دورة متماسكة تُعقَد في ظرف عصيب والاحتمالات كلها متاحة
طغيان
فرنسي وعودة الى نفوذ المؤلف ضمن برمجة محيّرة
مهرجان كانّ يضعنا هذه السنة أمام جملة مفارقات واحتمالات. التظاهرة
السينمائية
الأشهر بدأت في ظرف تحدٍّ عصيب: أمواج حطمت كمية من التجهيزات على الشاطئ،
خلاف على
فيلم في الكواليس، صراع مع وكالات الانباء على أحقية تغطية النشاطات،
والغيم
البركاني الذي ظلّ يهدد حركة الملاحة في أجواء أوروبا.
بالاضافة الى هذا كله، فنحن
أمام برنامج فضفاض لا تعرف كيف تتعامل معه الآلة الصحافية التي اعتادت
التصنيف
المبكر والاختزال الظالم والخروج باستنتاجات تخاطب القارئ الذي يكون على
عجلة من
امره. ماذا تحمل الينا الدورة 63 من كانّ، وماذا بعد
المانيفستو الحذق الذي قدّمه
جيل جاكوب العام الماضي وحدد مسارات المهرجان الجديدة للسنوات المقبلة؟ عن
هذا
السؤال ثمة الاف من الأجابات، ولا واحدة نهائية أو حاسمة، ما دامت الصور
التي ستنير
نهارات كانّ ولياليها لا تزال طيّ الكتمان. لذا من سابع المستحيلات ان نعرف
شيئاً
عما يخفيه لنا فريق المهرجان من خلال حفنة اسماء لا شيء يرغمها
على التعايش تحت سقف
واحد. على الرغم من ذلك، فهي هنا أمام اعين الآف العالم، رضوخاً منها
لقوانين
اللعبة والمنافسة لتشكيل جدارية تعكس رؤية شاملة عن حاضرنا. لا فيلم يشبه
الآخر،
لكن عرضها في هذا المكان يفرض عليها الاشتراك في حلم واحد، حلم
الوصول الى
كانّ...
لعل الأكثر غرابة في هذه الدورة، هو اختيار جولييت بينوش، لتعتلي
الملصق
الاعلاني للمهرجان المنتشر في أرجاء المدينة الساحلية المتوسطية. من ينظر
الى هذه
الممثلة الفرنسية التي اضطلعت بأدوار في افلام أنجزها مخرجون من جنسيات
مختلفة،
يدرك جيداً ان بينوش لم تعد تلك الفتاة البريئة التي عرفناها
بتمثيلها الخجول في "الألوان
الثلاثة" لكيسلوفسكي. الحلة التي تكتسيها بينوش اليوم على هذا الملصق، اذ
انها غلّفت بنوع من نور مشع، وفي يدها ريشة رسم مصدر الضوء، لا تمنح هي
الأخرى فكرة
عما تتضمنه تشكيلة هذه السنة، بل تزيدها غموضاً. ما يقوله هذا
الملصق كثير، لكن ما
يخفيه هو أكثر، وفي انتظار المزيد، السينيفيلية مبتهجة لتحول هذه الممثلة
من ملهمة
كيسلوفسكي الى ملهمة كيارستمي، لكونها زارت المعلم الايراني في بلاده ايران،
مؤكدة
رغبتها في الانخراط بمشروع "نسخة طبق الاصل"، وهو أحد الأفلام التي ستتسابق
على "السعفة
الذهب" التي ستمنح في ختام هذا المهرجان.
1665
فيلماً ارسلها اصحابها
تباعاً الى لجنة المهرجان طوال الاشهر التي تلت انتهاء الدورة
الماضية. أي أقل
بخمسة أفلام فقط من عام 2009. هذا لم يمنع الادارة خلال مؤتمرها الصحافي
التقليدي،
من الاصرار على ان الدورة الحالية أكثر تأثراً بالأزمة الاقتصادية مما
كانته دورة
العام الماضي، علماً ان عدد الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية هذه
السنة 19
فيلماً، في حين كان هذا العدد يتخطى العشرين في السنوات
الماضية. في المحصلة، 56
فيلماً ستشقّ طريقها الى المشاهدين في الايام الأحد عشر المقبلة، وذلك في
الاقسام
الاربعة الاساسية ضمن التشكيلة الرسمية.
