هل كانت شخصية نوسفيراتو مصاص الدماء، التي قام بتقديمها على
الشاشة الألمانية الصامتة فردريك ولهلم مورناو في سنة 1922 في فيلم
«نوسفيراتو» ترمز إلى هتلر الكامن في مستقبل ألمانيا آنذاك؟ وهل
شخصية دكتور غاليغاري في «كابينة دكتور كاليغاري» لروبرت واين
(1920) الرمز لشخصية الديكتاتور الطاغي ذاك؟ وتواصلا مع هذين
السؤالين المطروحين في الفيلم التسجيلي «من كاليغاري إلى هتلر»
لروديغر سوشلاند، هل عمدت السينما الألمانية الصامتة ومخرجوها ما
بين 1918 و1933 إلى التنبؤ بقدوم زعيم نازي كبير يثير الهلع بين
الأبرياء، ويحول هدوء الحياة إلى خوف مستعر؟
حسب ذلك الفيلم نعم. هاتان الشخصيتان ترمزان أكثر من غيرهما من
شخصيات السينما الألمانية الكلاسيكية في ذلك الحين، إلى ما ينتظر
ألمانيا في المستقبل المنظور. كانت ألمانيا خرجت من الحرب الأولى
مجروحة ومهزومة، وكل ما تحتاج إليه هو تضميد جراحها، لكن حزبا قويا
مضى لما هو أبعد؛ تجييش الحماسة الوطنية لصياغة مشروع جديد يفضي
إلى ألمانيا عسكرية ترفض الهزيمة وتحضر لحرب جديدة تفرض فيها
عنصرها الخاص على سواه، وتحتل لتستوطن وتحكم. في «نوسفيراتو» (الذي
هو دراكولا باسم جديد، بعد امتناع أرملة المؤلف برام ستوكر عن منح
المخرج حق تصوير الرواية) يتمثل زعيم ذلك الحزب في شكل ذلك المخلوق
الذي يبغي الوصول إلى روح الزوجة الشابة والجميلة والآمنة..
ألمانيا. هو مصاص دماء البراءة.
في «كابينة دكتور كاليغاري» هو ذلك المهووس بالقتل الذي شيّد عالمه
الذي يحتل فيه دوري الطبيب النفسي والمريض النفسي في الوقت ذاته.
تلك اللقطات ذات الزوايا المائلة وتصاميم الديكورات الغريبة أكثر
دلالات الفيلم على عالم قلق وغير طبيعي. ومثل «م» لفريتز لانغ
(1931) الحكاية غلاف يستر المرامي والأبعاد: حكاية مرعبة في هذين
الفيلمين وتشويقية في الفيلم الثالث، وهناك سواها.
يقول لنا المخرج سوشلاند في لقاء بعد عرض الفيلم في تظاهرة
«كلاسيكيات السينما التسجيلية»: «لست وحدي الذي يدرك اليوم أن
السينما الألمانية في العشرينات أساسا كانت ثرية بالمضامين الخاصة.
إنها أضاءت معالم الطريق الذي سيؤدي بألمانيا إلى الحقبة النازية
في الثلاثينات. لكن الإلمام بتاريخ السينما الألمانية عموما محدود،
خصوصا في ألمانيا نفسها».
*
ألا يمكن أن تكون الأفلام التي تتحدث عنها مجرد انعكاسات لمخاوف
منفصلة عن النبوءات التي تجدها فيها؟
-
تقصد أنها نتيجة مشاعر فردية بالقلق الاجتماعي؟ حتى ولو كانت كذلك،
فإن لهذا القلق مصدرا، وفي بحثي لم أجد ما ينفي العلاقة بين هذا
المصدر ونشأة النازية مطلقا، لأنه على افتراض أن دكتور كاليغاري
مثلا جرى تحقيقه بمعزل عن التفكير بشكل السنوات المقبلة، فإنه
سينتهي إلينا كمجرد فيلم مرعب، لكنه فيلم تعبيري متقدم ولكي يكون
ذلك لا بد أن «مخرجه» واين كان يفكر في مستقبل الكيان المقبل
لألمانيا. حتى مع صعوبة برهان ذلك، إلا أنه بمجرد تحليل الفيلم
نقديا تجد نفسك أمام ذلك الوضع كاحتمال وحيد. في نظري، لا يمكن
التفريق بين أي من هذه الأفلام والرؤية المستقبلية لألمانيا.
