل العاملين في آخر
اجتماع عقدته معهم في مقر المهرجان بعد أن قابلت هي الوزير العائد
صابر عرب، أن "الادارة القديمة" لن تعود في كل الأحوال سواء بقيت
انا ام رحلت، وأنني على ثقة من هذا. وقد أدهشهم قولي هذ. ولم تكن
هناك مشكلة في استقالة ذلك الشخص لكنه لجأ إلى سلوك يشي بالتدني
الأخلاقي فاتصل بالزملاء الذين كانوا يتعاونون معي وقام بتحريضهم
على ترك العمل معي (والقفز من المركب الغارق) بل وهدد أحدهم بأنه
سوف يحرمه من العمل معه بعد عودته، في حالة استمراره في التعاون
معي!
ثنائي وثلاثي
كان هناك ثنائي يمارس الضغوط من أجل فرض رئيس جديد يحل محلي، كان
هذا الثنائي يتكون من (ممثلي "جبهة ابداع" بزعامة خالد يوسف ومحمد
العدل ومجدي أحمد علي) + و"جبهة الثلاثي المرح" السيدة سهير (التي
تعتقد أيضا أن المهرجان إرث لها بموجب التفويض الإلهي)، ومنيب
شافعي رئيس ما يسمى بغرفة صناعة السينما، ورئيس اتحاد النقابات
الفنية) مع "كومبارس" صغير هو ذلك المصور السابق الذي أصبح رئيسا
للمركز القومي للسينما في زمن الانهيار الذي نعيشه!
كان ممثلو "إبداع يرغبون في الانتقام مني بالطبع لما يتصورونه
عصيانا من جانبي وخروجا عن طاعة العصبة التي أصبحت اليوم تمارس
الإرهاب الثقافي باسم "إبداع" بحثا عن نفوذ ووجود واشباعا لمصالح
شخصية ضيقة.
ما حدث فعلا هو أن الثنائي تناقض مع بعضه، فهناك من دعم عودة الست
سهير مع – وياللعجب - حسين فهمي، وهناك من دعم فكرة اسناد رئاسة
المهرجان الى الممثلة يسرا، وهناك ما طالب باسناد المنصب الى
الممثلة ليلى علوي، وطرحت ناقدة سينمائية من جيل سابق إسم الممثل
محمود قابيل.. وأرادت جماعة "إبداع" على ما يبدو فرض سمير فريد
(باقتراحات من أصدقاء له داخل اللجنة) حتى لا يقال أنهم أطاحوا
بناقد جيد وأتوا بشخصية لا علاقة لها بالموضوع. وقد أخبرني سمير
فريد نفسه أنه عندما اقترح إسمه في أحد الاجتماعات مع الوزير،
تساءل هانى مهنى رئيس اتحاد النقابات الفنية: "ما علاقة سمير فريد
بالمهرجانات السينمائية"!
كانت جماعة ابداع تريد أن تحصل على مكافأة على موقفها في الاعتصام
ضد علاء عبد العزيز أي أن تكون لها قوة وسلطة على الوزير. وقد عين
الوزير خالد يوسف رئيسا للجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، وضم
للجنة أعضاء قياديين آخرين في الحركة. وحصل آخرون على مواقع ومنافع
أخرى، ومازال البعض الآخر يسعى حتى لمنصب الوزير نفسه. والطريف أن
خالد يوسف كان قد تقدم بطلب للوزير السابق علاء عبد العزيز لكي
يسافر لمرافقة اسبوع للافلام المصرية كان سيقام في فيينا على نفقة
وزارة الثقافة. وقد اطلعت بنفسي على طلب هذا في مكتب علاء عبد
العزيز- الذي وصفوه بالوزير الاخواني الذي جاء بهدف "أخونة
الثقافة" بعد استغنائه عن اثنين من أصدقائهم وأعضاء دائرة مصالحهم
الضيقة!
واستمرت الاجتماعات بين الأطراف المختلفة بين الوزير العائد صاب
عرب لاختيار رئيس جديد في حين كنت أذهب يوميا الى مقر المهرجان
أمارس العمل وكأن شيئا لم يكن. ولم يحدث أي اتصال بيني وبين الوزير
وكان هذا مما أثار سخط مدير قطاع مكتبه محمد أبو سعدة الذي سأل
بحدة المستشار القانوني الذي كان يتعاون معي: لماذا لم يتصل ويطلب
مقابلة الوزير؟ فقال له: إن هذا رجل يحترم نفسه وهو لن يسمح لنفسه
بأن يتصل أو يأتي لكي يستجدي البقاء في منصبه!
