قضايا الإنسان تتوهج في "دبي السينمائي"
النطاق الثقافي
تستمر
فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان دبي السينمائي الدولي ببرنامجها الكبير
وفي أقسامها المختلفة مشَكِّلة حالة فنية تفرز الكثير مما تطرحه الأفلام
المشاركة، سواء أكانت عربية أم عالمية، المكونة من 115 فيلما من 74 بلدا في
فئات المهرجان المختلفة.
فعلى
الصعيد العربي تقدم الأفلام العربية مجموعة من القضايا تتعلق بالواقع
الاجتماعي والسياسي، فيما تبرز القضايا السياسية الكبرى في الكثير من
الأفلام العالمية مثل فيلمي "بوبي" و"موت الرئيس" و"بابل"، ووسط ذلك نجد أن
أفلام التواصل بين الشعوب والثقافات قد منحت اهتماما مميزا تستحقه، وهي في
مجملها قضايا على اختلاف أنواعها تتعلق بالإنسان والإنسانية جمعاء.
"مهر"
لأفلام العرب
ومن ضمن
ما شهدته تطورات هذه العام الاحتفاء بالسينما العربية في مسابقة "المهر
للإبداع السينمائي" التي تتنافس فيها 10 أفلام، منها فيلم الجزائرية جميلة
صحراوي "بركات"، والمصري "قص ولصق" لهالة خليل، والمغربي "يا له من عالم
رائع" للمخرج فوزي بن سعيدي.
وهي
بمجملها أفلام تحتفي بتناولها قضايا عربية، مثل "بركات" الذي يقدم واقع
الجزائر في ظل العنف، و"قص ولصق" الذي يقدم أزمات الشباب الاجتماعية
والاقتصادية التي تدفعه إلى الهجرة في ظل ظروف حياتية صعبة.
ومن
الأفلام الوثائقية المشاركة في مسابقتها هناك "أنا التي تحمل الزهور إلى
قبرها" إخراج مشترك بين السوريين هالة عبد الله وعمار البيك، يتحدث عن
علاقة الإنسان بالفن وبالمعتقل السياسي من خلال تجارب خاضها زوج هالة عبد
الله الفنان التشكيلي المعروف.
ومن اليمن
هناك "أمنية" من إخراج خديجة السلامي التي تقدم فيلما جريئا عن فتاة تدعى
"باسم" يحكم عليها بالإعدام لذنب اقترفته، لكنها تدعي البراءة، ويتم من
خلال الكشف عن قصتها كشف قصص أخرى لسجينات أخريات، وحياتهن داخل السجن.
وهناك
"البنات دول" فيلم تسجيلي عن المراهقات اللاتي يعشن حياة مزرية في شوارع
وأزقة القاهرة الفقيرة، في مناخ من العنف وقسوة الحياة.
ولم يخل
قسم "ليال عربية" الذي افتتح بفيلم "خيانة مشروعة" من تناقض واضح في
الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية، ومن التباين الصارخ في تعاطي الأفلام
المختارة مع واقع المجتمع العربي.
ويعرض
"خيانة مشروعة" للمخرج المصري خالد يوسف لتناقضات النفس البشرية، عن طريق
جريمة قتل تقودنا لكشف واقع المجتمع وتغييراته وتأثير ذلك على المجتمع
وسلوك أفراده والعلاقات داخل الأسرة الواحدة.
أفلام
قصيرة من لبنان
وفي فئة "موزاييك"
حضرت من لبنان مجموعة أفلام قصيرة تتراوح مدتها بين 30 ثانية و3 دقائق قام
بإنجازها سينمائيون لبنانيون تحت العدوان الحصار الإسرائيلي الأخير على
لبنان.
ويعرض
فيلم المخرج "كوستا غافراس" "صديقي الكولونيل"، وهو عبارة عن دراما تاريخية
تدور حول اغتيال كولونيل في الجيش الفرنسي في الجزائر بعد الحرب العالمية
الثانية. ومن السعودية عرض "ظلال الصمت" للمخرج عبد الله المحيسن، وهو أول
فيلم سعودي، وتدور أحداثه في كواليس السياسة في الوطن العربي، وذلك عندما
تتحكّم السلطات في مصائر الشعوب.
كما يحتفي
المهرجان بأفلام إماراتية في قسم "إماراتيون واعدون" حيث عرض فيلم "أحمد
سليمان" الذي يغوص في شخصية مهمشة مجتمعيا. فيما يعود بنا فيلم "الحلّة"
إلى الذاكرة الشعبية والطفولة في لعبة أصبحت اليوم مجرد ذكرى، فيما تغزو
الألعاب الإلكترونية ذاكرة الأطفال، ويتصيّد "كان يا بذرة" حياة شجرة صغيرة
تتلمس خطواتها الأولى... إلخ من أفلام إماراتية واعدة مثل "أسرار سارة" و"عربانة"
و"سماء صغيرة".
