مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الموعود بالأزمات
يستهل دورته
34
بـ"عام آخر"، في حضور "ريتشارد جير" و"جولييت بينوش"
أمل الجمل
كثيرة هى الأزمات والعقبات التي لم تفارق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
على مدار تاريخ ومنذ أولى دوراته عام 1976، تحت إشراف جمعية
وكتاب السينما، مروراً
بدورته الثالثة التي تسببت في غضب الاتحاد الدولي للمهرجانات العالمية.
وقتها أصدر
الاتحاد قراراً بحرمان المهرجان من إقامة مسابقته الدولية وسُحبت منه صفته
الدولية
جراء تدخل الرقابة بالحذف من الأفلام الأجنبية المشاركة. توقف
المهرجان في 1980
لدورة واحدة بعد فشل إعادة الشرعية الدولية. عام 1985 تولت مسئوليته وزارة
الثقافة
المصرية برئاسة الكاتب "سعد الدين وهبة" الذي تمكن من إعادة الصفة الدولية
له عام 1986،
ولكن من دون مسابقة رسمية حتى عام 1991 حيث نجح في استعادتها مع دورته
الخامسة عشر.
مذبحة الأضحى السينمائية
لايمكن إغفال
معظم مشاكله مالية بشكل أساسي إلى جانب بعض الهنات الإدارية والتنظيمية،
حتى
الأحداث الدولية في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة
ألقت بظلالها عليه
وهددته بإلغاء بعض دوراته خصوصاً في يوبيله الفضي عام 2001. في بعض السنوات
نجح في
تخطي العثرات، بينما لم يحالفه الحظ في سنوات آخرى.
ينفرد المهرجان القاهري هذا
العام بمشكلة فريدة ناجمة عن المذبحة التي يشهدها الموسم السينمائي الحالي
واستحواذ
كل من "عادل إمام"، و"أحمد حلمي" و"أحمد السقا" على معظم دور العرض، فوجد
منظمو هذا
العرس السينمائي الثقافي أنفسهم في مأزق. أين تُقام العروض؟ بالطبع وُجدت
بدائل
لكنها قاعات صغيرة الحجم وهو ما سوف يُثير الكثير من المشاكل مع الصحفيين
خصوصاً
عند عرض الأفلام المصرية الثلاثة المشاركة التي من المتوقع أن
تشهد زحاماً
عنيفاً.
نسخة طبق الأصل
رغم كل ما سبق
ورغم ميزانته وجوائزه، بقيمتها المالية الضعيفة نسبياً، مقارنة بمهرجانات
آخرى
وليدة تمتلك الإنفاق ببذخ على مهرجاناتها وتستعين بكوادر
أجنبية لتنظيمها، لايزال
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي القائم على سواعد وأفكار وجهود أبنائه
صامداً،
لايزال واحداً من أهم 12 مهرجان على مستوى العالم. خصوصاً وأن هذه الدورة
تأتي وفي
جعبتها عدد كبير من الأفلام المتميزة التي تشي بأن جمهور
السينما في العاصمة
المصرية سيستمتع بعروض جميلة فنياً وفكرياً وبصرياً على مدى تسعة أيام، وسط
حضور
الممثل الأمريكى "ريتشارد جير" والفرنسية "جولييت بينوش" بطلة فيلمي
"المريض
الانجليزي، و"ثلاثة ألوان أزرق"، والتي يُعرض لها فيلم "نسخة طبق الأصل"
للمخرج
الإيراني "عباس كياروستامي" والتي فازت عنه بجائزة أحسن ممثلة في مهرجان
"كان"
الأخير. الإضافة الى حضور الممثلة الكورية جنوبية يون جونجهي التي منحها
فيلم "شباب
حزين" مع كانج دايجين عام 1976 فرصة أن تصبح الممثلة الأولي في كوريا.
يُعرض
في الإفتتاح فيلم "عام آخر" للمخرج الإنجليزي "مايك لي" والذي عرض في
مهرجان "كان"
الماضي وأشاد به النقاد طويلاً وأعربوا عن أسفهم لعدم فوزه بالسعفة الذهبية.