تصريحات سيئة السمعة
وقام الوزير باطلاق تصريحاته سيئة السمعة، لتشويه صورتي أمام الرأي
العام وارغامي على قديم استقالتي أو تبرير قرار الاقالة الذي
استغرق أكثر من اسبوعين بعد أن فشلوا في العثور على ثغرة واحدة،
سواء في العقد، أو في تصرفاتي وقيادتي للمهرجان في تلك الفترة
القصيرة. وقد روى لي المستشار القانوني للمهرجان (الذي كانت
الوزارة قد أرسلته قبل أن يعود صابر عرب، أن مدير مكتب الوزير اتصل
به وسأله عما إذا كنا قد وقعنا عقودا مع شركات أو فنادق، فقال له
إننا لم نوقع شيئا (كنت قد أجلت توقيع أي عقود الى حين انجلاء
الموقف) فلما قال إنه ليست هناك عقود سوى عقود الزملاء رؤساء
الأقسام، قال له الرجل بشكل مباشر: حاول أن تعثر لنا على شيء هنا
أو هناك، فكان رده أنه ليس هناك شيء على الاطلاق بل إن رئيس
المهرجتان رجل يعمل بجدية ونزاهة تامة.
والحقيقة أن الرجل دفع ثمن موقفه الشريف معي فيما بعد فسرعان ما تم
اعفاؤه من المهمة واستبعاده من العمل بالمهرجان بعد أن خضع لتحقيق
مرهق سئل خلاله باستنكار عن رأيه فيما وقعته من عقود وضع صياغتها
هو، مع رؤساء الأقسام بالمهرجان، وقيل له ان هذا الاسلوب ليس متبعا
في الوزارة، ولكنه أكد لهم أنني لم أتجاوز سلطاتي في ذلك، وأنها
عقود سليمة مائة في المائة. ورفض بالتالي أن ينضم لجوقة المشككين
والمتآمرين.
طبيعي أن يكون هذا موقف عصبة مكتب الوزير الذي عادوا معه بعد ان
كان علاء عبد العزيز قد أطاح بهم لفسادهم، ولم يكن في نيتي بالطبع
أن أخصص لهم أي مكافآت مالية من المهرجان كما اعتادوا طيلة السنوات
السابقة في حين أنهم في الحقيقة يقومون بمهام وظيفتهم ولا يخصصون
وقتا اضافيا للعمل بالمهرجان. ولكن هذه احدى آفات الادارة المصرية
في عصر الانحطاط والفساد الذي نعيشه!
ثم جاءت تصريحات الوزير التي تقول إن هناك أنباء ترددت حول "اختفاء
بعض الأصول من مقر المهرجان" وشبهات بوجود مخالفات مالية، وانني
تعاقدت مع المستشار المالي للمهرجان مقابل أربعة آلاف جنيه شهريا
(هذه المعلومة غير حقيقية سمعها "الصحفي النكرة" فقط فقام بعد ذلك
بنقلها الى مكتب صابر عرب عقب عودته. وقد كنت بسبب عدم ثقتي به،
أتعمد أن أذكر أمامه بعض المعلومات الخاطئة. وقد وقع هو الفخ
وانكشف دوره.. لكنه أيضا.. إنتهى).
لم تكن هناك أي مخالفات مالية كما سيثبت لهم أو كمما يعلمون
بالتأكيد، كما لم تختف أي من أصول المهرجان بعد أن شكل الوزير لجنة
قامت بجرد المكان ولم تعثر على أي شيء يمكنهم التذرع به، ولم يذهب
ملف المهرجان الى النائب العام كما ادعى الوزير الكاذب، ولم يتم
استدعائي للتحقيق، ولم يتم صرف أي مبلغ مالي لي عن فترة عملي ولم
أتقاضى مليما واحدا حتى هذه اللحظة. ولكن كل هذه الأقوال المرسلة
كان الهدف الحقيقي منها الضغط علي وارهابي لكي أتقدم باستقالتي،
بعد أن رأوا أن عقدي ليس من المكن مخالفته الا بعد دفع شرط جزائي
مالي كبير. لكن الوزير اضطر في النهاية الى الغاء العقد وجاء في
قرار الالغاء أكثر شيء مضحك يمكن العثور عليه في إرث البيروقراطية
المصرية فقد نص القرار على: "يعتبر العقد لاغيا بسبب بطلانه، ويبطل
العمل بكل ما ترتب عليه من عقود"!
وكأنه يقول: العقد لاغ. فلما تسأله: وما السبب؟ يقول لك: لأنه
باطل. وهذا التهريج منظور الآن أمام القضاء بالطبع.
