لن يخرج بدون غلة وفيرة من الجوائز
تحفة فنية سينمائية أردنية... يحققها «ذيب» في «أبوظبي
السينمائي»
"سينماتوغراف" ـ أبوظبي ـ بشار إبراهيم
هذه المرة، لم يكن ما قيل عنه بلا معنى، أو على أيّ قدر من
المبالغة، إذ كشف العرض العربي الأول للفيلم الأردني «ذيب»، للمخرج
الشاب ناجي أبو نوار، الذي جرى مساء يوم الأحد 26 أكتوبر 2014، عن
حقيقة هذا الفيلم الجميل، المبدع، الجريء، الممتع، الذي يمكنه
ببساطة أن ينافس على الذروة الإبداعية لما حققته السينما الأردنية،
في أكثر من نصف قرن مضى من عمرها.
يمكن للمتابع أن يلتفت إلى الوراء سنوات قليلة فقط، لينتبه إلى أن
السينما الأردنية قدّمت، في العقد الأخير، مجموعة من التجارب
السينمائية الجديدة. «كابتن أبو رائد»، لأمين مطالقة (2007)، الذي
نال مخرجه جائزة «شخصية العام السينمائية في الشرق الأوسط»، من
الدورة الثانية من «أبوظبي السينمائي» (2008). «مدن الترانزيت»،
لمحمد الحشكي (2010)، الفيلم الذي بجائزة التحكيم الخاصة في
«مسابقة المهر العربي» في «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، عام
2010، وجائزة «الاتحاد الدولي لنقاد السينما» (فيبريسكي)، في
الدورة ذاتها. «فرق سبع ساعات» لديما عمرو (2011).
قبل ذلك بوقت وافر، كانت تجربة فيلم «حكاية شرقية»، بإخراج نجدت
أنزور (1991)، وبطولة محمد قباني، وجميل عواد، وجولييت عواد، والتي
ساهم بكتابتها السينمائي عدنان مدانات عن رواية لهاني الراهب،
أُريد منها القطيعة عن البدايات المرتكبة التائهة، منذ نهاية
خمسينيات القرن الماضي.
هذه المرة، يأتي المخرج السينمائي الشاب الأردني ناجي أبو نوار
ليكسر كثير من الأنماط المعهودة، ويحقق فيلماً سينمائياً مدهشاً.
أولاً: يكسر أبو نوار فكرة أن الموضوع البدوي صالح فقط للدراما
التلفزيونية الشهيرة، و«سواليفها» المستقرة، من «رأس غليص» إلى «وضحة
وابن عجلان»، وحكايات الشرف والعار.
ثانياً: يمرّ الفيلم برشاقة ومهارة بمحاذاة «لورانس العرب»، دون أن
يشابهه أو يقتديه، حتى وإن كان يذهب إلى أجواء وحوادث لا تبعد عنه،
خاصة وأن الفترة الزمنية التي تدور فيها حكاية «ذيب»، و«لورنس» هي
ذاتها.
ثالثاً: تتبدى مهارة المخرج الشاب في قدرته على سرد حكاية مثيرة،
وإدارة ممثلين مبدعين، لا سابق خبرة لهم في التمثيل، خاصة الطفل «ذيب»
(بأداء ممتاز من الفتى جاسر عيد)، بكثير من الاقتصاد، عززته الرؤية
الإخراجية التي عرفت اختيار زوايا التصوير، ومنظور اللقطات،
وأحجامها.
يتحوّل «ذيب» في كثير من لحظاته إلى فيلم ملحمي، ذي صبغة عالمية.
يأخذ من نكهة الـ«ويسترن» شيئاً، ومن نوع فيلم الطريق «رود موفي»
أشياء أخرى، ومن مباغتات الصدفة والمفاجأة أشياء، ومن القدرات
الخارقة قدراً غير بسيط، ليمزجها معاً، في سبيل الانتهاء إلى فيلم
يتوفر فيه قدر من التشويق، والتسلية، والإثارة، والمغامرة، دون أن
يتخلى عن فنياته البادية على مستوى التمثيل، والتصوير، والمونتاج،
والموسيقى.
فيلم «ذيب». فيلم احترافي حقيقي. فيلم ستنسى دائماً أن من يقف خلفه
مخرج شاب، في أول أفلامه الروائية الطويلة. فيلم «ذيب» يأخذك بسحر
إلى عوالم زاهية مع أبطال لم تشاهدهم من قبل على شاشة السينما
بهذا الحضور، والتلقائية والعفوية. ولا تتوقع أن يأخذوك ببساطة هذه
الحكاية، التي كما هي بسيطة، وربما ساذجة، كذلك عميقة، وذات مغزى
بعيد المدى.
ربما يكون العيب الوحيد في الفيلم أنه كان أصلاً فيلماً روائياً
قصيراً، وتدحرج بالتطوير والاشتغال عليه إلى أصبح فيلماً روائياً
طويلاً. هذا فيلم، ربما كان من 15 دقيقة، وتطوّر إلى أن أصبح من
100 دقيقة. وما بين الحالتين جرى العمل على بلورته وتطويره،
بالاعتماد على خبرات متعددة، سنرى أثرها واضحاً، في التصوير
والمونتاج، دون أن ننسى أن أبو نوار ذاته هو نتاج تمازج ثقافي
أردني إنجليزي.
