كمال الشناوي… فتى السينما المصريَّة الذهبي
كتب: فايزة هنداوي
بعد أيام قليلة من رحيل هند رستم (مارلين مونرو الشرق)، رحل فتى
السينما العربية الذهبي كمال الشناوي المولود في 26 ديسمبر 1921، والذي بدأ
حياته مدرساً للرسم في إحدى المدارس الثانوية في القاهرة، حينها لم يكن
يعلم أن القدر يحمل في جعبته مفاجآت كبيرة ستغير مساره ليصبح أحد نجوم
السينما لعقود طويلة، قدم فيها أكثر من 272 فيلماً تنوعت بين الخير والشر
والكوميديا والرومانسية.
كانت بدايته مع الاحتراف بعدما تعرف إلى المخرج نيازي مصطفى، الذي
كان واحداً من المخرجين الكبار في ذلك الوقت، وتم التعارف عن طريق شقيقه،
وفي أول لقاء بينهما قال له: «أنت محظوظ»… أنا داخل بعد شهر فيلم جديد، ولك
فيه دور يعتبر دور بطولة مطلقة، وبالفعل قدم فيلم «غني حرب» عام 1947،
لينطلق بعدها إلى عالم الأضواء، حيث وجد فيه صناع السينما غايتهم، فهو شاب
وسيم يتمتع بخفة ظل وروح عذبة، فتسابق عليه المنتجون.
شكل الشناوي مع شادية أحد أنجح الثنائيات في السينما العربية، فقدما
معاً 32 فيلماً أبرزها «المرأة المجهولة» و{عدل السماء» و{ساعة لقلبك»
و{ظلموني الناس» وغيرها، وكانت معظمها من نوعية الأفلام الرومانسية
الخفيفة. كذلك قدم مع فاتن حمامة سبعة أفلام أولها «العقاب» للمخرج هنري
بركات عام 1948 ثم «خلود» عام 1949 للمخرج عز الدين ذو الفقار، وفي عام
1950 قدما فيلمين هما «ظلموني» و{الأستاذة فاطمة»، ثم فيلم «الملاك الظالم»
آخر تعاون فني بينهما.
الشناوي شكل ثنائيا آخر مع إسماعيل ياسين قدما خلاله عددا كبيرا من
الأفلام الكوميدية منها «قليل البخت» و{مغامرات إسماعيل ياسين» وغيرها، إلا
أن الشناوي لم يكتف بهذه النوعية، فقرر أن ينتقل إلى نوعية أخرى تمرد فيها
على دور الفتى «الدنجوان» الذي حاول المخرجون حصره فيه، فقدم عدداً من
الأدوار المركبة كما في «المرأة المجهولة» و{وداعا في الفجر» و{الكرنك»،
وكان ذكياً في توظيف قدراته في كل فيلم، فكما أقنع المشاهد بدور الفتى
«الحبيب الدنجوان»، أقنعه أيضاً بدور الشرير عندما قدم رؤوف علوان في «اللص
والكتاب»، وخالد صفوان في «الكرنك».
مخرج ناجح
خاض الشناوي تجربة الإخراج في فيلم «تنابلة السلطان»، إلا أنه لم يكرر
التجربة على رغم أنها كانت ناجحة، والسبب أن عدداً كبيراً من المخرجين
قرروا استبعاده من بطولات الأعمال السينمائية وأصبحوا يتعاملون معه كمنافس،
لذا وجد نفسه مخيراً بين التمثيل أو الإخراج ففضَّل الابتعاد عن الإخراج
والاكتفاء بالتمثيل، وحسنا فعل، لأنه لو كان فضل الإخراج لكنا فقدنا ممثلاً
من أهم نجوم الشاشة العربية.
وعلى رغم تركه مجال الرسم، إلا أن موهبته كرسام ساعدته في تشكيل
الشخصيات التي كان يؤديها، وكان يتمتع بأناقة وذوق عالٍ، فكان فارس أحلام
كثير من الفتيات اللائي حلمن أن يخطفهن على حصانه الأبيض.
