ساعات وتعلن جوائز الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما التي
تعرف بـ"جوائز الأوسكار"، وهي الجوائز التي ينتظرها الجميع شرقا
وغربا، سنويا، ويكون لها عادة تأثير فوري على أسواق السينما في
العالم، وأقصد العالم مطروحا منه العالم العربي بالطبع، فهو حالة
خاصة فريدة لا تعترف بالسينما، ويعتبر وجود دور العرض فيه مسألة
هامشية لا قيمة لها في التأثير في السوق، أي في الإيرادات التي
تحققها الأفلام.
من أوائل الأفلام المرشحة للفوز بعدد كبير من الجوائز (مرشح لتسعة
جوائز) فيلم "12 عاما في العبودية" للمخرج البريطاني ستيف ماكوين
الذي حصل بالفعل على جائزة "جولدن جلوب" لأحسن فيلم. وفي رأيي أنه
أحسن الأفلام التسعة، لا ينافسه سوى فيلمين فقط أولهما هو فيلم "نبراسكا"
على بساطته وصورته البديعة الخلابة التي جاءت بالأبيض والأسود،
ولاشك أن فوز هذا العمل البديع بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم سيسعد
كل عشاق السينما في العالم الذين شاهدوه واستمتعوا به.
والفيلم التالي هو "ذئب في وول ستريت" باخراجه المتميز الفذ المحكم
من جميع النواحي، والذي ينجح في شدك الى الموضوع وإلى الشخصيات
التي تتحرك على الشاشة رغم معرفتك المسبقة – غالبا- بالموضوع من
خلال الكتاب الذي نشره جوردان بلفورت عن حياته وأعد عنه سيناريو
الفيلم. ولكن سكورسيزي (الذي ربما يستحق أيضا جائزة أحسن مخرج)
يقدم هنا رؤية فلسفية للشر المطلق المدفوع من قلب الجشع، والمحكوم
بمنظومة أمريكية متكاملة ترتبط بالنهم للامتلاك والسيطرة، وهو يقوم
بتشريح ذلك النهم الذي لا نهاية له، للملكية والتملك، وبالتالي
تحليل كيف يرتبط الحصول على المال السهل بحياة العبث واللهو
والنساء والمخدرات.
ولاشك أيضا أن بطل الفيلم، الممثل البارع ليوناردو دي كابريو،
يستحق جائزة الأوسكار لأحسن ممثل، لا ينافسه فيها إلا بروس ديرن
بطل فيلم "نبراسكا". ولو خرجت الجائزة عن هذين الممثلين فسيكون
الأمر مدعاة للشعور بالاحباط لدى الكثيرين.
ورغم أنني لم أعجب على الاطلاق بفيلم "بلو جاسمين" وأعتبرته من
أضعف أفلام مخرجه وودي آلين في الفترة الأخيرة إلا أن بطلته كيت
بلانشيت أدت دورا جيدا، لكن الأفضل منها بالتأكيد هي جودي دنش في
الفيلم البريطاني "فيلومينا" للمخرج ستيفن فريريز، التي تستحق
الجائزة عن جدارة.
لكن الجائزة قد تذهب الى الممثلة الأمريكية ساندرا بولوك بطلة فيلم
يلقى إعجابا كبيرا لدى الأمريكيين بوجه خاص وهو فيلم "جاذبية
الأرض" Gravity الذي
أراه عملا متميزا، محكما، متقنا من جميع النواحي الفنية، غير أن
موضوعه لا يرقى من الزاوية الفلسفية وزاوية العلاقة مع ما وراء
الصور، إلى أفلام أخرى كلاسيكية عن الموضوع نفسه مثل "أوديسا
الفضاء" لستانلي كوبريك، فهناك شيء "خال" empty في
هذا الفيلم، لا يجعلك تسرح في أفكارك وتتأمل فيما وراء الصورة.
صحيح إنه يناقش تلك العزلة المخيفة التي قد يجد المرء فيها نفسه
فجأة مقطوع الصلة بالعالم، لكن التجربة عموما تظل تجربة أمريكية
خالصة.
ومن الأفلام الأمريكية الخالصة أي التي تتعلق بالشأن الأمريكي دون
قدرة على اقتناص ذلك البعد الذي يسمى في الدراما بالبعد الكوني universal
level أي
القدرة على أن يمس العمل السينمائي القطاع العريض من الجمهور في
العالم من شتى الثقافات واللغات، الفيلم الأمريكي المرشح بقوة أيضا
(وأظن أنه سيحصل على الكثير من الجوائز إن لم تكن جائزة أحسن فيلم
فالأمريكيون مهووسون به) وهو فيلم "احتيال أمريكي" الذي يعيبه رغم
طرافة فكرته، أسلوبه المسرحي وحواراته الطويلة المرهقة وتكراره
للفكرة على أكثر من مستوى ودورانه حولها بالاضافة إلى أنني شخصيا
لم أجده فكاهيا!
وهكذا فعلى الرغم من وجود ثلاثة أفلام هي الأفضل في القائمة كلها،
أتوقع أن يفوز بأحسن فيلم إما "جاذبية الأرض" أو "احتيال أمريكي"
وليست الأفلام الأفضل الثلاثة التي ذكرتها أعلاه، لأن جانب
الاحتفاء بالصناعة يأتي في قمة أولويات القائمين على جوائز
الأوسكار أي أهم كثيرا من الاعتبارات الفنية.
وحسب الاستفتاء أو الاستطلاع الذي أجراه موقعنا "عين على السينما"
فقد حصل فيلم "12 عاما في العبودية" على أعلا الأصوات، يليه فعلا
فيلم "نبراسكا: ثم فيلم "ذئب وول ستريت"، وهو ما يعكس ذوقا رفيعا
للمترددين على هذا الموقع والمشاركين منهم في الاستطلاع، فهي
بالضبط نفس الأفلام التي يرى كاتب هذا المقال، أنها الأفضل في
قائمة الأفلام التسعة المرشحة، يليها حسب ما جاء في الاستطلاع
أفلام "القبطان فيلبس" و"هس" و"جاذبية الأرض" التي حصلوا على أصوات
متساوية.
تمنح الأكاديمية الأمريكية 24 جائزة أوسكار، لا يهتم الجمهور العام
عادة سوى بما لا يزيد عن 10 جوائز منها، فهناك جوائز فرعية تشمل
جوانب شديدة الحرفية في الصناعة السينمائية، أراها عديمة الفائدة
وليس من الممكن، لا للجمهور بل ولا للنقاد عادة، فصلها تماما عن
الفيلم نفسه ككل متكامل، وإصدار حكم عليها، مثل جائزة مزج الصوت أو
مونتاج الصوت.. وما إلى ذلك.
أما جائزة أحسن فيلم أجنبي المرشح لها خمسة أفلام من بينها فيلم
"عمر" الفلسطيني لهاني أبو أسعد، فغالبا ستنحصر الجائزة بين فيلمين
هما "صيد" Hunt الدنماركي
وهو عمل كبير دون شك، والفيلم الايطالي "الجمال العظيم" الذي
يترجمه البعض ترجمة خاطئة هي "رائعة الجمال" وهي بالايطالية La
Billissima فيحين
أن فيلمنا هذا بالايطالية La
grande Bellezza.
دائما ما تحدث مفاجآت عند الإعلان عن جوائز الأوسكار، الأكثر شعبية
في العالم.. ولننتظر ونرى! |