فيلم «ذيب»، الذي نال في عرضه العالمي الأول جائزة أفضل مخرج من
مسابقة «آفاق جديدة» (أوريزونتي)، في مهرجان فينيسيا (صيف 2014)،
والذي شهدنا عرضه الدولي، والعربي، الأول خلال الدورة الثامنة من
«مهرجان أبوظبي السينمائي»، والحائز على دعم من صندوق «سند»، في
مراحل التطوير، وما بعد الإنتاج، يثبت أن الإمكانيات السينمائية في
البلدان العربية الهامشية الحضور السينمائي قادرة على التقدم إلى
متن هذا الحضور والمنافسة بقوة.
ويقيننا أن «ذيب» لن يخرج من الدورة الثامنة من «أبوظبي
السينمائي»، بدون غلة وفيرة من الجوائز، إن وقع هوى لجنة التحكيم
على إيقاع هوى الجمهور والنقاد.. وهوانا.
ينافس في مسابقة "آفاق جديدة" بمهرجان أبوظبي السينمائي
"معسكر أشعة أكس" لبيتر ساتلر .. البحث
عن التواصل الإنساني
يقدّم عرضاً لعلاقة بسيطة وعميقة، محمّلة بمعانٍ مجرّدة
"سينماتوغراف" ـ أبوظبي: هاني مصطفى
تتناول بعض أفلام السينما في العالم العلاقة الإنسانية التي تحدث
بين سجين وسجّان، أو بين الأعداء في أزمنة الحروب. ربما تهتمّ
الدراما في تلك الأفلام برصد الأشياء غير التقليدية في تلك
العلاقة، كالإحترام والتقدير المتبادلين. وتكمن قيمة السينما، في
تلك الحالة، في التأكيد على ما ليس سائداً من المشاعر الإنسانية،
كتلك المشاعر الإيجابية بين الأضداد، أو المشاعر السلبية بين
المحبّين. فيلم "معسكر أشعة أكس" للمخرج الأميركي بيتر ساتلر بيتر
ساتلر والذي ينافس في (مسابقة آفاق جديدة) بمهرجان ابوظبي
السينمائي في دورته الثامنه، أحد تلك الأفلام التي سعت إلى السير
في الاتجاه هذا.
المخرج بيتر ساتلر لم يستغرق وقتاً كي يدخل في رصد تلك العلاقة
الإنسانية، بدءاً من المشهد الافتتاحي، المتمثّل بالقبض على شخص
يدعى علي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، الذي يُنقل فوراً إلى
معسكر الاعتقال في غوانتانامو. ينتقل الفيلم بعد ذلك إلى أعوام
عديدة، مقدّماً لنا بعض المجنّدين المستجدين للخدمة في الجيش
الأميركي، الذين يحرسون المساجين في هذا المعسكر، والتعليمات
المحدّدة التي يجب عليهم اتّباعها أثناء خدمتهم.
هناك عدة عناصر تميّز الفيلم، أهمها تطوّر بناء العلاقة الإنسانية
بين الشخصيتين الرئيسيتين، وهما المسجون علي (بيمان معادي)
والمجنّدة إيمي كول (كرستين ستيوارت). فالحوار هو اللاعب الأساسي
في المشاهد التمهيدية التي تجمع البطلين، خاصة عندما يحاول جذب
انتباهها وجرّها إلى الحديث معه، ورفضها للحديث بعد أن تلقّت مع
زملائها التعليمات من قائدها المباشر، حتى لا يعطون فرصةً لأحد
المساجين بالسيطرة على عقولهم. ولعلّها تؤكّد على هذا المفهوم،
عندما شبّهت علي في البداية بـ"هانيبال ليكتر"، شخصية الطبيب
النفسي المسجون في فيلم "صمت الحملان" (1991) لجوناثان ديمي،
المقتبس عن الحلقة الثانية من الثلاثية الروائية لتوماس هاريس،
المشهور بقدرته على السيطرة على أي شخص يستمع إليه.
غير أن علي لا يريد سوى أمر واحد فقط، بعد تجاوزه ثمانية أعوام
أمضاها معتقلاً في هذا المعسكر، هو يريد تواصلاً إنسانياً. يريد أن
يعامله سجّانوه على أنه كائن بشري، وليس حيواناً محبوساً. هذا ما
يؤكّد عليه مرّات عديدة في تساؤله: "لماذا تعاملونني بهذه
الغلظة؟". عنصرٌ آخر من العناصر المهمة: عدم اعتماد الفيلم على ما
يُسمّى بالحدث أو الفعل الدرامي كعنصر مطوِّر لبنية الدراما بشكل
عام، فهو يقدّم لنا تطوّراً تدريجياً في بنية العلاقة بين البطلين
طيلة الفيلم، وتستمر الأحداث والبطلين قد تغيّرا من داخلهما، لكن
لم يتغيّر الواقع.
لا شكّ في أن الممثل الإيراني معادي لديه موهبة متميّزة فى تأدية
الشخصيات، خاصة بعد تجربته الرائعة فى "انفصال" لأصغر فرهادي،
الفيلم الإيراني الشهير الذي فاز بجائزة "الدب الذهبي" في الدورة
الـ 61 (10 ـ 20 فبراير 2011) لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي"،
وجائزة "أوسكار" في فئة أفضل فيلم أجنبي في العام نفسه. أما
كريستين ستيوارت، فقد عُرفت بدورها في سلسلة أفلام "توايلايت"،
التي اشتُهرت بمزجها بين نوعية أفلام مصاصي الدماء والمذؤوبين،
وبين قصّة حب رومانسية.
