الدورة الحالية من مهرجان كانّ (13 - 24 ايار)
مشيّدة على قدر هائل من الغرابة. هي بلا شك واحدة من أكثر الدورات دموية
وقسوة
وعنفاً: قطع أوصال، اغتصاب، قتل، هتك، وضرب للقيم المجتمعية المعتادة.
فالسينمائيون
لا يوفرون بالامكانات المتاحة لديهم لقول ما كان يصعب قوله قبل فترة ما.
أما نظرتهم
فتتضمن سوداوية غير مسبوقة تتجلى في عدد كبير من الأفلام، اولها الفيلم
الذي احدث
الى حدّ ما صدمة للمشاهدين: "المسيح الدجال" (مسابقة) للدانماركي لارس فون
ترير.
انها قصة ثنائي ينزوي بعد وفاة ابنهما في
غابة عدن حيث يسعيان الى تضميد جراحهما.
لكن بدلاً من الانفراج، ستسوء حالتهما.
قد يصعب ايجاد مخرج اكثر لؤماً
وتشاؤماً من لارس فون ترير. بعد سلسلة افلام عالجت الظروف
الانسانية، بدءاً من
عبثية الحب وصولاً الى البؤس الاجتماعي، يقع اختيار مؤسس الـ"دوغما" على
مشروع
سينمائي يتعذر ايجاد ما يوازيه في السينما المعاصرة، أكان ذلك من حيث
الفكرة
والمفهوم أم المنظار المستعان به لتصوير شخصيتين (شارلوت
غينسبور وويلم دافو) سرعان
ما تتحولان دميتين في يد المخرج.
على رغم الرؤية القاتمة التي يرميها فون ترير
على عالم يعتقد نفسه بمنأى عن الصراعات ويلفها النفاق والكذب،
يكشف "المسيح
الدجال"، الذي يهديه الى اندره تاركوفسكي، النقاب عن صراع الانسان مع
محيطه. موضوع
بسيط للوهلة الأولى يعالجه ترير باستفزاز المشاهد القابع قبالة الشاشة،
مطالباً
بمنقذ قد يأتينا بعالم أفضل، عالم ليس على هذا القدر من
الانحراف والبشاعة. لكن
ماذا لو كان هذا المنقذ هو المسيح الدجال الذي لن يتحمل آلام البشرية هذه
المرة؟
فكر سينمائي ينطوي على الانصهار بين السينما والمسرح والأدب، يحمل
كذلك
هموماً فنية من نوع آخر، وتأمل في قضية الخلق ومسألة التجسيد والاحياء.
يصور
النابغة الدانماركي تراجيديا اغريقية انطلاقاً من لا شيء، درس
في الأخلاق الانسانية
والعيش الزوجي، لا ادانة للإنسان الذي ليس في نظره جديراً بإنسانيته. نرتعش
أمام كل
هذه الراديكالية في التعامل مع الجنس والحب والعلاقة بين حبيبين، وننبهر
بالبنية
الدرامية المقسمة على شكل فصول أدبية مستوحاة من بريخت،
وذاكرتنا لا تفارق بسهولة
قصة تضمنت جميع الاحتمالات لتسعدنا، وبسحر ساحر تغدو مأساة تفضح الطبيعة
البشرية في
انحيازها الى الشر والعبث والضغينة. وسط هذا كله، هناك المرأة دائماً
وأبداً لدى
فون ترير، أساس كل شيء عنده. هذا الفيلم الذي يقول عنه فون ترير انه الأهم
في
مساره، يتضمن مشاهد بورنوغرافية وأخرى من نوع الـ"غور"، كسوء
معاملة للاعضاء
الجنسية والى ما هنالك من المشاهد الصادمة التي تقزز الأبدان.
يقول فون ترير عن
بدايات نشوء فكرة الفيلم: "قبل سنتين، اصبت بالكآبة. كانت تلك تجربة جديدة
في
حياتي. كل شيء على الاطلاق كان يبدو لي من دون أهمية. وكنت غير قادر على
العمل. بعد
ستة أشهر، كتبت نصاً بغية أن اداوي نفسي واعالجها. كنت أيضاً أريد أن ارى
من خلاله
اذا كنت لا أزال قادراً على انجاز فيلم. صوّرت السيناريو بلا حماسة تماماً
مثلما
كتبته، أي مستعيناً بنصف طاقاتي الجسدية والفكرية. لم اتبع
نظام العمل الذي كنت
اتبعه في اعمالي السابقة. بعض المشاهد كانت تضاف بلا سبب، ومعظمها كانت
أحلاما لي.