في الدورة الماضية، شاركت فرنسا بأربعة
أفلام جديرة بتاريخها السينمائي المجيد. أعمال نويه، جيانولي،
رينه، أوديار، كانت،
بلا ادنى شك، بعض من أفضل ما قُدّم. مرة جديدة هذه السنة، تحتل فرنسا مركز
الصدارة
مع ثلاثة أفلام لمخرجين فرنسيين، هم: "رجال وآلهة" لزافييه بوفوا؛ "أميرة
مونبانسييه" لبرتران تافيرنييه و"جولة" لماتيو امالريك. هذه هي الحصة
الرسمية
لفرنسا من المسابقة. لكن الحضور الفرنسي لا ينتهي عند هذا الحد، لأنه هناك
ايضاً
أفلاماً شاركت فرنسا في انتاجها (أفلام كيارستمي ولوكيتي
وفيراسيتاخول وصالح
وبوشارب) ناهيك بالسينمائيين الذين حازوا تكريسهم النهائي على الاراضي
الفرنسية،
وخصوصاً الآسيويين. واذا اخذنا هذا كله في الاعتبار، وجدنا أن هذا المهرجان
يبقى
مهرجاناً فرنسياً في المرتبة الاولى، ومن فرنسيته هذه ينطلق
الى فضاء أوسع، هو فضاء
السينما التي لا تملك وطناً، أو تلك التي تنتمي بكل بساطة الى وطن السينما.
بعد
دورة طغت عليها أفلام الـ"جانر"، تميل التشكيلة هذه السنة الى سينما أكثر
انكباباً
على مسألة التأليف، إن من حيث الموضوعات المطروحة أو المقاربات التي حظيت
بها.
فمجمل الأفلام تنتمي الى سينما المؤلف
القاسية والخالصة، التي لا تساوم ولا تحيد عن
مسلّماتها الكتابية والجمالية والمبدئية. هذا لا يمنح الأفلام
المعنية حق التفوق
على غيرها. انه خيار سينمائي قد يصيب وقد يخيب، والمسألة، كل المسألة،
كامنة في
معرفة كيف ستنتقل هذه النصوص من الورقة الى بياض الشاشة الرحبة. هذا الميل
الواضح
الى سينما رصينة وذات وزن ثقيل، تكشفه الاسماء المشاركة. ولعل
أكثر ما يفاجئ هو هذه
المواجهة بين معتادين على كانّ وآخرين يأتون اليه للمرة الأولى. وايضاً بين
جيل
مكرس صارت مسيرته خلفه، من فيلم الى آخر، وجيل لا يبحث الا عن اثبات موهبة
من على
أكبر منصة سينمائية في العالم.
وإذا كان هذا المهرجان مكاناً يعود اليه
باستمرار كل من جاء اليه مرة، فهناك المجموعة العائدة ومنها
كيارستمي وكيتانو
وتافيرنييه ولي وميخالكوف، وبعضهم لم يشارك في كانّ منذ سنوات، وبعضهم
الآخر هجره
معرجاً على مهرجانات أخرى، والبعض الثالث مثل كيارستمي كان قد قطع وعداً
على نفسه
بعدم التسابق، لكن للقلب أسباباً يجهلها المنطق! هؤلاء جميعهم
من مخرجي الصف الاول،
الذي يحتاج المهرجان الى امثالهم في كل مرة، كي ينجز برنامجاً على قدر من
الصدقية.