تجربة ستيوارت في فيلم "معسر أشعة أكس" مختلفة بعض الشيء، إذ أنها
تقدّم في بعض المشاهد مهارة استخدام تعبيرين في آن واحد، وهي
المقدرة التي يجب أن يتحلّى بها كل ممثل محترف، في أنه يُظهر
تعبيراً بوجهه، لكنه يعطي بعينيه معنى آخر.
يقدّم الفيلم الذي عُرض في الدورة الـ 30 لـ"مهرجان صاندانس
السينمائي" 2014 عرضاً لعلاقة إنسانية بسيطة وعميقة، محمّلة بمعانٍ
مجرّدة، وهي رغبة البشر في التواصل على الرغم من الاختلافات
السياسية والثقافية كلّها.
عمل سينمائي معاصر يغيب فيه الحوار
"تجربة" لألكسندر كوت.. الصمت كمدخل إلى إستعادة متعة النظر
"سينماتوغراف" ـ أبوظبي : مصطفى المسناوي
هل لا يزال ممكناً إخراج أفلام صامتة في زمن السينما
الناطقة؟، سؤالٌ ردّ عليه عدد من المخرجين بالإيجاب في العقود
الأخيرة، آخرهم الفرنسي ميشال هازانافيزيوس في فيلمه "الفنان"
(2011)، الذي حاز عشرات الجوائز، من بينها خمس أوسكارات في العام
2012.
لكن، إذا كان هازانافيزيوس أخرج فيلماً خاضعاً لجماليات السينما
الصامتة القديمة، التي تعتمد على الأبيض والأسود واللوحات المكتوبة
المتضمنة للحوارات والشارحة للمواقف، فإن المخرج الروسي ألكسندر
كوت يلجأ، في "تجربة" المشارك في (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة
لمهرجان أبوظبي السينمائي) إلى خيار صعب لا يخلو من مغامرة،
بإنجازه عملاً سينمائياً معاصراً تماماً، أي لا علاقة له ببدايات
الفن السابع، تحضر فيه الموسيقى والمؤثرات الصوتية، لكن يغيب عنه
الحوار، وتغيب كل كلمة منطوقة أو إشارة مكتوبة يمكنها أن تحدّد لنا
علاقات الشخصيات بعضها بالبعض الآخر، أو المكان الذي تدور فيه
الأحداث وزمانها، بحيث نكون مضطرين للإستعانة بالتقديم المكتوب
المرافق للفيلم من خارجه، لكي نتمكّن ـ وقد صرنا سجناء تقاليد
المُشاهدة التي رسّختها السينما الناطقة ـ من استعادة العلاقة
بالسرد المعتَمَد على الصورة وحدها فقط، ولكي نتمكّن أيضاً من
متابعة الفيلم، والاستمتاع به.
يقول التقديم المكتوب إن أحداث الفيلم تدور في سهوب قازاخستان خلال
فصل الصيف، وتحديداً في شهر أغسطس 1953 بـ"سيميبالاتينسك"، حيث
يعيش الأب تولغات وابنته دينارة في بيت ناء بعيد عن الناس
والحضارة. لا يخرج الأب وابنته عن روتين يومي لا يتغيّر: يذهب
بشاحنته صباحاً إلى العمل ويعود مساءً، بينما تظلّ هي في البيت
ترعاه وتتعهّده إلى حين عودته. يقع الإثنان في قلب السرد الفيلمي،
وبجوارهما تظهر شخصيتان إضافيتان: الفتى كايسين، الذي يقطن رفقة
عائلته في أقرب بيت من المكان الذي تُقيم دينارة فيه، والذي يحبّها
وينوي الزواج بها، لولا ظهور الشخصية الرابعة القادمة من العاصمة
موسكو، أي الفتى ماكسيم سميموف، الذي سيُغرم بالفتاة وتغرم هي به،
منهيان بذلك حلم الفتى كايسين.
جاء ماكسيم إلى هذا المكان النائي في إطار عمله كمساعد مُصوّر (كاميرامان)،
ضمن فريق عمل مُكلّف بمهمة سرية: تصوير أول تجربة لتفجير قنبلة
هيدروجينية في العالم. بذلك، تلتقي قصّة الحبّ الجارف التي يعيشها
الفتية الثلاثة، كلٌّ على نحوه الخاص، بتجربة ستلقي ظلالها على
تاريخ العالم، وتحدّد مسار "الحرب الباردة"، فيما سيعقب هذا
التاريخ (أغسطس 1953) من سنوات.
ولتصوير هذا اللقاء بين "التجربتين" في فيلم من دون حوار، يعتمد
ألكسندر كوت على مدير التصوير البارع والمقتدر ليفان كابانادزه،
الذي يُعيد إحياء لغة الصورة بطريقته الخاصة، مُعتمداً على تركيبات
هندسية أخّاذة، تزاوج بين اللون ودرجة الضوء واختيار الزاوية
والإطار، ما يجعل كلّ لقطة لوحة تشكيلية بحدّ ذاتها، وبما يحوّل
اللقطات ـ عند ربطها بعضها بالبعض الآخر ـ إلى سمفونية بصرية
أخّاذة، تقرّب المُشاهد من المكان والشخصيات بقدر ما تقوده نحو
متعة مفتَقَدة وغير منتظرة في آن واحد. ينطبق هذا على اللقطات
الداخلية، والقريبة أو القريبة جداً للأشخاص، كما ينطبق على
اللقطات البانورامية للطبيعة اللانهائية، أو تلك التي يتمّ تصويرها
في مواجهة الشمس.