لم يكتف الشناوي بالنجاح السينمائي، بل شارك أيضاً في أعمال تلفزيونية
عدة شكلت علامات في تاريخ الدراما، أبرزها «زينب والعرش» و{هند
والدكتورنعمان» و{أولاد حضرة الناظر» و{لدواعي أمنية» و{آخر المشوار»، وقال
المخرج رائد لبيب الذي أخرج له مسلسل «هند والدكتور نعمان»، إنه كان مثالاً
للفنان الملتزم، الحريص على نجاح العمل ككل، وكان يدعم الوجوه الجديدة
ويساعدها.
تزوج الفنان الراحل من عفاف أخت الفنانة شادية، ثم من الراحلة هاجر
حمدي التي أنجب منها ابنه محمد، ثم من زيزي الدجوي خالة الفنانة الراحلة
ماجدة الخطيب وأنجب منها عمر وإيمان، ثم من الفنانة الراحلة ناهد شريف. أما
زوجته الأخيرة فهي اللبنانية عفاف نصري.
نال الشناوي جوائز كثيرة، من بينها جائزة مهرجان المركز الكاثوليكي
عام 1960 وجائزة الامتياز في التمثيل من مهرجان جمعية الفيلم عام 1992.
لم يشارك الشناوي في أي عمل إلا وترك بصمة من خلاله، لذا فقد آثر
الابتعاد في آخر سنواته عن الفن، كي لا يقدم أعمالاً ضعيفة تضر بتاريخه
الحافل، وفي كثير من حواراته أكد الشناوي إسقاطه لعشرين فيلماً من مشواره
لأن اختياراته لهذه الأفلام لم تكن موفقة، وموافقته عليها كانت خطأ كبيراً
من وجهة نظره، وأبرزها «ضربة جزاء» و{الصاغة» و{الجبلاوي» وغيرها.
خفيف الظل
اتسم الشناوي بخفة الدم وكان له الكثير من الطرائف مع زملائه في الوسط
الفني ومنها أنه نجح ذات يوم في الحصول على رقم تليفون المطرب الكبير عبد
الغني السيد الذي كان لامعاً جداً في تلك الفترة، وهاتفه وقلد صوت امرأة
جميلة تبث إعجابها به وتتمنى أن تراه فوقع عبدالغني في (المصيدة) وحدد له
الشناوي مكان اللقاء في شارع عماد الدين، وذهب في الموعد المحدد ووجده
واقفاً ينتظر وراح يراقبه من بعيد، ثم تقدم منه وسأله إن كان ينتظر سيدة
جميلة فأصيب عبدالغني بالدهشة، وقال له الشناوي إنها (لن تحضر) ثم أسرع
للاختفاء من أمامه، وبعد مرور بضع سنوات بعد أن أصبح نجماً قابل عبدالغني
السيد في بيت أنور وجدي وذكره بالحكاية فانفجر ضاحكاً.
وعلى رغم حالة الحزن التي سيطرت على الشناوي في أواخر أيامه بسبب
رحيل نجله عام 2010، إلا أنه ظل متابعاً لما يحدث على الساحة المصرية حتى
النهاية، حيث أبدى سعادته باندلاع ثورة 25 يناير وبقدرة الشباب االمصري على
التغيير، وظل يردد كلمته الشهيرة «كله حلو كله جميل»، مشيراً إلى أنه قدم
على الشاشة دور رئيس جمهورية ينجح شعبه في الإطاحة به، في فيلم «ظاظا» مع
هاني رمزي، وعكس العمل الأوضاع السياسية في مصر، وحالة الجمود السياسي التي
كانت تعيشها البلاد.
كذلك كان تولي الرئيس السابق مبارك السلطة سببا في منع عرض فيلمه
«وداعاً في الفجر» الذي شاركت في بطولته الفنانة شادية، ذلك بسبب وجود
مبارك في أحد مشاهده، حيث كان يتم تصوير الفيلم داخل الكلية الجوية، وكان
مبارك آنذاك ضابطاً صغيراً، وتمت الاستعانة به لحضور التصوير.
وسيظل كمال الشناوي، على رغم رحيله، في ذاكرة السينما المصرية كنجم
أحب الفن فأحبه وحمله الجمهور على أعناق الشهرة والأضواء.
|