لكن قد تأتي المفاجاة من أولئك الذين برزوا
واثبتوا أنفسهم في العشرية الأخيرة،
ومنهم من "ولد" أصلاً في كانّ، أمثال اليخاندرو غونزاليث
ايناريتو الذي لا نزال
نتذكر رائعته "بابل" في دورة 2006، وأيضاً محمد صالح هارون، التشادي، صاحب
"أبونا"
و"دارات، موسم جاف"، وتشانغ - دونغ وزير الثقافة السابق الذي تعرفنا اليه
بـ"لمعان
سريّ"، ثم فيراسيتاخول، هذا المخرج التايلاندي المتفوق على سائر أبناء
جيله، وكنا
شاهدنا له أخيراً في بيروت "أنغام استوائية"، أي ذلك الفيلم الذي عرّفه الى
السينيفيليين في العالم، وأخيراً وليس آخراً زافييه بوفوا الذي كان قد صدم
المهرجان
عام 1997 بفيلمه "لا تنسى انك ستموت". هنا لمحة عن الأفلام
الـ19 المشاركة في
المهرجان:
• "عام آخر" لمايك لي (بريطانيا): هذا رابع فيلم
للمخرج البريطاني
يعرضه في كانّ منذ عام 1993، وهو، للتذكير، حائز "السعفة" عن فيلمه "أسرار
وأكاذيب"
عام 1996. مايك لي، صاحب حضور متزن في السينما البريطانية، لا هو قريب من
ستيفن
فريرز ولا هو قريب من كين لوتش، ويمكن تصنيفه على حدة. جيم برودبانت،
معاونه منذ
ومن طويل، هو بطل هذا العمل الذي يتناول تيمات مثل الحب
والصداقة والعائلة على مدار
المواسم الاربعة، وهذا كله في مناخ من المفارقات، اذ هناك الأمل واليأس،
الحب
والكراهية، وما هو أكيد ان مايك لي سيقدمه على طريقته الـ"بريتيش".
• "بيوتيفول" (اسبانيا، المكسيك): قصة بسيطة ينطلق
منها المخرج المكسيكي الموهوب، لكن
من غير المؤكد ان يبقى على تلك البساطة طوال الفيلم. خافيير
بارديم تاجر مخدرات
يوضع في مواجهة مع صديق طفولته الذي اصبح شرطياً. هذا اول فيلم يصوّره
ايناريتو من
دون غييرمو ارياغا الذي وقّع نصوص أفلامه السابقة. أرياغا انتقل الى
الاخراج،
وبارديم انتقل الى عالم ايناريتو الذي يبدو انه لن يكون
امتداداً لروحيته السابقة،
علماً ان انتاج الفيلم تولاّه الثنائي ألفونسو كوارون وغييرمو ديل تورو،
وهو ناطق
بالاسبانية بعد فيلمين ناطقين بالانكليزية.
• "نسخة طبق الأصل" لعباس كيارستمي (فرنسا، ايطاليا): كنا قد تركنا المعلم
الايراني مع فيلمه "شيرين" في احدى الدورات
السابقة لمهرجان البندقية. نجده اليوم في كانّ مع فيلم لا
علاقة له بإيران، بل صوّر
في جنوب
توسكانا، مع فريق ايطالي، ويتمحور على لقاء بين رجل انكليزي جاء الى ذلك
المكان ليحاضر، وامرأة تملك معرضاً. الصور التي صارت متوافرة
للفيلم، توحي بأننا
أمام عمل حميمي، ينطلق من سؤال "كيف نروي قصة حبّ في مدينة مثل توسكانا؟".
جولييت
بينوش تجيء في الفيلم الى جانب الممثل البريطاني وليم شيميل، مع مشاركة
تمثيلية
لكاتب السيناريو الكبير جان - كلود كاريير.
• "لعبة عادلة" لدوغ ليمان (الولايات
المتحدة): الفيلم الاميركي الوحيد في المسابقة. للمرة الثالثة يجتمع اسمان
كبيران،
ناومي واتس وشون بن، في فيلم واحد. هذا المخرج الذي سبق ان انتج افلاماً
غير لامعة
وتجارية، منها "السيد والسيدة سميث". فيلمه هذا سياسي، ولا
نعلم اذا كان مسيساً،
يعيدنا الى حرب العراق من خلال قصة عميلة في وكالة الاستخبارات الاميركية
تجري
تحقيقاً لمعرفة حقيقة وجود اسلحة دمار شامل في العراق، لتتداخل قصتها مع
قصة زوجها
الديبلوماسي الذي توكل اليه مهمة الاتيان بدلائل تثبت ان ثمة
اورانيوم مخصباً في
النيجر. شبح جورج بوش سيخيم على المهرجان للمرة الالف، مرة اخرى في فيلم
يضع أعماله
في المرصاد.