إن "التجربة" البشرية هنا، على الرغم من أنها الأساس، لم تعد تعني
شيئا أمام "التجربة" الكبرى المقبلة: تجربة تفجير القنبلة. لذلك،
يبني المخرج فيلمه على خيارات جمالية من شأنها أن توحي بذلك، على
رأسها تحريكه شخصياته بحياد يغيب معه، عموماً، كلّ انفعال: سواء في
علاقة دينارة بأبيها، أو في علاقتها بعشيقيها. وذلك علاوة على
اللجوء إلى الزوايا العالية جداً (عين النسر) في اللقطات الضابطة
لإيقاع الفيلم، والمتعامدة مع سطح الأرض، حيث يبدو الأشخاص كالنمل،
وبالتالي يُمكن توقّع "انسحاقهم" المقبل.
يقول ألكسندر كوت، مُبرّراً خيار صمت الشخصيات في فيلمه، إن
"التواصل الصامت يحمل أحياناً من المعاني أكثر مما تحمله الحوارات
الفارغة. هذا الفيلم موجّه إلى أولئك الذين يحبّون النظر. وإلى
أولئك الذين يتذكّرون أن السينما صورة قبل كل شيء".
على هامش "حوارات السينما" بالدورة الثامنة لمهرجان أبوظبي
رشيد بوشارب: عبرت مع المهاجرين إلى قضاياهم المهملة
أبوظبي ـ "سينماتوغراف"
على هامش جلسات حوارات السينما، الفعالية المتخصصة التي ينظمها
مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الثامنة، تحدث المخرج والمنتج
الفرنسي الجزائري الأصل رشيد بوشارب الذي يحمل في جعبته ثلاثة
ترشيحات للأوسكار عن أفلامه «غبار الحياة» 1995، و«أيام المجد»
2006، و«الخارجون عن القانون» 2010، والتي تناولت موضوع الهجرة
والعلاقة بين العرب والغرب. وقد كان بوشارب دائماً مثار جدل كبير
من خلال أعماله السينمائية حتى وصف بالمشاكس.
وفاز بوشارب هذا العام بجائزة الإنجاز المهني من مهرجان أبوظبي
للسينما مع المنتج الأميركي إدوارد بريسمان نظير مساهمتهما البارزة
في السينما العالمية.
ويعرض له خلال المهرجان فيلم «رجلان في المدينة» الذي قام ببطولته
الممثل الأميركي فوريست ويتيكر، الذي يؤدي دور محكوم سابق ومعتنق
للإسلام. وقد سبق أن شارك هذا الفيلم في دورة العام الحالي من
مهرجان برلين السينمائي.
بدأ بوشارب رحلته مع السينما منذ الطفولة المبكرة، وقاده شغفه
المبكر بالسينما إلى اعتباره لعبة وحادثاً عرضياً في حياته، حيث
كانت قاعة السينما قريبة من البيت، ما أتاح له المجال إلى دخول
القاعات في عمر مبكر، وأورث ذلك في نفسه شغفاً كبيراً بالفن
السابع، ليقرر بعد أن اشتد عوده أن يذهب بعيداً في رحلة الصورة،
لذلك قرر خوض المغامرة الأصعب، فاتصل بإحدى التلفزيونات الفرنسية،
ومنها بحث عن مدرسة لصقل موهبته في هذا المجال فكان له ذلك، وانطلق
مع التلفزيون قاطعاً الطريق من أولها ليصبح مخرجاً ثم منتجاً.
وفي حديثه عن رحلته تلك خلال الجلسة الحوارية معه، يوضح بوشارب إن
الوصول إلى مرحلة الإنتاج كان رغماً عنه، «لأن الساحة السينمائية
تفرض عليك ذلك، وهذا لا ينفي أنني في أعمالي السينمائية قد تعاملت
مع رجل رائع في إنتاج شريطي الأول، وهو ما قربني أكثر للسينما،
وجعلني أخوض تجارب مختلفة، ولا تزال الرحلة طويلة، فأنا في منتصف
الطريق، والمشاريع التي أفكر فيها كثيرة، والأعمال القادمة ستحمل
الكثير من الأفكار الرائدة».
وعن قضايا الهجرة التي طالما ارتبطت بعدد من أعماله، قال بوشارب:
«إنْ تكون منتمياً فهذا في حد ذاته مشكل كبير، إذ لا بد من الخوض
في مواضيع غير متناولة، وهذا ما عملت عليه في مراحل مختلفة من
مسيرتي السينمائية في فرنسا بالخصوص، إذ تعاملت مع الجالية
المغربية والأفريقية في فرنسا، ولا أنفي أنني وجدت صعوبات جمة منذ
أن كنت أعمل بالتلفزيون، إذ انطلقت مساعداً، وبعد عام ونصف العام
أخرجت فيلمي التلفزي الأول، ثم مررت قسرياً إلى الإنتاج، لأن
المرحلة لا تحتمل غير ذلك».