*
حياة وموت بازوليني
تظاهرة «كلاسيكيات السينما التسجيلية» التي عرضت هذا الفيلم، وشملت
أيضا 9 أفلام أخرى، هي واحدة من ذروات هذه الدورة التي حفلت بسجل
من الاهتمامات المتعددة في أفلام المسابقة وخارجها. هذه التظاهرة
ذاتها عكست كل تلك الاهتمامات، فقد عرضت أفلاما عن تاريخ السينما
عموما مثل الفيلم الإيطالي «بارما والسينما» لفرانشسكو باريللي
وأخرى عن مخرجيها، مثل الفيلم الأميركي «التمن» لرون مان، إلى
السينما المعاصرة، كما في فيلم «زهور تايباي - السينما التايلاندية
اليوم» للمخرجة سيه شينلن، إلى فيلم ماركو سبانوللي عن الممثلة
صوفيا لورين وعنوانه «نساء عظيمات: صوفيا عن لورين». وتناول
السينما والسينمائيين امتد ليشمل أحد أفلام المسابقة، وهو
«بازوليني» للأميركي آبل فيرارا: شريط درامي عن الأيام الأخيرة من
حياة المخرج الإيطالي الراحل بيير باولو بازوليني، الذي مات مقتولا
سنة 1975، في حادثة يتداولها التاريخ من دون قرار، فبينما صحيح أن
الشرطة الإيطالية ألقت القبض على شاب اعترف بأنه هو من قتل
بازوليني بدهسه عدة مرات بسيارة بازوليني نفسه على شاطئ قريب من
روما، فإنه هو أيضا من أقر لاحقا بأن اعترافه السابق جرى تحت
التهديد بقتل أهله، وأن القتلة هم 3 صقليين داهموا بازوليني والشاب
الذي كان معه خلال علاقة مثلية على ذلك الشاطئ، وضربوا بازوليني
حتى الموت.
كما لو أن فاريرا لا يريد أن يتبنى رأيا بين أي من هذين الاحتمالين
يصور لنا المشهد من جانبيه؛ مداهمة 3 شبان مسلحين بالعصي لبازوليني
وضربه بعنف وتركه ينزف، وقيام ذلك الشاب الذي كان معه بدهسه حين
هربه من المكان.
قبل الوصول إلى نهاية بازوليني المروِّعة، بصرف عن الرواية
الصحيحة، يمضي فيرارا 80 دقيقة يصور فيها بازوليني، كما يقوم به
الممثل ويلام دافو، الذي يمتلك ملامح قريبة الشبه بملامح المخرج
الراحل، وهو يكتب ويقرأ ويفكر بصوت عالٍ. كشيوعي كان عالي الصوت في
نقده حياة المترفين والبرجوازية الإيطالية والأحزاب اليمينية،
والبعض يقول إن القتل جرى بسبب مواقفه السياسية، وليس نتيجة ذلك
الحادث. خلال تلك الرحلة يدلف المخرج فاريرا في نص أراد بازوليني
تصويره فيلما بعدما كتبه كمزج ما بين «المقالة والشعر والنقد
والرسائل الشخصية»، كما يكتب لألبرتو مورافيا طالبا منه مساعدته
على معرفة ما إذا كان أصاب أو أخطأ في هذا المزج. فيرارا يصور بعض
مقاطع ذلك النص كفيلم وارد في مخيلة المخرج الإيطالي، لكنه يقدم
مشاهد جنسية من فيلم بازوليني الأخير «سالو أو الأيام الـ120 من
سودوم» أيضا. والجنس يلعب دورا هنا، لكن ليس من باب أخلاقي، بل
لأنه كان واقعا في حياة بازوليني.
بالنتيجة، هذا فيلم يُقرأ في حياة وأوراق بازوليني من دون أن يتبنى
شكل ومهام السيرة ويعاني من تبعثر وصلات الربط في هذه القراءة،
متنقلا ما بين حالات لغاياتها، وليس في سبيل سرد حكاية تلك الأيام
والساعات الأخيرة لبازوليني.
