عرض في قسم بانوراما بمهرجان برلين السينمائي الفيلم العراقي "ابن
بابل"للمخرج الشاب محمد الدراجي. الفيلم يسلط الضوء على معاناة آلاف
العرقيين أثناء فترة حكم صدام حسين، من خلال تصوير رحلة أم وحفيدها للبحث
عن أبيه المفقود.
فيلم "ابن بابل" لمحمد الدراجي هو عبارة عن رحلة بحث من شمال إلى جنوب
العراق يرافق فيها المشاهد الجدة (أم إبراهيم) التي لا تتحدث سوى اللغة
الكردية وحفيدها (أحمد) الذي يتقن العربية والكردية للبحث عن الابن والأب
المفقود. الجدة التي تجوب شتى أنحاء العراق مرورا بالعاصمة بغداد ووصولا
إلى الناصرية، حيث يوجد السجن الذي تعتقد الجدة أن ابنها موجود فيه بعد أن
سمعت أنه تم العثور على سجناء أحياء جنوب البلاد. الفيلم يخلو من مؤثرات
سينمائية قوية تدفع إلى تحريك مشاعر المشاهدين، لكن هذه الرحلة المنقولة
بواقعية شديدة تكفي لإحداث ذلك.
فالفيلم ينقل صورة واقعية للعراق بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام صدام
حسين عام 2003م، صورة يملؤها الدمار والحزن ونساء تبحث وتبكي على المفقودين
وأطفال يعملون باعة متجولين لكسب العيش وسيارات لنقل الركاب من مدينة إلى
أخرى معبأة بالناس الذين طال انتظارهم لها لعدة أيام. وحتى وإن جاءت تلك
الحافلات المتهالكة بعد طول انتظار فقد تعطب في منتصف الطريق لتنتهي الرحلة
وسط الصحراء!
صعوبة تحديد البطل الحقيقي
يصعب على المرء تحديد البطل في هذا الفيلم، هل هي الجدة الكردية التي
اختارها المخرج الشاب محمد الدراجي بعد وقت طويل قام فيه بالبحث عن سيدة لا
تحترف مهنة تمثيل وإنما عن وجه من الواقع عاش فعلا إحدى مآسي الأكراد الذي
تعرضوا على يد نظام صدام حسين وخاصة أهالي ضحايا مذبحة الأنفال؟ أم أن
الطفل ابن الثانية عشر عاما، ياسر طالب، الذي قام بدور الحفيد هو فعلا
البطل؟ أم أن البطل الحقيقي في هذا الفيلم المتميز هو الابن والأب المفقود؟
مما لاشك فيه أن الطفل الكردي، ياسر طالب، الذي يقف لأول مرة أمام
الكاميرا، نجح في لفت انتباه المشاهدين، فهو تميز بجرأته وقوة أدائه، كما
أنه لعب دور همزة الوصل بين المشاهد والجدة في الفيلم، فالجدة لا تتحدث سوى
الكردية أما الحفيد فيجيد اللغتين العربية والكردية وهو أيضا الذي يقوم
بدور المترجم للجدة التي لا يفهمها على سبيل المثال أهل العاصمة بغداد،
فكثيرا ما تترد جملة "آسفة لا أتحدث العربية". إلا أن الفيلم يجمع بين
ثلاثة عناصر؛ الجدة والأم التي تقترب من الموت وتريد أن تسلم لابنها
المفقود حفيدها الذي لم ير أبيه قط، والحفيد الطفل الذي يتحمل أيضا مسؤولية
جدته، إلا أن مشاعر الخوف تلازمه ويحلم كما يحلم كل الأطفال بالحدائق
الخضراء الجميلة، والأب المفقود الذي هو الموضوع الذي قام على أساسه هذا
الفيلم.