مرة أخرى كنت اريد فيلماً عن "الطبيعة"،
ولكن من زاوية أخرى؛ أكثر مباشرة من قبل
وأكثر شخصانية. الفيلم في خاتمة الأمر لا يتحمل أي بند أخلاقي، وفيه أقل
قدر من
الحبكة".
مستوحى من ستريندبرغ، يري هذا المتهم بكره النساء، عالماً تهيمن فيه
الفوضى الى حدّ كبير، وعلى رغم ذلك يبحث فيه عن الشرح والمنطق، من خلال
اللجوء الى
شخصيتين كما في "مشاهد من الحياة الزوجية" لبرغمان. يعود هذا
المحرض والمستفز، الذي
شرّع له كانّ أبواب الاستفزاز مرة أخرى، الى هوايته المفضلة: العبث
بالسينما "النبيلة"
والتجارية التي لا تزال أمامها أيام طويلة.
فيلم آخر اغاظ البعض
واستفز البعض الآخر هو "مجزرة" للفيليبيني بريانت ميندوزا، الذي يعود الى
كانّ بعد
سنة على عرضه "خدمة"، أيضاً في المسابقة. انطلق ميندوزا عام 2005، وصوّر
مذاك سبعة
أفلام. لديه طريقة سريعة جداً في العمل، لتصل به الحال أحياناً الى التصوير
أينما
كان وكيفما أتفق. على رغم هذه الارتجالية، فإن وصول ميندوزا
الى كانّ منذ دورتين،
يشير الى انه بات واحداً من ابناء هذا المهرجان المدلل، الذي سيبقى وفياً
لهم ما
داموا يأتون بأعمال غريبة من بلدان تبقى الصور عنها قليلة. مانيلا، المدينة
المليئة
بالضوضاء هي مسرح حوادث فيلمه هذا. نتعرف بدءاً الى بيبينغ، شرطي متدرب
تستعين به
عصابة لإتمام عملية خاصة جداً. الحاجة الى المال (نفقات تربية
الطفل، الاعتناء
بالحبيبة) تجعله ينضم الى مغامرة ستكون نتائجها كارثية.
بعد افتتاحية ذات نبرة
كبيرة تأخذنا فيها الكاميرا في شوارع العاصمة الفيليبينية، نصعد مع
الكاميرا
والشخصيات في فان ضمن رحلة ليلية طويلة، هي ربما الأغرب والأكثر إثارة
للعجب. أشياء
كثيرة يصورها ميندوزا خلال هذه الرحلة. ثمة على متن هذا الفان عاهرة مخطوفة
لقضية
أخلاقية غامضة. في كل حال، لا تستحق "القضية" أن تُخطف المرأة
من أجلها. لكن رجال
العصابة الذين سيتبين لاحقاً انهم قتلة من أسوأ جنس، مصرون على اهانتها
وتقطيعها
اشلاء في مشهد مروع. ثم يقدم هؤلاء على توزيع أجزاء الجثة في اماكن مختلفة،
قبل أن
يذهبوا لتناول الفطور في أولى ساعات الفجر.
ومن الأفلام التي كانت هنا لتثير
صخباً غير اعتيادي، "ليالي سكر ربيعية" (مسابقة) للصيني لو يي:
وصل الى كانّ متحديا
رقابة بلاده التي حكمت على الفيلم بالاعدام، نظراً الى ما يتضمنه من مشاهد
جنس
واضحة وصريحة بين رجلين. لكن الفيلم لم يثر ما كان متوقعاً له، وكانت
اصداؤه فاترة.
تدور الحوادث في نانكين الصينية. زوجة وانغ بينغ تشتبه في خيانة زوجها لها،
لذا
تستعين بأحدهم كي يتجسس عليه ويأتيها بأخباره، لتتجلى الحقيقة في وضح
النهار حيث
يتبين أن زوجها على علاقة غرامية وجنسية برجل آخر. غيرة وهوس
جنسي، هما ما ينتظر
المشاهد في هذا الفيلم الجاف والمتقطع. اللافت في الفيلم جانب اوروبي واضح،
وتحديداً فرنسي.