*
ليوباردي معانيا
سيرة حياة أخرى، ولو أنها أكثر اكتمالا من حيث الفترة الزمنية التي
يستعرضها الفيلم، متوفرة في فيلم «ليوباردي» للمخرج ماريو مارتوني.
جياكومو ليوباردي كان أحد أهم شعراء إيطاليا في القرن الـ19
(والبعض يقول الأهم) والمخرج مارتوني يمنحنا أكثر من مجرد قصة
حياة، فهو يقدم صورة واقعية لبطله كما لحياته والأماكن الفعلية
التي جرى التصوير فيها، وبذلك يعكس أهم ملامح السينما الأوروبية
التي تولت عبر عقود طويلة تناول شخصياتها الأدبية والفنية بالأسلوب
والطموحات نفسها.
حسب مراجعة سريعة، هذا أول فيلم روائي طويل عن شخصية الشاعر
المذكور التي يقوم بها إليو جرمانو. والمنهج الذي يختاره المخرج
مارتوني لعرض تلك السيرة تقليدي، إذ يبدأ من تعريفنا به شابا يافعا
في جو أسري مفعم بالطموح صوب الثقافة ويتألف من والده وشقيقه
وأخته. هذا التأسيس يستمر لنحو 40 دقيقة ننتقل بعدها إلى مرحلة
متقدمة من حياة ذلك الشاعر الذي وقع في الحب وعاني منه. لكن
معاناته العاطفية ليست الوحيدة. ليوباردي كان مصابا بمرض في العظام
يجعله هشا وحين ننتقل إلى الساعة الثانية من الفيلم نراه بظهر
منحنية. هذا ما يجعله، وشعره، يميلان في أواخر عمره إلى الدكانة
بعدما خسر حبه لصالح صديق له (ميشيل ريوندينو) وانحدرت آماله وتلقى
من المجتمع بسبب عاهته ما لم يستطع تحمله.
في الوقت الذي لم نعد نرى فيه أفلاما إيطالية كبيرة، يعود هذا
الفيلم إلى ذلك النمط الإنتاجي وليس من دون مغامرة تقف في نقطة
الوسط بين احتمالات النجاح والخسارة.
بمثل هذه الأفلام يزداد التنوع المنشود من المشاركات التي ضمتها
الدورة الـ71 من مهرجان فينيسيا. فالسيرة المتوفرة عبر هذين
الفيلمين لا تمنع من ترتيب سير أخرى ولو باعتماد قدر من الخيال
الذي يخرج به عن الواقع. في الوقت ذاته هناك نسبة لا بأس بها من
الأفلام التي تتيح قدرا من النقد الاجتماعي لجانب تلك التي توفر
خامة درامية وميلودرامية واسعة.
الفيلم التركي - الألماني
«The Cut»
هو واحد من تلك الأفلام التي تريد ممارسة كل هذه الشؤون معا. كما
هو معلوم فإن للكلمة عدة معان. إنها «القطع» كما في حال تشكيل قطعة
ما، وهي «الجرح» كما «الحصة» و«الاختصار» وعندما تسبق كلمات أخرى
تتوسع معانيها أكثر وأكثر. لكن هذا الإنتاج يترك العنوان جانبا
بصرف النظر عما يعنيه تحديدا به. المخرج الألماني، التركي الأصل،
ينطلق من حكاية تقع في عام 1915 حول عائلة أرمنية تعيش تحت جناح
النظام العثماني وتعاني من المعاملة العنصرية التي تتلقاها. رب
الأسرة الشاب نزارت مانوجيان (الممثل الفرنسي طاهر رحيم) يُقتلع من
بيته وعائلته ويُبعث به إلى بعض الجبال الصخرية المقفرة لكي يعمل
مع مواطنيه في كسر الأحجار ونقلها. خلال ذلك يكون النظام العثماني
أتى على الأرمن وأباد منهم من أباد (لا نرى ذلك في الفيلم إذ نبقى
مع بطله نزارت) وشتت من شتّت. موجة الإبادة سريعا ما تصل إلى
المساجين فيُذبحون، لكن تركيا واحدا يؤول إليه أمر ذبح نزارت يكتفي
بطعنه قليلا في الرقبة لإبقائه على قيد الحياة. هذه الطعنة لا تقتل
نزارت، لكنها تعدمه القدرة على النطق.