ضحايا الحروب
تستقبل
شاشات المهرجان داخل المسابقة الدولية للأفلام الروائية 16 فيلما منها فيلم
"كأني
لم أكن هناك" إنتاج ايرلندي – مقدوني – سويدي مشترك للمخرجة الأيرلندية
"جوانيتا
ويلسون" والتي سبق ترشيح فيلمها "الباب" لجائزة الأوسكار 2008. أما عملها
الجديد
فهو أحد الأفلام المهمة التي تنافس بقوة على جوائز مهرجان "القاهرة". قصة
الفيلم
المأخوذة عن رواية للصحفية الكرواتية "سلافينكا دراكوليك"، تُجسد مأساة شعب
البوسنة
خلال التسعينيات من القرن الماضي، وتتعرض بشاعرية للمذابح المروعة التي
عاشها، من
خلال قصة امرأة شابة من "سراييفو" تُدعى "سميرة"، تنتقل لاحدي القري باقليم "البوسنة"
لتعليم الصغار. بعد أيام تقتحم قوات الصرب القرية، فتقتل جميع الرجال
وتأسرها ضمن سائر نساء القرية حيث يتم استخدامهن للترفيه عن الجنود. أمام
شراسة
العدو، ووحشية الجنود، ومواجهة التهديد الدائم بالموت، وفي ظل
كفاح ضد الانغماس في
كل ما تُبغضه من حولها تُدرك أن البقاء علي قيد الحياة يختلف تماما عن أن
تعيش
الحياة، فهل تملك تغيير مصيرها أم تتحطم حياتها؟
فيلم آخر عن الحروب وضحاياها وتأثيرها على مصائر
البشر يُقدمه الإيطالي "جوران فوجنوفيتش" بعنوان "بيران بيراني". يسرد قصة
ثلاثة
أطفال واجهوا رعب الحرب. ثلاثة أشخاص تتشابك مصائرهم، الإيطالي "أنطونيو"
والبوسني "فيلجكو"
والفتاة السلوفانية "أنيكا". بعد نصف قرن تتلاقى مساراتهم مرة أخري مع
ذكريات الأيام الأخيرة من الحرب.
من جهة آخر يأتي الفيلم المجري "الكثير من
أجل العدالة" للمخرج "ميكلوس جانكسو" ليدور في القرن الخامس عشر حيث كانت
المجر من
أقوي البلدان الأوربية تتمتع باقتصاد قوي وجيش قادر يستطيع استعادة أوربا
من
الإمبراطورية التركية بعد مئة عام. علي غير المتوقع ينصب فتي صغير ملكا
للمجر وتطرح
علامات الاستفهام، هل يستطيع الفتي تحقيق طموح بلاده؟ هل يتعين عليه خدمة
رجال
السياسة الأقوياء أم يبني أمبراطوريته الخاصة به؟ كيف يستطيع
شخص ما أن يقود دولة
وأن يحافظ علي إنسانيته في الوقت نفسه؟ مخرج الفيلم "ميكلوس جانكسو" فاز
بجائزة
خاصة عن مجمل أعماله عام 1970 في "كان"، وجائزة المحكمين عام 1987 في
"فنيسيا"،
وأفضل مخرج عام 1992 في "مونتريال".
يعكس
الفيلم الروماني "الوداعة" عالم لا يحمل أي قدر من الأخلاق ولا يعترف
بالقوانين أو
الإنسانية من خلال قصة طبيب بيطري تُدمر حياته حادثة غير متوقعة. بالمقابل
يتناول
الفيلم السويسري "المتوحشة" علاقة فتاة متمردة من المدينة بشاب
يكره البشر ويعيش في
واد ناء. مثلما يبني الفيلم الإيطالي "الأب والغريب" موضوعه على فكرة
الإختلاف بين
البشر الذي لا يحول دون إقامة صداقة متينة بين رجل إيطالي وآخر عربي (يجسده
الممثل
المصري عمر واكد)، وتُشارك فيه الممثلة اللبنانية نادين لبكي.