الفرنسة لبعض الأفلام الآسيوية في كانّ تشمل ايضاً الشريط
الجديد لجوني تاو، "انتقام" الذي يمنح جوني هوليداي واحداً من أدواره
الأكثر اهمية
في مساره، لكن تمثيله يبقى مرتبكاً وغير متماسك. انه قصة أب يذهب الى هونغ
كونغ من
أجل أن ينتقم من مجرمين قتلوا زوج ابنته وولديها، تاركين اياها
نصف ميتة في أحد
المستشفيات. من سخرية القدر انه، من أجل تصفيتهم سيلجأ الى ثلاثة قتلة
يعملون لحساب
رجل نافذ، يتبين لاحقاً انه كان هو الذي أمر بقتل العائلة. بطلنا هو طباخ
كان هو
الآخر قاتلاً محترفاً قبل 20 عاماً. هذا ما يمنح الفيلم بعض
الطرافة، ولا سيما في
مشاهد اللقاء الاول بينه وبين القتلة الثلاثة الذين سيساعدونه على
الانتقام. بعد "عصفور
الدوري" الذي شاهدناه في الدورة ما قبل الماضية لمهرجان برلين، يأتينا تاو
بأسلوبيته الممتازة في تشكيل الكادرات وطريقته البطيئة في
التقاط المشاهد. لكن ما
كان مبرراً في فيلمه السابق، ضمن لعبة جمالية بارعة، يبدو هنا مفتعلاً، ولا
سيما ان
الفيلم يمنح الشعور بأننا أمام محاكاة، اذ لا يمكن على من يريد الانتقام أن
يرمي
أمام فريسته معطفاً، على النحو الذي يفعله هوليداي في الفيلم،
قائلاً له "هل هذا
المعطف لك؟"، وأن يكون على قدر كبير من الجدية.
آسيوي آخر لم يكن على قدر
التوقع: آنغ لي. يعود مخرج "النمر والتنين" الى كانّ محملاً
مفاهيم ثورة "السلام
والحب" الستينية التي أكل عليها الدهر وشرب. من دون شعارات
كبيرة، ومن خلال ساعتين
فقط، يفكك التاريخ الأميركي في "اكتساح وودستوك"، أبطاله عائلة أميركية
تدير فندقاً
مهترئاً على حافة الافلاس.
كل شيء سيتغير عندما تقرر مجموعة اجراء حفل موسيقي
هيبي في الجوار. هذا الحدث الأشهر من أن يعرّف والذي يحمل اسم "وودستوك"،
سيغير
حياة ابن العائلة اليوت، الذي لا يجرؤ بعد على اعلان مثليته الجنسية امام
عائلته،
وسيغير أيضاً أفكار جيل بأكمله وتوجهاته. العمل لا بأس به، فيه
قدر من الطرافة
مقترن بانتقاد حاد لرمزية تلك المرحلة. في المقابل لم يتمكن لي من تفادي
الثرثرة
الطويلة، والمشروع بأكمله يبعث على الاعتقاد أنه ابرع في تصوير المثليين
(تذكروا "جبل
بروكباك"!) منه في تصوير المتمردين.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
####
"أمريكا"
لشيرين دعبس
مكان اسمه الوطن
دراما خفيفة عرضت اول من امس في "اسبوعا المخرجين"، تصور
أسرة فلسطينية ومعاناتها مع التهجير، وشعور اعضائها بالحنين إلى الوطن الذي
يوجد في
ذاكرتها الجمعية ويناضلون من أجل تحقيق الشعور بالانتماء في
بلد (الولايات المتحدة)
يعطي كل القادمين الجدد إليه فرصة للحصول على المال. يقدم الفيلم لمحة عن
الحياة
الخاصة للمراهقين من الجيل الأول الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بالتراث
العقائدي
لذويهم من جانب وبالعالم الغربي الذي يعيشون فيه من جانب آخر.
انها قصة عادية
بالنسبة الى العديد من المهاجرين الذين قدموا إلى أميركا الشمالية بحثا عن
حياة "أفضل".