• "حياتنا" لدانيال لوكيتي (ايطاليا): أبو عائلة
لطفلين والسعادة
التي يعيشها مع زوجته الحامل، سيلقيان ضربة قوية على عقب التعرض لمأساة.
المخرجة
الايطالية استوحت قصتها من مشاهدات لها في كل من اوسيتيا واسرائيل. لم ترد
لوكيتي
فيلماً ذا رسالة سياسية واضحة كما تقول، وكذلك ابتعدت عن جعل
شخصياتها مضحكة كما في
الكوميديات الايطالية القديمة.
• "أميرة مونبانسييه" لبرتران تافيرنييه (فرنسا،
ألمانيا): بعد مغامرته الأميركية مع طومي لي جونز غير المثمرة، يعود
تافيرنييه الى
اهتماماته السابقة: التاريخ الفرنسي، من خلال قصة ماري دو ميزيير التي
عاصرت مرحلة
الصراعات الدينية في فرنسا منتصف القرن السادس عشر. عندما نتذكر الموقف
الذي كان
لمخرج "القاضي والمجرم" حيال التاريخ الرسمي لفرنسا، لا ننتظر
منه أن يأتي بكلام لم
يسبقه اليه أحد من قبل.
• "العم بونمي، ذاك الذي يتذكر حيواته الماضية"
لأبيشاتبونغ فيراسيتاخول (بريطانيا، تايلاند، فرنسا، ألمانيا، اسبانيا):
هذا جديد
لواحد من أكثر المخرجين موهبة اليوم، يعمل في آسيا القصوى.
العم بونمي هو شخصية هذا
الشريط الذي يصور أيامه الأخيرة محتضراً بعد اصابته بمرض، وسط العائلة
والاصدقاء.
لكن للرجل زوجة وابناً انتقلا الى عالم آخر، وها ان شبحهما سيأتيان
لأخذه الى
الآخرة. لكن، العمّ سيقرر الذهاب الى اعلى القمم في احد الجبال مروراً
بالأدغال (مكان التصوير المفضل لفيراسيتاخول)، وهو
يتأمل في المرض الذي أصابه. فيراسيتاخول،
الذي يؤمن بانتقال الأرواح بين البشر، والنباتات والحيوانات
والاشباح، يعتبر هذا
الفيلم تحية لوطنه، ولنوع من سينما تربّى عليه.
• "انتهاك" لتاكيشي كيتانو (اليابان): كيتانو يحلّ في كانّ بعد فيلمين
عرضهما في البندقية وكانت لهما نبرة
ساخرة مستوحاة من تجربته، مموضعاً حوادث فيلمه في عالم ليس للأبطال فيه
وجود. انه
فيلم آخر عن الياكوزا (المافيا اليابانية)، لكن بأسلوب كيتانو الذي لا يحمل
أي
مساومة وتنازل!
• "شعر" للي تشانغ دونغ (كوريا الجنوبية): بعد "لمعان
سريّ" يعود
دونغ الى كانّ مع فيلم عما بقي من شعر في حياة الناس في هذه الأزمنة
الصعبة. انها
قصة امرأة كورية لها شيء من الفضول إزاء بعض جوانب الحياة الغريبة، وفضولها
هذا
سيقودها الى تعلم الشعر ونظم قصائد للمرة الأولى في حياتها،
قبل أن تكتشف ان الحياة
ليست على هذا القدر من الشاعرية. في هذا السياق يقول دونغ اننا نعيش في زمن
صار
الشعر الى زوال. "بعضهم يتحسر عليه، آخرون يقولون: ليذهب الى الجحيم!". لذا
اردت أن
أطرح على المشاهد معنى ان ننجز فيلماً في زمن انحطاط الشعر .هذا هو السؤال
الذي كنت
اريد أن اطرحه على المشاهد: ماذا يعني أن ننجز فيلماً في زمنٍ
تواجه فيه السينما
تهديداً؟".