في نهاية يوليو أظنه كان يوم ثلاثين منه، لم أذهب الى مقر المهرجان
كالمعتاد بعد أن علمت باقالة الدكتور جمال التلاوي من رئاسة هيئة
الكتاب في تصرف وضيع من جانب الوزير العائد الذي أراد أن يعيد أحمد
مجاهد الى رئاسة الهيئة وهو الذي توجد عشرات الوثائق على فساده
المالي والاداري عبر سنوات. وقد بدأت الصحف المصرية الآن- وأحدثها
"الأهرام العربي"- في نشر ملفات ووثائق تثبت فساد مجاهد وكاميليا
صبحي رئيسة ما يسميى بقطاع العلاقات الثقافية الخارجية. والمضحك
المبكي أن الاثنين رشحا لمنصب وزير الثقافة في الحكومة الأخيرة..
صحيح أنهما لم يحصلا على المنصب، إلا أن مجرد ترشيحهما يثبت بما لا
يدع مجالا للشك أن كل حديث عن "ثورة حدثت" أو ثورتين (في
العلالي!)، هو مجرد لغو فارغ.. فلا شيء يتغير في مصر. ورغم نشر
الملفات في صحف لاحكومة إلا أن "الحكومة" لم تتخذ أي قرار سواء
بشأن أحمد مجاهد أو الست كاميليا، ولو تى مجرد تحويلهما للتحقيق في
الوقائع المنسوبة لهما. فحكومات مصر المتعاقبة (بعد الثورتين)
مهمتها الأساسية التستر على فساد عهود ماضية مستمرة منذ 1954!
اعتبرت اقالة التلاوي وهو رجل جليل يتمتع باحترام بالغ في الوسط
الثقافي، مؤشرا على أنني أيضا سألقى المصير نفسه، وهو بالطبع ما
كنت أنتظره. وبعد أن فشل الوزير في دفعي للاستقالة بشتى الطرق أفتى
له مساعدوه باللجوء إلى وسيلة "قاسية" في إهانتي عن طريق ارسال
ضابط أمن مكتبه في الوزارة لكي يغلق باب مقر المهرجان ويمنعني أنا
ومن معي من زملائي الشباب من الدخول. ولكني لم أتعرض لهذا الموقف
بل تعرض له زملاء محترمون ممن كانوا يعملون معي (مرفق صورة من مقال
نشر في جريدة "الوطن" يروي فيه الناقد رامي عبد الرازق تفاصيل ما
وقع وكان شاهدا عليه). وعاد الناقد أسامة عبد الفتاح فأصدر أخيرا
بيانا (نشرناه على هذا الموقع) يروي فيه قصة استعانة الوزير
بالشرطة لاغلاق المقر ومنعه وزملائه من الدخول.
جمعية النقاد
كنت قد اعتزمت أن أخصص اسبوعا للنقاد على غرار ما يحدث في كان
وفينيسيا واتصلت قبل عودتي من لندن بنائب رئيس جمعية نقاد السينما
(التي كنت عضوا فيها منذ 1974 ورئيسا لها) وطلبت الاجتماع مع مجلس
الادارة بالفعل حدث اجتماع بعد عودتي وشرحت الفكرة على أن تقوم
الجمعية بتنظيم الاسبوع ودعوة الافلام والمخرجين وأن يتكفل
المهرجان بالتمويل. وطلبت مشروع ميزانية قبل أن أعتمد الفكرة
وأضمها الى لائحة المهرجان. ولكن ما حدث بعد 3 يوليو أن أصدقاءنا
في الجمعية اختفوا ولم يعودوا بأي أفكار، بل وعندما نجحت في التحدث
الى رئيس الجمعية أخذ يناور ويراوغ وقال بوضوح ان هناك من يرغبون
في تعيين بديل لي وذكر الاسم البديل فعلا.