كما لا ينفي أن فرنسا أعطت له الكثير ولغيره من المهاجرين، إذ يؤكد
أن فيها كانت المغامرة «حيث كبرنا وعرفنا وتعلمنا وخضنا العديد من
التجارب»، وهذا لا يعني أن انتقاله اليوم للعمل في الولايات
المتحدة الأميركية لأسباب مادية أساساً، «لأن المال عندي ليس كل
شيء»، فهو اليوم برجوازي كما يرى نفسه، وأضاف صاحب «الخارجون عن
القانون»: «لقد حاولت جاهداً أن أنوع في اختياراتي وأعمالي، وأن
أخوض العديد من التجارب، وأظن أنني نجحت في العديد منها لإيماني
بضرورة الاجتهاد والمثابرة والإيمان بالقدرات الكامنة فينا. لقد
كان فيلم «أنديجان» تجربة متميزة في مسيرتي، لأنه ببساطة كان صورة
صادقة عما يعانيه المحاربون القدامى من الجزائر وأفريقيا من الذين
دافعوا عن فرنسا، ولكنهم لم يجدوا منها خلال سنوات طوال غير
النكران والجحود، ولكن هذا العمل الفني أزاح النقاب عن الكثير من
معاناتهم وجعل السلطات الفرنسية تراجع وضعياتهم».
وعن تجربته الأميركية الأخيرة من خلال فيلم «صوت العدو»، قال
بوشارب إنه حكاية مختلفة بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك،
حيث الحدود الطويلة والحيطان العالية، ومن خلاله تناول العديد من
القضايا التي بإمكانها أن تكون مادة سينمائية معتبرة.
وعن نصيحته للشباب، قال بوشارب: «على المبدعين السينمائيين الشبان
السعي لإبراز خصوصيتهم وتميزهم، فلا إبداع متميز بلا ثقة في الفكرة
ودفاع عن الهوية، وألا تكون المسابقات هي الهدف الأساسي من وراء
الإنتاج، فالأفكار اليوم كثيرة وهامش الحرية أكبر، وبالإمكان تقديم
أفضل الأعمال التي تستطيع تأكيد حضورها».
وخلص بوشارب إلى القول: «إن السينما فريق عمل وكاميرا، والبقية ليس
إلا ديكوراً لا غير، ومع ذلك أريد أن أعمل في المكان الذي يهمني،
وتركيزي منصب على الشخصيات أساساً، ولكنني حين أكون في الجزائر
أكون أكثر مصالحة مع ذاتي وشخصياتي ومحيطي».
طارق الشناوي يكتب من مهرجان أبو ظبي لـ"سينماتوغراف"
"ذيب " .. الرمال تتكلم سينما!
يأخذك الفيلم من مقعدك في دار العرض لتجد نفسك وقد أصبحت مشاركا
الابطال على الشاشة، هذا هو احساسي بالفيلم الأردني ّ"ذيب".
تشهد الأردن بحق بداية نهضة سينمائية تابعتها قبل سنوات في العديد
من المهرجانات، هذا الفيلم تحديدا يلعب في مساحة مختلفة حيث أن
الملعب الدرامي الوحيد هو تلك البيئة البدوية والصحراء الشاسعة
فهى المقدمة وهي عمق الكادر أيضا، بالمناسبة تخصص في تلك النوعيات
في الماضي مخرجنا الكبير نيازي مصطفي مع زوجته كوكا التى كانوا
يطلقون عليها نجمة الشاشة البدوية حيث كانت المبارزة بالسيف هي
العنوان و في الكادر الرمال والجمال والخيل وكلمتين باللهجة
البدوية أو على طريقة "مجنون ليلي" لأمير الشعراء أحمد شوقي
والدويتو الشهير بين محمد عبد الوهاب وأسمهان وتلك الشطرة الشهيرة
" جئت تطلب نارا أم جئت تُشعل البيت نارا".
هذه المرة نعيش الصحراء والمقاومة والاتجار بكل شيء حتى الايمان،
والتضحية في سبيل المبدأ بكل شيء حتى الروح ، الفيلم لا يطلب نارا
بل يشعل هذه المرة الشاشة بنار ووهج الابداع.
المخرج الأردني ناجي أبو نوار يقدم في أول أفلامه الروائية
وبمشاركة من باسل غندور في كتابة السيناريو تلك الرؤية التى تُقدم
لنا عالم الصحراء في الحرب العالمية الأولى، الاحداث تجري عام 1916
بعد اندلاع الحرب بعامين وكيف نواجة الامبراطورية العثمانية التى
تفرض هيمنتها على العالم العربي، نحن أمام ثلاث قوي، الأولى هي أهل
الصحراء أصحاب الأرض وهم يعملون في مهنة الدليل الذي ينقل الحجيج
من تلك البقعة للحج الى بيت الله الحرام، وهي مهنة متوارثة في
تلك العائلة، والثاني قُطاع الطرق الذين لا يعنيهم سوي الاستحواذ
على المال و الخيل والجِمال تحت تهديد السلاح، ثم الغزاة الذين
يريدون السيطرة على مقدرات الوطن، نحن نتابع هذا الشريط من خلال
رؤية تحمل قدرا يفيض بالطزاجة الابداعية حيث أن البطل هو الطفل
الذي أدري دوره جاسر عيد لم يصل بعد الى مرحلة المراهقة وكان عليه
وهو في بكارة العمر أن يعيش تفاصيل يتعرف عليها للوهلة الاولي
ليكتشف معني الوطن والشرف والنضال والقتل والتضحية والحيلة
والصراع من أجل البقاء.