• "ريزهاو شونغكينغ" لوانغ زيواشواي (الصين): سبق
لهذا المخرج الصيني
أن حاز جائزة لجنة التحكيم عن فيلمه "أحلام شانغهاي"، وهو الآن يأتي بقصة
قبطان
سفينة يعود الى البرّ، بعد ستة أشهر من الابحار، على اثر مقتل ابنه ذي
الـ25 ربيعاً
على يد الشرطة، ليكتشف عندئذ انه لم يتعرف الى ابنه كما يجب
بسبب ابتعاده منه.
• "سعادتي" لسيرغي لوزنيتسا (ألمانيا، أوكرانيا،
هولندا): سائق شاحنة يتوه في قرية
روسية فيلتقي بشخصيات عدة، ثم يدرك انه كلما بحث عن طريق
للخلاص والذهاب نحو
الحضارة، استولت غريزة البقاء على باقي أشكال الانسانية.
• "شاب مرهف، مشروع
فرانكشتاين" لكورنيل موندروكتشو (المجر، ألمانيا، النمسا): عام
2008 فاجأنا
موندروكتشو بفيلمه "دلتا". اليوم، يجيء بمشروع غريب عن شاب يبحث عن هوية
والده،
فيستدعيه مخرج ليضطلع بدور تحت ادارته من دون أن يعلم أن الأخير هو والده
وانه جعل
منه وحشاً تطارده الشرطة. لكن كما جرت العادة عند موندروكتشو،
فالتوبة في انتظار
الجميع في نهاية الطريق...
• "مدبرة منزل" لايم سانغ - سو (كوريا الجنوبية): عن
حياة عائلة ستنقلب رأساً على عقب عند دخول مدبرة منزل الى بيتها، واعجاب رب
العائلة
بها. مخرج "الحديقة القديمة" يأتينا بفيلم فيه بعض التشويق...
• "رجال وآلهة"
لزافييه بوفوا (فرنسا): يعود بوفوا الى حضن المسابقة بعد عقد ونصف عقد من
نيله
جائزة عن رائعته "لا تنسى انك ستموت"، لكن هذه المرة مع قضية فضائحية. صفحة
سوداء
من الحرب الأهلية الجزائرية من خلال قصة سبعة رهبان ساد الاعتقاد في تلك
المرحلة
انهم قتلوا على يد جماعات اسلامية متطرفة، لكن بدا في ما بعد ان الجيش
الجزائري هو
المسؤول عن مقتلهم. لدواعٍ أمنية، لم يصور الفيلم في الجزائر، انما في
المغرب، حيث
تولى ميشال بارتيليمي، مصمم ديكور "نبيّ" جاك أوديار، اعادة إحياء المكان
الاصلي.
• "خارجون على القانون" لرشيد بوشارب (فرنسا،
ايطاليا): بعد تغريبته
اللندنية، يعود المخرج الجزائري الفرنسي ويتابع من حيث وصلت اليه قصة
الجنود
الافارقة في "بلديون". فريق الممثلين نفسه الذي نال قبل 4 سنوات الجائزة
الجماعية
لأفضل تمثيل، يعود بهذا الفيلم الذي نجد فيه بعض هواجس بوشارب، منها البحث
الأبدي
عن الجذور والهوية. على الفيلم أن يجتاز أولاً عتبة الاتهام
الملصق به منذ الآن،
وهو دفاعه عن "جبهة التحرير الجزائرية" والنشاط الذي كان لها في فرنسا خلال
الحقبة
الاستعمارية. المفارقة ان الفيلم انتاج مشترك بين فرنسا والجزائر!
• "جولة"
لماتيو أمالريك (فرنسا): الفيلم الرابع للممثل والمخرج الفرنسي الذي يصور
هذه المرة
قصة منتج تلفزيوني كان تخلى عن كل شيء وذهب الى اميركا، واذ به يعود فجأة
الى فرنسا
مع مجموعة من الفتيات المتعريات اللواتي سيسرقن قلوب الفرنسيين.