أفلام
عالمية
ويلحظ أنه
غلبت على أفلام السينما العالمية أفلام هوليوود، من ضمنها فيلم "هوليوود
لاند"، وتدور أحداثه حول الانتحار الغامض للنجم التلفزيوني "جورج ريفز"
الذي تألق في دور سوبرمان على مدى بضع سنين.
أما فيلم
"القرار لكم" فينتقد الهستيريا التي تجتاح هوليوود كلما اقترب موعد إعلان
جوائز الأوسكار. في حين يكشف فيلم "بلاد الوجبات السريعة" مخاطر الهامبرجر
والبطاطس المقلية.
وتتمثل
إيران بفيلم "جاء الشتاء" الذي يشكل قصيدة بصرية حول البؤس واليأس،
والأرجنتين في فيلم "الوصي" الذي يرسم صورة أخرى لليأس، ومن روسيا فيلم
"الجزيرة" الذي يرسم صورة قوية عن الخطيئة والتوبة، بينما تقدم رومانيا
صورة نقدية ساخرة لثورة 1989 في فيلم "الساعة 12,08 شرقي بوخارست".
"موت
الرئيس" و"بوبي"
وحظي فيلم
"موت الرئيس" من إخراج وتأليف وإنتاج "غابرييل رانج" بجمهور عريض، وهو فيلم
لم يمر في دور السينما الغربية من دون أن يحقق أثرا كبيرا على الصعيد
الجماهيري والنقدي.
الفيلم
يستعرض أحداثا من الخيال الواقعي تتنبأ باغتيال "جورج بوش" الرئيس الحالي
على يد أحد أفراد تنظيم القاعدة، ثم يستعرض لاحقا الأحداث التي تجري بناء
على ذلك، ولا سيما بعد أن غاصت أمريكا في مستنقع العراق.
وقد وفَّر
الفيلم لمشاهديه فرصة مقاربة بعض أوجه الانتقادات الأوروبية والعالمية
الحادة للسياسة الأمريكية، وقد لاقى الفيلم ترحيبا لدى بعض الأحزاب
اليسارية أو الليبرالية في الغرب من ضمن الموجة التي بدأت تكبر منددة
بسياسات بوش غير الصائبة.
ولم يكتف
مخرج الفيلم الحائز على جائزة أفضل الأفلام المستقلة في مهرجان تورونتو
السينمائي الدولي لعام 2006، لم يكتف بخط واحد في عرض أفكاره بل أراد أن
يوسع من رؤية الفيلم الفكرية متعرضا لعدد من الأحداث التي يرى فيها تدخلا
سافرا للسياسة الأمريكية في حياة الشعوب وتحديدا الدول العربية.
وكان فيلم
الافتتاح "بوبي" للمخرج الأمريكي "إميليو إستفيز" مثيرا بالقضية التي
يطرحها؛ فهو يروي قصة نحو 22 شخصية كانت في فندق "أمباسادور" في لوس أنجلوس
ليلة مقتل السيناتور الأمريكي "روبرت كنيدي" عام 1968، مدللا على أن
الاغتيال لا يصيب الأجساد فقط بل والأرواح أيضا، كما يتعرض للكثير من
القضايا المهمة التي شغلت المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت مثل العنصرية
والتمييز ضد المرأة وصراع الطبقات.
الأطفال
بتوقيع عالمي
وتتميز
هذه الدورة بتقديمها العرض الأول لـ 48 فيلما ضمن قسم سينما الأطفال، من
بينها فيلم "الأطفال المجهولون" الذي أريد به جسرا ثقافيا وخيريا حاز على
اهتمام الجمهور، لا سيما كونه منتجا بتوقيع مخرجين عالميين.
ويقتحم
الفيلم عالم الأطفال ضحايا الفقر والحروب والمرض والاستغلال اللاإنساني،
عبر جمع 7 قصص في 7 أفلام قصيرة لـ 7 مخرجين معروفين، ستعود عائداتها
لأطفال النيجر.