الأشواك الدامية
في إطار
الأفلام التي تستند إلى التاريخ يأتي الفيلم التركي "إسأل قلبك" لـ"يوسف
كوسينلى"،
حيث تقع الأحداث على البحر الأسود إبان العصر العثماني في القرن التاسع
عشر. يسرد
الشريط السينمائي قصة حب رومانسية في عالم قاس مكتظ بمشاكل حقوق الإنسان
والتمييز
الديني. شاب وفتاة يجمع بينهما الحب، وتُفرق بينهما الأديان.
فهل يمتلكان الشجاعة
لإجتياز تلك الأشواك؟
بالمقابل يأتي البولندي "ولد من البحر" لأندريه كوتكوسكي
لتدور أحداثه في مستهل القرن العشرين وتحديداً أوائل 1923،
ليُصور كيف بدأ
المهندسون وآلاف المواطنين من كل طبقات المجتمع في الإتحاد معاً من أجل
بناء مدينة "جادينيا"
والتي غيرت الأوضاع السياسية والاقتصادية لمنطقة بحر البلطيق خلال
عشرينات القرن الماضي. تُرسم تلك الحالة على خلفية من حب
الشباب ورحلة
كفاحه.
الصراعات الأسرية وتعقيداتها يتناولها فيلمان مختلفان، أحدها فرنسي
مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت في أوستند البلجيكية بعنوان "كوبا
كابانا" لـ"مارك
فيتوسى". يسرد الشريط الفيلمي قصة العلاقة المتشابكة بين
السيدة "بابو" وابنتها
التي أصبحت تخجل منها، فـ"بابو" لم تعد تكترث بأي شئ، بالوظائف والأزواج
والمسؤليات، لكنها عندما تكتشف أن ابنتها تخجل من دعوتها لحفل زفافها تسعى
الأم
لتغيير حياتها؟ بينما يتناول الفيلم اليوناني "غبار الذهب" قصة
ثلاثة أشقاء يفكرون
في بيع منزل العائلة لرجل سيقوم بهدمه وإقامة مبني على الطراز الحديث.
يدافع "أليكس"
عن البيع متمسكا بالمكاسب المادية، في حين ترفض "أنا" البيع لأن منزل
العائلة يمثل ذكريات الطفولة بالنسبة لها، بينما تبدو "إميليا" مترددة في
اتخاذ
القرار فهي منقسمة بين مشاعرها تجاه المنزل وحاجتها للمال. الثلاثة يدخلون
في جدل
عميق في مدينة تعيش في حالة جدل بسبب ذاكرتها التاريخية.
عن هوس الإبداع وتحدي
السلطات يُعرض الفيلم البلغاري "التعليق الصوتي" لـ"سفيتوسلاف أوفتشاروف".
زمن
الأحداث سبعينيات القرن الماضي. يقع "بينو" المخرج، الذي يعمل معه المصور
"أنتون"،
في مشكلة مع مسئولي الحزب الشيوعي. فيطلب منه تسليم الفيلم الذي صوره لـ
"كارلو"
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. يتجاهل "أنتون" الطلب ويستمر في العمل
على
إنجاز الفيلم مع مخرج أخر فيشعر "بينو" بالاستياء ويشي به عند عناصر الأمن
القومي
التي تبدأ في مراقبته.
على صعيد آخر يتناول الفيلم الأرجنتيني "أسير الأوهام"
قصة الكاتب "بابلو"، 60عاما، الذي يقابل تلميذته السابقة "لورا" التي كانت
مغرمة به
عندما كان مدرسها في الجامعة. معها يكتشف "بابلو جاذبيته متوهماً أنه
استعادة
شبابه. لكن "لورا" تظهر وتختفي ولا يمكن العثور عليها بسهولة تماما مثل
صورة لشباب
لن يعود أبداً.