• "رجل يصرخ"
لمحمد هارون صالح (فرنسا، بلجيكا، تشاد): بعد "دارات، موسم جاف"، ها ان
الطريق الى
التكريس تشرّع أمام هذا المخرج التشادي الواعد، فيصل الى مسابقة كانّ مع
فيلم يروي
معاناة رياضي سابق في زمن التحولات التي تعيشها تشاد، ولا سيما
ان طبول الحرب
الأهلية تقرع من بعيد.
• "الشمس المخادعة 2" لنيكيتا ميخالكوف (روسيا): عمل
ملحمي كلّف نحو 65 مليون دولار، وتعرّض لإهمال رسمي وشعبي لدى نزوله الى
الصالات
الروسية. جزء ثان لواحد من أهم أفلام آخر جهابذة السينما الروسية، يكشف عن
نظرة
ثاقبة الى التاريخ الروسي.
• "طريق ايرلندية" لكين لوتش (بريطانيا): الفيلم
التاسع عشر الذي دخل المسابقة في اللحظة الاخيرة. الفيلم لم يكن جاهزاً عند
اعلان
البرمجة، وأنهاه لوتش منذ أيام. كل ما يعرف عنه الى الآن، انه عن تداعيات
التدخل
العسكري الانكليزي في العراق، ومن يعرف المخرج اليساري، يدرك
المنحى الذي سيأخذه،
ولا سيما ان بول لافيرتي وقّع السيناريو.
(
hauvick.habechian@annahar.com.lb)
برتران تافيرنييه:
مهددون بديكتاتوريات عنيفة!
"عندي
الكثير من الفضول لأشياء كثيرة"، يقول برتران تافيرنييه الذي يعود هذه
السنة الى
كانّ بفيلم تاريخي. لا يحرجه التذكير بأنه ينتمي الى جيل يعتبر ان الخيال
شيء مهم
جداً، وانه هناك سينمائيين كبرغمان عادوا مرارا وتكراراً الى
التيمات الباهرة
نفسها. يجد ان من الرائع ان يذهب المرء الى استكشاف امكنة وازمنة مختلفة.
في مقابلة
لي معه قال ان هناك جملة في سيرة مايكل باول كان يتمنى لو انه كتبها، يقول
فيها
باول إنه صنع كل افلامه ليتعلم. "كنت اندهش في كل مرة اكتشف
فيها موضوعاً سيقحمني
في عالم اجهله. عندي شغف بالاستكشاف واعتقد ان الافلام نوع من استكشاف، وما
نتقاسمه
مع الجمهور هو متعة ما اكتشفناه. قد تكون لهذه المتعة اشكال مختلفة. قد
تولّد لديك
الدهشة او الضحك او الغضب او الاعجاب. فأنا مثلاً لم اكن اعرف
شيئا عن معظم الامكنة
التي صوّرتها قبل ان امسك الكاميرا واذهب اليها". ليست المرة الاولى
يتناول فيها
تافيرنييه موضوعاً تاريخياً. نتذكر ما تعرض له من حملة مسعورة عندما انجز
فيلمه
"اشارة مرور"، فقيل انذاك ان الفيلم موجه ضد "الموجة الجديدة". "هنا
ينقسم شعورك
بين قليل من الغضب وضحك فضفاض. فما شأن هذا الموضوع بـ"الموجة
الجديدة"؟ في 1942
البعض من جماعة "الموجة" لم يكونوا ولدوا قط. في أحد مشاهد
الفيلم نرى أماً تحاول
أن تحمي أطفالاً من القصف. وأنا أقول وكأنما بهذه الحماية تحمي أطفالاً
سيصبحون في
ما بعد مخرجي "الموجة". تروفو الصغير وغودار الصغير وفاردا الصغيرة، كلهم
هنا.
القول ان السينما الفرنسية أثناء الاحتلال
كانت أفضل حالاً من مجمل الصحافة أو
الأدب أو الفن التشكيلي، هذا شيء لم اخترعه إنما هو موثق لدى المؤرخين
الجادين. (...)
ففي حين ان السينما الايطالية أنتجت عدداً كبيراً جداً من الافلام ذات
الميل
الصريح الى الفاشية، لا نجد فيلماً فرنسياً واحداً تعاطف حتى
مع حكومة فيشي. 99 في
المئة منها حرصت على تفادي التلميحات المعادية للسامية. كانت هناك بعض
الافلام
المعادية للسامية في الثلاثينات، لكن لا نجد مثيلاتها في زمن الاحتلال.