هؤلاء يجدون أنفسهم موزعين بين الحنين الى الوطن والكفاح للاندماج في
المجتمع الجديد باحثين عن شعور بالإنتماء في بلدهم الجديد.
تقوم الخطوط العريضة
لقصة الفيلم على خبرات المخرجة والكاتبة شيرين دعبس وأسرتها الفلسطينية
الأردنية.
تقول دعبس: "عندما كان الناس يسألونني من
أين أنت كان هذا سؤالا محيرا بالنسبة
اليَّ. لقد هاجر والداي إلى الولايات المتحدة قبل أن أولد.
وولدت في أوماها ــ
نبراسكا، وترعرعت في المناطق الريفية من أوهايو، ومع ذلك كنت أذهب إلى
الأردن كل
صيف. ولم أكن اميركية بما يكفي بالنسبة الى الأميركيين كما أنني لم أكن
عربية بما
يكفي بالنسبة الى العرب. أو على الأقل هذا ما شعرت به. لذا لم
أشعر قط بأنني في
وطني في أي مكان. كانت لديَّ رغبة في أن يصبح لي مكان أطلق عليه وطني، مكان
حيث
أشعر أنني أنتمي إليه، وكان هذا الأمر يمثل جزءا كبيرا من هويتي. فوق ذلك
كله فقد
ورثت كفلسطينية أزمة الهوية التي عاناها والدي، والتي تتمثل في
عدم وجود أمة أنتمي
إليها وعدم وجود هوية وطنية لي، بما زاد شعوري بعدم الإنتماء الى أي مكان".
نشأت شيرين دعبس في بلدة صغيرة وهذا ما ضاعف شعورها بأنها لا تستطيع
الإندماج
في هذا المجتمع وهي في سن المراهقة. أدى ذلك إلى زرع بذور الإلهام داخلها.
"في
أثناء حرب الخليج، أصبحنا أكباش فداء. كنا نتلقى تهديدات يومية بالقتل وأتى
رجال
المخابرات إلى مدرستي للتحقيق في شائعة تقول إن أختي الكبيرة التي كانت في
السادسة
عشرة من عمرها هددت بقتل الرئيس. كنت في الرابعة عشرة من عمري
في ذلك الوقت وكنت
أجمع كل ما أحصل عليه من خبرات أثناء رحلاتي إلى الشرق الأوسط وأعود به الى
أميركا
وكنت أخزن كل ما شاهدته من قنوات الأقمار الاصطناعية العربية والنشرات
باللغة
الإنكليزية وبدأت أشكك في ما أسمع من الناس. أرى كيف تقوم
وسائل الاعلام بإستخدام
صور نمطية بحيث أثر هذا الأمر على حياتي في المدرسة وعلى أسرتي في هذه
البلدة
الصغيرة".
كان إحساس شيرين دعبس بالتقوقع وهي في سن المراهقة يزكي رغبتها في
إخراج الأفلام، لكن الحوادث العالمية التي وقعت حولها بعد عقد من الزمان
حملتها الى
البدء بكتابة أول فيلم روائي لها. "كانت تجربتي وأنا في سن الرابعة عشرة
أثناء حرب
الخليج هي التي ألهمتني بكتابة "أمريكا" وقد حملت القصة معي طوال هذه
السنوات. في
النهاية ذهبت إلى مدرسة السينما في مدينة نيويورك في أيلول 2001 ووقعت
حوادث الحادي
عشر من ايلول، وبعد فترة قصيرة غزت الولايات المتحدة العراق
وبدأ التاريخ يكرر
نفسه. كنت أسمع قصص ردود الأفعال تجاه القادمين من الشرق الأوسط. عندئذ
أدركت أنه
حان الوقت لأن أجلس وأكتب أول قصة تدور حول العرب القادمين إلى أميركا".
"كان
"أمريكا" هو الاسم الذي اخترته من اللغة التي كنت استريح إليها ليكون
عنوان فيلم
يمزج بين ثقافتين ويصور تجربتي وتجربة العديد من الذين ينتمون إلى الجيل
الأول من
أبناء المهاجرين". عثرت دعبس على روح ثقافية مماثلة لروحها لدى المنتجة
كريستينا
بيوفيسان من شركة "فيرست جينيريشان فيلمز". التقت بيوفيسان شيرين دعبس
عندما كانت
تبحث عن فيلم يعكس تجربتها التي تصور حياة والديها المهاجرين. تقول
بيوفيسان:
"الكثير من أفلامي هي أفلام أجنبية أو ثقافية. إنها أمور أهتم بها. أمي
فلسطينية
لبنانية وأبي إيطالي. وعلى الرغم من أنني ولدت ونشأت في تورونتو، فإنني
نشأت في بيت
غني بالثقافة العربية".