لم تتخذ جمعية النقاد التي قدمت لها الكثير طوال تاريخ علاقتي بها
التي امتدت نحو أربعين سنة موقفا ولو صغيرا ورمزيا، باصدار بيانا
واحدا فقط في الدفاع عن سمعتي ضد اتهامات الوزير باعتباري عضوا من
أعضائها، ولم تعلن بأي صورة من الصور عن وقوفها معي، بل كان كل ما
يهم مجلس ادارتها التحول الى الرئيس الجديد لكي يعرضوا عليه فكرة
اسبوع النقاد التي جئتهم بها. لكن سمير فريد قال كلاما طيبا عني
(منشور أيضا في جريدة "الوطن" انظر الصورة المرفقة) ورفض أي تشكيك
في نزاهتي، وهو موقف محترم دون شك، لكنه قال إن الشيء الوحيد الذي
سأل الوزير عنه عندما طلب منه تولي رئاسة المهرجان هو سبب
اقالة أمير العمري. ويتوقف سمير عند هذا الحد- حسب الموضوع
المنشور- ولا يذكر شيئا عن اد الوزير عليه، ولا عن رد فعله عليه
أمام الوزير. لكنه ذكر لي إن السبب الذي قاله له الوزير "" يعود
إلى كوني تعاونت مع علاء عبد العزيز، أي أننا باختصار شديد أصبحنا
نعيش فترة تصفيات حقيرة على أسس سياسية في حين أن الموضوع بأكمله
لم تكن له أدنى علاقة بالسياسة. وقد أعلنت- وعلاء لايزال في منصبه-
أنني سأستقيل في حالة وجود أي ضغوط علي من أي نوع أو محاولة فرض أي
نوع من الرقابة على عمل يالمهرجان. قلت هذا بالصوت والصورة في
برنامج "مواجهات" في قناة النيل الثقافية بتاريخ 28 يونيو 2013.
وهو برنامج مسجل ومحفوظ.
موقف جمعية نقاد السينما المخزي بكل المعايير، دفعني أخيرا إلى
تقديم استقالتي من الجمعية كلها. واعتبرت أن هذا الفصل أغلق إلى
الأبد بعد أربعين عاما من عضويتي بالجمعية وكانت الجمعية على أي
حال، هي الكيان الوحيد الذي أنتمى إليه في مصر. فلست عضوا في أي
حزب أو جمعية أو منظمة من أي نوع في ساحة العمل العام في مصر كما
لا أعتزم مستقبلا ان يكون لي اي دور في هذا المجال بل أكتفي فقط
بالاستمتاع بما أحصل عليه من متعة الكتابة والتفكير والتأمل والسفر
ومشاهدة الأفلام وقراءة ما فتتني قراءته.
اعادة تنظيم المهرجان
كنت قد اتفقت أيضا على تنظيم تظاهرة خاصة باسم "أول مرة" للأفلام
الأولى لخريجي معاهد السينما لفت بها مخرجة شابة على أن تتعاون في
ذلك مع معهد السينما.
وابتدعت قسما أطلقت عليه "منتدى الأفلام القصيرة" كلفت الناقد أحمد
شوقي بالاشراف عليه واتصل الرجل فعلا وحصل على الكثير من الأفلام
الخاصة بهذا القسم الذي كان سيقام للمرة الأولى في مهرجان القاهرة.
كما اتفقت مع شوقي على تنسيق قسم كلاسيكيات السينما المرممة ودرس
السينما.
واتفقت بشكل مباشر مع المخرج الإيراني أصغر فرهادي على عرض فيلم
"الماضي" في افتتاج المهرجان خارج المسابقة بمعاونة الصديق الناقد
المغربي حمادي كيروم. وكانت الشركة الفرنسية المنتجة سترسل إلينا
الفيلم قبل أن أبلغهم بتأجيل المهرجان بعد أن تركته. ولكن ما
أدهشني أن تصدر تصريحات صحفية منسوبة الى سمير فريد الذي تولى
رئاسة المهرجان من بعدي، يبدي فيها رفضه للفيلم ويقول إنه يراه
فيلما رديئا وإنه لم يكمل مشاهدته في مهرجان كان، كما قال إنه لا
يريد عرض أفلام "إيرانية" في المهرجان (علما بأن الفيلم فرنسي) وهي
دولة تتخذ موقف عدائيا من مصر- أو شيئا من هذا القبيل، أما أغرب ما
ورد في تلك التصريحات فكان قوله إنه لم يعثر على نسخة الفيلم بين
الأفلام التي وصلت لادارة المهرجان، وكان الفيلم سيصل بالطبع غير
أن الوقت لم يمهلنا. وقد قام الصديق حمادي كيروم – كما قال لي فيما
بعد- باقتباس الفكرة وجاء بالفيلم للعرض في افتتاح مهرجان الرباط
السينمائي الذي عاد حمادي إلى تولى ادارته مجددا في دورة 2013 وقد
حضرت الدورة واستمتعت أيما استمتاع سواء بفيلم الافتتاح أو بغيره
من الأفلام.