فيلم واحد
طرح مشكلة هو "غرباء المنزل". ثمة جملة تقول: لا بد ان المذنب
يهودي أو غريب. ولكن
باستثناء هذا الفيلم، هناك أفلام رجعية وافلام محافظة التي تعرض مزايا
الدين
والتضحية والى ما هنالك، لكن ليس من فيلم واحد يتعاطف مع العملاء". صعود
التعصب
والاصوليات يخيف تافيرنييه كثيراً، ولا سيما لارتباط هذه
الظواهر بالجهل. يؤكد أننا
مهددون بديكتاتوريات عنيفة جداً. سابقاً، كان يمكن التصدي لها، لكن الآن
بات الامر
أشد صعوبة. في الماضي، كانت الشيوعية تتجسد في ستالين، والفاشية في
موسوليني
والفرنكوية في فرنكو. "اليوم"، يقول، "الاصولية المتطرفة عشرة
آلاف رجل دين صغار
يروجون لأفكارهم، والبعض منهم لا يملك أي ثقافة وأي ذكاء وأي
معرفة". بطل تافيرنييه
هو "انسان كل يوم" الذي يحاول المحافظة على شذرات أمل ساعياً الى تحريك
الاشياء من
خلال ارتكاب الاخطاء! هذا الانسان قد يكون الصحافي الذي يُغتال أو المعلم
في أراضي
فلسطين المحتلة او في المدارس المنكوبة جراء تسونامي أو الاساتذة الذين
يقتلهم
المتطرفون الاسلاميون في تايلاند. هؤلاء أبطاله، وليس
الجنرالات الذين يحاربون في
العراق.
لي تشانغ دونغ:
الميلودراما لا تعني الدموع
بدأ
المخرج الكوري لي تشانغ - دونغ حياته المهنية كاتباً، ثم انتقل الى
السينما. حدث
ذلك ببساطة، بعدما بدأ يشعر، مرة بعد مرة، بمحدودية الكتابة. الأغرب من هذا
انه
تبوأ منصب وزير الثقافة والسياحة في الحكومة الكورية بين عامي
2003 و2004، لكن عالم
السياسة ضاق بأحلامه وطموحاته. أربعة أفلام فرضته خلاّقاً أصيلاً على خريطة
السينما
الكورية الجديدة، واعتباره، مع هونغ سانغ - سو وبارك تشان - ووك، واحداً من
آمالها،
علماً انه كان قد دخل الفنّ السابع كاتباً للسيناريو ومساعداً لبارك كوانغ
- سو
(أحد
مؤسسي الموجة الجديدة الكورية) على "الجزيرة المرصعّة بالنجوم" عام 1993،
بعدما باشر حياته المهنية مؤلفاً ونشر كتباً عدة في ثمانينات القرن الفائت،
لعل
أهمها "أوراق محترقة" عام 1987، وظلّ على طول الخط متمّسكاً بالتزامه اشعال
فتيل
الجدال في كل قضيّة يتناولها.
ولد تشانغ - دونغ وشبّ في منطقة دايغو الكورية،
وبدا مشغوفاً بالمسرح الذي عمل فيه لفترة. هذا الشغف أوصله الى
حبه الاوّل الذي هو
الشاشة. في التاسعة والثلاثين، أنجز باكورته "سمك أخضر" (1996)، فطار به
الى
مهرجانات عدّة. شريطه هذا توّجه بالنقد اللاذع الى المجتمع الكوري. لكن ظلّ
عدد
المهتمين به محدوداً. بعد أربع سنوات على الانطلاقة الاولى،
جاء "حلوة بالنعناع"
الذي ساهم في توسيع دائرة المعجبين. كانت القصة تدور في زمن الديكتاتورية
العسكرية
وتداعياتها التي طالما تصدى لها تشانغ - دونغ، نرى فيها رجلاً يدفعه اليأس
الى
الانتحار. تلقى الفيلم تكريساً عالمياً وعُرض في أكثر من
ثلاثين مهرجاناً دولياً.