كانت القصة التي تشعر شيرين بالرغبة في روايتها مستمدة
من الخبرات الشخصية لأسرتها. وبالتحديد هناك شخصيات مستوحاة من افراد
حقيقيين في
أسرتها. "كانت شخصية منى تعتمد على قصة خالتي. فعندما هاجرت
إلى الولايات المتحدة
كنت في سن تسمح لي بأن اشهد الصراع. الفيلم عبارة عن قصة حزينة ودافئة
لإمرأة مليئة
بالتفاؤل وتحاول أن تبدأ حياة جديدة في مناخ يقف كل شيء فيه ضدها. لكنها
لديها أمل
في أن تقهر العقبات. هذه هي خالتي المتفائلة دائما. وكانت هذه
الخصلة فيها هي التي
اوحت اليَّ بشخصية منى".
"تيترو"
في "اسبوعا المخرجين"
كوبولا بلا
سموكينغ!
بعد ثلاثة عقود على نيله "السعفة الذهب" في مهرجان
كانّ، يعود المخرج الأميركي الكبير فرنسيس فورد كوبولا بفيلم "تيترو" وهو
خلاصة
عمله كسينمائي أميركي من أصول ايطالية، نظرته مشبعة بثقافة بصرية عالية
جداً.
كوبولا الذي ازعج مراراً ومراراً "السيستيم" في المصنع الهوليوودي، افتتح
الخميس
الماضي قسم "اسبوعا المخرجين" الذي تجري نشاطاته على هامش المهرجان. وكان
له مع
الجمهور لقاء حميمي (شارك فيه أيضاً كل من زوجته، ابنه رومان، وفريق العمل)
هنا
مقتطفات منه:
"عندما
أنجزت "العراب" كان العنوان يحمل اسم الكاتب على الشكل
الآتي: "العراب لماريو بوزو". فعلت الشيء نفسه مع "دراكولا
لبرام ستوكر". وكنت أحلم
دائماً بأن يحمل عنوان لفيلم لي اسمي. لكن من أجل ذلك كان
ينبغي لي أن أكتب نصاً
أصلياً. كنت أعتبر عملية الكتابة شيئاً صعباً، ومن هذا المنطلق لم يكن يحق
لي أن
اضع اسمي مع العنوان، ما دمت لم أكتب السيناريو، وذلك احتراماً وتقديراً. "تيترو"
أتاح لي أن أفعل ذلك للمرة الأولى".
"الفرق
بين "العراب" وهذا الفيلم ان كمية
الأطراف المقطعة والجثث التي تسقط واحدة تلوى أخرى قد قلّت
عندي. أما الرصاص فهو
بدوره اقل مما كان في "العراب".
"قبل
أن يشارك فيلمي "القيامة الآن"، كانت
ادارة المهرجان تعتبر انه لم يكن مكتملاً بعد، وانه في حاجة
الى لمسات أخيرة. ثم
تعلمون ما حصل: فقد جاء الفيلم الى هنا وأحدث زوبعة وعاد بـ"السعفة". الشيء
نفسه
حدث مع "تيترو". فبعد عدم رغبتهم في أن يتسابق الفيلم ضمن المسابقة
الرسمية، اقترحت
عليّ الادارة أن أعرضه خارج المنافسة. قيل لي: "تعال في 22 من أيار، سننظم
حفلاً
خاصاً للفيلم، وستصعد أنت وفريق العمل على السجادة الحمراء". لكن أنا لم
أعد أهتم
بارتداء السموكينغ وربطة العنق. هذا فيلم أنجزته من اللحم الحي واستثمرت
فيه طاقات
كثيرة. فما كان مني الا ان سحبته واقترحته في افتتاح "اسبوعا
المخرجين". وهو القسم
الذي أجده الأنسب لي. في كل حال، الفيلم الذي يشارك هنا وسط
هذا الكمّ الهائل من
الأفلام المعروضة، هو فيلم متسابق".