صُندوق القنبلة الخشبي الذي يحوي ألة تفجير تُصبح حافزا قويا
ومؤثرا ومباشرا يزيد من جرعة الترقب فهو يظل يهددك كمتفرج
بالانفجار وليس فقط الابطال على الشاشة انه يبدو للوهلة الاولى
سلاح من أجل مزيد من التشويق، و كلما اقترب أحد وخاصة الطفل من هذا
الصندوق تزداد درجة الخوف ولكن في الحقيقة هو يتجاوز ذلك بكثير
حيث يصبح رمزا لكشف غموض الحياة التى ربما في لحظات تبدو هي أيضا
قنبلة على وشك الانفجار في وجه من يقترب منها، الحالة التى عليها
الشاشة حتى في الصمت كانت تعبر عن عين تلتقط الصورة برؤية مزدوجة
بقدر ما هي كشفيه فإنها أيضا درامية وجمالية، الصحراء من خلال عين
المخرج تشع حضورا وإبداعا وتتحدي الفقر الظاهر والمباشر الذي يبدو
للوهلة الأولى في الصورة المتكررة بالضرورة قبل أن تنضح بكل
تفاصيل الجمال، وتبقي أهم مشاهد الفيلم عندما يلجأ بطل الفيلم "ذيب"
للبئر لكي يحمي نفسه من الموت المحقق ومن مطاردة قُطاع الطرق حتى
ينجو في اللحظات الاخيرة، أنت تتابع التفاصيل بعيون طفل يُمسك بحبل
النجاة الذي يتدلى من اعلى وتزداد الترقب عندما يقطعون الحبل وفي
تلك اللحظة تتحول سواعده الصغيرة إلى مخالب تٌمسك بالصخر وهي
تتشبث بالحياة داخل البئر، وينجو من الموت ولكنه يقترب منه عندما
يُصبح لزاما عليه أن يتحمل مسؤولية دفنه، اللمحة الثانية علاقته
بقاتل أخيه وكيف أن كل منهما في حاجة الى بقاء حياة الاخر لتستمر
الحياة ،الطفل ينقذه من موت محقق بعد أن أخذ منه المسدس ومنحه
الماء قبل أن يُقتل ظمأً وفي نفس الوقت ينقذه قاتل أخيه من انفجار
الصُندوق الذي يحوي القنبلة.
كل العناصر الابداعية تفوقت خاصة الموسيقي فهي تلعب دور البطولة
كما أن هناك احساسا شاعريا يغلف الصورة برغم قسوة المكان وتوحشه
وفقره الظاهر، ويبقي فن قيادة الممثل وهو ما برع ناجي أبو نوار في
تحقيقه من خلال قيادته للطفل حيث حافظ المخرج تماما على درجة
تلقائيته أمام الكاميرا وهي بقدر ما تبدو مهمة سهلة بقدر ما تكمن
صعوبتها.
كيف تستطيع أن تحكم على العمل الفني؟، كثيرا ما اواجه هذا السؤال
ودائما لدي نفس الاجابة وهي ببساطة أن أترك نفسي ومشاعري للشريط
على الشاشة لا احاول أثناء المشاهدة استرجاع شيء أو المقارنة أو
المقاربة فقط أمنح العمل الفني كل احساسي، وعندما يستحوذ على أبدأ
في اكتشاف الاجابة وهو ما حاولت أن أرصده في هذا المقال!.
منتخب رأس ماله استيعاب الاختلاف
هدف واحد من أجل الفوز.. حكاية أضعف فريق كرة في العالم
سينماتوغراف ـ أبو ظبي: أحمد شوقي
إذا كنت من المهتمين بعالم كرة القدم ومتابعيه، فلابد وأنك ستذكر
النتيجة الغريبة التي حدثت في تصفيات كأس العالم 2002، عندما تمكن
المنتخب الأسترالي من الفوز على منتخب جزر ساموا الأمريكية بنتيجة
31-0 (نعم، واحد وثلاثون هدفا مقابل لا شيء). النتيجة التي قال
المؤرخون أنها الأكبر في تاريخ المباريات الرسمية على مستوى
المنتخبات، جعلت منتخب ساموا الأمريكية الأسوأ في تاريخ الكرة،
فالفريق لم يسجل سوى هدفين فقط طوال 17 عاما، خسر جميع المباريات
التي لعبها خلالها دون تحقيق ولو تعادل وحيد، وظل منذ إطلاق
الإتحاد الدولي "فيفا" لتصنيفه الشهري، يقبع في الترتيب الأخير!
من هذه النقطة المثيرة للدهشة والسخرية ينطلق الفيلم التسجيلي
البريطاني "هدف واحد من أجل الفوز" للمخرجين مايك بريت وستيف
جاميسون، اللذان حملا الكاميرا وسافرا إلى الجزر الواقعة وسط
المحيط الهادي، ليتابعا حالة الفريق والجهود التي تبذل من أجل
تحسين وضع المنتخب، من قبل رئيس إتحاد الكرة في الجزيرة من جهة،
والإتحاد الدولي الذي يرسل المدرب الهولندي توماس رونجين ليدير
الفريق فيفاجئه ـ ويفاجئ المشاهدين ـ التفاصيل العجيبة للجزر
وفريقها.
عن ساموا الأمريكية
فجزر ساموا الأمريكية (وهي غير جزر ساموا) ليست دولة مستقلة، بل هي
مجموعة جزر تابعة للحكومة الأمريكية، ويعتبر الرئيس الأمريكي رسميا
هو رئيس الدولة، وإن كانت الجزر تمتلك حكومة مستقلة منتخبة بشرط
عدم تأسيس أحزاب. الجزر لا يتجاوز مجموع مساحتها المائتي كيلو متر
مربع، وسكانها الـ 65 ألف نسمة يعيشون مهددين بصورة دائمة من قبل
أمواج التسونامي التي تجتاح الجزر كلما حدث زلزال في قلب المحيط.