تجربة شخصية تتحول إلى فيلم يعكس معاناة الآلاف
وفي حيث خاص إلى إذاعة دويتشه فيله يقول محمد الدراجي أن السبب وراء
اختياره لهذا الموضوع الحزين كان عمته التي فقدت ابنها ولم تتمكن حتى الآن
من العثور عليه. كما أنه قرأ أيضا عن قصة أم كردية قامت برحلة بحث عن أبنها
المفقود ما أوحى إليه بكتابة قصة هذا الفيلم خاصة. و بحسب قوله هناك حاجز
بين الثقافة الكردية والعربية في العراق، وهو يحاول من خلال هذا الفيلم
تقديم عراق واحد تحمل جميع المآسي على أكتافه. و يرى محمد الدراجي أنه في
فيلمه نجح في إبراز ذلك من خلال رحلة بحث الأم الكردية التي تجوب العراق
لتصل إلى جنوبه، حيث تضم المقابر الجماعية العراقيين العرب والأكراد، ليظهر
كيف كان جميع العراقيين يُدفعون ليكونوا جزءا من جيش صدام حسين سواء كانوا
أكرادا أو مسيحيين أو عرب أو من طوائف أخرى، ليجنوا بعد ذلك المصائب التي
خلفها النظام السابق.
معالجة الماضي للإنطلاق نحو المستقبل
الفيلم لا يخلو من مشاعر الحزن والألم التي تتجسد في عويل النساء بعد
عثورهن على رفات ذويهم في المقابر الجماعية المتفرقة للأكراد التي دفن فيها
ذويهم. والأهم من ذلك أن المخرج العراقي أحمد الدراجي يثير قضية غاية في
الأهمية ألا وهي مشكلة الآلاف من الأكراد وعراقيين آخرين، والذين لم يعثروا
على أحبائهم بعد أن فقدوهم في حرب الكويت أو بعد مذبحة الأنفال. حيث يلقى
الدراجي الضوء على عدم توفر التقنيات الحديثة للتعرف على الهياكل العظمية
من خلال الحمض النووي أو دي.إن.أيه، ما يعني أن هذه المعانة لم تنته بعد.
ويتمنى الدراجي من خلال حديثه إلى دويتشه فيله أن تنجح السينما
العراقية في النهوض من جديد، مشيرا إلى أنه يحلم بتصوير فيلم كل عام يعكس
مشكلة تواجه العراقيين في حياتهم اليومية. الفيلم و بحسب قوله سيعرض قريبا
في دور العرض العراقية في العاصمة، إلا أنه يتحسر على مدينته بغداد التي لم
يعد بها سوى داري عرض سينمائي فقط، حسب قوله. ويؤكد الدراجي على أن هذا
النوع من الأفلام يلقى استحسانا من قبل الجمهور العراقي، مشيرا أن هذه
الأفلام تتعمق في الماضي بغرض معالجة أثارة والتعلم من التاريخ لبناء
الحاضر والمستقبل.
مؤسسة دويتشه فيله في
15/02/2010
####
مهرجان برلين السينمائي يحتفل هذا العام بعيده الستين
الكاتبة: سيلكا بارتليك/ نهلة طاهر
مراجعة: سمر كرم
يتنافس عشرون فيلما عالميا في إطار مهرجان برلين السينمائي، الذي
يحتفل هذا العام بالدورة الستين لتأسيسه، وتنتظر العاصمة الألمانية حضور
آلاف النجوم والفنانين وهواة السينما لإحياء هذه المناسبة.
يحتفل مهرجان برلين السينمائي هذا العام بمرور ستين عاما على افتتاحه،
وقد دعي النجوم والجيل الجديد من الممثلين الصاعدين للمشاركة في إحياء هذه
المناسبة. وتستمر فعاليات المهرجان عشرة أيام، تبدأ في الحادي عشر من
فبراير/شباط الجاري وحتى الحادي والعشرين منه. وكما هي العادة في مثل هذه
المناسبات المميزة، فإن الأمر لا يخلو من المفاجآت.
عروض جماهيرية
تتسع صالات العرض السينمائي في مركز مهرجان برليناله القريب من
بوتسدامر بلاتز -والبالغ عددها 28 صالة- لثمانية آلاف شخص. لكن المكان لن
يكفي هذا العام، كما يقول المنظمون، لاستقبال العدد الكبير من الضيوف
القادمين لمشاركة في إحياء الاحتفالات الخاصة بالعيد الستيني للمهرجان.
وفي الثاني عشر من الشهر الجاري تدعو البرليناله الحاضرين لعرض في
الهواء الطلق، يعقبه عرض مجاني أمام "بوابة براندبورغ " للنسخة الأصلية من
الفيلم الصامت الشهير "ميتروبوليس" لفريتز لانغ. ويعلق رئيس المهرجان ديتر
كوزليك على عرض النسخة الأصلية بعد إصلاحها وصيانتها بقوله: "في الزمن
الراهن حيث يمكن مشاهدة الأفلام من خلال شاشات مثبتة على ساعات اليد، نعرض
هذا الفيلم لنوضح أن سحر السينما يرتبط بالضرورة بكبر حجم شاشة السينما."