للإبداع قصة آخرى تأتي من الهند بتوقيع المخرجة "أبارنا سن"
و"خطاب لم يُستكمل". يحكي عن ممثلة مسنة تكتب خطاب انتحارها، تنظر خلال
صندوقها
القديم المليء بتذكارات كانت قد نسيتها. تستعيد ذكريات حب ضاع وآخر نالته،
تعاودها
رائحة الصداقات والخيانه، النجاح والفشل، الحوادث والجوائز،
فهل تمتلك القدرة علي
التحكم في موعد مغادرتها مسرح الحياة كما خططت أم أن الموت هو الذي سيقوم
باختيارها؟ .
زخم المشاركة العربية
على نقيض ما حدث في
أعوام سابقة تساهم "مصر" هذا العام بأربعة أفلام داخل الأقسام المختلفة، إذ
تشترك
في المسابقة الدولية بفيلم "الشوق" لمخرجه "خالد الحجر" ـ الذي يدخل بنا
الى حياة
سكان أحد الشوارع المهمشة بالإسكندرية ـ وبفيلمي "ميكروفون" لأحمد عبدالله"،
و"الطريق الدائري" لتامر عزت في أول أفلامه الروائية الطويلة، أما الفيلم
الرابع "الباب"
لمحمد عبد الحافظ فيشارك في مسابقة الديجيتال التي تضم 16 فيلماً، في حين
تضم مسابقة الأفلام العربية 11 فيلما منها "التونسي "آخر ديسمبر"، وتشارك
لبنان
بفيلمين " شتي يا دنيا " لـ"بهيج حجاج"، و"رصاصة طائشة" لـ"جورج هاشم".
تشارك
العراق بفيلمين "حى خيالات المآته" لحسن علي، و"ابن بابل" لمحمد الدراجى،
كما تساهم
في مسابقة الديجيتال بفيلم "متشابك باللون الأزرق" لحيدر رشيد إنتاج عراقي
إيطالي
إنجليزي مشترك. بالمقابل تُشارك المغرب بفيلم "المسجد" لـ"دواوود اولاد
السيد" داخل
المسابقة العربية"، وبفيلمي "الخطاف" لـ"سعيد الناصرى"، و"أولاد البلاد"
لـ"محمد
اسماعيل داخل مسابقة الديجيتال.
يضم القسم الرسمى "خارج المسابقة" 11 فيلماً
من بينها الفيلم الكوميدي "امرأة بلا دور" أحدث أعمال النجمة
الفرنسية "كاترين
دونيف"، في حين يضم مهرجان المهرجانات 44 فيلما منها الفيلم الكورى "شعر"
لـ"لى
شاندونج" والذي شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان "كـان" الماضي، والفيلم
الايـطالـى "قبلنى مرة أخرى" الفائز بالجائزة الذهبية فى مهرجان "تاورمينا"،
والفيلم الأسبانى "السر فى عيونهم" الحاصل على أوسكار أحسن فيلم أجنبى
الماضى. أما
قسم السينما العربية الجديدة فيضم4 أفلام، وأضواء على السينما التركية يضم
7 أفلام،
وقسم تكريم قناة ارتى ARTE
الفرنسية الألمانية يضم 8 افلام، و قسم السينما
الافريقية 7 افلام. بينما تضم تظاهرة "مصر فى عيون سينما العالم" 12
فيلما.
تشهد تلك الدورة إنطلاق ملتقى القاهرة السينمائي تحت رعــاية وزارة
الثقافـة المصرية بالتعاون مع شركة أفلام مصر العالمية (يوسف
شاهين) والمركز القومي
للسينما، بهدف إختيار عشرة مشاريع سينمائية من أجل تعزيز نمو صناعة السينما
في
العالم العربي وتقديم الدعم الفني والمادى لصناعها ومساعدتهم في إكمال
المشروع حتى
يرى النور.
إضافة إلى التكريمات تقام مجموعة من الندوات العامة تناقش مشكلات
وقضايا سينمائية مصرية وعربية وأفريقية ودولية مهمة، منها ندوة
تحت عنوان "مصر فى
عيون سينما العالم بين الواقع والأسطورة وندوة أخرى عن سياسة الإنتاج
المشترك و"حفظ
الثراث السينمائى المصرى والتعاون مع الأرشيفات السينمائية العالمية.
الجزيرة الوثائقية في
28/11/2010 |