هذا على صعيد الجزر، أما المنتخب نفسه فيمكنك تخيل طبيعة اللاعبين
في فريق لم يحقق نتيجة إيجابية من 17 عاما. جميع اللاعبين هواة
يمارسون الكرة بجوار وظائف بسيطة أخرى يعيشون منها، الكثير منهم
يتطوعون في الجيش الأمريكي باعتباره الفرصة الوحيدة لترك الجزيرة
والهجرة لأرض الأحلام، وهو ما يوقف مسيرتهم الكروية في أكثر فترات
اللاعب قدرة على العطاء، بالإضافة بالطبع للروح المحبطة المسيطرة
على الفريق الذي اعتاد تلقي الهزائم بصورة مذلة، لدرجة أن يخسر
بالسبعة وثمانية أهداف من جزر أخرى مثل فانواتو وسولومون!
تجربة إنسانية وجنس ثالث
المدرب الهولندي يتعامل مع اللاعبين بقسوة أتى بها من عالم احتراف
لا يرحم لجزيرة هادئة لا تعرف العصبية، بل ويتعامل بنفس الطريقة مع
رئيس الإتحاد عندما يتشاجر معه ويخبره أمام اللاعبين أنه مُعين من
قبل الفيفا، وبالتالي فهو لا يتبع إلا نفسه ولا يسمع إلا صوت رأسه.
ولكنه وضع سرعان ما يتغير عندما يبدأ المدرب رونجين في التعرف على
الجمال والبساطة في نفوس اللاعبين والجزر الصغيرة التي ينتمون لها،
فيتسلق أعلى قمة في الجزيرة مستمتعا رغم الصعوبة، في مشهد يُعمّد
فيه رسميا ليصبح ابنا لعالمه الجديد.
ومن ضمن التعايش مع عالمه الجديد استيعاب وجود لاعب/ لاعبة من
الفافافيني في الفريق، والفافافيني هم الجنس الثالث في جزر ساموا،
الذين يعيشون نصف الوقت كرجال ونصفه كنساء، فهم رجال تشريحيا، لكن
ملابسهم وصوتهم وحركاتهم نسائية تماما. وهو الجنس الذي تحتضنه
الجزيرة دون مشكلات منذ سنوات طويلة، بل ويعتبر أصحابه من المميزين
والمحبوبين اجتماعيا بين الأهالي، على عكس الوضع حتى في دول
أوروبية اعترفت منذ سنوات بالحريات الجنسية لكن المتحولين جنسيا لا
زالوا يعانون فيها من رفض مجتمعي.
الكل في الفريق يحب جايا سايلوا، اللاعبة المتحولة جنسيا التي تلعب
مع الرجال بحكم تكوين جسدها الأصلي، والتي تحلم بخلاف تحقيق أول
فوز، في أن ترتدي فستانا من تصميم بيت أزياء عالمي تسير به على
السجادة الحمراء!
استيعاب يؤدي لنصر
يستوعب المدرب رونجين هذا الاختلاف الثقافي الموجود في فريقه،
والذي يعكس روح التوافق المسيطرة على أهالي الجزر. حياتهم بسيطة
ومشاكلهم صغيرة ولا يحبون أن يشغلوا أنفسهم بصراعات لا طائل منها،
فهم مهددون دائما بالفناء في موجة تسونامي مفاجئة، أو بخسارة
الأحباء بين يوم وليلة بالهجرة، وبالتالي لا داعي لإضاعة الوقت في
الكراهية والفرقة.
ينطلق رونجين من هذا الاستيعاب، بل ويراهن عليه لحظة الجد باختيار
جايا لتكون في التشكيل الأساسي الذي يلعب تصفيات كأس العالم، حتى
يتحقق الحلم بالانتصار أخيرا على منتخب تونجا بنتيجة 2-1، بل وتكون
جايا هي من ينقذ الفريق بإخراج كرة من على خط المرمى في اللحظات
الأخيرة كانت كفيلة بإضاعة الفوز الذي طال انتظاره كثيرا جدا.
ساموا الأمريكية تعادلت في المباراة التالية، ثم خسرت بهدف في
اللحظات الأخيرة من جارتها ساموا التي اعتادت قديما سحق الجارة
بنتائج ضخمة، ليخرج الفريق من التصفيات لأول مرة مرفوع الرأس بما
حققه لاعبيه، ويقفز تصنيفه في الاتحاد الدولي ثلاثين مركزا للأمام
ليغادر القاع الذي قبع فيه لسنوات وسنوات.
نهاية من خارج الفيلم
الفيلم ينتهي على الطريقة الأنسب دراميا، بالنجاح في تحقيق
الانتصار الأول والخروج بشرف، بما يوحي بفريق له مستقبل سيتقدم نحو
الأفضل. لكن مالا يذكره المخرجان أن ما حدث على أرض الواقع هو عودة
الخسائر الكبيرة لساموا من جديد، صحيح أنها لم تصل أبدا لاستقبال
ثلاثين هدف، لكن المنتخب ظل على الوضع الطبيعي لدولة بهذا الحجم
وهذه الظروف. والأهم بالنسبة لمشاهد مثلي يحب الكرة وكذلك السينما،
هو ما يحمله هذا الفريق من صور للبساطة والتآخي واستيعاب الاختلاف،
فهو نموذج أهم بكثير من الفوز في أي مباراة.