من تصريحات سمير فريد التي أدهشتني أيضا أنه، وهو الذي ظل لسنوات
يدعو إلى ضرورة أن تتخلى وزارة الثقافة عن تنظيم المهرجانات
السينماية وتتركها لمنظمات المجتمع المدني بعد أن "فشلت"- كما يرى
في تنظيم تلك المهرجانات، عاد فقال وأكد غير ذي مرة، بأن أهم قضية
لديه تتمثل في أن يجعل مهرجان القاهرة السينمائي "مؤسسة من مؤسسات
وزارة الثقافة نفسها"، لدرجة أنه اعتبر أن فشله في تحقيق ذلك سيكون
السبب الوحيد الذي يجعله يستقيل من رئاسة المهرجان، وهو انقلاب
كامل في موقفه لم أستطع أن أجد له تفسيرا!
وقد حافظ سمير فريد على فكرة أسبوع النقاد وبنى عليها، كما حافظ
على فكرة أفلام معهد السينما، واسند فكرة مسابقة الأفلام العربية
إلى نقابة السينمائيين، وسعى لكسب ود القائمين على المؤسسات
السينمائية في مصر مثل غرفة صناعة السينما واتحاد الفنانين والمركز
القومي للسينما، كما خصص مكافآت مالية لعدد من العاملين في وزارة
الثقافة ومكتب الوزير لضمان تعاونهم مع المهرجان على رأسهم محمد
يوسف، مدير المكتب الفني.
كنا سنقيم الدورة في موعدها رغم كل الظروف كما سبق أن نجحت في
اقامة دورتي مهرجان الاسماعيلية في 2001 أي بعد هجمات 11 سبتمبر،
ثم في 2012 في ظل الانتخابات الرئاسية، ولكن المسألة لم تخلو من
عقبات وانتقادات شرسة، وكان من بين الذين هاجموني عازف سابق عرفت
أنه قضى ثماني سنوات يعالج من إدمان الكوكايين (أتمنى أن يكون قد
شفى من إدمانه)، وكاتب سيناريو خرج من العمل بالسينما نهائيا منذ
سنوات بسبب إدمانه الخمر ودخوله المستمر في مشاجرات مع جميع خلق
الله بسبب وبدون أي سبب في معظم الأحيان. هذه فقط عينة من نوعية
المهاجمين الموتورين!
من الملاحظات التي أود أن أسوقها هنا أيضا أن "الصحفي" إياه، الذي
كان يرغب في فرض نوع من الوصاية واحتكار العمل في كل فروع المهرجان
وكأنه ينتقم للمعاملة السيئة والتهميش الذي قوبل به من طرف (الست)
في الدورة السابقة، وقف بقوة معارضا لأي فكرة جديدة أو أي رغبة من
جانبي في التغيير فقد أردت الاستغناء عن بعض الأقسام التي لا أراها
ضرورية وتقليص عدد افلام المهرجان الى 60- أو 70 فيلما وعندما
أعربت عن ذلك أخذ يصرخ بصوت عال قائلا إن هذا إذا حدث سيضر
بالمهرجان وإنه سيضر بشكل المهرجان أمام الاتحاد الدولي للمنتجين
وبدولية المهرجان، وانه لابد أن يكون المهرجان كبيرا ولا يقل عن
الدورات السابقة.
وكان من بين المشاكل التي واجهتها أن الادارة القديمة كانت قد
أعلنت بالفعل عن موعد انعقاد الدورة الجديدة لعام 2013 في الفترة
من 19 الى 24 نوفمبر أي لمدة ستة أيام فقط لا غير وأرسلت لكل
الجهات بهذا المعنى وأن حشد عدد كبير من الأفلام خلال ستة أيام هو
الذي يمكن أن يضر المهرجان ويجعله مرتبكا مضطربا. وقد استغنيت
بالفعل عن مسابقة افلام حقوق الانسان التي تحتاج في رأيي الى
مهرجان نوعي خاص.
صحيح أنني لم أتمكن من تحقيق طموحاتي الخاصة في إدخال ما أراه من
تعديلات تنتشل المهرجان من أزمته القديمة إلا أنني أتمنى بالطبع
لمن جاء من بعدي- بغض النظر عن الظروف والملابسات الغريبة والمثيرة
التي صاحبت هذا التغيير- التوفيق والنجاح، فالمهرجان في النهاية
ليس مهرجانا لشخص ما، ولن ينسب لشخص بل لدولة إسمها مصر. ولن يحقق
أي كاتب أو ناقد أو مفكر، لا الثراء ولا المجد من وراء رئاسته
لمهرجان سينمائي، بل إن كل ما يبقى في النهاية هو ما يتركه من إرث
ثقافي، وموقف فكري من الدنيا والواقع.. والسينما! |