"كانت
لي استقلالية تامة في عملية تصوير
ومنتجة الأفلام التي أنجزتها بعد "العراب". ولكن عندما تعرضت لانتكاسة
مادية كبيرة،
وصرت مديوناً للمصرف، نتيجة ذلك، فإن كل الأفلام التي انجزتها بين الاربعين
والخمسين من عمري هي اعمال طلب مني أن أنجزها، ولست صاحب المبادرة. لكن،
عندما لم
أعد مديوناً، توقفت عن العمل بهذه الطريقة".
نيكولاس روغ: كلنا ذاهبون إلى النهاية
يعتبر نيكولاس روغ، 80 عاما، واحداً من أهم السينمائيين
البريطانيين الذين ابتكروا لغة سينمائية خاصة بهم عصية على التقليد. من أهم
افلامه: "الرجل
الذي سقط على الارض" (1976). عمل ايضاً مديراً للتصوير، ولا سيما على
"فهرنهايت 451" لفرنسوا تروفو. "النهار" التقته في الحوار الآتي.
·
أنت، نوعاً
ما، خارج عن أي حركة سينمائية. لم نستطع تصنيّفك في أي فئة.
-
يمكن أن أقول إنني
لا أنتمي الى "المؤسسة"، فأنا لا أستطيع أن أكون مستقرّاً
وأحصر نفسي في أسلوب أو
"جانر" معيّن. أحب قدرة الأمور على التغيير. يحب البعض أن يتبعوا نوعاً
من الروتين
في الحياة. أما أنا، فلا يمكنني فعل ذلك. لا أرى في رأسي ما سيحصل لي في
المستقبل،
لأن ذلك سيتسبب لي بالقلق إذ إن الأمور لا تحصل كما نريدها بل تتغيّر طوال
الوقت.
السينما انطلقت من مكان ما وتتغيّر كما كل
الأشياء تتغيّر في العالم.
·
عندما
تبدأ بالتفكير في الفيلم الذي ستنجزه، هل ترى صوراً في رأسك؟
-
نعم ولكنها
تتغيّر، فلدى تطور القصة أو الموقف، تتبدل الصور. لإنجاز فيلم
ما، هناك مراحل عدة.
فلدينا أولاً الأفكار ثم فترة المناقشة والدعوة للاطلاع على السيناريو،
ولكن ذلك
يتغير طوال الوقت. ثم يبدأ المرء بالبحث عن أماكن تصوير، فيسترعي شيء ما
انتباهك
ويغيّر لك فكرك. الأداء يتبدّل أيضاً وكذلك خيار الممثلين.
تكون قد انتقيت تلك
الممثلة الشقراء الطويلة، لكنك تلتقي لاحقاً بممثلة سمراء قصيرة تجسّد
فعلاً روح
الشخصية. لا يمكنني فرض شكل معيّن على الآخر بل احاول أن أرى ما إذا كان
على علاقة
بالشخصية. بهذه الطريقة، يلتقي المرء أيضاً شريكة حياته.
·
تحب وضع شخصياتك في
موقف معيّن، لترى كيف تتصرف...
-
هذا ايضاً جزء من الحياة. تمرّ بالخوف
والسعادة
وبشتى المواقف والأحاسيس... كلنا ذاهبون الى النهاية، وبين الولادة والموت
نعيش
عدداً من القصص. وقد تحصل معنا الأمور التي نراها في الأفلام. مثلاً، قد
يقرأ أحدهم
أن حادثاً حصل في مكان كان فيه للتو ونجا من الخطر... بالطبع هناك نهايات
سعيدة،
كما أن هناك نهايات غير سعيدة. ومع أننا نجتمع مع الآخرين
ونعيش في مجتمع، الا أن
لكل منا قصصه الخاصة ومصيره الخاص. ولا أعتبر أن ثمة شخصية أهم من أخرى في
أفلامي،
وأحاول أن أظهر مشاعر كل منها، حتى لو كانت أدواراً صغيرة وثانوية. فهي
مهمة.
·
أفلامك كلّها محبوبة جداً وهي
باتت Cult.