طرحها المشاركون في جلسة ضمن "حوارات في السينما"
3 مشكلات تبعد الأفلام العربية عن العالمية
أبوظبي ـ "سينماتوغراف"
ناقشت جلسة عقدت مساء أمس في قصر الإمارات ضمن برنامج "حوارات في
السينما" أساليب التمثيل في الأفلام العربية والخروج بالفيلم
العربي إلى العالمية، بحضور المنتج المصري محمد حفظي، والممثل
المصري خالد أبوالنجا، والمنتج غولوم دي سيل، والمخرج والمحاضر
الأردني بشار عطيات. وسلطت الجلسة النقاشية الضوء على الإشكاليات
الرئيسية التي تتخلل صناعة الفيلم العربي، ودورها في عدم وصول
الأفلام العربية إلى العالمية بكثافة.
بدأت مدير الندوة تيريزا كافينا مدير البرمجة في المهرجان، بالتحدث
عن السينما في العالم وما تتخللها من فروق عن السينما العربية،
مشيرة إلى أن السينما البولويودية تتميز بطابعها الخاص ولا تكترث
بالمشاركة في المهرجانات بقدر ما تهتم بتوجهها للجمهور المحلي،
بينما يركز المنتج العربي من الأفلام على المشاركة في المهرجانات
العالمية . وطرحت التساؤل الرئيسي عن دور الممثل في الفيلم العربي
في نجاح الفيلم، وهنا أكد دي سيل، أن المشكلة عادة لا تأتي من
الممثلين غير المحترفين فقط، بل حتى من ذوي الخبرة، وذلك لا يعني
أنهم هم من يتحمل المسؤولية بل المخرجون كذلك، والطريقة التي
يتعاملون بها معهم وما يطلبونه منهم . فوظيفة المخرج وضع الممثلين
على الطريق الصحيح.
المشكلة الحقيقية، بحسب دي سيل، هي أن المخرجين ليس لديهم الخبرة
الكبيرة في نمط التمثيل الذي يريده الجمهور خارج حدود الوطن
العربي، وهذا من النواقص التي يعانيها الفيلم العربي .
وأوضح حفظي أن المشكلة في التمثيل في الأفلام العربية، ان الممثلين
يأتون من خلفيات تلفزيونية لأنها الأكثر انتشاراً، ولذلك تغلب
عليهم أساليب التمثيل التلفزيوني، وأن المخرج هو القادر على اختيار
الممثلين والاستفادة من مهاراتهم في التلفزيون . ويعتقد حفظي أن
الاستعانة بممثلين غير محترفين أسهل في وضعهم على الطريق الصحيح،
لأنهم سيتلقون توجيهات تؤسس لديهم أسايب التمثيل السينمائي.
وقال حفظي: "المشكلة لدينا أن المخرجين لا يتعاملون ويحتكون كثيراً
مع الممثلين، إضافة إلى ان الممثلين قادمون من خلفية تلفزيونية،
ولعل هذين الأمرين هما التركيبة التي أدت إلى ضعف الأداء
السينمائي"، مشيراً إلى انه لابد ان تكون هناك نقاشات مطولة بين
المخرج والمنتج حول اختيار الشخصيات ومدى ملاءمتها للأدوار من دون
أن يفرض رأياً بل مناقشة ما سيظهر للجمهور.
وأوضح حفظي أن في مصر مشكلة تتمثل في أن هناك نقابة ممثلين، وهذه
تضم آلاف الممثلين لكن معظمهم لا يعملون ولكي يتمكنوا من دخول
الساحة لابد أن يمتلكوا الرخصة من النقابة، وهي بذات الوقت تحدد
عدد الرخص الممنوحة، مما يقيد المخرج في خياراته من الممثلين.
وأتفق أبوالنجا مع وجهة نظر دي سيل، لكن أكد أن الممثلين يبذلون
جهوداً في أدائهم، إلا أن المسؤولية تقع على عاتق كل من المخرج
والمنتج، كما أوضح أنه في كثير من الاحيان يشارك في عملية المونتاج
ويعاني منها، ويعاني في المحافظة على الطابع العفوي للفيلم، ولكن
المخرج لا يأخذ دائماً برأي الغير، إلا ان المخرجين الجدد يعون
أهمية أن يستمعوا ويأخذوا برأي الممثلين، وأشار أبوالنجا نحن نعيش
معاً بين مرحلة انتقالية، ما بين المدرستين القديمة والجديدة في
التمثيل والإخراج، ومن الجيد أن تعمل المدرستان معا للخروج بنتاج
ناجح" . وأكد أبوالنجا أن هناك جيلاً جديداً يعتمد في تعلمه
التمثيل على الإنترنت وهو جيل منفتح على مصادر المعلومات، ولكن
الاهم أن يتعلم الشخص سواء في الأكاديميات أو عبر المصادر الأخرى،
مؤكداً أن كل شخص يمكن أن يكون ممثلاً لكن الفكرة تكمن في مدى ثقته
بقدراته.
وألقى عطيات اللوم على كل من الممثلين والمخرجين، حيث لكل طرق
منهما رسالة، فالممثلون هم رواة، وهناك بعض المشاهد تصل إلى 20
مشهداً للممثل بسبب المخرج . ولذلك لا بد من القول للمخرجين كونوا
رحماء مع الممثلين والممثلون عليهم أن يطوروا انفسهم بحسب عطيات،
مشيراً إلى مسيرته في تقديم الورش السينمائية. |