*
أميركا في دقيقتين
بعد ذلك يفلت نزارت من العسكر ويصل حلب بعدما سمع أن ابنتيه نجتا
من الموت وربما كانتا في الجوار. يؤويه حلبي (مكرم خوري) لبعض
الوقت، وعندما يتأكد لنزارت أن عائلته ليست في الجوار يمضي إلى
بيروت ومنها إلى أثينا حيث سمع أن ابنتيه أصبحتا هناك. لن يجدهما
هناك ويأتيه خبر من رجل طيب آخر أنهما في عهدة أرمني يعيش في كوبا.
المسافة بين أثينا وكوبا يختصرها الفيلم إلى دقيقتين. في كوبا يبحث
عنهما بمساعدة من رجل طيب رابع قبل أن يقف على حقيقة أنهما غادرا
الجزيرة إلى فلوريدا بعدما رفض الأرمني الزواج من إحدى ابنتيه.
يجمع بعض المال ويسرق البعض الآخر وها هو في عرض البحر مرة ثانية
متسللا إلى الولايات المتحدة. لا يجدهما في فلوريدا بل يسمع أنهما
في منيابوليس، ويقطع المسافة في بضع دقائق أخرى. في منيابوليس يصل
إليه نبأ أنهما في بلدة خارج المدينة. يعمد إليها ويجد إحدى
ابنتيه. الأخرى كانت ماتت.
إنها رحلة كبيرة تنطلق من تركيا وصولا إلى منتصف أميركا مرورا بعدد
من البلدان الفاصلة. يتجاوز المخرج المصاعب الكثيرة التي لا بد
لهذه الرحلة أن صادفتها. ليس لديه الوقت لمنحها وجودا، ويكتفي
بالقليل منها، ومعظمه في مطلع الفيلم. هذا ما يجعل بعض مراحل تلك
الرحلة غير واقعية على الإطلاق، ففي الولايات المتحدة يلتقي
بامرأتين فقط: واحدة من مواطني القارة الأصليين فيذود عنها ضد رجل
أراد اغتصابها، ثم - مباشرة بعد ذلك - ابنته. حين يصل إلى البلدة
من دون عنوان ويمشي وحيدا هائما في الشارع الرئيس، فإن الباب
الوحيد الذي يُفتح والمرأة الوحيدة التي تخرج من البيت هي ابنته.
بمثل هذه الرحلة المعصورة في 133 دقيقة، لا عجب أن الممثل طاهر
رحيم لا يمتلك في هذا الفيلم إلا القليل من الوقت ليوفر للشاشة
عمقا ما لشخصيته، ولا المخرج أكين لديه الوقت لبلورة درامية تصاحب
هذا السرد المطول وتمنحه السبب لتقديمه.
«ذيب»..
حكاية بدوية اردنية تستحق أن تروى
«ذيب»
هو فيلم عربي روائي طويل آخر في المسابقة بعد «فيلا توما» لسهى
عراف ومثله يستحق الإعجاب. لكن في حين أن أسباب الإعجاب في ذلك
الفيلم الفلسطيني - الإسرائيلي محددة بنطاقه الاجتماعي من ناحية
وبمنوال تنفيذه الفني من ناحية ثانية، يأتي «ذيب» للأردني ناجي أبو
نوار بما يثير الإعجاب من ناحية ثالثة؛ إنه الفيلم العربي الروائي
الأول الذي يتناول حكاية بدوية كاملة تدور في رحاها البيئي ومكانها
الطبيعي ناطقة بلغة ممثليها الذين لم يسبق لهم أن غادروا الصحراء
الأردنية، فما البال بالنزول في البندقية؟
المخرج كان قلقا قبل وصول فريق ممثليه، وأخبرني في حفل أقامته شركة
«فورتسيمو» التي تشرف على ترويجه وتوزيعه، قائلا: «لا أخفيك قلقي
من صدمة الحضارات التي ستتأتي حين يحط ممثلو الفيلم في أرض المطار.