ما السبب في نظرك؟
-
أظن أن ذلك يعود
الى كونها تنبض بالحياة. فالفكرة الأولى التي تراودك لدى رؤية
أمر ما، لا تكون هي
نفسها عندما تفكّر فيها في ما بعد. أذكر عندما أُطلقت سيارة "سيتروين"، لا
أعرف أي
موديل تحديداً، اعتبر الناس انها قبيحة جداً ولكنها أصبحت الآن سيارة
كلاسيكية.
الأمر ينطبق على كل الأشياء التي يسيء الإنسان تقديرها ويعود اليها لاحقاً.
من
ناحية أخرى، الجميع يبحث عن الحقيقة، على كل الاصعدة، الطبية، الاجتماعية،
السياسية، والجنسية...
·
لكنك قلت مراراً إنك لا تؤمن
بالحقيقة، وكلما وُضعت
الكاميرا قبالة مشهد ما، لا يعود حقيقة...
) -
ضحك). قد يكون ذلك سوء فهم اذ لا
أذكر أنني قلت ذلك... لا يمكننا أن نتصور شيئاً ما بعيداً عن تجربتنا
الخاصة. ولا
يمكنك عرض ما لم تختبره على أحد. أحب الخيال العلمي لأنه يحاول
تجنّب الأشياء
الجلية. فكون شخص ما طويلاً وجذاباً، لا يعني أنه سيكون موفّقاً مع النساء
مثلاً.
·
في فيلم "الرجل الذي سقط على
الارض"، أردت أن تبتعد عن كل احساس بالزمن. ما
أكثر الأمور إثارة للدهشة بالنسبة اليك في ما يتعلّق بالزمن؟
-
أنه شيء أحاول
التمسك به، وهذا خيالي. قد يكون الأمر سخيفاً لكنني أشك في أن
الزمن معيار قابل
للتقسيم. ففي حياتي، الوقت يمر بسرعة على المستوى العاطفي ولكنه... يستغرق
الوقت (ضحك). عندما تكون مغرماً أو سعيداًُ، الوقت
يمرّ بسرعة فائقة. فالزمن يقود حياتنا
كلها وأفكارنا.
·
أنت من ابتكرت المونتاج غير
الخطي. وحاول عدد كبير من
المخرجين أن يقلّدوك على غرار تارانتينو وسواه. ما تعليقك على ذلك؟
-
كان هذا
الاسلوب يتبلور على اي حال، ولا أظن أن أحدهم ابتكره. فالناس
يفعلون هذا الامر وانت
كذلك، وأنا. إن سألتك "هل كانت طفولتك سعيدة؟" فقد تجيبني كلا، ولكن إن
أخبرتني
عنها، فقد أقول لك إن طفولتك كانت سعيدة جداً في نظري. أكره هذه العبارة
إعادة
("فلاشباك") الحياة الى اللحظة الحالية. الذاكرة والزمن مترابطان ويحاول
المرء
تحقيق حقيقة مشهد ما وأن يجعل الناس يفهمونها. وعلى البعض ان يرى الفيلم
مرات عدة
ليفهم. هذا الأمر خاص بالسينما ولا يمكنك أن تفعله بالكلمات أو في المسرح
مثلاً.
·
ما الذي كنت تعنيه عندما قلت
إننا كلنا في خطر؟
-
هذه هي الحياة. إنها
خطرة جداً. فعندما نستقيظ صباحاً وننتعل حذاءنا، فنحن نعرّض
بعضنا للخطر. فكل شخص
من حولك قد يكون عدوك، سواء أكان صديقاً مقرّباً جداً أم صديقاً عادياً أم
حبيباً... انظر الى حالات الطلاق في المحاكم (ضحك). نحن جميعنا جزء خطر من
الحياة،
تماماً كالسعادة والحب. فالعالم يمرّ بأوقات غريبة. وآلاف السنين منسية،
وفجأة
نكتشف قبراً يعود الى 4000 سنة ولا نعرف شيئاً عنه، أحدهم يقول
لك إن هذه الصخرة
قديمة وتعود الى ملايين السنين.
·
يتردد أن هناك نسخة جديدة عن "لا
تنظر
الآن"، هل هذا صحيح؟
-
لا أعرف حقاً.
هـ. ح.
النهار
اللبنانية في 21
مايو 2009
|