وخصيصا من أجل الغرض، أقامت المصممة الكورية الأمريكية كريستينا كيم ستارا
أمام "بوابة براندنبورغ"، يبلغ طوله 300 مترا باستخدام الأفلام ولوحات
إعلانات قديمة عن المهرجان بعد إعادة تدويرها.
أفلام ونجوم
وعن الأفلام المعروضة هذا العام، فإن نصفها تقريبا أفلام عائلية كما
يوضح مدير المهرجان، ويعلق بالقول إن جزءا من تلك الأفلام مثير للصدمة،
والجزء الآخر رائع للغاية. على أن معظم تلك الأفلام يعكس الفوارق
الاجتماعية والأخلاقية الشديدة التباين. أما عدد الأفلام المتنافسة هذا
العام على جوائز "الدب الذهبي" و"الدب الفضي" فيبلغ 20 فيلما، من أبرزها
"ذي جوست رايتر" "The
Ghostwriter" لرومان بولانيسكي، والذي تقوم قصته على كتاب سجل أرقام مبيعات
قياسية للكاتب روبرت هاريس. وهناك أيضا الفيلم البوليسي "القاتل بداخلي" أو
"The Killer
Inside Me" لمايكل وينتربوتومس، وفيلم للمخرج الياباني كويي واكاماتسو بعنوان "كيتربيلار"
"Caterpillar" يسلط الضوء على الاضطراب النفسي لجنود عائدين من الحرب. لكن البداية
ستكون أيضا "بفيلم جميل من الصين، يحمل عنوان "Apart Together Tuan
Yuan". وهذا الفيلم بحسب مدير المهرجان "يحمل قيمة رمزية للمهرجان في عيده
الستين الذي يتزامن مع مرور عشرين عاما على الوحدة الألمانية. وهو يتحدث
أيضا عن تسبب السياسة في الفراق على المستوى الخاص، ويحكي أيضا اللقاء من
جديد على المستوى الخاص بعد الفراق."
ويتوقع منظمو المهرجان هذا العام قدوم المخرج الأمريكي مارتن سكورسيز،
وكذلك كل من الممثلين بيرس بروسنان وانغريد كافن وجاكي شان وليونارد دي
كابريو وأماندا بيت وبن ستيلر. كما أعلن فنان الغرافيتي البريطاني المعروف
بانسكي نيته الحضور، حيث يشارك فيلمه
Exit through the Gift Shop"
في إطار الأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان. ويوضح هذا الفيلم ما يحدث
في عالم الفن كما يقول ديتر كوزليك، وسيعرض بوجود بانسكي الذي تحمل أماكن
متفرقة من برلين بصمات رسومه الغرافيتية.
برلين: الماضي والحاضر
ويشارك المخرجون الألمان بثلاثة أعمال، أولها "Der
Räuber" أو "السارق" للمخرج بنيامين هايزن بيرغ ويدور حول أحد أبطال الجري
ولصوص البنوك. ثم فيلم "
Jud Süß – Mann ohne Gewissen“ أو "رجل بلا ضمير" لأوسكار روهلار،
ويحكي قصة الممثل فرديناند ماريان الذي أدرك متأخرا استغلال النازية له من
أجل ترويج أفكار معادية للسامية. وأخيرا هناك فيلم لبرهان قرباني يحمل
عنوان"Shahada"
أو "شهادة" تدور أحداثه حول ثلاثة من المسلمين يعيشون في ألمانيا.
وستقرر لجنة التحكيم الدولية برئاسة المخرج الألماني فيرنر هيرزوغ، ما
إذا كان لهذه الأفلام نصيب في جوائز المهرجان، إلا أن رئيس المهرجان ديتر
كوزليك يشدد على أن "برليناله" هذا العام كما كان الحال دائما هو انعكاس
لبرلين كمدينة، ويستشهد بقول المخرج والممثل الإيطالي روبيرتو بينيني بأنها
جزء من الحوار بين الغرب والشرق.
مؤسسة دويتشه فيله في
09/02/2010 |