أما
الأفلام فهي "تانزا" وهو يقتحم حياة أطفال الميليشيات المسلحة في تانزانيا،
و"الغجرية الزرقاء" الذي يتناول حياة أطفال الغجر المجبرين على احتراف
السرقة لتأمين معيشة أهلهم، و"أولاد يسوع الأمريكيون" ويتناول مرض الإيدز
الذي يفتك بأطفال أمريكيين. و"بلو وجواو" الذي يحكي قصة الأطفال
البرازيليين الذين يعتاشون من بيع ما يجدون في القمامة. و"جوناثان" الذي
يعرض بطريقة سريالية ظاهرة الأطفال ضحايا الفقر والحرب والتشرد. و"سيرو"
الذي يروي قصة أطفال نابولي الذين يعيشون في الشوارع. و"سونغ سونغ والهرة
الصغيرة" الذي يتناول مآثر تحديد النسل في الصين بمقارنة حادة بين طفلة
تعيش حياة رفاه وأخرى لقيطة وجدها متسول ملقاة في القمامة.
"بابل"
للختام
وسيستمر
في أيام المهرجان المتبقية عرض مجموعة من الأفلام تدور حول التواصل
والتفاهم مع الشعوب وتشجيع العلاقات الإنسانية في عالم حافل بالتوتر
والنزاعات حيث كان المهرجان قد قدم عددًا من الأفلام المتميزة في دورته
السابقة، مثل "عيد ميلاد سعيد" الذي يستعرض انهيار السلام قبيل الحرب
العالمية الأولى، وفيلم "الغبار الأحمر" الذي يعرض لمواجهة الحقيقة والصلح
في جنوب إفريقيا، و"أن تكون أسامة" الذي يسلط الأضواء على المحنة التي
يعيشها الكنديون ممن يحملون اسم "أسامة".
وفي هذا
السياق سيكون فيلم الختام "بابل" للمخرج المكسيكي "أليخاندرو جونزاليس"؛
فهو يروي على مدار نحو ساعتين ونصف الساعة 3 قصص تدور في المغرب واليابان
والمكسيك عارضا الهوس الأمني الذي يجعل مصادفات أو أعمالا غير مقصودة تتحول
إلى كوابيس، تقيم الدنيا ولا تقعدها لتسري أنباء عن "إرهابيين" يهددون
العالم.
الفيلم
يذكر بمدى التأثير المتبادل للعلاقات والأحداث الفردية على العالم أجمع،
وإن كان بشكل فيه نوع من الخيال؛ فرصاصة أطلقها طفل مغربي عابث دمرت أسرة
أمريكية وأثارت فوضى ومخاوف أمنية كبيرة في دول عدة بفعل هواجس الأمن
ومحاربة الإرهاب.
ومن أفلام
هذه الفئة الفيلمان الوثائقيان للمخرجين "ستيفن أولسون" و"بول سمازني" "صوت
الروح" و"المعرفة هي البداية"، حيث يعرضان كيف تستطيع الموسيقى أن تشجع
الناس على التحاور وبناء صداقات حقيقية.
وفي
الدراما الاجتماعية "ثمن الاسم" للمخرجة الهندية "ميرا ناير" نشاهد ضياع
أسرة مهاجرة بين حضارتين مختلفتين. أما فيلم "عرب السينما الأشرار" فيشرح
دور الموروث الثقافي الذي يصنعه الإعلام المضلل في تكوين صور وقناعات نمطية
مغلوطة عن الناس والحياة. كما يعرض "نقطة الالتقاء" شخصيات تعيش على طرفي
نقيض من الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي".
"مصرع
شاروخان"
ومن ضمن
فعاليات المهرجان كان تكريم الهندي نجم بوليوود "شاروخان" من خلال تقديم
فيلم عن مصرعه "مصرع شاروخان" من إنتاج باكستاني، جاء هذا وسط حماسة
للجالية الهندية المقيمة في دبي التي تابعت فيلمي "شالتي شالتي" و"ماين هون
ما".
ويحاول
الفيلم التركيز على مسألة التوتر السياسي بين الهند وباكستان، والتـأثير
الكبير الذي تلعبه الميديا الهندية على الشارع الباكستاني وتحديدا تأثير
صناعة السينما الهندية على ملايين المراهقين في باكستان.
ويعرض
برنامج "المقهى الأوروبي" أفلاما سينمائية من مراكز الإنتاج السينمائي
الأوروبي، أما "إطلالات على آسيا" فيضم أفلاما من بلدان دول الشرق الأقصى
بآسيا مثل اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية.
وعرض
المهرجان أفلاما من شبه القارة الهندية، أما برنامج "على شرف إفريقيا" فعرض
أفلاما من إفريقيا، بالإضافة إلى فقرة خاصة بـ"عالم السينما المعاصرة" عرض
خلالها أفلاما من دول رومانيا وروسيا وإيران والأرجنتين.
|