بعد سنتين عاد مع "سراب"، هذه المرة الى البندقية، حيث نال جائزة النقاد
الدولية،
ومذذاك بدأت تتعزز "صداقاته"
الجديدة مع الجمهور الكوري، ربما لأنه وجد في قصة
الحبّ هذه ما لم يجده في أفلام كورية أخرى، أي رقّة المعالجة
التي كانت غائبة عن
بال مواطنيه المخرجين. أما مع "لمعان سريّ"، الذي شارك في مسابقة مهرجان
كانّ،
فأثبت تشانغ - دونغ أن الميلودراما لا تعني دائماً دموعاً سخيّة، وهذا هو
الاتجاه
الذي يسلكه فيلمه الجديد "شعر".
محمد هارون صالح:
المنطق الانفتاحي أولاً
"هذا مصير
الافلام المتنقلة، فهي تتوقف في البلدان التي تفتح لها المجال، وحالياً هذه
البلدان
هي البلدان الاجنبية"، هذا ما قاله المخرج التشادي محمد هارون صالح حين جاء
الى
لبنان للمرة الاولى لعرض فيلمه "باي باي افريقيا". مذذاك تكررت
زيارته لبيروت وكان
دائم الاهتمام بما يجري في المدينة. عاد مرة أخرى ليقدم "أبونا". سألته
حينذاك: "هل
هذا مرتبط بواقع ان فرنسا تنتج افلامك؟". فقال: "صحيح ان البلدان الاوروبية
انتجت
فيلمي ولا سيما فرنسا. لكن ليس هذا السبب الذي يجعل منه فيلماً "متنقلاً".
هنالك
الكثير من الافلام التي اُنتجت في اوروبا لكنها ليست متنقلة. لذلك لا بد من
محاولة
الاندراج في منطق انفتاحي أول، أي انه في امكاني ايجاد الآخر
عبر البحث في اعماقي
والحديث عن نفسي من دون ان انكر ذاتي. فعندما لا يملك المرء ارضاً، وعندما
يكون
مصيره الترحال، فمن الافضل ان يستغل هذا الوضع". السينما بالنسبة الى صالح
باب يطل
على حديقة. تشاد بلد منغلق، لا وجود للبحر. عندما كان ولداً اكتشف السينما
للمرة
الاولى، فأصبح يرى العالم من منظار آخر، وعلم فجأة ان الحياة
تمتد ابعد من بابه. ثم
بدأ فضوله يزداد بعدما شاهد أفلامه الاولى وكان حينذاك في السابعة او
الثامنة من
العمر، في سينما ساساتين يديرها شخص لبناني في مسقط رأسي. بعدئذ، تغيرت
حياته، حتى
ان العاب الطفولة تغيرت اذ اراد ان يبني كل شيء على شكل قصة.
فكان رفاقه مثلاً،
يخطفون فتاة اثناء اللعب، وكان يأخذ هو دور البطل فيأتي لانقاذها. "كنت
أريد دائماً
معنى للعب وهذا ما نقلني الى عالم الخيال". وصل صالح الى بساطة معبرة جداً
في
اخباره للقصة. بالنسبة اليه إخبار قصة عبر الصور، اهم من
اخبارها بالحوار. كونه
فرنكوفونياً خضع للاستعمار الفرنسي وشاهد افلاماً فرنسية واتم دراساته
العليا في
فرنسا، فقد تأثر كثيراً بالسينما الفرنسية، التي يعتبر انها تستوحي من
المسرح حيث
يكثر الكلام بعكس الافلام الروسية التي تركز على الصورة. "اردت
ان اخبر قصة اقتصد
خلالها في الحوار لكي اعطي المشاهد فرصة اختراع بعض الامور، ولا ألقمه
القصة طوال
الوقت، كما لو انني امسكه بيده واقوده بنفسي. مزجت فكرة السرد البصري
بالاقتصاد في
الحوار والموسيقى لاضفاء بعض الايقاع". أفلامه يستوحيها من الانسان
وتناقضاته،
الشيء الذي يجده في كل مكان، في اللقاءات وفي الاسفار...
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
13/05/2010 |