هؤلاء لم يغادروا ربوعهم البيئية ولا مرة في حياتهم، ولم يركبوا
سوى الخيل والجمال، وما طلبناه منهم هو ركوب السيارة والطائرة
واليخت وصولا إلى هذا الجو المختلف تماما عن أجوائهم وثقافاتهم».
أبو نوار ليس من بينهم. أردني الأب ولد في لندن وعاش فيها حتى بلغ
العاشرة من العمر ثم نزح والعائلة إلى عمان وانتقل ما بين
العاصمتين. قبل سنوات قليلة شارك في ورشة عمل وفرها مهرجان صندانس
في عمان، وانصرف بعدها لكتابة سيناريو هذا الفيلم: «3 سنوات وأنا
أسعى لتدبير التمويل الكافي لهذا العمل. إيماني به استولى على
حياتي. وذلك لأنني لم أرد أن أخوض العمل السينمائي به فحسب، بل
أردت خوض العمل بفيلم مختلف تدور أحداثه في البيئة الحقيقية ومن
دون أن تدخل من أي نوع».
أبو نوار أشاع في أحاديثه أن الفيلم هو «أول وسترن عربي» وإلى حد
يمكن الموافقة على ذلك، لكن الأكثر أهمية هو أنه من صميم البيئة
العربية ما يجعله «فيلم إيسترن» أكثر منه فيلم وسترن. يقول: «أحب
سينما الوسترن الأميركية. أحب أفلام جون فورد وسام بكنباه، وفي
الحقيقة هناك مشاهد نفذتها وحين شاهدت الفيلم كاملا اكتشفت ذلك
الخيط بينها وبين بعض أفلام بكنباه».
حكاية الفيلم تقع في الزمن العثماني أيضا شأنه شأن «القطع» للمخرج
الأكبر باعا فاتح أكين. نتعرف على الصبي «ذيب» في الواحة التي تعيش
فيها قبيلته في صحارى الأردن. ذات ليلة يصل رجل من قبيلة أخرى ومعه
بريطاني. ترحب بهما القبيلة وتنحر الغنم ثم تستمع إلى السبب وراء
الزيارة؛ البريطاني عسكري في مهمة، والرجلان بحاجة إلى دليل. شقيق
ذيب حسان دليل جيد وهذا يوافق على مساعدتهما في بلوغ مقصدهما. يلحق
ذيب بشقيقه ويفرض على القافلة حضورها. الأجنبي يحمل صندوقا يثير
فضول الصبي والتوتر يسود هؤلاء عندما يحاول ذيب معرفة ما في
الصندوق فينهره البريطاني بعنف، مما يثير حسان فينبري للدفاع عن
شقيقه. لكن ما ينتظر الجميع إثر ذلك هو أكثر أهمية؛ مجموعة من قطاع
الطرق تهاجم القافلة. البدوي المصاحب والبريطاني يسقطان قتيلين،
وحسان يأخذ شقيقه إلى الصخور المرتفعة، ويبليان بلاء حسنا في
الدفاع عن نفسيهما. لكن في صبيحة اليوم التالي يسقط حسان برصاصة
أحدهم. باقي الفيلم (بعد نحو ثلث ساعة من بدايته) هو عن كيف بقي
ذيب على قيد الحياة، وكيف ساعد جريحا على البقاء حيا واصطحبه إلى
النقطة العسكرية التي كان البريطاني يريد تسليم الصندوق إليها.
«ذيب»
جميل الصورة لونا، كما تصويرا. القول بأن التصوير في الصحراء
العربي متعب مردود عليه في أفلام سابقة مثل «لورنس العرب»
و«الرسالة»، لكنه يتجدد هنا بفعل مدير تصوير جاهز للتأقلم هو
وولفغانغ تايلر. سيناريو أبو نوار يعمد إلى الغموض والتشويق، لكنه
لا يخون المنحى الرصدي والتأملي للأحداث لصالح إيقاع متسارع أو
فيلم مغامرات عادي.
أبو نوار يعترف بأن صنع هذا الفيلم لم يكن سهلا: «هذا كان ثالث أو
رابع مشاريعي التي حاولت إنتاجها. ذهبت بهذا المشروع تحديدا إلى
أكثر من جهة، ثم قررت أنه إذا ما أردت تحقيقه، فإن علي أن لا أنتظر
أحدا. وفي النهاية أتممناه». |